فوائد نكاح صاحبة الدِّين 2024.

على الشباب إذا ابتغوا النكاح أن يركزوا جيداً في مسألة مواصفات المرأة التي يريد أن يتزوج بها، فكثير منهم إذا أراد أن يتزوج فإنه ينظر إلى الجمال وهذه من الآفات المشهورة الموجودة في زماننا هذا، والنبي عليه الصلاة والسلام قد أخبر عن هذا المطلب الذي يطلبه بعضهم وهو مسألة الجمال، فقال عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها ولدينها وجمالها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) فإذاً هذا الحديث يرشد إلى أول شرط من شروط الزوجة، إذا أراد الرجل أن يبحث فإن أول ما يبحث عنه قضية الدين، لأن دين الزوجة هو الأساس، إن المرأة تنكح لأسباب ذكر في هذا الحديث أربعة أسباب رئيسية تدعو إلى نكاح النساء: المال والحسب والدين والجمال، فما هو الذي تختاره؟ اختر الدين تربت يداك، وهذا خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته؛ لأن معنى تربت يداك، أي: التصقت يدك بالتراب من الفقر، ولكنه لا يريد به حقيقته وإنما هو نوع من التأنيس ولفت النظر إلى ما يريد. وهؤلاء الذين يطالبون اليوم بمواصفات عجيبة من الجمال يستلهمونها من أغلفة المجلات، ومما بقي في الأذهان من النساء في المسلسلات، والذين لا يغضون أبصارهم في النهاية يقول: أريد امرأة وصفها كذا ونحو ذلك، وبعضهم يتشدد في هذا تشدداً عجيباً حتى يشترط لون بؤبؤ العين! فنقول لهؤلاء الناس: رويدكم مهلاً! ماذا تقصدون؟ وهل تظنون أن وجود هذه المواصفات التي تركبونها من الأشكال الموجودة في مخيلاتكم أمر سهل أو أنه يمكن أن يتأتى بيسر؟ الجواب: كلا. المشكلة تنبع من قضية الجاهلية التي عاشها بعض الناس مما رأوه في الأفلام أو في المسلسلات أو فتيات الغلاف.. ونحو ذلك. وقد يكون الجمال سبباً لطغيان المرأة فعسى حسنها أن يوردها المهالك وهذا موجود في الواقع، فإن بعض النساء إذا آنست من نفسها جمالاً صارت مغرورة وربما طال لسانها على زوجها وطالبته بالنفقات الكثيرة وعابته في خلقته وأخبرته بأنه لا يستحقها؛ بل إنه أدنى من ذلك وأنها بالمكانة الأرفع وتمن عليه أنها رضيت به، ولذلك قد يكون الجمال تعاسة في الحقيقة على أنه لا يمنع الشخص من أن يبتغي الجمال، فإنه لو وجد الجمال بعد الدين فهذا خير إلى خير، فإن من الأمور الجيدة أنه إذا نظر إليها سرته. لكن هذه المستويات من الصور الجميلة الموجودة في الأفلام والمسلسلات والمجلات هي في الحقيقة عينة نادرة في الواقع؛ لأن أكثر النساء لسن كذلك، وإنما اليهود وأعوانهم يغوون من يغوون من النساء في المجتمعات