الشَّيخ عمَّار بن الأزعر القماري السُّوفي -رحمه الله 2024.

أعلام منسية :

الشَّيخ عمَّار بن الأزعر القماري السُّوفي -رحمه الله-

بقلم :
الشَّيخ سمير سمراد -حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

هو الشَّيخ : عمّار بن عبد الله بن الطّاهر ابن أحمد بن محمَّد الهلالي القماري السُّوفي الجزائري ثمَّ المدني الشَّهير بعمَّار الأزعر
هو : (الهلالي) ، نسبةً إلى (بني هلال) ، ولا يخفى (ما لهذه العائلة –عائلة الهلاليين- من الشُّهرة والمجد بين العرب منذ دخولهم بإفريقية سنة 446هــ) (1)
هو : (القماري السوفي) ، و(قمار) (2) بلدة من بلدان (سوف)
يقول الشَّيخ محمَّد السَّعيد الزَّاهري -وهو يردُّ على من زعم : "أنَّ أهالي "وادي سوف" هم بربر" : "وإنَّ السوافة هم عرب ، وأبناء عرب -والَّذي يعرف "سوف" كما أعرفها أنا لا يستطيع أن يشكّ في عروبتها – يوجد في "عربية سوف" كلمات بربرية هي أسماء أعلام لبعض الأمكنة أو لبعض أنواع التَّمر ، من ذلك كلمة "سُوف" نفسها ، ومعناها "الوادي" ، "وتكسبت" ، "وتاغزوت" ، عَلَمَيْن لبَلْدَتين في "سوف" ولكن ذلك كلّه من قبيل الأعلام ، والأعلام لا تتغيَّر (3)

*-مولده :
يقول في ترجمةٍ لنفسه كتبها لمحمَّد سعيد دفتردار : "ولدت في بلدة قمار ، في عام 1316هــ ، ونشأت في عائلة فقيرة إلاَّ من الإيمان بالله" (4)

*-نشأته علمية :
يقول : "ثمَّ ابتدأت احفظ القرآن الكريم وأنا في سنّ مبكِّرة من حياتي في بلدة "فلياش" قرية من قرى بسكرة ، وأتممت حفظه في بلدة سيدي عقبة بجنوب الجزائر ، ثم رجعت إلى مسقط رأسي ، ولـمَّا لم أجد ما كنت أصبو إليه من طلب العلم استعنت بالله ورحلت إلى تونس مشيًا على الأقدام بصحبة والدي ، وقد تكبدت مصاعب كثيرة عظيمة يهون أمرها على من طارت به الأشواق في طلب العلم والاكتراع من معينه الزُّلال ، ودخلت توا جامع الزَّيتونة ، وانخرطت في سلك التَّعلم وذلك في سنة 1334هـــ …. " (5)

*-شيوخه في تونس :
يقول الشَّيخ عمَّار : "ومن فضل الله عليَّ أنِّي أدركت الكبار من هؤلاء العلماء منهم : الشَّيخ الصَّادق النيفر الملقَّب بسفينة الفقه ، … الشَّيخ أبو الحسن النجَّار … الشَّيخ الزغواني … الشَّيخ عثمان ابن المكي التوزري … الشَّيخ الطَّاهر بن عاشور … الشَّيخ عبد العزيز جعيط … الشَّيخ محمَّد بن القاضي … الشَّيخ محمَّد الجدمي البنزرتي … وقرأت على غير هؤلاء … وبعد تمام الدِّراسة في تسع سنوات تخرَّجت بشهادة التَّطويع المعادلة لشهادة العالمية يومئذ وذلك سنة 1343هـــ" إ.هـــ (6)

*-دروه في الحركة الإصلاحية :
"بعدما تخرَّج الشَّيخ عمَّار من جامع الزيتونة ونال الإجازة منه قرَّر العودة إلى بلدته وهو مليء بالعلم وبرأسه أفكار إصلاحيَّة كثيرة ، وما لبث أن استقرَّ حتَّى بدأ يلقي دروسًا بمسجد السَّوق العتيق ، وبدأ بتغيير المعتقدات الَّتي كانت موجودة رويدًا رويدًا ، من ذبح ونذر وتقديس ، وكان يواجه بالصَّدِّ ، ولكنَّه بروح الصَّبر والجلد استطاع أن يغيَّر الباطل ويعرف النَّاس معنى "لا إله إلا الله محمَّد رسول الله" وقد ركَّز على التَّوحيد والفقه الإسلامي والتَّاريخ وعلوم اللُّغة العربيَّة من نحو وصرف وبلاغة وعروض وشعر ، وأصبح يؤمُّ حلقته جمع غفير من الكبار والصِّغار ، وبدأ الوعي الدِّينـي ينتشر … " (7)

*-الحالة العلميَّة في منطقة "سوف" :
بعث مكاتبٌ من بلدة "تبسة" (سنة 1346هــ / 1927م) إلى جريدة "النَّجاح" القسنطينيَّة ، بهذه الكلمة الَّتي نشرت ، تحت عنوان "من تبسة إلى قمار" : "سعادة السَّيِّد مدير جريدة "النَّجاح" … وبعد : فنطلب من سيادتك أن تنشر على لسان جريدة "النَّجاح" ما هو واقع بقمار ، في مدَّة ثلاثة أعوام مضت منَّ اللهُ على هذه البلدة بالفقيه النَّبيه العالم العلاَّمة السَّيِّد عمَّار بن الأزعر المتطوِّع بالزَّيتونة (8) فبث علمه في البلدة فجزاه الله عنَّا كلَّ خير ، والأهالي فرحون مستبشرون مسرورون بهذا البدر الطَّالع الَّذي أضاء على "قمار" ونواحيها ، وقد اتَّفقت أهالي البلدة على مبلغ (307) فرنكًا يجازونه بها قس كلِّ سنة ، فأنجزوا ذلك في السَّنة الأولى والثانية وتأخَّروا بعد ذلك ، مع أنَّ سكان البلدة (7500) نسمة ، وكثيرهم أغنياء وتجَّار ولا يعلمون أنَّ شرف نفوسهم وشرف أبنائهم العلم ، وبالعلم سادت الأمم … وبهذا الجواب نتقدَّم إلى أصحاب الغيرة الإسلامية والهمَّة العالية … " ، (ميدة علي بن عمار – تبسة ) (9)
ثمَّ بعد مضيّ نحو سنة ، نشرت "النَّجاح" لمكاتبها الخاص : "عن بلاد الصَّحراء ، وادي سوف بعد عامين ، نظرة عموميَّة في الحالة الرَّاهنة ، قال عن الحالة العلميَّة : "أمَّا الحالة العلميَّة فهي خائبة للنِّهاية بحيث لا يوجد في "الوادي" كلّه وفي "الزقم" و"البهيمة" و"الدبيلة" و"حاسي خليفة" و"الدرميني" مدرِّس غير "قمار" الَّتي يوجد بها العالم المتطوِّع الشَّيخ عمَّار بن الأزعر الَّذي كنَّا نشرنا مقالاً عن زهد أهل "قمار" فيه وتهاونهم بحقوقه في الصَّائفة الفارطة ، فكان الأمر أن جمعوا فضلاءهم وجدَّدوا عنايتهم به … " (10)
لقي الشَّيخ عمَّار في سبيل نشر دعوته ، عدَّة متاعب ، واعترض طريقه سلطتان : "السُّلطة الاستعمارية" و "السُّلطة الطُّرقيَّة" ، وقد أجبرتا الشَّيخ على مغادرة "قمار" مهاجرًا ، يصف الدُّكتور أبو القاسم سعد الله تلك البيئة بقوله : "الجهل مطبق ، والطُّرقيَّة مستحكمة ، والاستعمار بواسطة القائد مُسيطر ومخيف ، يضاف إلى ذلك تقاليد بالية وعقليَّات جافة" ، فهي إذًا ظروف كلُّها ضدّ العلم وأهله ولا سيَّما إذا كان من المصلحين" (11)
ويقول : " أمَّا النُّفوذ الرُّوحي (الدِّيني) في "سوف" فقد كان في أيدي الطُّرق الصُّوفيَّة الَّتي من أهمِّها في أوائل القرن العشرين : القادرية ، والتِّجانية ، والرَّحمانيَّة والشَّابية … " (12) ، "وكان الفرنسيُّون يحكمونها عن طريق المكتب العربي (بيرو عرب) وباعتبارها من مناطق الجنوب (13) هم العسكريُّون ، والحكَّام في الشَّمال مدنيُّون ، و (بلدة قمار من الدَّائرة العسكريَّة بعمالة قسنطينة) ، وناهيك بجوِّ الحكم العسكري القاسي .
وكما قاوم الشَّيخ عمَّار الانحراف الدِّيني ، فإنَّه عمل على إحباط مخطَّطات الاستعمار الفرنسي ، فإنَّه "لم يخضع لأحكامهم الجائرة وغاياتهم السَّيِّئة في نشر الفساد في [هذه] البلاد الإسلامية ، وأخذ الشَّيخ في نشر دعوته سرًّا بين أتباعه لمقاومة الاستعمار ، وأخذ بنشرها بين المواطنين الَّذين استجابوا لدعوته واتَّبعوه ، وعندما يشعر الفرنسيُّون بمبادئ الحركة يقبضون على الزُّعماء ويلقونهم في المعتقلات أو يقتلونهم ، ولكن كلّ هذه الأحداث لم تضعف عزم شيخنا في نشر العلم والدَّعوة إلى الله" (14)

*-الشَّيخ عمَّار من مؤسِّسي جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين :
تأسَّست جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين في 17 ذي حجة الموافق لــ : 5 مايو 1931م
وخططَّت لمشروع عظيم منظَّم في سبيل تطهير عقيدة الجزائريِّين ، وإصلاح ما فسد من دينهم وأخلاقهم ، وفي سبيل بعث العربيَّة من موتها وإعادة مجدها ، ونهضة الجزائريِّين في شتى مناحي الحياة ، ودُعي لها جميع علماء القطر الجزائري وفقهائه ، وقد حضر الاجتماع التَّأسيسي نحو (73) عالـمًا وفقيهًا ، ممثّلين لكلِّ جهات الوطن
وقد شارك الشَّيخ عمَّار بن لزْعر في الاجتماع التَّأسيسي لجمعية العلماء سنة 1931م ، بنادي التَّرقِّي بالعاصمة ضمن الوفد الَّذي حضر من "سوفّ بمعيَّة الشَّيخين : الأمين العمودي ، وحمزة بوكوشة (15)

*-رئيس شُعبة جمعية العلماء في "قمار" :
تحت هذا العنوان كتب "الطَّاهر التليلي" [أحد تلاميذ الشَّيخ عمَّار في "قمار"] عن نهضة القماريين وتأسيسهم لجامعهم الحرِّ ومدرستهم القرآنية بعد نهضتهم الإصلاحية ، ثمَّ ذكر أبرز أبطال هذه النَّهضة ، وهم : " …. والأستاذ الكبير الشَّيخ عمَّار بن الأزعر المدرِّس بها .. وغير هؤلاء كثير … " ، لم تدم فرحة القماريين إلاَّ قليلاً ما نال جميع المصلحين من معاملات الاضطهاد وقوانين التَّعسُّف (16)

*-غلق مدرسة "قمار" :
وكان من نتيجة ذلك أن : أغلقت الحكومة مكاتب ومدارس للتَّعليم الإسلامي والعربي لمجرَّد انتماء المعلَّمين للجمعيَّة ، ومنها : "مدرسة قمار"
وكتب الأستاذ الأديب حمزة بوكوشة عن جولته في بعض جهات الوطن ، ومنها زيارته لبلدة "قمار" سنة 1932م ، في جريدة "الوزير" التُّونسيَّة ، فقال : " ..بلدة "قمار" وهي تبعد عن الوادي 18 ميلاً ، وبقمار حركة علميَّة لتعليم الشُّبان والشُّيَّب ، قضى عليها أعداء العلم في مهدها خوفًا من شروق شمس الحقيقة فتكشف ستارهم ، وقد استعانوا بسلطة الحكومة في إخفائها ، ولكن أنَّى لهم القضاء عليها واقتلاعها من القلوب بعدما أتت هذه الحركة أكلها ضعفين !! … وقطب الحركة الإصلاحية بقمار هو الأستاذ "عمار الأزعر" الَّذي أوذي في الله وعزَّزه أفاضل القرية وقاضيها ودائرته وقائدها ، وما ضعفوا وما استكانوا" (17)

*-محاربة التبرُّج في "قمار" :
وممَّا تجنَّد له المصلحون ، وعملوا على القضاء عليه : التَّبرُّج وترك الحجاب ، "وقد كان السُّفور ببلدة "قمار" منتشرًا بأتمَّ معناه فقاومته هذه الفئة القليلة حتى اقتلعته من جذوره{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الزمر:249] ، فلقيت في سبيلها مصادمات عنيفة من صوفيَّة العصر … وقد لمح لها بأبسط ممَّا هنا صاحب كتاب "الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير" ، هذا ما كتبه الأستاذ بوكوشة ، وأمَّا صاحب الكتاب الذي أشار إليه ، فهو الشَّيخ السعيد الزَّاهري (18)

*-ما لقيَهُ من اضطهاد ومضايقات :
"لقد لقي الشَّيخ عمَّار الكثير من المتاعب ومن هذه الحوادث الَّتي وقعت له : أنَّ أهل الباب الشَّرقي كانوا أحبابًا -وموالين- لأهل البدع والخرافات ، وكان منزل الشَّيخ في "القج" بالباب الشرقي ، فكانوا يمرُّ أحدهم بمنزله يرمي الحجارة وسط فناء بيته ممَّا أدَّى إلى إيذائه ، وكانت زوجته وأولاده لا يخرجون إلى وسط الفناء إلاَّ الضَّرورة ، ويمشون تحت الحائط من بيت لآخر خوفًا من الأذى ، وفضلاً عن ذلك كانت تتحطم لهم الأواني التي يملؤون فيها الماء وهي القلل ، وكان رحمه الله في كلَّ يوم يخرج في حجره الحجارة الَّتي كانوا يرمونها في منزله ، ولم يكتفوا بذلك فأطلقوا عليه أذنابهم وشعرائهم يشنونه …" (19) ، وتكرَّرت ضدَّه الوشايات والسعايات الكاذبة ، الَّتي كادت تزج به في المعتقل والسِّجن ، لولا أنَّ الله سلَّمه ، وأخطرها : "أنَّه يحرِّض النَّاس على فرنسا"

*-هجرته إلى البلاد المقدسة :
يقول الدُّكتور أبو القاسم سعد الله القماري : " كان الشَّيخ عمَّار من أنصار الإصلاح ومن مؤسِّسي جمعية العلماء ، ولكنَّه وجد مضايقة كبيرة من أنصار الإدارة الفرنسيَّة ومن بعض الطُّرق الصُّوفيَّة المحليَّة فلم يسعه إلاَّ مغادرة "قمار" سنة 1937م (20) ، " وقال في موضع آخر : "هاجر إلى المدينة سنة 1385هــ – 1937م " (21) فهاجر منها إلى الحجاز حيث عاش الناس في المدينة المنوَّرة مدرسًا بالحرم النَّبوي إلى وفاته " ، وجاء في كتاب "أعلام من أرض النُّبوَّة" ذكرٌ لهذه الهجرة ، قال : "وفي عام 1352هـــ ودَّع الشَّيخ عمَّار مسقط رأسه لزيارة البقاع القدَّسة ، وأداء فريضة الحجِّ ، وبعد أداء المناسك رجع إلى "قمار" ، بعد ذلك قرَّر قراره : أن لا بقاء في ذلك الوسط الجاحد ولابدَّ من الهجرة ، وذلك خوفًا على أهله وذريَّته من الفتن ، وكان ذلك في عام 1353هــ حيث هاجر مع جمع غفير إلى البلاد المقدسة ، كان خروجه من بلاده بمشهد غفير عظيم اجتمع فيه كثير من النَّاس ، فمنهم الفَرِح بخروجه ، ومنهم الباكى ، لـمَّا كان وقت رحيله صعد له بعض أعدائه إلى السَّيَّارة وطلبوا من المسامحة وناشدوه القرابة والرَّحم ، فقال لهم : لقد أخرجتمونا وقاومتمونا ، الله بيننا وبينكم ، نعم الولى ونعم الوكيل ، ثمَّ سار الرَّكب … "

*-ماذا في "قمار" و"سوف" بعد الشَّيخ عمَّار :
يقول سعد الله : "ورغم دور الشَّيخ الأزعر في نشر التَّعليم ومبادئ الإصلاح فإنَّ غياب هذا الشَّيخ قد ترك فراغًا كبيرًا في "قمار" و"سوف" عمومًا في النَّهضة الإصلاحية ، ومن حسن الحظِّ أنَّ وفدَا من العلماء برئاسة الشَّيخ عبد الحميد ابن باديس قد حلَّ في "سوف" سنة 1937م وتجوَّل في بلداتها وألقى الدُّروس في مساجدها … " (22)
وهل أتاك نبأُ ما أقدمت عليه السُّلطات الفرنسيَّة في "وادي سوف" [18 أفريل 1938م] من التَّرويع الفظيع ، ومحاصرة البلد ، وتطويقه بالجنود والمدافع ، وصُبَّ على أهله العذاب ، وذاقوا ما ذاقوا ، في أيَّام سوداء حالكة ، سببها مكيدة دبِّرت لأهل سوف ، بعد نهضتهم العلميَّة الدينية ، فأُلصقت بهم تُهَم الثورة والانتفاض (23) ، وقد تناقلت جريدة "النَّجاح" – المعادية لجمعية العلماء ، والموالية للاستعمار وأذنابه الطُّرقيِّين – هذه الأخبار والشَّائعات ، ومن ذلك : " … تفيد أنباء وادي سوف أنَّ المهيجيِّن من أتباع جمعيَّة العلماء وزَّعوا أوراقًا مطبوعة وخالية من اسم المطبعة تحت هذه المناشير العامَّة على الجهاد في سبيل الله … " إلخ .
وقد نشرت "البصائر" [العدد (116) : 4 ربيع الأول 1357هــ / 3 ماي 1938م / ص:3] مكاتبةً تحت عنوان : " وفي قمار "سوف" رجال الإصلاح يسامون بالذُّلِّ والهوان ، بإمضاء "جماعة من قمار" يشكون فيها ما أقدم عليه بلدتهم من اضطهادهم على "إثر حوادت الاعتقال" حيث يقولون : "وجد قائد قمار فرصة الانتقام من المصلحين …" إلخ ، ويذكر بعض أهالي قمار : أنَّه قد هاجر من الكثيرون ، إلى الحجاز خصوصًا ، عقب تلكم الحوادث
وبعد هذا العرض ، نعود لنذكِّر بدور الشَّيخ "عمَّار" في نهضة "سوف" فهو الَّذي غرس بذور الإصلاح في "قمار" و"سوف" عمومًا ، وقد سُلَط الأذى من بعده على تلاميذه ، وحاملي فكرته ومؤيِّدي دعوته .

*-بين الشَّيخ عمَّار والشَّيخ مبارك الميلي :
أثناء توليّ الشَّيخ مبارك لإدارة "البصائر" ، تسلَّم رسالةً خاصة في موضوع خاصٌ ، من الشَّيخ عمَّار ، قال عنها : " بلغتنا رسالة من الأخ الشَّيخ عمَّار بن الأزعر رئيس شعبة قمار سابقًا والمدرِّس الآن بالحرم المدني بمدرسة العلوم الشَّرعيَّة [تاريخ نشر هذا الكلام في : 27 ربيع الأول 1357هـــ / 27 ماي 1938م]
وكان بين الشَّيخ مبارك الميلي والأستاذ عبد القدُّوس الأنصاري صاحب مجلَّة "المنهل" الحجازية ، ومحرّرها ، والمدرِّس بمدرسة العلوم الشَّرعيَّة ، ومكاتبات واتِّصالات ، تحوَّلت إلى صداقة ، ورابطة متينة ، ففي إحدى مكاتباته ، المؤرَّخة في : 20 ذي القعدة 1356هـــ الموافق 1938م ، وكان مضمون الرِّسالة ، إهداء الشَّيخ مبارك الميلي كتابه "الشِّرك ومظاهره" للملك عبد العزيز ، ونجليه الملكين : سعود وفيصل ، وشيخ الإسلام في عهد الملك عبد العزيز : "الشَّيخ عبد الله ابن حسن آل الشَّيخ" ، وكان ذلك باقتراح من الأستاذ أحمد رضا حوحو (24) ، يقول الشَّيخ مبارك : "4- وذكرتم عناية الأخوين أحمد رضا والشَّيخ عمَّار بالحركة الإصلاحيَّة عامَّة ورسالة الشِّرك خاصَّة ، ولا شيء يبعث على الثِّقة بمستقبل النَّهضة العربيَّة الإسلاميَّة مثل الشُّعور بانتشار روح التَّضامن والتَّناصر " ، وقال في آخرها : "والسَّلام عليكم وعلى الأخوين الشَّيخ عمَّار والسَّيِّد أحمد رضا … " (25)

*-من تلاميذ الشَّيخ عمَّار في المدينة :
1- الشَّيخ حمَّاد الأنصاري (1344هــ -1418هـــ): يقول عن المشايخ الَّذين درَّسوه في المدينة : "إمَّا في المدينة النَّبويَّة لما انتقلت إلى المدينة فقد دخلت في حلقات مشايخ كثيرين …، منهم .. عمَّار المغربي …" (26) ، ويقول في آخر لسائلة : " … وعمَّار المغربي تسمع به ؟ عمَّار المغربي يدرسنا في "صحيح البخاري" و"جامع الترمذي" … " (27)
ويقول : " كلُّ هؤلاء كانوا يدرِّسون في الحرم النَّبوي وفي "دار العلوم" ، وأنا أحضر دروسهم سواءً في الحرم النَّبوي وفي دار العلوم الشَّرعيَّة … "
2- العلاَّمة المحدِّث : عمر بن محمَّد بن محمَّد بكر الفُلاَّني ، الشَّهير بفُلاَّته (1345هــ-1419هـــ) انتقل إلى المدينة المنوَّرة في العام الَّذي يلي ولادته عام 1346هـــ ، ونشأ فيها وترعرع ، ثمَّ دخل دار العلوم الشَّرعيَّة بالمدينة عام 1361هـــ ، " وأبرز شيوخه هم : الشَّيخ عمَّار الجزائري ، درس عليه في المرحلة العالية ، في دار العلوم الشَّرعيَّة ، ومنهم : "الشَّيخ المعلِّم محمَّد جاتوا الفلاني ، قرأ عليه أكثر متون المذهب المالكي ، وبعض شروحها فقرأ عليه "مختصر خليل"بشرح الدّسوقي ، و"أقرب المسالك" بعضها عليه وبعضها على الشَّيخ عمَّار الجزائري " (28)

*-بين الشَّيخ عمَّار والشَّيخ الإبراهيمي :
يذكر الأستاذ محمَّد الغسيري في رحلته المشرقيَّة ، الَّتي نشرت في "البصائر" في حلقات ، عن رحلته "في البلاد العربية السُّعودية : في المدينة المنوَّرة "18" " ، أثناء مرافقته للأستاذ الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء ، الَّذي كان حينها في الحجاز سنة 1371هــ / 72 هـــ -حج 1952م ، عن لقاءاتهم بالعلماء والأعيان : "وفي المدينة اجتمعنا بكثير من أخيارها العلماء أمثال الشُّيوخ : عمر بري ، ومحمد الحافظ ، وعمار بن الأزعر ، … وغيرهم من أعلام الرِّجال بالمدينة ومنهم بعض إخواننا المغاربة … " (29) ، وفي موضع آخر (30) ، يذكر عن زيارتهم في جُدة ، يقول : " اجتمعنا بكثير من الشَّخصيَّات البارزة كـــ ، الشَّيخ عمَّار ابن الأزعر الجزائري الموظّف بمدارس الحجاز … "

*-بين الشَّيخ عمَّار والشَّيخ العربي التَّبسِّـي :
كما اتَّصل الشَّيخ العربي التَّبسِّـي ، حينما قدم الحجاز في حج 1954م ، بالشَّيخ عمَّار ، وغيره ، ففي رسالة بعث بها الشَّيخ العربي إلى بشير كاشة ، جاء في آخرها : " … أخي ! نُب عليَّ في إبلاغ تحيَّاتي إلى كلِّ من عرفته وعرفني إيَّام إقامتي بمدينة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم ، من رجال العلم والفضل وشرائع المروءات ، شيوخ مدرَّسين ، وأفاضل جزائريِّين وغيرهم ، وعلى الأخص أخانا الأستاذ عمَّار بن عبد الله … " (31)

*-الشَّيخ عمَّار وثورة التَّحرير الجزائريَّة :
كان للإبراهيمي دور كبير في تحريض الجزائريِّين الَّذين بالمشرق على الجهاد [بالمال] في تحرير الوطن ، وقد كان يعمل مع بعض كبار الشَّخصيَّات الجزائريَّة السَّاكنة في المشرق ، على توحيد الجهود ، والعمل بجديَّة ، وعلى جمع كلِّ القوى ، وكان الواسطة بينه وبين الجزائريِّين في الحجاز ، العلاَّمة السَّلفي الشَّيخ عمَّار ابن الأزعر ، إذ كان له دور كبير في تحريكهم ، مع غيره من أفاضل الجزائريِّين ، وممَّن قاموا بالواجب الجليل الأستاذ بشير كاشة (32) ، وقد حفظ لنا رسالة عزيزة ، بعث بها الإبراهيمي من القاهرة في 8 شوال 1374هـــ / 29 ماي 1955م ، يقول فيها :
" الأخ المحترم العلاَّمة السَّلفي سيدي عمَّار ابن عبد الله بن الأزعر ، أبقاه الله للخير والرَّحمة ، بلغتني اليوم رسالة من إخواننا الجزائريِّين ، لا أشكُّ في أنَّكم السَّبب الأوَّل في تحرِّيهم لهذه المنقبة الَّتي تضمنتها رسالتهم وهي التَّأثُّر بحالة وطنهم والاهتمام البليغ بما يجري فيه ، فلا تسل أيُّها الأخ العزيز بفرحي لهذه الهزَّة الَّتي لا أستغربها في الجزائري … ولقد دمعت عيناي تأثُّرًا بهذه الأريحية وهذه الغيرة ، لقد أخذوا رأيي في كيفية أداء واجبهم ، وأنا موافق بل محرِّض على هذه الأعمال الجليلة خصوصًا وهم معترفون بفضلكم ، وعاملون بإرشادكم وتوجيهكم ، وتحت رئاستكم ، وهل يعقل أن أتسبَّب في حرمان جزائري من الجهاد في تحرير الوطن ، وأعتقد أنَّكم تقرؤون "البصائر" بانتظام ، وترون أنَّها جاهرت بالرَّأي الصَّريح ، والتَّوجيه الصَّحيح … وأنتم أوَّل من يعلم أنَّه : لولا جمعية العلماء ، وجرائدها … لما بقي في الجزائر إسلام ولا عروبة .. اشرعوا على بركة الله ، ونظموا شئونكم ، وشكلوا لجنة تكونون على رأسها ، … كونوا على اتِّصال دائم بي .. ، سلامي إلى جميع الإخوان الجزائريِّين ، أخوكم المشتاق " .
وقال في هامش الرِّسالة : "يبلغكم السَّلام العاطر والأشواق الحارَّة ، الأستاذ حمزة بوكوشة (33) ، وهو عندي منذ أسبوعين .. إذا كانت البصائر لا تصلكم بانتظام فأخبروني عزمًا (34) ، وعلَّق الأستاذ بشير كاشة على هذه الرِّسالة : يذكر أنَّه كان : " ضمن المجموعة الَّتي راسلت الشَّيخ الإبراهيمي رحمه الله المقيم وقتها في القاهرة ، والتمست منه أن يوجِّه جوابه لفضيلة الشَّيخ عمَّار بن عبد الله بن الأزعز السُّوفي الجزائري المقيم في المدينة المنوَّرة ، المتحصِّل على الجنسيَّة السُّعوديَّة ، المدرِّس النَّبوي الشَّريف ، فخصَّه الشَّيخ الإبراهيمي رحمه الله بهذا الجواب ، وسلّم لي الشَّيخ عمَّار … هذه الرِّسالة لمتابعة العمل طبقًا لتوجيهات الشَّيخ الإبراهيمي ، فاحتفظت بها ، وقد جاء وقت نشرها للاستفادة منها تاريخيًّا " (35)
وقد بعثتُ برسالة إلى الأستاذ بشير كاشة ، أطلب منه المزيد ممَّا يعرفه عن الشَّيخ عمَّار ، فتلقَّيت منه جوابًا مؤرخًا في : 8 ربيع الثاني 1445هـــ / 26 أبريل 2024م ، وفيه بعد السَّلام : " وبعد تسلَّمت خطابكم الكريم ، وسررت كثيرًا بما تضمَّنه من معلومات قيِّمة عن شيخنا وأستاذنا الكبير المغفور له –إن شاء الله- الشَّيخ عمَّار ابن عبد الله الأزعر .. ، فأنا لا أعرف عنه رحمه الله إلاَّ ما أشرتُ إليه في كتَّيب سلسلة أعلام بلادي محمَّد البشير الإبراهيمي رحمه الله صفحة 74 … هذا كلُّ ما كنت أعرف عن شيخنا رحمه الله وسجَّلته للتَّاريخ .. والدَّليل على أنَّه من رواد الحركة الإصلاحيَّة بالجزائر ، سؤال الإمامين الشَّيخين رئيس جمعية العلماء … سماحة الإمام محمَّد البشير … ، ونائبه الإمام الشَّهيد [إن شاء الله] العربي التَّبسِّـي رحمهما الله ، سؤالهما عنه ، وعقد اجتماعات معه حول الأوضاع السَّائدة وقتها في الجزائر المحتلَّة من السُّلطات الفرنسيَّة الَّتي تحارب التَّعليم العربي الإسلامي ، وتضطهذ المعلَّمين والأئمَّة بكلِّ قسوة ، ونشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريِّين في نشر التَّعليم العربي الإسلامي بالمدارس والمساجد ، وغير ذلك من شؤون البلاد الَّتي تدور أحاديثهم حولها " ، هذا ما تفضلَّ به الأستاذ –جزاه الله خيرًا-