فينتقون صاحبات الصور الجميلة ليدخلن في هذه الأشياء. ثم إن بعض الناس لا يفرق بين الجمال الطبيعي وجمال المكياج، فإن ما فعلته اليوم دور الأزياء وصالات الكوافيرات والتزيين لوجوه النساء هو أمر عجيب! فإن المرأة تدخل فتقعد عند المزينة بوجه ثم تقوم من عندها بوجه آخر، حتى إن المرأة الأخرى التي تنتظرها في صالة التزيين عند الكوافير لا تكاد تعرفها من كثرة الأصباغ والمساحيق والألوان والأدهان التي يستخدمونها، ولذلك لو نظرت إلى صورة فرأيت فيها جمالاً فاعلم أنه قد يكون جمالاً مزيفاً، ثم أنت تطلب مثله في الواقع وتقول: أريد امرأة هذا وصفها، وهذا لونها، وهذه عيونها، وهذا ثغرها، وهذا طولها.. ونحو ذلك، لذا لابد أن يكون الإنسان عاقلاً، فالصحيح أنه ليس مأموراً أن يتزوج ذميمة أو قبيحة لكن في نفس الوقت لا يشترط هذه الشروط وليس ببعيد أن الذي يشترط هذه الشروط يأخذ عكس ما اشترط بالضبط، وهذا ملاحظ، فإن الذي يكون عنده يسر في انتقائه ويشترط الدين يوفقه الله لامرأة تقر بها عينه، وإذا كان متشرطاً كثيراً من الشروط يريد أوصافاً دقيقة جداً، ويقول: لا أريدها بعدسات ولا بنظارات، فهذا الشخص نادراً ما يصل إلى مطلوبه، هذا إذا سلمت زوجته ولم ترفع عليه صوتها أو تسيء العشرة معه في المستقبل. إذاً المطلوب الأول هو الدين، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم: (فاظفر بذات الدين تربت يداك). ومن هي ذات الدين؟ المرأة التي تقوم بالواجبات وتنتهي عن المحرمات، فنحن لا نشترط داعية ولا طالبة علم لكنها إذا كانت صاحبة دين دفعها دينها إلى الدعوة إلى الله وطلب العلم ما دام زوجها يدفعها إلى ذلك، فإذاً يكفي في البداية أن تكون المرأة صاحبة دين وتقوى وخوف من الله عز وجل، وهذه المسألة تتفاوت عند النساء، فمنهن من تكون ذات تقوى عالية وخوف من الله عظيم، ومنهن من تكون متوسطة في ذلك، المهم أن تكون معروفة بالستر والعفاف والصيانة، قائمة بفروض الله من الصلاة والصيام والحجاب تاركةً المحرمات كسماع آلات اللهو والغناء والتعلق بالأفلام ونحو ذلك من الأمور، صحيح أنه حتى مع تبسيطنا للمسألة فإنها عزيزة في الوجود نظراً لكثرة الفسق في عصرنا؛ لكن مع انتشار الصحوة والحمد لله لن يعدم الإنسان امرأة ذات دين في الواقع، ولا يقل: لم أجد امرأة ذات دين، الذي يقول: كل هذا المجتمع ما وجدت فيه امرأة ذات دين فهذا إنسان في نظرته نظر. ولا ينبغي التساهل في هذا المطلب مطلقاً، فإن كثيراً من الأشخاص الذين تزوجوا بغير ذات الدين، وقالوا: في المستقبل يصلحها الله.. في