*-وفاته :
" توفِّي الشَّيخ عمَّار في 28 من جمادى الأولى 1389هـــ .." على ما ذكره "دفتردار" ، أمَّا صاحب كتاب "أعلام من أرض النُّبوَّة" ، فيقول : " توفِّي رحمه الله في الثالث من جمادى الآخرة سنة 1389هـــ "

فائدتان :
1- قال الشَّيخ حمَّاد الأنصاري : " عمَّار الجزائري شيخي ، قلت له : أريد أن تكتب لي ترجمة لنفسك وقد مات وهو يدرِّس في الحرم ، وعمِّر طويلاً ، وكان رجلاً عظيمًا تسلَّمت منه ترجمةً لنفسه من يده ، وتوفي قبل عشر سنين ، قال عبد الأوَّل بن حمَّاد معلِّقًا : قال الوالد هذا الكلام عام 1412هـــ " (36)
قلت : ظهر لي أنَّه يقصد شيخه "عمَّار الأزعر" ، وإن كان الشَّيخ إنَّما عاش ثلاثًا وسبعين سنةً ، وكانت وفاته عندما قال : الشَّيخ حمَّاد ما قال ، قد مرَّ عليها نحوٌ من عشرين سنةً ، والله أعلم .
2- جاء في مقدمة الدُّكتور عبد الرَّحمن المزيني – المدير العام لمكتبة الملك عبد العزيز لــ : فهرس مخطوطات الحديث الشريف وعلومه في مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة ، إعداد عمَّار تمالت (ص:7) ، وهو يتحدَّث عن أهمية المكتبة :
" … جمعت فيها مكتبات عدَّة : مكتبات لبعض الشَّخصيَّات ، أمثال : … الشَّيخ عمَّار بن أحمد الأزعر الهلالي … " ، لكن صاحب كتاب "أعلام من أرض النُّبوَّة" قال : " لقد ترك الشَّيخ عمَّار مكتبة قيمة تحتوي على عشرات من تأليفه وتحقيقاته وفتاويه ، ولكن هذه المكتبة حرقت ولم يبق منها شيءٌ " إ.هـــ .
أقول : لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله ، لن أتساءل كيف ، ومتى حرقت ، ومن فعل ذلك ؟ ولكن : ماذا بقي منها في "مكتبة الملك عبد العزيز" ؟

الحواشي :
(1) : "النجاح" ، عدد (1729) 12 ربيع الثاني 1354هــ / 14 جويلية 1935م ،(ص:3) مكاتبة عن قمار
(2) : (القاف) من قمار قاف (معقدة) ، أو كما يقال : قاف (بدوية) ، وقد أفاد صاحب مقال : (هل القاف المعقدة عربية ؟) نشرت في "الشهاب" [مج7 ، ص:446-449] – نقلا عن ابن خلدون ، أنَّ هذا القاف المعقود (لغة مضر الأوّلين) ، كما أفاد مخرج هذا الحرف ( هو من مخرج الكاف)
(3) : جريدة "النور" : 3 محرم 1351هـــ / 10 ماي 1932م ، (ص:2) : مقال : (كتاب الجزائر، وصف وتحليل) الجزء الثاني
(4) : مجلة "المنهل" (ج8 ، س35 ، م30 ، شعبان 1389هـــ / أكتوبر-نوفمير 1969م ، (من أعلام المدينة المنور) بقلم : محمد سعيد دفتردار
(5) : المصدر السَّابق
(6) : المصدر السَّابق
(7) : "أعلام من أرض النُّبوَّة" لأنس يعقوب كتبي (2/139-145) ،ط1/1415هــ ، عن موقع "مركز دراسات المدينة المنورة"
(8) : المتحصّل على شهادة "التطويع" من الزَّيتونة ، وهي شهادة العالمية
(9) : جريدة "النَّجاح" ، عدد (506) : 22 ربيع الثاني 1346هــ / 19 أكتوبر 1927م (ص:2)
(10) : جريدة "النَّجاح" ، عدد (549) : 4 شعبان 1346هــ / 27 جانفي 1928م (ص:1)
(11) : مقدمة أبي القاسم سعد الله لكتاب "منظومات في مسائل قرآنية" ، نظم الشَّيخ محمَّد الطَّاهر التليلي ، (ص:9)
(12) : جريدة "الشروق اليومي" العدد (950) ، الثلاثاء ديسمبر 2024م ، (ص:5) :"فقيد العلم والجزائر الشَّيخ محمَّد الطَّاهر التليلي ، أبو القاسم سعد الله
(13) : المصدر السَّابق
(14) : "أعلام من أرض النُّبوَّة" لأنس يعقوب كتبي (2/139-145)
(15) : جريدة "البصائر" السلسلة الرابعة ، العدد 87 ، (ص:12) "العلاَّمة الأديب الشَّيخ حمزة بوكوشة" إعداد : علي غنايزية
(16) : "الشهاب" ، جمادى الثانية ، 1351هــ / أكتوبر 1932م ، الجزء (10) ، المجلد (8) (ص:531-533)
(17) : جريدة "الوزير" (سنة 1932م) ، مقال بعنوان : "جولة من التِّلال إلى الرمال" ، ضمن كتاب "رحلات جزائرية" ، لمحمَّد الصالح الجابري ، (ص:146-147)
(18) : "الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير" ، (ص:65-66) ط/دار الكتب – الجزائر ، أوَّل طبعة لهذا الكتاب سنة 1347هـــ ، وكانت في أصلها مقالات نشرت في "الفتح" القاهرية
(19) : "أعلام من أرض النُّبوَّة" لأنس يعقوب كتبي (2/139-145) ، ط1/ 1415هــ ، عن موقع "مركز بحوث ودراسات المدينة"
(20) : أمَّا الأستاذ الحسن فضلاء ، فقد ذكر في كتابه "من أعلام الإصلاح" (2/18) ، في ترجمة أحد تلاميذ الشَّيخ عمَّار أنَّ هجرته في سنة 1935م ، وهو الأقرب
(21) : الَّذي في ترجمة الشَّيخ من كتاب "أعلام من أرض النُّبوَّة" : أنَّ الهجرة كانت في 1353هــ ، وهو يوافق سنة 1935م
(22) : جريدة "الشروق اليومي" ، العدد (950) ، (ص:5)
(23) : "الآثار" لابن باديس (5/159-160)
(24) : الَّذي هاجر إلى المدينة ، والتحق بمدرسة العلوم الشَّرعية ، سنة 1934م ، وتخرَّج منها ، وعيِّن أستاذًا بها سنة 1938م ، وكان من محرِّري "المنهل" للأنصاري الَّذي كان من أساتذته في نفس المدرسة ، والظَّاهر أنَّه تزامن تدريسه مع التحاق الشَّيخ عمَّار بها ، انظر : "أحمد رضا حوحو في الحجاز" للدُّكتور صالح خرفي (ص:37)
(25) : مجلة "المنهل" ، السنة 43 ، المجلد (38) ، الجزء الثاني عشر ذو الحجة 1397م (ص:1538)
(26) : "المجموع" (2/815)
(27) : "المجموع" (2/808)
(28) : ترجمة الشَّيخ عمر فلاتة ، للدكتور عاصم القريوتي من موقع "شبكة الإسناد"
(29) : جريدة "البصائر" السِّلسلة الثانية ، العدد (273) ، (ص:6)
(30) : جريدة "البصائر" السِّلسلة الثانية ، العدد (266) ، (ص:7)
(31) : "الشَّيخ العربي التبسـي ، إمام المجاهدين …" للأستاذ بشير كاشة (ص:81)
(32) : (المولود سنة :1926م) ، خريج معهد الرياض العلمي بشهادتي : الثانوية والليسانس "إتمام الدراسة العالية" في الشريعة ، سنة (1381هــ) ، والَّذي كان عضوًا في المنظمة المدينة لجبهة التَّحرير الوطني ، وعاملاً في ممثِّليَّتها بالمملكة العربية السُّعودية منذ إنشائها سنة 1955م ، حتَّى الاستقلال
(33) : تقدمت الإشارة إلى الصِّلة التى كانت بين الشَّيخ عمَّار وبوكوشة
(34) : "محمد البشير الإبراهيمي فارس البيان …" تأليف : بشير كاشة ، (ص:73-74)
(35) : "محمد البشير الإبراهيمي …" (ص:74)
(36) : "المجموع …" (2/591)

المصدر : مجلَّة الإصلاح ، السنة الثَّانية – العدد السَّابع ، محرم/صفر 1445هــ الموافق لــ جانفي/فيفري 2024م

وصايا العلاَّمة المربي الشَّيخ صالح السُّحيمي لشباب الجزائر 2024.

https://www.ilmmasabih.com/index.php/…A7%D8%A6%D8%B1

وصايا العلاَّمة المربي الشَّيخ صالح السُّحيمي – حفظه الله – لشباب الجزائر

اعتنى بها :
الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله

هذا مجلس مبارك تم مع فضيلة الشَّيخ صالح السُّحيمي المدرِّس بالمسجد النَّبويِّ ووكيل فرع وزارة الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف والدّعوة والإرشاد بمنطقة المدينة المنوَّرة, فيه وصايا لشباب الجزائر كان بتاريخ: 10 رمضان 1445هـ وهذا في مكتبه بفرع الوزارة بالمدينة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني في دولة الجزائر المسلمة.
إخواني القائمين على «منبر وهران» العلميّ.

فرصةٌ طيِّبة أنْ أُسَجِّلَ لكم كلمةً مختصرة، في شهر رمضان المبارك، وفي اليوم العاشر منهُ، سنة ثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة النّبويَّة، من أجل التّناصح فيما بيننا انطلاقًا من قول النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلَّم: «الدِّين النّصيحة، الدِّين النّصيحة، الدِّين النّصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟. قال: للهِ ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم»[1].
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، في السّرِّ والعَلَن، والمنشَطِ والمكْرَه، وحقيقةُ التّقوى امتثالُ أوامره واجتنابُ نواهيه.
ثانيًا: أوصيكم بالعلم النّافع؛ فإنَّ العلم هو الّذي يحملُ صاحبَهُ على التّقوى، ولا تتحقَّق التّقوى بغير العلمِ النّافع، المستمدِّ من كتاب الله جلَّ وعلا، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلَّم، إذْ بهذا العلم، يفرِّقُ المسلم بين التّوحيد والشّرك، وبين السّنّة والبدعة، وبين الهُدى والضّلال، وبين الحلال والحرام، بالعلم لا تنطلي الشُّبَه على طالبِ العلمِ المُؤَصَّل، الشُّبَه الّتي يطرحها أعداءُ الإسلام؛ من أرباب الشّهوات وأرباب الشُّبهات، فالعلمُ نورٌ يضيءُ لك الطّريق، والّذي يطلبُ العلمَ ينالُ أمرين لا ينالهما أحدٌ غيرُ طالب العلم:
الأمر الأوّل: أنّه يعبدُ الله على بصيرة؛ قال الله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾[يوسف:108]، وهذا هو منهجُ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم،
والأمر الثّاني: أنَّ له مثل أجور من تبعه من غير أن ينقصَ من أجورهم شيئًا، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم : «من دعا إلى هدى فلهُ مثلُ أجر من تبعه، من غير أن ينقصَ من أجورهم شيئًا»[2].

والأمرُ الثّالثُ: العملُ بهذا العلم، فإنَّ العملَ ثمرةُ العلم، والعملُ الصّحيح هو المبنيُّ على أصلين: إخلاص العمل لله وحده، وإصابة الحقِّ باتّباع هَدْي النّبيِّ صلّى الله عليه وسلَّم ، واتّباع سنَّتِه؛ لأنّ هذا هو أساس العمل، كما قال ابن كثير رحمه الله في الإخلاص والمتابعة: إنَّهما رُكنا العمل[3].
والأمر الرّابع: الرّجوع إلى العلماء الرّبَّانيِّين؛ الّذين أَفْنَوْا أعمارهم وشابت نواصيهم في خدمة الكتاب والسّنَّة، والّذين يَنفون عن كتاب الله جلَّ وعلا تحريف الغالين وانْتِحَال المبطِلين وتأويل الجاهلين، ولْنَبْتَعد عن أرباب التّعالم الّذين لا يهتمُّون بالسُّنَّة، ولا يهتمُّون بالتَّوحيد، وهدفهم تجميع النّاس خلفهم، هؤلاء لا قيمة لعلمهم، بل هو: ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾[النور:39]، يقول الله جلَّ وعلا: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾[النّساء:83]، ويقول جلَّ وعلا: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[النّحل:43]، ويقول النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلَّم: «إنَّما العِلْمُ بالتَّعَلُّم، وإنَّما الحِلْمُ بالتَّحَلُّم»[4].
وإيَّاك وأصحاب بُنيَّات الطَّريق، الّذين يصطادون في الماء العكر، والّذين من أبرز سِماتهم: الوقيعة في علماء المسلمين، ولا سيّما كبار العلماء الّذين يُرجع إليهم، فإنَّ هذه من علامات المبتدعة، الوقيعةُ في ولاة الأمر وفي العلماء، هذه من سِمات المبتدعة.
والأمر الخامس: البدءُ بما بدأ اللهُ به؛ البدءُ بالدّعوة إلى العقيدة، وتصفية التّوحيد ممّا شَابَهُ من شوائب الشِّرك والبدع والمعاصي، فإنَّ هذا هو الأمر الّذي بدأ اللهُ به:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمّد:19]، وأيَّةُ دعوةٍ لا تنطلقُ من هذا الأساس فإنَّها دعوةٌ فاشلة، ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾[التوبة:109].
والأمر السّادس: التَّخلُّقُ بالأخلاق الفاضلة مع المسلمين، بل ومع غير المسلمين، مع الثَّبات على الحقّ، قال الله جلَّ وعلا واصفًا نبيَّه صلّى الله عليه وسلَّم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران:159]، ووصف اللهُ نبيَّه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم:4]، وقال عليه الصّلاة والسّلام: «إنَّما بعثت لأتِّمم مكارم الأخلاق»[5]، ويقول أيضًا: «وخالِق النّاسَ بخُلُقٍ حَسَن»[6]، وخاصّةً من يَدعون إلى الله جلَّ وعلا، فلا بُدَّ أن يتخلَّقوا بالأخلاق الفاضلة، التي تجعل النّاس يَقتدون بأفعالهم قبل أقوالهم، ولِينُ الجانب والتّخلُّق بالأخلاق الفاضلة مع المُوافِق والمُخالف، مع عدم التّنازل عن الحقّ.
ولا نعني بمعاملة المخالف بمعاملةٍ طيِّبة: أن نذوب مع المخالِفين، أو أن نشاركهم في طقوسهم، أو أن نكثِّر سوادهم، أو أن نُبَرِّرَ لهم.
وإنّما المراد بذلك: الكلمة الطّيّبة، وحسن المعاملة، لعلَّ ذلك يكونُ سببًا في هدايتهم بإذن الله إلى الجادَّة والطّريق المستقيم.
ولا نعني أيضًا: برنامجَ الموازنات الّذي تنتهجه بعض الجماعات، الّتي تقول: إذا أردت أن تردَّ على المبتدعة، فابدأ بالثّناء عليهم، وبيِّن محاسنهم قبل الرّدِّ عليهم، وهذا مبدأٌ فاسد، فَرْقٌ بين التَّخلُّق بالأخلاق الطّيِّبة وحسن المعاملة، وبين الموازنات الّتي يدعو إليها بعض الحزبيِّين.
سابعًا: التّواضع؛ فإنَّ مَن تواضع لله رفعه، ولا يمكن أن تنال العلم الشّرعيّ إلَّا بالتّواضع، يقول الإمام الذّهبيّ رحمه الله: العلمُ ثلاثة أنواع: علمٌ يُورِث الكبر، وعلمٌ يُورِثُ التّواضع، وعلمٌ يُورِثُ خشيةَ الله تعالى؛ فالّذي يُورِث الكِبر، هو علم أصحاب التّعالم، الّذين يَهْرِفون بما لا يعرفون، فإذا تعلَّموا بعض العلوم، اتّخذوها وسيلةً للتّعاظم والتّعالي على النّاس، والتّكبُّر عليهم، والتّطفُّل على العلم بغير وجهِ حقّ، والعلم الّذي يُورِث التّواضع، هو العلم الّذي يَسْتَقِيه صاحبه من الكتاب والسّنّة، على منهج سلف الأمّة، وعلى علماء الأمّة، أعني: العلماء المجتهدين الطّيِّبين، لا بعضَ علماء الفضائيّات الّذين غلب عليهم التّعالم وحبُّ الظّهور، وحبُّ الدِّعايات، والعلم الّذي يُورث الخشية، هو العلم الّذي يتواضع صاحبه، فقد وصف اللهُ هذا الصِّنف من النّاس بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28].
والأمر الثّامن: عدم الخوض فيما لا يعنيك في دعوتك؛ كإشغال النّاس بالسّياسات، وبالحُكْم والمناصب، فإنَّ هذا مبدأٌ فاسد، تدعو إليه بعض الجماعات المعاصرة، والهدف هو الكرسيُّ والحكم، وهؤلاء ضاعوا، وأضاعوا كثيرًا من الشّباب وراء هذا السَّراب.
يجبُ أن يكون قصدُك إخلاصَ العمل لله وحده، وهذا هو الأمر التّاسع، أو الأوّل حتَّى، يجبُ أن يكون طالب العلم مخلِصًا لله عزّ وجلّ في طلب العلم، إذ أنَّ العلمَ عبادة، ومن شروط العبادة الإخلاص والصّواب.
والأمر التّاسع: البعدُ عن الإشاعات أو الشّائعات الّتي تُردَّدُ هنا وهناك، والّتي كثيرًا ما سبَّبَت فرقةً بين المسلمين، الجريانُ خلفها والتّعلُّقُ بها ومتابعتُها، كثيرًا ما جرَّت على المسلمين كثيرًا من المصائب، فعلينا أن نحذر من ذلك كلَّ الحذر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[الحُجُرات:6].
والأمر العاشر: عدم تضخيم الأمور وتهويلها؛ فإنَّ البعض من النّاس يتلقَّف الأخبار ويضيف عليها ما يضيف، ثمّ يضخِّمها إلى أن تكون أكبر من الجبال، ولا بدَّ من التّثبّت، قال الله جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾[الحُجُرات:12]، ويقول النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلَّم : «إيَّاكم والظّنّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذبُ الحديث»[7]، فالعلوم الّتي تُبنى على الظُّنُون لا خير فيها.
والبعض من النّاس يُكَبِّرُ الأخطاء ويضخِّمها، وربمَّا أخرج أخاه الّذي هو معه على المنهج الحقّ، ربَّما أخرجه من المنهج بسبب الظُّنُون، وتكبير الأمور وتضخيمها.
إذا أخطأ أخوك فعالِجْهُ، لا سيَّما إن كان من إخوانك الّذين هم معك على الجادَّة، وعلى المنهج السّلفيّ الحقّ، اجتهدْ في معالجة الأمور قبل أن تكبر، وإيَّاك والتّضخيم.
البعضُ من الجهَّال، بمجرَّدِ ما أن يختلف مع أخيه في مسألة، مباشرةً يدعو إلى هجره، ويضخِّم المسألة، وهو لا يعرفُ ضوابطَ الهجر في الشّرع، والهجرُ لهُ ضوابط، منها ما يعود إلى المهجور، ومنها ما يعودُ إلى الهاجِر، ومنها ما يعود إلى مصلحة المسلمين، وقد يُهجر في أمرٍ صغير، لتحقُّق النّفع من ذلك، وقد يُترك الهجر في أمرٍ عظيم، لعدم تحقُّق المصلحة في ذلك، ويُراعى في هذا جلب المصالح ودفعُ المضارّ.

ومن الوصايا أيضًا: الجِدُّ والاجتهادُ في العبادة؛ بأن يجتهد طالبُ العلم في أن يعبد الله على بصيرة؛ بأداء الفرائض والنّوافل، واجتناب المحرّمات والمكروهات، يقول الله عزَّ وجلّ في الحديث القدسيّ الّذي يرويه رسولُ الله صلّى الله عليه وسلَّم عن ربِّه: «وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنّوافل حتّى أحبَّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، ولئن سألني لأُعْطِيَنَّه ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه»[8].
فالعبادات الّتي تُقرِّبك إلى الله جلَّ وعلا مهمَّةٌ جدًّا، فإيَّاك أن تُقَصِّرَ فيها، والنَّبيُّ صلّى الله عليه وسلَّم يقول لعبد الله بن عبّاس: «يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»، إلى أن قال: إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله»[9]، فعلى المسلم أن يجتهد في تحقيق العبوديَّة والتَّدَيُّن العمليّ لله عزَّ وجل، وألَّا يَحرم نفسه من صلاة اللّيل، في الوقت الّذي ينزل فيه ربُّنا سبحانه وتعالى إلى السّماء الدنيا، فينادي عباده: «مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يسألني فأعطيه، مَن يستغفرني فأغفر له»[10].
ليجتهدْ في مناجاة الله في مثل هذه الأوقات المناسِبة، ليجتهدْ فيما يقرِّبه إلى الله في هذه الأوقات الفاضلة، ويبتهل إليه بأن ينصر اللهُ دينه وأن يُعلي كلمته.
والمقصود أنّ طالب العلم يجتهد في كلِّ ما من شأنه أن يُعينه على أداء مهمّته ورسالته، على الوجه الّذي يُرضي اللهَ سبحانه وتعالى.
أيضًا من الوصايا: حفظ اللِّسان، والبُعْدُ عن القيل والقال، وألَّا نقع في أَعراض إخواننا المسلمين وطلبة العلم والعلماء.
كذلك من الوصايا: أن نبتعد عن الإلزامات الّتي يقع فيها البعض؛ مِنْ كونه يقول: هو ما دام قال كذا، هو يقصد كذا، أو يَلْزَمُهُ أن يكون كذا، فهذه إلزاماتٌ خطيرة، ينتهجها بعض الجهَّال والسُّفهاء، وقد يترتَّب عليها بَتْرُ الكلام، وقد يترتَّب عليها تحريف الكلم عن مواضعه، وقد يترتَّب عليها مفاسد لا تُحمد عقباها، فعلينا أن نحذر كلَّ الحذر من هذه المسائل الّتي تفرِّق الشّباب، ولْيُرْجَع في مثل هذه الأمور إلى العلماء الكبار؛ لأنَّ الشّباب صاروا يتطفَّلون على مسائل، العلماءُ توقَّفوا فيها لياليَ وأيّامًا.
وأيضًا من الوصايا: الجدُّ والاجتهاد في الفقه في دين الله جلَّ وعلا: «من يُرِد الله به خيرًا يفقّهه في الدِّين»[11].
من الوصايا: مجالسةُ أهل الخير والتُّقى، يقول الله جلَّ وعلا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف:28]، ويقول النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلَّم: «مَثَلُ الجليس الصَّالح والجليس السُّوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحاملُ المسك إمَّا أن يُحْذِيَك وإمَّا أن تبتاع منه وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيّبة، ونافخُ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أن تجد منه ريحًا خبيثة»[12].
واللهَ أسأل أن يوفِّقني وإيَّاكم للعلم النّافع والعمل الصَّالح، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحواشي :
(1) رواه مسلم (82).
(2) رواه مسلم(4831).
(3) انظر: «تفسير القرآن العظيم» للحافظ ابن كثير، عند قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110].
(4) انظر: «سلسلة الأحاديث الصّحيحة»(342).
(5) انظر: «سلسلة الأحاديث الصّحيحة»(45).
(6) انظر: «صحيح التّرغيب»(2655).
(7) رواه البخاري(4747)، ومسلم(4646).
(8) رواه البخاري (6021).
(9) انظر: «صحيح الجامع»(7957).
(10) رواه البخاري (1077)، ومسلم(1261).
(11) رواه البخاري (69)، ومسلم(1719).
(12) رواه البخاري (1959)، ومسلم(4762).
حمل المادة الصوتية

المصدر : موقع مصابيح العلم تحت إشراف : الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله

بارك الله فيك.

دفاع الشَّيخ الوالد أبي عبد المعز ِّمحمَّد على فركوس عن العلامة الشَّيخ ربيع بن هادى عمير المدخلى 2024.

دفاع الشَّيخ الوالد أبي عبد المعز ِّمحمَّد على فركوس
عن العلامة الشَّيخ ربيع بن هادى عمير المدخلى
– حفظهما الله –

اعترافٌ لذوي الفضل


الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على ما لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد :

فهذه كلمات وشهادة من فضيلة الشَّيخ فركوس حفظه الله للعلامة ربيع بن هادى المدخلى حفظه الله ، ولفضله على الأمَّة وجهاده بالعلم وصدعه بالحقّ ضد أهل البدع والأهواء مختلفة ، جاءت على إقر إجابته عن سؤال وُجه له بهذا الخصوص ، وقد قام أحد الإخوة بتفريغها وعرضها على الشَّيخ حفظه الله
فجزى الله الجميع خير الجزاء ، وحفظ الله علماء الأمة وأحبارهم ووقاهم كلَّ سوء ومكروه ، وهذا تفريغ الأخ لكلمة الشَّيخ :

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ، والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أمَّا بعد :
فهذه كلمة طيبة لشيخنا أبي عبد المعزِّ محمد على فركوس حفظه الله ورعاه ، فيها ثناءٌ عطرٌ ودفاعٌ نفيسٌ عن فضيلة الشَّيخ ربيع بن هادى عمير المدخلى حفظه الله وتعالى وسدَّد خطاه قالها على إثر جوابٍ عن سؤالٍ وجِّه إليه في إحدى حلقاته المعهودة في عصر يوم الإثنين 26 ريبع 1445 هـــــــ الموافق لــــــــــ : 19/03/2016 م ، وإليكم نصَّها :
" .. قد بدت للعيان نزعاتُ أهواءٍ على سطح السَّاحة الدَّعوية تحاول نَزْع الثقة بالعلماء الأمَّة ومشايخها ، والتقليلَ من مركزهم الأدبيِّ وأثرهم الاجتماعي ، وذلك لقلَّة الفقه الدين وقواعد الشَّرع ومراميه ، أو مفاهيمَ خاطئةٍ ، أو منطلقاتٍ بدعيةٍ، ونحوها .
لذلك لا ينبغي إذا اعترف النَّاس بأعلمية الشخص وتقواه أن يُــتاجسر عليه ، إذ لا يفعل ذلك إلاَّ من تربيَّ عن مجالس العلماء ومحاضنهم ، أو لم ينتفع ببركة مجالسهم العلمية ومواعظهم الإرشادية ، فتجد بعض المنتسبين لهذا المنهج يشكِّك في جدارتهم وقيادتهم وريادتهم ، وهو في حدِّ ذاته محروم الفهم الدقيق ، لا يعرف أبسط أبجديات التعامل الأخلاقيِّ والأدبيِّ الذي يلتزمه السَّلفيُّ مع ذوي العلم والفضل وغيرهم .
وما دام سؤال عن طعونات الشَّيخ ربيع حفظه الله في بعض الدعاة ، فأقول :
إنَّ الشَّيخ ربيعًا حفظه الله تعالى معروفٌ بعلمه وصناعته الحديثية وتقواه وحرقته على المنهج والَّذين تكلَّم فيهم ظهروا على ساحات المظاهرات الأخيرة علنًا وبرفع الأصوات على الوجه الَّذي لا يُرتضى : فأيَّدوا الخروج ووقفوا مع الديمقراطيِّن وفتحوا المجال للدخول في المجالس التشريعية ، سواءً في مصر أو سوريا أو اليمن وغير ذلك مــمَّا هو مخالفٌ للعقيدة السَّلفية ومنهجها ، ، فتأيَّد بذلك صحَّة طعنه فيهم ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنَّ الشَّيخ ربيعًا حفظه الله كان قد تكلَّم فيهم بدرايةٍ وعلمٍ بأحوالهم وتبصُّرٍ بمنهجهم ، وبحقٍّ منذ أمدٍ بعيدٍ ، وها هو قناعُهم ينكشف في الفتن الأخيرة .
فلو لا هؤلاء العلماء الَّذين قيضهم الله لهذه المهامِّ التوجيهية ، تحذيرًا للنَّاس من مغبَّة سلوك الطريق التحزُّب والخورج لحصل الجزائر من ذي قبل نزيفٌ دمويٌّ رهيبٌ ومفسدةٌ اجتماعيةٌ عظمى ، وكان الله تعالى العاصمَ ، والحمد لله أوَّلاً و آخرًا .
وعليه ، فالفتن حذَّرنا الله منها قوله تعالى : " واتَّقوا فتنةً لاَ تُصيبنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْكُم خَاصَّةً " [ الأنفال : 25 ] ، كما حذَّرنا منها النَّبي صلى الله عليه وسلم ، سواءً كانت في التَّفرق والاختلاف أو في المداهنة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك ، لذلك فالأجدر بالسَّلفيِّ أن يبقى بعيدًا عن الفتن ، ويرتبط بالعلماء الرَّبانيِّـــين الَّذين عملوا من قواعد الشَّرع الكلِّيَّة ومقاصده السامية وضوابطه المرعيَّة ما يعصم من الزلل ويُتوقى به من الانفلات .
ومن سار خلف مهتدٍ فلن يضلَّ ولن يندم أبدًا " .
انتهى كلام الشَّيخ أبي عبد المعزِّ محمد على فركوس حفظه الله ، و الحمد لله أولاً وآخرًا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

قام يتقييدها أخوكم : عزُّ الدين جيلالي البربيسي

كلام رائع…عذب ينشرح له الصدور

بارك الله فيك

حفظ الله للإسلام العلماء الربانيين حقا الثابتين الشامخين الذين لا بغيرهم الزمان ولا المكان

جزاك الله خيرا أخي الكريم على النقل القيم

وفيكم بارك

وصايا العلاَّمة المربي الشَّيخ صالح السُّحيمي لشباب الجزائر 2024.