المستقبل يهديها الله.. في المستقبل سأجتهد عليها حتى تلتزم بالدين. فنقول: إن الهداية بيد الله، فربما تجتهد وتعمل وتعمل ثم لا تتدين المرأة، فتتبرج وتذهب إلى الأماكن والأعراس المختلطة ونحو ذلك.. فماذا ستفعل وقد تورطت، وصار لك منها ولد، وصار الاستغناء عنها الآن أعسر بكثير من ذي قبل، وستعض أصابع الندم وتتمنى لو كنت من البداية قد تزوجت ذات الدين؟ ومن الأشياء الطريفة! أن أحد الشباب عرضت عليه امرأة متدينة، فقال: أنا لا أستحقها، فنقول: هذا تواضع مذموم، فاحمد الله إذا عرضت عليك امرأة ذات دين ولو كنت أنت عندك شيء من التقصير فربما تكون هدايتك على يديها، وهنا قد يقول بعض الناس: هل أنت تدعو لترك غير المتدينات فمن سيتزوجهن إذاً؟ أقول: أنا أدعو إلى ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ( فاظفر بذات الدين ) وليحدث هذا الشعور في نفوس بعض النساء غير المتدينات إذا شعرت الفتاة غير المتدينة إنها غير مرغوب فيها إذا كانت غير ذات دين، وقد كثر في المجتمع الكلام عن ذات الدين وأن ذات الدين مطلوبة فسيكون هذا من الدوافع لهؤلاء الفتيات أن يلتزمن بالدين، وقد يلتزم الإنسان بالدين من باب مادي أو يظهر الالتزام بالدين ثم يقوده ذلك إلى الإخلاص لله سبحانه وتعالى، كما حصل من بعض السلف الذين قالوا: طلبنا هذا العلم للدنيا فأبى الله إلا أن يكون لوجهه، فساقهم الله عز وجل للإخلاص في النهاية. وبعض الشباب الذين تهاونوا في شرط الدين سبب لهم هذا التهاون -والعياذ بالله- انتكاسة ووقعة ورجوعاً ونكوصاً على الأعقاب بعد الزواج، لم يصبح الأمر على ما أراد أنه سيجعلها تلتزم بالدين، وإنما الذي حصل أنها الذي أوقعته في فتنة الدنيا وهي التي أرجعته خطوات كثيرة إلى الوراء. وبعض الناس يلعب ويلهو ويعصي ويفجر ثم يقول: أريد امرأة متدينة، وهو يقول من تجربته في عالم الفساد: إنه لا يؤتمن على البيت إلا المرأة المتدينة، كلامه صحيح لكن من أسباب توفيق الله للشخص من امرأة متدينة أن يكون متديناً. نعم إن بعض الناس كانوا أصحاب فجور، فلما تزوجوا بنساء متدينات أثر ذلك فيهم، لكن إذا أراد الشخص أن يصل إلى بغيته من امرأة ذات دين، فينبغي له أن يتقي الله حتى يجعل له من أمره يسراً ويرزقه من حيث لا يحتسب، وحتى يجعل الله له فرجاً ومخرجاً ويرزقه بذات الدين المطلوبة، أما الواحد يعصي ويفجر ثم يقول: أريد ذات الدين فربما تكون معصيته وفجوره من الأشياء التي تحول بينه وبين الوصول إلى ذات الدين.
جزء من محاضرة الشباب المسلم على عتبة الزواج للشيخ محمد المنجد.

بااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااارك الله فيك

اللهم ثبتني

شكرا لك على الموضوع الهادف
تنكح المرأة لأربع: لمالها وحسبها ولدينها وجمالها، فاظفر بذات الدين تربت يداك

الدِّين النّصيحة 2024.

إنّ منهج سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم، قائم على الدعوة إلى الله سبحانه بالحُسنى. لذا، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يسعى لإقامة مجتمع قائم على النّصيحة والتناصح،
لأن المجتمع إذا ساده التناصح، قضى على مظاهر الانحراف.
لهذا، جعلت الشريعة الإسلامية الدِّين قائما على النّصيحة، كما جاء في الحديث الّذي رواه مسلم والترمذي والنسائي من طريق تميم بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”الدِّين النّصيحة”، قلنا لمن؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامّتهم”.
إنّ المتأمّل في كتاب الله يلمس أنّ الأنبياء عليهم السّلام بُعثُـوا للتّبليغ والنّصيحة. فهذا سيّدنا نوح عليه السّلام يقول القرآن الكريم عنه: {أُبَلِّغُكم رسالات ربّكم وأنصحُ لكم وأعلَمُ من الله ما لا تعلمون}. وهذا سيّدنا هود عليه السّلام يقول عنه القرآن أيضًا: {أُبلِّغكم رسالات ربّي وأنَا لكم ناصح أمين}. وهذا سيّدنا شعيب عليه السّلام قال الله سبحانه وتعالى حاكيًا عنه: {فَتَولَّى عنهم وقال يا قوم لقد أَبْلَغْتُكم رسالات ربّي ونصحتُ لكم}. وخاصة مناصحة وُلاّة الأمور، كما جاء في الحديث الّذي يرويه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ما مِن عبدٍ يسترعيه الله رعيةً ثـمّ لم يحُطّها بنصيحة إلاّ لم يدخل الجنّة”. وكما جاء في الحديث الّذي يرويه الإمام أحمد في مسنده عن جُبير بن مُطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”ثـلاث لا يخل عليهنّ قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاّة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين”. ويقول الحافظ أبو عمر بن الصلاح رحمه الله: ”النصيحة كلمة تتضمّن قيام النّاصح للمنصوح له”. وقال حاتم الأصم: ”النّصيحة للخلق إذا رأيت إنسانًا في الحسنة أن تحثُّـه عليها وإذا رأيته في معصية أن ترحمه”. وقال الحسن البصري رحمه الله: ”إنّك لن تبلغ حق نصيحتك لأخيك حتّى تأمُره بما يعجزُ عنه”.
لقد عَلِم سلف الأمة أنّ بلوغ أعلى الدرجات بالنّصيحة، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ”ما أدرك عندنا مَن أدرَك بكثـرة الصّلاة والصيام وإنّما أدرَك بسخاء الأنفُس وسلامة الصدر والنّصح للأمّة”. بل إنّ النّصيحة هي من أفضل الأعمال كما سُئل عبد الله بن المبارك: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: النُّصح لله. بل إنّ النّصيحة هي من شروط البيعة، كما جاء في الحديث الّذي رواه البخاري ومسلم من طريق جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ”بايعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة والنّصح لكلّ مسلم”. بل هي حقوق المسلم، فقد روى مسلم في صحيحه قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”حقُّ المؤمن على المؤمن ست، وذكر منها: وإذا استنصحك، فانصحه”.
ولا بُدّ أن تكون النّصيحة بالليونة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ”إذا رأيتم أخاكم ذا زَلّة فقوّموه وسدّدوه وادعوا الله أن يرجع به إلى التوبة فيتوب عليه ولا تكونوا أعوانًا للشّياطين على أخيكم”. وكما قال الفضيل بن عياض: ”المؤمن يستُر وينصح والفاجر يهتك ويُعَيِّرُ”.
ومن آداب النّصيحة أن تكون في ستر وسرّ، كما جاء في الحديث الّذي يرويه مسلم في صحيحه قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن ستر على أخيه في الدنيا ستر الله عليه يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”.
والنّصيحة تكون بالأسلوب المناسب، كما قال تعالى لسيّدنا موسى عليه السّلام وأخيه هارون: {فقُولاَ قولاً لَيِّنًا لعلّه يتذكّر أو يخشى}. وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: ”مَن وعظ أخاه فيما بينه، فهي نصيحة، ومَن وعظه على رؤوس النّاس، فإنّما وبّخه”. والنّاصح لا بُدّ أن يعلَم ألاّ إنكار في مختلف فيه، كما قال النووي في شرح مسلم عند قوله صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيّره”. قال: المنكر الّذي يجب إنكاره هو ما كان متّفقًا عليهن وأمّا ما كان محل خلاف، فلا إنكار فيه”.
إ

بارك الله فيك اخي على الموعظة الرائعة .

أكثر الله من أمثالك أخي و مشكور على الموعظة .

مروركم يشرفنا تحياتي

الجيريا

شكرا على النصيحة

ذكرياتــي مع الشَّيخ مُحمَّد نَاصِر الدِّين الأَلبَانــي 2024.