وصايا العلاَّمة المربي الشَّيخ صالح السُّحيمي – حفظه الله – لشباب الجزائر
وصايا العلاَّمة المربي الشَّيخ صالح السُّحيمي – حفظه الله – لشباب الجزائر

اعتنى بها :
الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله

هذا مجلس مبارك تم مع فضيلة الشَّيخ صالح السُّحيمي المدرِّس بالمسجد النَّبويِّ ووكيل فرع وزارة الشّؤون الإسلاميّة والأوقاف والدّعوة والإرشاد بمنطقة المدينة المنوَّرة, فيه وصايا لشباب الجزائر كان بتاريخ: 10 رمضان 1445هـ وهذا في مكتبه بفرع الوزارة بالمدينة النبوية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني في دولة الجزائر المسلمة.
إخواني القائمين على «منبر وهران» العلميّ.

فرصةٌ طيِّبة أنْ أُسَجِّلَ لكم كلمةً مختصرة، في شهر رمضان المبارك، وفي اليوم العاشر منهُ، سنة ثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة النّبويَّة، من أجل التّناصح فيما بيننا انطلاقًا من قول النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلَّم: «الدِّين النّصيحة، الدِّين النّصيحة، الدِّين النّصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟. قال: للهِ ولكتابه ولرسوله ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم»[1].
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، في السّرِّ والعَلَن، والمنشَطِ والمكْرَه، وحقيقةُ التّقوى امتثالُ أوامره واجتنابُ نواهيه.
ثانيًا: أوصيكم بالعلم النّافع؛ فإنَّ العلم هو الّذي يحملُ صاحبَهُ على التّقوى، ولا تتحقَّق التّقوى بغير العلمِ النّافع، المستمدِّ من كتاب الله جلَّ وعلا، وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلَّم، إذْ بهذا العلم، يفرِّقُ المسلم بين التّوحيد والشّرك، وبين السّنّة والبدعة، وبين الهُدى والضّلال، وبين الحلال والحرام، بالعلم لا تنطلي الشُّبَه على طالبِ العلمِ المُؤَصَّل، الشُّبَه الّتي يطرحها أعداءُ الإسلام؛ من أرباب الشّهوات وأرباب الشُّبهات، فالعلمُ نورٌ يضيءُ لك الطّريق، والّذي يطلبُ العلمَ ينالُ أمرين لا ينالهما أحدٌ غيرُ طالب العلم:
الأمر الأوّل: أنّه يعبدُ الله على بصيرة؛ قال الله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾[يوسف:108]، وهذا هو منهجُ رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم،
والأمر الثّاني: أنَّ له مثل أجور من تبعه من غير أن ينقصَ من أجورهم شيئًا، كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلَّم): «من دعا إلى هدى فلهُ مثلُ أجر من تبعه، من غير أن ينقصَ من أجورهم شيئًا»[2].
والأمرُ الثّالثُ: العملُ بهذا العلم، فإنَّ العملَ ثمرةُ العلم، والعملُ الصّحيح هو المبنيُّ على أصلين: إخلاص العمل لله وحده، وإصابة الحقِّ باتّباع هَدْي النّبيِّ (صلّى الله عليه وسلَّم)، واتّباع سنَّتِه؛ لأنّ هذا هو أساس العمل، كما قال ابن كثير (رحمه الله) في الإخلاص والمتابعة: إنَّهما رُكنا العمل[3].
والأمر الرّابع: الرّجوع إلى العلماء الرّبَّانيِّين؛ الّذين أَفْنَوْا أعمارهم وشابت نواصيهم في خدمة الكتاب والسّنَّة، والّذين يَنفون عن كتاب الله جلَّ وعلا تحريف الغالين وانْتِحَال المبطِلين وتأويل الجاهلين، ولْنَبْتَعد عن أرباب التّعالم الّذين لا يهتمُّون بالسُّنَّة، ولا يهتمُّون بالتَّوحيد، وهدفهم تجميع النّاس خلفهم، هؤلاء لا قيمة لعلمهم، بل هو: ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾[النور:39]، يقول الله جلَّ وعلا: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾[النّساء:83]، ويقول جلَّ وعلا: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[النّحل:43]، ويقول النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلَّم: «إنَّما العِلْمُ بالتَّعَلُّم، وإنَّما الحِلْمُ بالتَّحَلُّم»[4].
وإيَّاك وأصحاب بُنيَّات الطَّريق، الّذين يصطادون في الماء العكر، والّذين من أبرز سِماتهم: الوقيعة في علماء المسلمين، ولا سيّما كبار العلماء الّذين يُرجع إليهم، فإنَّ هذه من علامات المبتدعة، الوقيعةُ في ولاة الأمر وفي العلماء، هذه من سِمات المبتدعة.
والأمر الخامس: البدءُ بما بدأ اللهُ به؛ البدءُ بالدّعوة إلى العقيدة، وتصفية التّوحيد ممّا شَابَهُ من شوائب الشِّرك والبدع والمعاصي، فإنَّ هذا هو الأمر الّذي بدأ اللهُ به:﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمّد:19]، وأيَّةُ دعوةٍ لا تنطلقُ من هذا الأساس فإنَّها دعوةٌ فاشلة، ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾[التوبة:109].
والأمر السّادس: التَّخلُّقُ بالأخلاق الفاضلة مع المسلمين، بل ومع غير المسلمين، مع الثَّبات على الحقّ، قال الله جلَّ وعلا واصفًا نبيَّه صلّى الله عليه وسلَّم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران:159]، ووصف اللهُ نبيَّه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[القلم:4]، وقال عليه الصّلاة والسّلام: «إنَّما بعثت لأتِّمم مكارم الأخلاق»[5]، ويقول أيضًا: «وخالِق النّاسَ بخُلُقٍ حَسَن»[6]، وخاصّةً من يَدعون إلى الله جلَّ وعلا، فلا بُدَّ أن يتخلَّقوا بالأخلاق الفاضلة، التي تجعل النّاس يَقتدون بأفعالهم قبل أقوالهم، ولِينُ الجانب والتّخلُّق بالأخلاق الفاضلة مع المُوافِق والمُخالف، مع عدم التّنازل عن الحقّ.
ولا نعني بمعاملة المخالف بمعاملةٍ طيِّبة: أن نذوب مع المخالِفين، أو أن نشاركهم في طقوسهم، أو أن نكثِّر سوادهم، أو أن نُبَرِّرَ لهم.
وإنّما المراد بذلك: الكلمة الطّيّبة، وحسن المعاملة، لعلَّ ذلك يكونُ سببًا في هدايتهم بإذن الله إلى الجادَّة والطّريق المستقيم.
ولا نعني أيضًا: برنامجَ الموازنات الّذي تنتهجه بعض الجماعات، الّتي تقول: إذا أردت أن تردَّ على المبتدعة، فابدأ بالثّناء عليهم، وبيِّن محاسنهم قبل الرّدِّ عليهم، وهذا مبدأٌ فاسد، فَرْقٌ بين التَّخلُّق بالأخلاق الطّيِّبة وحسن المعاملة، وبين الموازنات الّتي يدعو إليها بعض الحزبيِّين.
سابعًا: التّواضع؛ فإنَّ مَن تواضع لله رفعه، ولا يمكن أن تنال العلم الشّرعيّ إلَّا بالتّواضع، يقول الإمام الذّهبيّ رحمه الله: العلمُ ثلاثة أنواع: علمٌ يُورِث الكبر، وعلمٌ يُورِثُ التّواضع، وعلمٌ يُورِثُ خشيةَ الله تعالى؛ فالّذي يُورِث الكِبر، هو علم أصحاب التّعالم، الّذين يَهْرِفون بما لا يعرفون، فإذا تعلَّموا بعض العلوم، اتّخذوها وسيلةً للتّعاظم والتّعالي على النّاس، والتّكبُّر عليهم، والتّطفُّل على العلم بغير وجهِ حقّ، والعلم الّذي يُورِث التّواضع، هو العلم الّذي يَسْتَقِيه صاحبه من الكتاب والسّنّة، على منهج سلف الأمّة، وعلى علماء الأمّة، أعني: العلماء المجتهدين الطّيِّبين، لا بعضَ علماء الفضائيّات الّذين غلب عليهم التّعالم وحبُّ الظّهور، وحبُّ الدِّعايات، والعلم الّذي يُورث الخشية، هو العلم الّذي يتواضع صاحبه، فقد وصف اللهُ هذا الصِّنف من النّاس بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28].
والأمر الثّامن: عدم الخوض فيما لا يعنيك في دعوتك؛ كإشغال النّاس بالسّياسات، وبالحُكْم والمناصب، فإنَّ هذا مبدأٌ فاسد، تدعو إليه بعض الجماعات المعاصرة، والهدف هو الكرسيُّ والحكم، وهؤلاء ضاعوا، وأضاعوا كثيرًا من الشّباب وراء هذا السَّراب.
يجبُ أن يكون قصدُك إخلاصَ العمل لله وحده، وهذا هو الأمر التّاسع، أو الأوّل حتَّى، يجبُ أن يكون طالب العلم مخلِصًا لله عزّ وجلّ في طلب العلم، إذ أنَّ العلمَ عبادة، ومن شروط العبادة الإخلاص والصّواب.
والأمر التّاسع: البعدُ عن الإشاعات أو الشّائعات الّتي تُردَّدُ هنا وهناك، والّتي كثيرًا ما سبَّبَت فرقةً بين المسلمين، الجريانُ خلفها والتّعلُّقُ بها ومتابعتُها، كثيرًا ما جرَّت على المسلمين كثيرًا من المصائب، فعلينا أن نحذر من ذلك كلَّ الحذر: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[الحُجُرات:6].
والأمر العاشر: عدم تضخيم الأمور وتهويلها؛ فإنَّ البعض من النّاس يتلقَّف الأخبار ويضيف عليها ما يضيف، ثمّ يضخِّمها إلى أن تكون أكبر من الجبال، ولا بدَّ من التّثبّت، قال الله جلَّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾[الحُجُرات:12]، ويقول النَّبيُّ (صلّى الله عليه وسلَّم): «إيَّاكم والظّنّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذبُ الحديث»[7]، فالعلوم الّتي تُبنى على الظُّنُون لا خير فيها.
والبعض من النّاس يُكَبِّرُ الأخطاء ويضخِّمها، وربمَّا أخرج أخاه الّذي هو معه على المنهج الحقّ، ربَّما أخرجه من المنهج بسبب الظُّنُون، وتكبير الأمور وتضخيمها.
إذا أخطأ أخوك فعالِجْهُ، لا سيَّما إن كان من إخوانك الّذين هم معك على الجادَّة، وعلى المنهج السّلفيّ الحقّ، اجتهدْ في معالجة الأمور قبل أن تكبر، وإيَّاك والتّضخيم.
البعضُ من الجهَّال، بمجرَّدِ ما أن يختلف مع أخيه في مسألة، مباشرةً يدعو إلى هجره، ويضخِّم المسألة، وهو لا يعرفُ ضوابطَ الهجر في الشّرع، والهجرُ لهُ ضوابط، منها ما يعود إلى المهجور، ومنها ما يعودُ إلى الهاجِر، ومنها ما يعود إلى مصلحة المسلمين، وقد يُهجر في أمرٍ صغير، لتحقُّق النّفع من ذلك، وقد يُترك الهجر في أمرٍ عظيم، لعدم تحقُّق المصلحة في ذلك، ويُراعى في هذا جلب المصالح ودفعُ المضارّ.
ومن الوصايا أيضًا: الجِدُّ والاجتهادُ في العبادة؛ بأن يجتهد طالبُ العلم في أن يعبد الله على بصيرة؛ بأداء الفرائض والنّوافل، واجتناب المحرّمات والمكروهات، يقول الله عزَّ وجلّ في الحديث القدسيّ الّذي يرويه رسولُ الله (صلّى الله عليه وسلَّم) عن ربِّه: «وما تقرَّب إلي عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنّوافل حتّى أحبَّه، فإذا أحببته، كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ويده الّتي يبطش بها، ورجله الّتي يمشي بها، ولئن سألني لأُعْطِيَنَّه ولئن استعاذني لأُعِيذَنَّه»[8].
فالعبادات الّتي تُقرِّبك إلى الله جلَّ وعلا مهمَّةٌ جدًّا، فإيَّاك أن تُقَصِّرَ فيها، والنَّبيُّ (صلّى الله عليه وسلَّم) يقول لعبد الله بن عبّاس: «يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»، إلى أن قال: إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله»[9]، فعلى المسلم أن يجتهد في تحقيق العبوديَّة والتَّدَيُّن العمليّ لله عزَّ وجل، وألَّا يَحرم نفسه من صلاة اللّيل، في الوقت الّذي ينزل فيه ربُّنا سبحانه وتعالى إلى السّماء الدنيا، فينادي عباده: «مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يسألني فأعطيه، مَن يستغفرني فأغفر له»[10].
ليجتهدْ في مناجاة الله في مثل هذه الأوقات المناسِبة، ليجتهدْ فيما يقرِّبه إلى الله في هذه الأوقات الفاضلة، ويبتهل إليه بأن ينصر اللهُ دينه وأن يُعلي كلمته.
والمقصود أنّ طالب العلم يجتهد في كلِّ ما من شأنه أن يُعينه على أداء مهمّته ورسالته، على الوجه الّذي يُرضي اللهَ سبحانه وتعالى.
أيضًا من الوصايا: حفظ اللِّسان، والبُعْدُ عن القيل والقال، وألَّا نقع في أَعراض إخواننا المسلمين وطلبة العلم والعلماء.
كذلك من الوصايا: أن نبتعد عن الإلزامات الّتي يقع فيها البعض؛ مِنْ كونه يقول: هو ما دام قال كذا، هو يقصد كذا، أو يَلْزَمُهُ أن يكون كذا، فهذه إلزاماتٌ خطيرة، ينتهجها بعض الجهَّال والسُّفهاء، وقد يترتَّب عليها بَتْرُ الكلام، وقد يترتَّب عليها تحريف الكلم عن مواضعه، وقد يترتَّب عليها مفاسد لا تُحمد عقباها، فعلينا أن نحذر كلَّ الحذر من هذه المسائل الّتي تفرِّق الشّباب، ولْيُرْجَع في مثل هذه الأمور إلى العلماء الكبار؛ لأنَّ الشّباب صاروا يتطفَّلون على مسائل، العلماءُ توقَّفوا فيها لياليَ وأيّامًا.
وأيضًا من الوصايا: الجدُّ والاجتهاد في الفقه في دين الله جلَّ وعلا: «من يُرِد الله به خيرًا يفقّهه في الدِّين»[11].
من الوصايا: مجالسةُ أهل الخير والتُّقى، يقول الله جلَّ وعلا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف:28]، ويقول النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلَّم: «مَثَلُ الجليس الصَّالح والجليس السُّوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحاملُ المسك إمَّا أن يُحْذِيَك وإمَّا أن تبتاع منه وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيّبة، ونافخُ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أن تجد منه ريحًا خبيثة»[12].
واللهَ أسأل أن يوفِّقني وإيَّاكم للعلم النّافع والعمل الصَّالح، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحواشي :
(1) رواه مسلم (82).
(2) رواه مسلم(4831).
(3) انظر: «تفسير القرآن العظيم» للحافظ ابن كثير، عند قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾[الكهف:110].
(4) انظر: «سلسلة الأحاديث الصّحيحة»(342).
(5) انظر: «سلسلة الأحاديث الصّحيحة»(45).
(6) انظر: «صحيح التّرغيب»(2655).
(7) رواه البخاري(4747)، ومسلم(4646).
(8) رواه البخاري (6021).
(9) انظر: «صحيح الجامع»(7957).
(10) رواه البخاري (1077)، ومسلم(1261).
(11) رواه البخاري (69)، ومسلم(1719).
(12) رواه البخاري (1959)، ومسلم(4762).