ذكرياتــي مع الشَّيخ مُحمَّد نَاصِر الدِّين الأَلبَانــي
بقلم :
الشَّيخ الدكتور أبي عبد الباري رضا بن خالد بوشامة – حفظه الله
أستاذ بكلية العلُّوم الإسلامية – بجامعة الجزائر.
بسم الله الرحمن الرحيم

كان ذلك في أيَّام حجِّ سنة 1410 هـــ وهي السَّنة الَّتي أنهيت فيها دراستــي الثَّانوية بالمعهد الثَّانوي بالجامعة الإسلاميَّة ، وهي أوَّل حجَّة حججتها .
بعد أن وصلت إلى مكَّة المكَّرمة – شرَّفها الله – استضافني أحد الطَّلبة الجزائريِّين في مسكنه الجامعي بالعزيزيَّة فتركت عنده أغراضي استعدادًا للسَّفر الحجِّ .
وكان طرق مسامعنا أنَّ الشَّيخ الألباني حاجٌّ هذه السنَّة .
وفي اليوم الثَّامن من ذي الحجَّة انطلقت إلى منـى ضحى ، وقدَّر الله أن التقيت زميلي الدُّكتور جمال عزون وكان آنذاك طالبًا في كليَّة الحديث الشَّريف .
فنمى إليَّ أو نميت إليه خبر قدوم الشَّيخ وكلانا يبحث عن مكان وجوده
لكن لا أحد منَّا اهتدى إلى ذلك ، إلاَّ أنَّ الأخ جمالاً كان في حوزته رقم هاتف أحد أصهار الشَّيخ فبحثنا عن هاتف عمومي [ ولم يكن يومئذ جوَّالات ]فاتَّصل فأخبرونا أنَّ الشَّيخ في مكان يسمَّى الرّبوة في منًى ، ومنَى كلُّها فِجاج .
فبدأنا رحلة البحث عن الشَّيخ ، نسأل هنا وهناك ، ونتسمَّع أصوات المدرِّسين والمرشدين في الخيم لعلنَّا نظفر بصوت يشبه صوت الشَّيخ .
فمن ضحى ذاك اليوم ونحن نبحث إلى أن وصلنا إلى المكان الَّذي يسمَّى الرّبوة بعد المغرب ، فالتقينا ببعض الشَّباب من طلبة العلم من أهل المدينة كنت على معرفة بهم فسألناهم عن الشَّيخ ، فوجَّهونا إلى مكان وجوده .
فعند اقترابنا من المخيِّم إذا بصوت الشَّيخ ينبعث منه فتذكَّرت تلك الأشرطة الَّتي كنَّا نستمع إليها قبل جلوسنا عنده ، وتعجَّبت من أولئك الشَّباب الَّذين بَقَوْا في مخيِّمهم وهم على علم بمكان الشَّيخ ، إلاَّ أنَّهم لم يكونوا على معرفة بقدره وفضله وعلمه .
دخلنا المخيَّم فإذا بالشَّيخ جالس على كرسي يلقي درسًا على حجَّاج ذاك المخيَّم ، فجلسنا نستمع إلى كلامه ، وكلنَّا فرح وسرور بلقائه ، خاصَّة إذا أيقنت حقيقةً لا خيالاً أنَّك تحجُّ حجَّتك الأولى مع عالم زمانه ومحدِّث عصره ، وسترى تطبيق ما كتبه عن المناسك تطبيقًا فعليًّا عسى أن تحظى بحجَّة كما حجَّها النَّبــيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
بعد أن أنهى الشَّيخ كلمته أجاب عن الأسئلة ، ثمَّ دخل خيمته المخصَّصة له داخل الخيمة الكبيرة ، وهي محتوية على سرير وفراش للشَّيخ وبعض الأمور الَّتي يستعين بها على الوضوء وغيره .
تشاورت مع أخي جمال وقلنا لابدَّ من البقاء مع الشَّيخ طوال حجَّة .
فما كان إلاَّ أن استئذنَّا في البقاء مع أهل المخيَّم وغالبهم من الأردن أن لم يكن كلَّهم ، وكان برفقة الشَّيخ مجموعة من تلاميذه من أهل الأردن وغيرهم ، فأذنوا بذلك جزاهم الله خيرًا ، ففرحنا بذلك وبقينا في المخيَّم نتعرَّف على بعض طلاَّب العلم من طلبة الشَّيخ ، وممَّن تعرفنَّا عليه وقرَّبنا إليه مسجِّلُ أشرطة الشَّيخ أبو ليلى الأثري ، فكان يسجِّل للشَّيخ تلك الحلقات ، وكنت أحمل معي أيضًا مسجِّلاً فصرت أسجل للشَّيخ كما يسجِّل .