جزاك الله خيرا.

شكرا……….

جزاك الله خيرا

بارك الله في الجميع
و شكرا

بارك الله فيك

بارك الله فيك

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة elhamzayy الجيريا
بارك الله فيك

و بارك الله فيك ايضا

السلآم عليكم
بآرك الله فيك
و جزاك خيرا

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لؤلؤة الفردوس الجيريا

السلآم عليكم
بآرك الله فيك
و جزاك خيرا

شكرا و بارك الله فيك

جزاك الله خيرا

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة touati 2 الجيريا
جزاك الله خيرا


و جزاك كل خير
بارك الله فيكم

جزاك الله خيرا اخي الفاضل
نصائح قيمة جدا جعلها ربي في ميزان حسناتك ووفقك لكل خير

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهى اسطاوالي الجيريا
جزاك الله خيرا اخي الفاضل
نصائح قيمة جدا جعلها ربي في ميزان حسناتك ووفقك لكل خير

بارك الله فيك أخي
و جزاك كل خير

بارك الله فيك على الموضوع القيم
والله المستعان

رِسَالَةٌ مِن الجزائر: بقلم العلاَّمة الشَّيخ مُبارك الميلي الجزائري – رحمه الله 2024.


رِسَالَةٌ مِن الجزائر: بقلم العلاَّمة الشَّيخ مُبارك الميلي الجزائري – رحمه الله

تحتَ هذا العنوان كتبَ تحريرُ مجلَّة «المنهل»، [(ص:1536-1538)، السنة(43)، المجلد(38)، الجزء(12): ذو الحجة 1397هـ/ديسمبر 1977م] قائِلِين:
«هذه رسالةٌ كريمة كانت قد وردت لرئيس تحرير هذه المجلّة من قطر الجزائر الشّقيق على يد أحد حجّاجه في أيام ابتلائه بعنفوان الاِستعمار الفرنسي وشدّته العارمة.
وردت هذه الرّسالة من عالم تحرير وأديب كبير، ومؤرّخ شهير من رجالات الجزائر وعلمائه المجاهدين في سبيل الله لرفع نير الاِستعمار عن بلاده – ألا وهو المرحوم الشّيخ مبارك الميلي الكاتب الإسلامي المعروف، صاحب كتاب «تاريخ الجزائر في الماضي والحاضر»[1] وكتاب «الشِّرك ومظاهره» المطبوعين معا في نفس قطر الجزائر في نفس أيام الاِستعمار الكارب الفظيع.
وتضمّنت هذه الرّسالة إهداء الشيخ الميلي لكتابه: «الشِّرك ومظاهره» للملك عبد العزيز آل سعود طيّب الله ثراه، ولنَجْلَيْهِ الملكين المغفور لهما: سعود وفيصل.. ولشيخ الإسلام في عهد الملك عبد العزيز: «وهو الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ» رحمه الله.. كما ورد في الرّسالة موافقة الشيخ مبارك الميلي وإقراره لملاحظة رئيس تحرير مجلّة «المنهل» الخاصة بعنوان جريدة «البصائر» الجزائرية باللَّطِينِي وإبلاغه لكاتب الإدارة تنفيذ هذه الملاحظة، ولزوم تعميمها في البلاد الشرقية.. وقيامه بتنفيذ ذلك .. كما أنبأتنا الرسالة باستعداد كاتبها «مبارك الميلي» كرئيس تحرير جريدة «البصائر»«للتعاون الإسلامي والعربي والأدبي» مع رئيس تحرير مجلّة «المنهل»«حسب المستطاع» وكان هذا القيد منه للتعاون، بالنظر للجوّ الاستعماري القابض من حديد على عنق قطر الجزائر يومذاك.
كما جاء في الرسالة كلمات: «الإخاء الإسلامي العربي العلمي» و«روابط إسلامية عربية أدبية» وكلّ ذلك يعني التّضامن الإسلامي والأدبي العلميّ بين القطرين الشقيقين.
كما أفاد في رسالته إلى رئيس تحرير «المنهل» بأنه بعث بمقال له عن عدد المنهل الممتاز لينشر ذلك المقال في المنهل وقد نشر فعلاً إذ ذاك.
هذه الرّسالة التي بعثناها اليوم من مرقدها في طوايا ملفات مجلّة المنهل بجُدَّة قد مكثت في هذا «المأوى الأمين» اثنين وأربعين عاما..
ثمّ ها هي ذي تبعث من جديد بنشرها في هذا العدد ليطلع الجيل الجديد في القطرين الشقيقين: السُّعودي والجزائري على الأُسس الّتي قام عليها التعاون الفعال بين الوطنين السعيدين في المجالين الأدبي والصحافي منذ كان فيما قبل وفيما بعد وحتى الآن».

«أمين مال
جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين
مبارك بن محمّد الميلي
مدرِّس حرّ
مِيلَة (قَسَنْطِينَة)

مِيلَة في 20 ذو القعدة سنة 1356هـ
الموافق 22 يناير سنة 1938م
الأديب العبقري والأستاذ الكبير الأخ الكريم سيدي عبد القُدُّوس الأنصاري
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاءني كتابٌ من الأخ أحمد رضا حُوحُو يَقترح عليَّ، إهداء أربع نسخ للملك عبد العزيز ونَجْلَيْهِ وشيخ الإسلام، ففعلتُ وأرسلتها باسمه إلى المدينة ليرسلها هو إلى أصحابها بالطريقة المناسبة، وكتبتُ إليه بذلك. وقد أخبرني ذلك الأخ بعنايتكم بتلك الرِّسالة. وإذا كنتُ قد تعبتُ في تحريرها وتحمَّلْتُ الدُّيُون في طبعها ولم تُقَابَلْ في الوسط الجزائري بما يُخَفِّفُ عنِّي تلك الأتعاب، فإنَّ تأييد أمثالكم ممّا يُخَفِّفُ عنِّي أتعابًا قد يَتَصَوَّرُهَا اللَّبِيبُ في التَّحرير ولكنَّها واللهِ في النَّشْرِ أَشَدُّ وَقْعًا عَلَيَّ.
ثمّ جاءتني رسالتكم المؤرخة في 26/10 مؤكِّدة العناية موثِّقةً لحَبْلِ إِخَائِنَا الإسلامي العربي العلمي زاده الله ثباتًا ومتانة.
1- وقد جاء فيها أنّه لم تصلكم نسخة الهديّة وأربعة أُخَر، وقد أَعلمتُ بذلك موزِّعها ليبحث عن الطَّرْد صاحب الخمس نسخ، ولكن الهدية سيحملها إليكم حامل هذه الرِّسالة.
2 – ورغبتم في إرسال نسخ أُخَر، فسيَحمل إليكم البريد إن شاء الله عشر نسخ ولكم الفضل في هذه العناية.
3 – وإذ أذنتم لهذا القلم أن يكتب عن المنهل الممتاز فقدمت الكتابة عنها في مواد العدد 97.
4 – وذكرتم عناية الأَخَوين أحمد رضا والشّيخ عمّار[2] بالحركة الإصلاحية عامَّةً و«رسالة الشِّرك» خاصّة، ولا شيءَ يَبعث على الثِّقَةِ بمستقبل النهضة العربية الإسلامية مثل الشُّعور بانتشار روح التَّضامن والتَّنَاصر.
5 – وقد لاحظتم على عنوان «البصائر» بالحرف اللَّطِينِي، وكان الأخ أحمد رضا قد نبَّهني إلى ذلك، فنبَّهْتُ كاتبَ الإدارة إلى هاته الملاحظة ولزوم تعميمها في البلاد الشّرقية فنفّذ ذلك فيما أخبرني منذ ثلاثة أسابيع.
هذا وإنّي مستعِدٌّ حسب المستطاع ومتشرِّفٌ بخدمة ما بيننا من روابط إسلامية عربية أدبية. وحاملُ الرِّسالة إليكم هو الأخ الحسين الهشيلي من حُجّاج مِيلة ومِن خِيرة شبابها المصلحين.
واللهُ يُبارك بأنفاسكم ويكثر لنا من تعرّف أمثالكم ممّن يزيد دم العروبة قوّةً وروح الإسلام جِدةً.
والسَّلام عليكم وعلى الأَخَوين الشّيخ عمّار[3] والسّيّد أحمد رضا ومَنْ إِلَيْكُمْ مِن أهلِ الفضيلة.
وكتب أخوكم: مبارك بن محمد الميلي»اهـ.
«المنهل»: لأنّ الرِّسالة مكتوبة بالخطّ العربيّ المغربي الّذي ينقط الفاء من تحتها والقاف بنقطة واحدة من فوقها إلى غير ذلك ممّا قد يغمض على أذهان أهل البلاد المشرقية رأينا أن ننقلها بحذافيرها وبنصّها بالخطّ المشرقي علاوةً على نقل أصلها بالتّصوير فيما يلي في صفحتين.

الحواشي :
[1] – قلتُالجيرياالشَّيخ سمير سمراد): عنوان الكتاب: «تاريخ الجزائر في القديم والحديث».
[2] – قلتُالجيرياالشَّيخ سمير سمراد): هو الشّيخ عمَّار الأزعر رحمه الله.
[3] – قلتُالجيرياالشَّيخ سمير سمراد): هو الشّيخ عمَّار الأزعر رحمه الله.

نقله : الشَّيخ الباحث سمير سمراد – حفظه الله [ موقع:مصابيح العلم ]
رد مع اقتباس

يا من تؤذِي رسولَ الله لا تظنَّ أنَّك نجوتَ بقلم : الشَّيخ مصطفى قالية – حفظه الله 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

يا من تؤذِي رسولَ الله لا تظنَّ أنَّك نجوتَ


بقلم :

الشَّيخ مصطفى قالية – حفظه الله

يا من جعلت همّك من الدُّنيا الطَّعنَ والانتقاصَ من خليل الله محمَّد بنِ عبد الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا تفرحْ.
يا من سخّرت لسانَك وقلمَك وأوراقَك ووو للاستهزاءِ بخير خلق الله محمَّد بنِ عبد الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لا تفرحْ.
يا من تجرّأت على المؤمناتِ القانتاتِ العفيفاتِ الطّاهراتِ أزواجِ رسولِ الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- لا تفرحْ.
يا من تؤذِي رسولَ الله لا تفرحْ ولا تظنَّ أنَّك نجوتَ
فاللهُ منتقمٌ لرسولِه-صلَّى الله عليه وسلَّم- ممَّن آذاه وأساءَ إليه ولو بعدَ حين.
فهو القائل سبحانه: ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾[الحجر: 95].
وهو القائل -عزَّ وجلّ-: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾[الكوثر: 3].
وهو القائل سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ﴾[التوبة: 40].
قال الطَّبري-رحمه الله- عن هذه الآية: (وهذا إعلامٌ من الله أصحابَ رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنّه المتوكِّل بنصر رسولِه على أعداءِ دينِه وإظهارِه عليهم دونَهم، أعانُوه أو لم يعينوه، وتذكيرٌ منه لهم فعلَ ذلك به) (1)
وانظر إلى هذه القصَّة المعبِّرة العجيبة:
روى البخاري (2) ومسلم (3) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه-، قَالَ: "كَانَ مِنَّا رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَدْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَانْطَلَقَ هَارِبًا حَتَّى لَحِقَ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: فَرَفَعُوهُ، قَالُوا: هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ فَأُعْجِبُوا بِهِ، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُ فَوَارَوْهُ، فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، ثُمَّ عَادُوا فَحَفَرُوا لَهُ، فَوَارَوْهُ فَأَصْبَحَتِ الْأَرْضُ قَدْ نَبَذَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذًا ".
وفي رواية البخاري: "…فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا: أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ(4)، فَأَلْقَوْهُ ".
أوَّلا: انظر إلى فعل أهل الكتاب به لمَّا علموا منزلتَه من محمَّد-صلَّى الله عليه وسلَّم-، هل أهانوه أوطردوه؟ هل ضربوه أو قتلوه؟
كلَّا -والله- بل رفعُوه وقرَّبُوه؛ وذلك لأنَّهم حسبُوه من أهلِ العلمِ وأصحابِ النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم-، ولقد كان كذلك ولكن…
وهكذا شأنُ كلِّ من تمسَّك بالكتاب والسُّنّة شأنُه أن يُرفع، شاء النَّاس أو أبوا.
قال سبحانه: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 11].
ولكن من أعرض عن الكتابِ والسُّنَّة، وابتغى الرِّفعة من غير طريقِهما، كان حقّه المذلَّة والهوان.
قال عزَّ وجلّ: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[الأعراف: 175-176].
وهذا الأمرُ لا يحتاج إلى بسط وبيان، فهو مشاهَدٌ للعيان. والله المستعان.
قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية-رحمه الله- وهو يتحدَّث عن الحديث السَّابق: " فهذا الملعون الذي افترى على النّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- " أنَّه ما كان يدري إلَّا ما كتب له " قصمَه الله وفضحَه بأنْ أخرَجه من القبر بعد أن دُفن مرارًا، وهذا أمرٌ خارجٌ عن العادة، يدل كلَّ أحد على أنَّ هذا عقوبةٌ لِما قاله، وأنَّه كان كاذبًا، إذ كان عامَّة الموتى لا يُصيبُهم مثل هذا، وأنَّ هذا الجرمَ أعظمُ من مجرَّدِ الارتدادِ، إذ كان عامَّة المرتدِّين يموتُون ولا يصيبُهم مثلُ هذا، وأنَّ الله منتقمٌ لرسولِه ممَّن طعن عليه وسبَّه، ومظهرٌ لدينِه ولكذبِ الكاذِب إذَا لم يُمكن النَّاس أن يقيمُوا عليه الحدّ.
ونظيرُ هذا ما حدَّثناه أعدادٌ من المسلمين العدول أهلِ الفقهِ والخبرةِ عمَّا جرَّبُوه مرَّات متعدِّدة في حَصْرِ الحُصون والمدائِن الَّتي بالسَّواحل الشَّامية، لمَّا حَصَرَ المسلمون فيها بني الأصفرِ في زماننا، قالوا: كنَّا نحن نحصُرُ الحِصْنَ أو المدينةَ الشَّهرَ أو أكثرَ من الشَّهر وهو ممتنعٌ علينا، حتى نكاد نيأس منه، حتَّى إذ تعرَّض أهلُه لسبِّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والوقيعةِ في عرضه، فعجلنا فتحه وتيسَّر، ولم يكد يتأخَّر إلا يومًا أو يومين أو نحو ذلك ثم يُفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتَّى إن كنَّا لنَتَباشَر بتعجيلِ الفتحِ إذا سمعناهم يقعُون فيه، مع امتلاء القلوبِ غيظا عليهم بما قالوا فيه.
وهكذا حدّثني بعض أصحابنا الثِّقات أنَّ المسلمين من أهل المغرب حالُهم مع النَّصارى كذلك، ومن سنَّة الله أن يعذِّب أعداءَه تارةً بعذابٍ من عندِه وتارةً بأيدي عباده المؤمنين ".
فيا من تسبُّ رسولَ الله-صلَّى الله عليه وسلَّم- وتطعنُ في عرضِه الشَّريف لا تفرحْ بإمهالِ الله لك.
فإنَّما حالك كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[آل عمران: 178].
فالله يملي لك لتزدادَ إثما، ولتسوِّدَ صحائفَك بالطّعن في أحبِّ الخلقِ إليه وأفضلِهم.
ولا تغترّ أيُّها الطَّاعن اللَّئيم بتقلُّبِك في نعمِ الله، فإنَّ الله سبحانَه يقول: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾[الأنعام: 44].
ونبيَّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: " إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ " قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ:﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود: 102] " (5) .