وفي اليوم التَّالي وهو يوم عرفة ، بدأ التَّهيُّؤ للصعود إلى عرفة ركب الشَّيخ سيَّارة خاصَّة مع صهره وأبي ليلي ، وركبنا حافلة صغيرة مع طلبة الشَّيخ ، ولـمَّا وصلنا إلى عرفة أخذ كلٌّ منَّا مكانه في الخيمة المخصَّصة للحملة ، وجلست قريبًا من الشَّيخ أرقب ما يصنع في هذا اليوم ، فرأيت فيه الاتِّباع للسُّنَّة والاجتهاد في العبادة ما لم نكن نسمعه عن الشَّيخ ، فلم يزل يذكر الله تعالى ويكبره ويعظمه ، بل قد يستلقي أحدنا من شدَّة التَّعب والحرارة [ ولم يكن يومئذ مكيِّفات في الخيم ]والشَّيخ باق على ذكره ، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويرشد المخطئ ، إذا رأى شخصًا يقرأ في كتاب الله نصحه بالذِّكر الوارد في هذا اليوم لأنَّه أفضل من قراءة القرآن ، ويأتيه السَّائل يسأله فيجيب الشَّيخ عن سؤاله ، وأذكر أنَّه جاءه أحد العمَّال المصريِّين وكان يشتغل في نصب خيام الحجاج ، وبدا له أن يحجَّ في ذاك اليوم ، فاستفسر منه الشَّيخ هل النِّيَّة عقدها ذاك اليوم أم قبله ؟ فأجابه بأنَّه لما رأى الحجيج أراد أن يحجَّ ونواه ، فأمره الشَّيخ أن يلبِّــي بالحجِّ ويحرم من مكانه .
وكان الشَّيخ يؤتــي له في بعض الأحيان بالحلو البارد [ البطِّيخ ]فكان يطعمني منه – جزاه الله خيرًا – لأنَّني كنت أقرب النَّاس مجلسًا منه في ذاك اليوم ، ويعلم الله كم تأثَّرت بكثرة عبادته وذكره ، خلاف ما يشاع عنه أنَّه يعني فقط الأسانيد ولا اجتهاد له في العبادة ،{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ }[ فاطر :28 ] .
وفي مغرب ذاك اليوم وعند النُّفرة ركب الشَّيخ سيارته وركبنا معه الحافلة المخصَّصة لنا ، وكان الزِّحام شديدًا ، فالتقينا ببعض أهل اليمن يركبون حافلة لهم فبلَّغوا سلام الشَّيخ مقبل رحمه الله للشَّيخ الألباني وهو بدوره أمرهم بتبليغ سلامه للشَّيخ مقبل كثيرًا .
وفي اليوم التَّالي وهو يوم النَّفر من مزدلفة إلى منى فقدنا سيارة الشَّيخ فافترقنا ، وقمنا بإعمال الحجِّ في ذاك اليوم دون أن نكون مع الشَّيخ وتحسَّرنا كما تحسَّر من كان معنا من تلامذته .
وبعد أن أدينا المناسك رجعنا إلى الخيمة في منى والتقينا بالشَّيخ مرَّة أخرى ، فرحب كعادته وسأل عن أوضاعنا وحجّنا جزاه الله خيرًا .
وفي اليوم الأوَّل من أيَّام التَّشريق رَافَقْنَا الشَّيخ إلى المذبح لأداء نسك الذَّبح مع صهره بسيَّارته الخاصَّة ورافقنا أبو ليلي ورجل من أهل مكَّة ممَّن يعرف الشَّيخ ، وذبح الشَّيخ كبشًا أقرن أملح من أجود الغنم وهو ما يسمَّى بالحرِّي ، أمَّا أنا وأخي جمال فبحكم كوننا من طلبة الجامعة الإسلاميَّة اكتفينا بأقلِّ الغنم ثمنًا ، ولما رآهما الشَّيخ دعا لنا بالبركة فيهما .
وفي موضع النَّحر دخلنا مع الشَّيخ وصهره والرَّجل المكِّي ، وحدث أن شرد جمل بين الإبل كاد أن يصدمنا فتفرَّق النَّاس يمينًا وشمالاً ، ولــمَّا رجعت إلى الشَّيخ أصابت ثيابي دماء النَّحر والذَّبح فلمَّا رآني الشَّيخ تمثَّل لي بالمثل السُّوري : " يلِّي بدو يلعب مع القط بدو يتحمل خراميشو "