فاللَّهم إنَّا نسألك أن تنصرَ دينَك و نبيَّك وعبادَك المؤمنين
اللَّهم ردَّ عن نبيِّك وأزواجِه وصحابتِه كيدَ الكائِدين وطعنَ الطَّاعنين
اللَّهم عليكَ بهِم فإنَّهم لا يُعجزُونَك
والحمدُ لله ربِّ العالمين
26 شوال 1445 هـــ


الحواشي :
(1) : تفسير الطَّبري (14/257).
(2) : في الصَّحيح برقم (3617).
(3) : في الصَّحيح برقم (2781).
(4) : أي: ليس من فعلهم، وإنَّما من فعل ربِّ النَّاس سبحانه وتعالى.
(5) :أخرجه البخاري في صحيحه برقم (4686)، ومسلم في صحيحه برقم (2583).

المصدر : البيضاء العلمية


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

بارك الله فيك أخيتي على المقال الجميل و جزاك خيرا

يقول الله عز و جل في سورة غافر : " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ "

حسبنا الله و نعم الوكيل على كل من اعتدى و لو بكلمة في حق رسول الله صلى الله عليه و سلم و أزواجه الأطهار و صحبه الكرام و يكابر و يفخر بذلك سواء من اليهود أو النصارى أو الروافض أو الملحدين أو غيرهم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وإياكِ أخيتي
ونسأل الله أن يغفر لنا تقصيرنا في حق رسولنا صلوات الله وسلامه عليه في اتباع سنته والعمل بها والله المستعان

صلى الله على الحبيب المصطفى ووالله لن يضر السحاب نبح الكلاب

حسبنا الله ونعم الوكيل في هذا الجلف

بارك الله فيكم

قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، قال ابن كثير -رحمه الله-: « هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كُلِّ من ادعى محبةَ اللهِ وليس هو على الطريقة المحمَّدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمَّدِيَّ، والدِّينَ النبويَّ في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»» [ متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها ].
[«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (1/ 358)]

بارك الله فيكِ أخية و جزاكِ الجنة

بأبي و أمي أنت يا حبيبي يا رسول الله اللهم صل و سلم و بارك على سيدنا محمد *صلى الله عليه و سلم*

كلنا مع الحبيب المصطفي و نرجو من الجميع نشراسم الرسول في كل المواقع الغربية

من يبحث عن نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهناك عدة طرق للنصرة ولعل أهمها ,,, التمسك بسنته صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بها ونشر روائعها والإقتداء به صلى الله عليه وسلم في كل فعل وقول وعمل والصلاة والسلام الدائمة عليه والمودة في القربى "قل لا اسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" وغير ذلك من الطرق والأساليب التي ترفع من قدرنا عوضا عن أن هناك أساليب كثيرة لنقنع به الآخرين بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إنسان ذو خلق رفيع من خلال الحوار البناء اللطيف معهم فهؤلاء الشامتون الشاتمون أناس ضالون وعلينا مهمة هدايتهم والله يقول لنبيه الرحيم {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ }آل عمران159,,, فعلينا بالدفاع البناء عن رسولنا وديننا بعيدا عن الصخب والشتم واقتحام السفارات وإقحام أنفسنا في مواجهة متعنتة مع الآخرين لأنهم لن يخضعوا أبدا لاستفزازاتنا كما أننا لن نخضع لاستفزازاتهم وسيستمرون في إنتاج الأفلام المسيئة بطرق أشد وأقبح وللأسف هم منتصرون علينا في مجال التكنولوجيا والتطور وستستمر ردة فعلنا الخاطئة عليهم ولن نخرج إلى نتيجة ,,,, فيجب أن تكون ردة فعلنا ردة فعل صائب مهما كان الفعل الخاطيء …. والله المستعاااااااااااااااااان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا جميعا على مشاركاتكم الطيِّبة

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الوطن اغلى الجيريا

من يبحث عن نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهناك عدة طرق للنصرة ولعل أهمها ,,, التمسك بسنته صلى الله عليه وآله وسلم والعمل بها ونشر روائعها والإقتداء به صلى الله عليه وسلم في كل فعل وقول وعمل والصلاة والسلام الدائمة عليه والمودة في القربى "قل لا اسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" وغير ذلك من الطرق والأساليب التي ترفع من قدرنا عوضا عن أن هناك أساليب كثيرة لنقنع به الآخرين بأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إنسان ذو خلق رفيع من خلال الحوار البناء اللطيف معهم فهؤلاء الشامتون الشاتمون أناس ضالون وعلينا مهمة هدايتهم والله يقول لنبيه الرحيم {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ }آل عمران159,,, فعلينا بالدفاع البناء عن رسولنا وديننا بعيدا عن الصخب والشتم واقتحام السفارات وإقحام أنفسنا في مواجهة متعنتة مع الآخرين لأنهم لن يخضعوا أبدا لاستفزازاتنا كما أننا لن نخضع لاستفزازاتهم وسيستمرون في إنتاج الأفلام المسيئة بطرق أشد وأقبح وللأسف هم منتصرون علينا في مجال التكنولوجيا والتطور وستستمر ردة فعلنا الخاطئة عليهم ولن نخرج إلى نتيجة ,,,, فيجب أن تكون ردة فعلنا ردة فعل صائب مهما كان الفعل الخاطيء …. والله المستعاااااااااااااااااان

صدقتِ أخية ، جزاك الله خيرا

شكرا لك مشكور

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

"مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ."

رواه مسلم

في "صحيح مسلم" (رقم:249) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: (( السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا )).
قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (( أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ )).

فداك أنفسنا وآباؤنا و أمهاتنا و ما نملك يا رسول الله

اللهم صل على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم

إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ

«الورقات – الرياض»
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِ العالمين، وصلى اللهم وسلمَ على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فإن الموضوع مهمُ ُ جداً،ألا وهو موضوع الرد على أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم،من المشركين، واليهود والنصارى، والمنافقين وأصحاب الشهوات والشبهات،نحنُ نعلم جميعاً أنهم لا يضرون الرسول صلى الله عليه وسلم مهما قالوا،ومهما تكلموا فإن غيظهم في نحورهم، والنبي صلى الله عليه وسلم منصورُ ُومؤيدُ ُ من قبل الله جلاٌ وعلا ، الذي أرسله كإخوانه من النبيين كما قال تعالى: ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة﴾، فهم إنما ضروا أنفسهم ولن يضروا الله شيئاً ولن يضروا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولن يضروا المسلمين وليس ما ظهر من سبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم،ويتكرر في هذا الزمان ليس هذا بغريب، فإن هذا منذُ أن بعثه الله جلاٌ وعلا وأعدائهُ ينالوا منهم ومن رسالته، فالمشركون وعبدة الأوثان ينالون منهُ انتصاراً لأصنامهم، وأوثانهم التي جاء صلى الله عليه وسلم بإبطال عبادتها، قال الله جلاٌ وعلا: ﴿إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون﴾، انظرْ وصفوه بأنه شاعر، ووصفوه بأنه مجنون ،ووصفوه بأنه ساحر،ووصفوه بأنه كذاب،ووصفوه بأوصافٍ اخترعوها من عند أنفسهم، إنما تليق بهم هم ولا تليق برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أهل الكتاب فهم يعلمون أنه رسول الله،يعرفونه كما يعرفون أبنائهم،وإنما حملهم على سبهِ وتنقٌصهِ الحسد، ﴿حسداً من عندي أنفسهم من بعدِ ما تبين لهم الحق﴾، والحاسد إنما يضرُ نفسه، ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا ﴾.


وأما المنافقون فآذوهُ صلى الله عليه وسلم لأنهم كفارٌ ُفي الأصل والباطن، فهم مع الكفار ومع الوثنيين، ومع اليهود والنصارى، لكنهم أظهروا الإسلام خديعة،يخادعون الله والذين آمنوا، ولذلك يؤذون الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنهم الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون هو أُذن، هذه مقالة المنافقين والله جلاٌ وعلا قال فيهم: ﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا﴾، أو أصحاب الشهوات الذين رأوا إن في إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم منعاً لشهواتهم المحرمة وهم يريدون الزنا ،ويريدون الخمر، ويريدون الربا، ويريدون ما ألِفوه ونشئوا عليه، أو اشتهتهُ أنفسهم فلذلك عادوا الرسول صلى الله عليه وسلم، من أجل البقاء على شهواتهم وكلهم لم يضروا الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول رفع الله درجته وأعلى منزلته، قال تعالى: ﴿ومن الليل فتهجد بهِ نافلة لك عسى أنٌ يبعثك ربك مقاماً محموداً﴾.

قال سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿إنٌا أعطيناك الكوثر﴾، وهو نهر في الجنة أو هو الخير الكثير، ﴿فصلِّ لربك وأنحر(2) إن شانئك هو الأبتر(3)﴾، شانئك أي مبغضك لأنهم قالوا إن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس له عقب، يعني ليس له أولادُ ُبعدهُ يعيشون بعده،وأنه سوف ينقطع ذكره ويُبتر ذكره،الله جلٌ وعلا قال: ﴿إن شانئك هو الأبتر﴾؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم محمودُ ُ عند الله وعند خلقه، حياً وميتاً أما هم فإن العار يلحقهم،والبتر يلحقهم .

البتر المعنوي، والبتر الحسي، فلم يضروا الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، وفي هذه الآية لمٌا بعثه الله عزٌ وجل في مكة ودعا إلى الله سراً خشيةً من أذى المشركين في أول أمره.

أمره الله سبحانه بالجهر بالدعوةِ علانية وضمِنَ له الحماية،فقال له سبحانه وتعالى: ﴿فأصدع بما تؤمر() وأعرض عن المشركين () إنٌا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إله آخر فسوف يعلمون﴾، إنٌا كفيناك المستهزئين الذين يستهزؤون بالرسول صلى الله عليه وسلم، كفاه الله شرهم، وردَ كيدهم في نحورهم، ولم يستطيعوا منع الرسول صلى الله عليه وسلم من دعوته، ولم يستطيعوا منع الناس من الاستجابةِ له ولم يستطيعوا محاصرة الإسلام في مكة والمدينة، بل امتدٌ الإسلام في المشارقِ والمغاربِ وبلغ مبلغ الليلِ والنهار، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾.

فظهر دينُ الله في المشارقِ والمغارب رغم أنوفهم،واستمر وسيستمر إلى أن تقوم الساعة، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال طائفةً من أمتي على الحق غائرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم،حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى،))، ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون﴾، والله جلٌ وعلا يُتمُ نوره ولن يطفئوه بأفواههم، ونفخهم بأفواههم ليطفئوا الضياء الذي جاء به صلى الله عليه وسلم، لأن الله جلٌ وعلا يحميه ويحفظه وإذا كان الله هو الحافظ له فلن يستطيع أحدُ ُ أن ينال منه،ولهذا قال إنٌا كفيناك المستهزئين، فأمره بالاستمرار على الدعوة بالمنهج السليم الذي رسمه له ولا يخشى في الله لومة لائم، ولن يضروه أحد، قال تعالى: ﴿يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربّك وأن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس﴾؛ فالله أمره أن يُبلغ ما أُنزل إليه من ربه،وكفل له العصمة من أذى الناس، وقد تحقق وعد الله سبحانه وتعالى انتصر الإسلام، واندحر أعدائُهُ، وصار هذا الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الله : (ورفعنا لك ذكرك)، فصار يُذكر اسمهُ صلى الله عليه وسلم مع اسم الله، في الخطب والآذان والإقامة، ويُرفع ذكرهُ مع ذكر ربه سبحانه وتعالى في الشهادتين على رؤوس المنائر، وحتى الآن يُسمع في المشارق والمغارب، بواسطة البث والفضائِيات والاتصالات،ولا أحد يمنع هذا من البشرية، من جميع أعداء الرسول ما يستطيعون أن يمنعونَ أن ينادي بالشهادة له بالرسالة عليه الصلاة والسلام، لأن الله حمى رسوله وحمى ذكره من هؤلاء، وإذا رجعنا إلى تاريخ أهل الكتاب مع أنبيائهم لم نستغرب ما يصدر منهم في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، إنٌ الواجب علينا جميعاً أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أن نُنَاصر رسولنا صلى الله عليه وسلم،وأنٌ نذُبٌ عنه وأنٌ نرد على هؤلاءِ الحاقدين بجميع طوائفهم،الله جلٌ وعلا قادرُ ُعلى أن ينصرَ رسوله وقد نصره،لكنه أمرنا بنُصرته صلى الله عليه وسلم، ابتلاءً وامتحاناً لنا فإن نصرناه آجرنا الله على ذلك، وأثابنا وأن تخاذلنا ولم ننصُره فإن الله سبحانه وتعالى سيُعذبنا ويُعاقبُنا في الدنيا والآخرة، الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بحاجة إلى نُصرتنا لأن الله نصره، وقال: ﴿إنٌا كفيناك المستهزئين والله يعصمك من الناس﴾.

وهذا سؤال للشيخ: أحسن الله إليكم هذا سائل يقول فضيلة الشيخ نُريدُ خطواتٍ وأساليب عملية وفاعلة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم؟

أجاب الشيخ حفظه الله: أول شيء بإتباعه صلى الله عليه وسلم ،تحقيق إتباعه صلى الله عليه وسلم وتقديم قوله على قولِ كلِ أحد، تقديم سنته صلى الله عليه وسلم هذا أول شيء،ثم دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه وأتباعه من أجلِ أن نقتدي بهم في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم،كيف نصروا الرسول،كيف دافعوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

من محاضرة لمعالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله بعنوان ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾[الحجر: ٩٥] من إنتاج تسجيلات دار التقوى بالرياض.

الجيريا

الجيريا

من جهود سماحة الشيخ ابن باز في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم
الشيخ:
عدد مرات التحميل: 424
الحجم: 0.95 MB

اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
الشيخ محمد رسلان حفظه الله

ذكرياتــي مع الشَّيخ مُحمَّد نَاصِر الدِّين الأَلبَانــي 2024.