وعند العودة إلى المخيَّم اغتنمت فرصة الانفراد بالشَّيخ ، فأخبرته أنَّني أحبُّه في الله ، فردَّ عليَّ بما جاءت به السُّنَّة .
وفي اليوم ذاته أرسلت ابنة الشَّيخ وهي من أهل جدَّة – فيما أذكر – كبد الشَّاة الَّتي ذبحها ، فأطعمنا منها بيده وشرب من مرقها وكان يحبُّه .
وفي أيَّام التَّشريق كان الشَّيخ يصلِّي بنا ويدرس بعد الفجر ، ويبقى في درسه حتَّى يرى بعض الرُّؤوس تتطأطأ ، فهنا يوقف درسه ويتَّجه إلى خيمته الخاصَّة ، وكنت أجلس بجانبه أستمع لدروسه وفوائده ، ثمَّ بعد ذلك يُؤذن لنا بدخول الخيمة الخاصَّة أنا وأخي جمال إذ أصبحنا من خاصَّته ،ويتوافد عليه الكثير ممَّن سمع بالشَّيخ من الدَّكاترة والمشايخ وأهل العلم ، فكانت لقاءات ومناقشات داخل خيمته ولا يؤذن إلاَّ للبعض ، أمَّا أنا وجمال فلم نكن نحتاج إلى إذن ، خاصَّة أنَّنا بقينا مع الشَّيخ من اليوم الثَّامن ، فَعَرَفَنَا – جزاه الله خيرًا – ، وعرفنا من كان يقوم على خدمته أمثال أبي ليلي الَّذي كان كالحاجب إلاَّ أنَّه يُغلب على أمره من كثرة الزُّوار ، حتَّى قال له الشَّيخ مرَّةً : إنَّا وضعناك حاجب النَّاس ، لكن لم تقدر على ذلك أو كلمةً نحوها ، ويسأل أين الحاج من كثرة الزِّحام عليه فلا يكاد يتخلَّص منهم إلاَّ بعد عناءٍ ومشقَّةٍ .
بل طلب منِّــي أبو ليلى مساعدته في خدمة الشَّيخ ، وكنت سعيدًا جدًّا بذلك ، حيث جلست عن يسار الشَّيخ وأبو ليلى عن يمينه ، فيقبض بيدي وأقبض بيده والشَّيخ متَّكئ على ساعدي وساعده ، ويحدث النَّاس ويجيب عن أسئلتهم واستفساراتهم ، فيبقى الوقت الطَّويل على ذلك ، كنت أحسُّ بثقل في ساعدي ويدي لكن لم أتمكَّن من إظهار ذلك احترامًا للشَّيخ وتقديرًا له .
ومرَّت الأيَّام الثَّلاثة على ذلك ، دروس بعد الفجر لأهل الحملة ، حتَّى إذا شَعَرَ الشَّيخ أنَّ بتعب جلسائه وحاجتهم إلى النَّوم ، استأذن ودخل خيمته ، فأفاد فيها من يأتيه من الزُّوَّار
وأذكر في هذه الأيَّام أنِّي رأيت عجبًا من حلم الشَّيخ وصبره ، إذ أتاه رجل كبير السِّنِّ عليه مظاهر البداوة أمسك الشَّيخ من ثوبه ليسأله ، فتلطَّف الشَّيخ معه وقال له : اصبر عليَّ فالله ابتلاك بي ، ثمَّ أجابه عن سؤاله ، فذكَّرني بما كان عليه النَّبــي صلَّى الله عليه وسلَّم من حلم وأناة وصبر على جفاة الأعراب.
فتلك المواقف لا يمكن للإنسان نسيانها ، بل ينسى نفسه ليبقى فترة أطول يستفيد من علم الشَّيخ وسمته ، وهذا حصل لي ولأخي جمال ، فلم نستطيع في تلك الأيَّام مغادرة المكان حتَّى لا يفوتنا شيء ، فبقينا بإحرامنا ونحن حلال لِبُعْدِ المسافة الَّتي ظنَّ بعض من رآنا كذلك أنَّ للشَّيخ فتوى في البقاء على الإحرام أيَّام التَّشريق ، فبيَّنا لهم أن الأمر غير ذلك .
انتهت أيَّام التَّشريق فعاد الشَّيخ إلى بيت ابنته بجدَّة ، فما كان منَّا إلاَّ أن طفنا طواف الوداع ، واتَّجهنا نحو جدَّة فالتقينا مرَّة أخرى في المسجد ،فتعجَّب رحمه الله من صنيعنا وسلَّم علينا ودعا لنا جزاه الله عنَّا وعن المسلمين خير الجزاء على ما قدَّم .

المصدر: العدد الواحد والثَّلاثون من مجلَّة الإصلاح السَّلفية – الجزائر

أحسنت بارك الله فيك ولقد جعلتنا بحق نعيش مع الدكتور أبي عبد الباري أوقاتا طيبة قضاها مع الشيخ ناصر الدين رحمه الله وأثابه الجنة ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركآته
للقلب يحن لاجتماع العلماء والنظر في وقارهم
حتى السمت كاد ينطق إذا ما كُتب شيء عنهم
فلله درهم والله

جزيتِ خيرا أخيه

الشَّيخ السُّحَيْمِي يبكي وهو يحكي قِصَّة لقائِهِ بالشَّيْخِ الألبانِيّ،
ولقاء الشَّيْخَيْن العبَّاد والتّويجري بالألبانيّ

(كان هذا في درس الشّيخ يوم: 21 / رمضان / 1445هـ بالمسجد النّبويّ)

تحميل

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلواان الجيريا
أحسنت بارك الله فيك ولقد جعلتنا بحق نعيش مع الدكتور أبي عبد الباري أوقاتا طيبة قضاها مع الشيخ ناصر الدين رحمه الله وأثابه الجنة ..

و فيك بارك الله

[quote=عفة مريم;3991509508]السلام عليكم ورحمة الله وبركآته
للقلب يحن لاجتماع العلماء والنظر في وقارهم
حتى السمت كاد ينطق إذا ما كُتب شيء عنهم
فلله درهم والله

جزيتِ خيرا أخيه

ولك مثل الجزاء وزيادة اخيتي

بارك الله فيك……………………………………….. …………

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو حذيفة عبدالنور التيبازي الجيريا
الشَّيخ السُّحَيْمِي يبكي وهو يحكي قِصَّة لقائِهِ بالشَّيْخِ الألبانِيّ،
ولقاء الشَّيْخَيْن العبَّاد والتّويجري بالألبانيّ

(كان هذا في درس الشّيخ يوم: 21 / رمضان / 1445هـ بالمسجد النّبويّ)

تحميل

بارك الله فيك

جزاكِ الله خيرا اخيه على هذا النقل الطيب المبارك

طوبى لهم من حجة

والله يرحم الشيخ الألباني

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **د لا ل** الجيريا
جزاكِ الله خيرا اخيه على هذا النقل الطيب المبارك

طوبى لهم من حجة

والله يرحم الشيخ الألباني

ولك مثل الجزاء وزيادة اختي
بارك الله فيك