ذكرياتــي مع الشَّيخ مُحمَّد نَاصِر الدِّين الأَلبَانــي
بقلم :
الشَّيخ الدكتور أبي عبد الباري رضا بن خالد بوشامة – حفظه الله
أستاذ بكلية العلُّوم الإسلامية – بجامعة الجزائر.
بسم الله الرحمن الرحيم

كان ذلك في أيَّام حجِّ سنة 1410 هـــ وهي السَّنة الَّتي أنهيت فيها دراستــي الثَّانوية بالمعهد الثَّانوي بالجامعة الإسلاميَّة ، وهي أوَّل حجَّة حججتها .
بعد أن وصلت إلى مكَّة المكَّرمة – شرَّفها الله – استضافني أحد الطَّلبة الجزائريِّين في مسكنه الجامعي بالعزيزيَّة فتركت عنده أغراضي استعدادًا للسَّفر الحجِّ .
وكان طرق مسامعنا أنَّ الشَّيخ الألباني حاجٌّ هذه السنَّة .
وفي اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة انطلقت إلى منـى ضحى ، وقدَّر الله أن التقيت زميلي الدُّكتور جمال عزون وكان آنذاك طالبًا في كليَّة الحديث الشَّريف .
فنمى إليَّ أو نميت إليه خبر قدوم الشَّيخ وكلانا يبحث عن مكان وجوده
لكن لا أحد منَّا اهتدى إلى ذلك ، إلاَّ أنَّ الأخ جمالاً كان في حوزته رقم هاتف أحد أصهار الشَّيخ فبحثنا عن هاتف عمومي [ ولم يكن يومئذ جوَّالات ]فاتَّصل فأخبرونا أنَّ الشَّيخ في مكان يسمَّى الرّبوة في منًى ، ومنَى كلُّها فِجاج .
فبدأنا رحلة البحث عن الشَّيخ ، نسأل هنا وهناك ، ونتسمَّع أصوات المدرِّسين والمرشدين في الخيم لعلنَّا نظفر بصوت يشبه صوت الشَّيخ .
فمن ضحى ذاك اليوم ونحن نبحث إلى أن وصلنا إلى المكان الَّذي يسمَّى الرّبوة بعد المغرب ، فالتقينا ببعض الشَّباب من طلبة العلم من أهل المدينة كنت على معرفة بهم فسألناهم عن الشَّيخ ، فوجَّهونا إلى مكان وجوده .
فعند اقترابنا من المخيِّم إذا بصوت الشَّيخ ينبعث منه فتذكَّرت تلك الأشرطة الَّتي كنَّا نستمع إليها قبل جلوسنا عنده ، وتعجَّبت من أولئك الشَّباب الَّذين بَقَوْا في مخيِّمهم وهم على علم بمكان الشَّيخ ، إلاَّ أنَّهم لم يكونوا على معرفة بقدره وفضله وعلمه .
دخلنا المخيَّم فإذا بالشَّيخ جالس على كرسي يلقي درسًا على حجَّاج ذاك المخيَّم ، فجلسنا نستمع إلى كلامه ، وكلنَّا فرح وسرور بلقائه ، خاصَّة إذا أيقنت حقيقةً لا خيالاً أنَّك تحجُّ حجَّتك الأولى مع عالم زمانه ومحدِّث عصره ، وسترى تطبيق ما كتبه عن المناسك تطبيقًا فعليًّا عسى أن تحظى بحجَّة كما حجَّها النَّبــيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
بعد أن أنهى الشَّيخ كلمته أجاب عن الأسئلة ، ثمَّ دخل خيمته المخصَّصة له داخل الخيمة الكبيرة ، وهي محتوية على سرير وفراش للشَّيخ وبعض الأمور الَّتي يستعين بها على الوضوء وغيره .
تشاورت مع أخي جمال وقلنا لابدَّ من البقاء مع الشَّيخ طوال حجَّة .
فما كان إلاَّ أن استئذنَّا في البقاء مع أهل المخيَّم وغالبهم من الأردن أن لم يكن كلَّهم ، وكان برفقة الشَّيخ مجموعة من تلاميذه من أهل الأردن وغيرهم ، فأذنوا بذلك جزاهم الله خيرًا ، ففرحنا بذلك وبقينا في المخيَّم نتعرَّف على بعض طلاَّب العلم من طلبة الشَّيخ ، وممَّن تعرفنَّا عليه وقرَّبنا إليه مسجِّلُ أشرطة الشَّيخ أبو ليلى الأثري ، فكان يسجِّل للشَّيخ تلك الحلقات ، وكنت أحمل معي أيضًا مسجِّلاً فصرت أسجل للشَّيخ كما يسجِّل .
وفي اليوم التَّالي وهو يوم عرفة ، بدأ التَّهيُّؤ للصعود إلى عرفة ركب الشَّيخ سيَّارة خاصَّة مع صهره وأبي ليلي ، وركبنا حافلة صغيرة مع طلبة الشَّيخ ، ولـمَّا وصلنا إلى عرفة أخذ كلٌّ منَّا مكانه في الخيمة المخصَّصة للحملة ، وجلست قريبًا من الشَّيخ أرقب ما يصنع في هذا اليوم ، فرأيت فيه الاتِّباع للسُّنَّة والاجتهاد في العبادة ما لم نكن نسمعه عن الشَّيخ ، فلم يزل يذكر الله تعالى ويكبره ويعظمه ، بل قد يستلقي أحدنا من شدَّة التَّعب والحرارة [ ولم يكن يومئذ مكيِّفات في الخيم ]والشَّيخ باق على ذكره ، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويرشد المخطئ ، إذا رأى شخصًا يقرأ في كتاب الله نصحه بالذِّكر الوارد في هذا اليوم لأنَّه أفضل من قراءة القرآن ، ويأتيه السَّائل يسأله فيجيب الشَّيخ عن سؤاله ، وأذكر أنَّه جاءه أحد العمَّال المصريِّين وكان يشتغل في نصب خيام الحجاج ، وبدا له أن يحجَّ في ذاك اليوم ، فاستفسر منه الشَّيخ هل النِّيَّة عقدها ذاك اليوم أم قبله ؟ فأجابه بأنَّه لما رأى الحجيج أراد أن يحجَّ ونواه ، فأمره الشَّيخ أن يلبِّــي بالحجِّ ويحرم من مكانه .
وكان الشَّيخ يؤتــي له في بعض الأحيان بالحلو البارد [ البطِّيخ ]فكان يطعمني منه – جزاه الله خيرًا – لأنَّني كنت أقرب النَّاس مجلسًا منه في ذاك اليوم ، ويعلم الله كم تأثَّرت بكثرة عبادته وذكره ، خلاف ما يشاع عنه أنَّه يعني فقط الأسانيد ولا اجتهاد له في العبادة ،{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }[ فاطر :28 ] .
وفي مغرب ذاك اليوم وعند النُّفرة ركب الشَّيخ سيارته وركبنا معه الحافلة المخصَّصة لنا ، وكان الزِّحام شديدًا ، فالتقينا ببعض أهل اليمن يركبون حافلة لهم فبلَّغوا سلام الشَّيخ مقبل رحمه الله للشَّيخ الألباني وهو بدوره أمرهم بتبليغ سلامه للشَّيخ مقبل كثيرًا .
وفي اليوم التَّالي وهو يوم النَّفر من مزدلفة إلى منى فقدنا سيارة الشَّيخ فافترقنا ، وقمنا بإعمال الحجِّ في ذاك اليوم دون أن نكون مع الشَّيخ وتحسَّرنا كما تحسَّر من كان معنا من تلامذته .
وبعد أن أدينا المناسك رجعنا إلى الخيمة في منى والتقينا بالشَّيخ مرَّة أخرى ، فرحب كعادته وسأل عن أوضاعنا وحجّنا جزاه الله خيرًا .
وفي اليوم الأوَّل من أيَّام التَّشريق رَافَقْنَا الشَّيخ إلى المذبح لأداء نسك الذَّبح مع صهره بسيَّارته الخاصَّة ورافقنا أبو ليلي ورجل من أهل مكَّة ممَّن يعرف الشَّيخ ، وذبح الشَّيخ كبشًا أقرن أملح من أجود الغنم وهو ما يسمَّى بالحرِّي ، أمَّا أنا وأخي جمال فبحكم كوننا من طلبة الجامعة الإسلاميَّة اكتفينا بأقلِّ الغنم ثمنًا ، ولما رآهما الشَّيخ دعا لنا بالبركة فيهما .
وفي موضع النَّحر دخلنا مع الشَّيخ وصهره والرَّجل المكِّي ، وحدث أن شرد جمل بين الإبل كاد أن يصدمنا فتفرَّق النَّاس يمينًا وشمالاً ، ولــمَّا رجعت إلى الشَّيخ أصابت ثيابي دماء النَّحر والذَّبح فلمَّا رآني الشَّيخ تمثَّل لي بالمثل السُّوري : " يلِّي بدو يلعب مع القط بدو يتحمل خراميشو "
وعند العودة إلى المخيَّم اغتنمت فرصة الانفراد بالشَّيخ ، فأخبرته أنَّني أحبُّه في الله ، فردَّ عليَّ بما جاءت به السُّنَّة .
وفي اليوم ذاته أرسلت ابنة الشَّيخ وهي من أهل جدَّة – فيما أذكر – كبد الشَّاة الَّتي ذبحها ، فأطعمنا منها بيده وشرب من مرقها وكان يحبُّه .
وفي أيَّام التَّشريق كان الشَّيخ يصلِّي بنا ويدرس بعد الفجر ، ويبقى في درسه حتَّى يرى بعض الرُّؤوس تتطأطأ ، فهنا يوقف درسه ويتَّجه إلى خيمته الخاصَّة ، وكنت أجلس بجانبه أستمع لدروسه وفوائده ، ثمَّ بعد ذلك يُؤذن لنا بدخول الخيمة الخاصَّة أنا وأخي جمال إذ أصبحنا من خاصَّته ،ويتوافد عليه الكثير ممَّن سمع بالشَّيخ من الدَّكاترة والمشايخ وأهل العلم ، فكانت لقاءات ومناقشات داخل خيمته ولا يؤذن إلاَّ للبعض ، أمَّا أنا وجمال فلم نكن نحتاج إلى إذن ، خاصَّة أنَّنا بقينا مع الشَّيخ من اليوم الثَّامن ، فَعَرَفَنَا – جزاه الله خيرًا – ، وعرفنا من كان يقوم على خدمته أمثال أبي ليلي الَّذي كان كالحاجب إلاَّ أنَّه يُغلب على أمره من كثرة الزُّوار ، حتَّى قال له الشَّيخ مرَّةً : إنَّا وضعناك حاجب النَّاس ، لكن لم تقدر على ذلك أو كلمةً نحوها ، ويسأل أين الحاج من كثرة الزِّحام عليه فلا يكاد يتخلَّص منهم إلاَّ بعد عناءٍ ومشقَّةٍ .
بل طلب منِّــي أبو ليلى مساعدته في خدمة الشَّيخ ، وكنت سعيدًا جدًّا بذلك ، حيث جلست عن يسار الشَّيخ وأبو ليلى عن يمينه ، فيقبض بيدي وأقبض بيده والشَّيخ متَّكئ على ساعدي وساعده ، ويحدث النَّاس ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم ، فيبقى الوقت الطَّويل على ذلك ، كنت أحسُّ بثقل في ساعدي ويدي لكن لم أتمكَّن من إظهار ذلك احترامًا للشَّيخ وتقديرًا له .
ومرَّت الأيَّام الثَّلاثة على ذلك ، دروس بعد الفجر لأهل الحملة ، حتَّى إذا شَعَرَ الشَّيخ أنَّ بتعب جلسائه وحاجتهم إلى النَّوم ، استأذن ودخل خيمته ، فأفاد فيها من يأتيه من الزُّوَّار
وأذكر في هذه الأيَّام أنِّي رأيت عجبًا من حلم الشَّيخ وصبره ، إذ أتاه رجل كبير السِّنِّ عليه مظاهر البداوة أمسك الشَّيخ من ثوبه ليسأله ، فتلطَّف الشَّيخ معه وقال له : اصبر عليَّ فالله ابتلاك بي ، ثمَّ أجابه عن سؤاله ، فذكَّرني بما كان عليه النَّبــي صلَّى الله عليه وسلَّم من حلم وأناة وصبر على جفاة الأعراب.
فتلك المواقف لا يمكن للإنسان نسيانها ، بل ينسى نفسه ليبقى فترة أطول يستفيد من علم الشَّيخ وسمته ، وهذا حصل لي ولأخي جمال ، فلم نستطيع في تلك الأيَّام مغادرة المكان حتَّى لا يفوتنا شيء ، فبقينا بإحرامنا ونحن حلال لِبُعْدِ المسافة الَّتي ظنَّ بعض من رآنا كذلك أنَّ للشَّيخ فتوى في البقاء على الإحرام أيَّام التَّشريق ، فبيَّنا لهم أن الأمر غير ذلك .
انتهت أيَّام التَّشريق فعاد الشَّيخ إلى بيت ابنته بجدَّة ، فما كان منَّا إلاَّ أن طفنا طواف الوداع ، واتَّجهنا نحو جدَّة فالتقينا مرَّة أخرى في المسجد ،فتعجَّب رحمه الله من صنيعنا وسلَّم علينا ودعا لنا جزاه الله عنَّا وعن المسلمين خير الجزاء على ما قدَّم .

المصدر: العدد الواحد والثَّلاثون من مجلَّة الإصلاح السَّلفية – الجزائر

أحسنت بارك الله فيك ولقد جعلتنا بحق نعيش مع الدكتور أبي عبد الباري أوقاتا طيبة قضاها مع الشيخ ناصر الدين رحمه الله وأثابه الجنة ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركآته
للقلب يحن لاجتماع العلماء والنظر في وقارهم
حتى السمت كاد ينطق إذا ما كُتب شيء عنهم
فلله درهم والله

جزيتِ خيرا أخيه

الشَّيخ السُّحَيْمِي يبكي وهو يحكي قِصَّة لقائِهِ بالشَّيْخِ الألبانِيّ،
ولقاء الشَّيْخَيْن العبَّاد والتّويجري بالألبانيّ

(كان هذا في درس الشّيخ يوم: 21 / رمضان / 1445هـ بالمسجد النّبويّ)

تحميل

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلواان الجيريا
أحسنت بارك الله فيك ولقد جعلتنا بحق نعيش مع الدكتور أبي عبد الباري أوقاتا طيبة قضاها مع الشيخ ناصر الدين رحمه الله وأثابه الجنة ..

و فيك بارك الله

[quote=عفة مريم;3991509508]السلام عليكم ورحمة الله وبركآته
للقلب يحن لاجتماع العلماء والنظر في وقارهم
حتى السمت كاد ينطق إذا ما كُتب شيء عنهم
فلله درهم والله

جزيتِ خيرا أخيه

ولك مثل الجزاء وزيادة اخيتي

بارك الله فيك……………………………………….. …………

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو حذيفة عبدالنور التيبازي الجيريا
الشَّيخ السُّحَيْمِي يبكي وهو يحكي قِصَّة لقائِهِ بالشَّيْخِ الألبانِيّ،
ولقاء الشَّيْخَيْن العبَّاد والتّويجري بالألبانيّ

(كان هذا في درس الشّيخ يوم: 21 / رمضان / 1445هـ بالمسجد النّبويّ)

تحميل

بارك الله فيك

جزاكِ الله خيرا اخيه على هذا النقل الطيب المبارك

طوبى لهم من حجة

والله يرحم الشيخ الألباني

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **د لا ل** الجيريا
جزاكِ الله خيرا اخيه على هذا النقل الطيب المبارك

طوبى لهم من حجة

والله يرحم الشيخ الألباني

ولك مثل الجزاء وزيادة اختي
بارك الله فيك