هل مات الصحفي الدانماركي حرقا – عبد الحليم توميات 2024.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فقد سألني أحدُ الإخوة عن صحّةخبر الصّحفيّ الدّانماركيالّذي دخل التّاريخ من بابه الأسودباستهزائه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومفاد الخبر أنّهوُجِد محترقا ببيته ! فأحببت أن تكون المنفعة عامّة، فأقول:
أوّلا: اعلموا – أيّها القرّاء الأعزّاء – أنّ نقلة الأخبار، ورواة الأحداث الواقعة في الأمصارثلاثةأصناف:

1)صنْفٌ يتثبّت قبل كلّ شيء من صحّة الخبر أو كذبه. يتثبّت من أصله … ثمّ ممّا قد يُزَاد عليه في رحلته عبر ألسنة النّاس … فالخبر – إن كان له أصلٌ – يخرج من بلده شبرا، فيصل ذراعا.
ثمّ إذا تثبّت فعليه أن ينظر ويتأمّل: أين المصلحة في نقل هذا الخبر ؟ وهل يستغلّ هذا الخبر لغرض مشين، وهدف مهين ؟
بعد ذلك يتوكّل على الله وينشر ما لديه من الأخبار.
2) صنفٌ حسن النيّة، طيّب الطويّة، ولكنّه لا يتثبّت، فربّما ضرّ من حيث يظنّ أنّه ينفع، وهدم من حيث يظنّ أنّه يرفع ..
فالأولى بهؤلاء أن لا يكونوا وسيلةً من وسائل إعلام المغرضين، وأداة في أيدي المرجِفين.
وتأمّل قوله تعالى:{ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ …} الآية، مع أنّ المرء يتلقّى الخبر بآذانه ! ولكنّه تعالى أراد أن يلفِت انتباهنا إلى سرعة نقل الخبر حتّى لم يبق بآذانه لحظة واحدة.
3) صِنفٌ همّه الوحيد، وهدفه الفريد هو إثارة الشّهوات، وزرع الشّكوك والشّبهات، والسّخرية من المؤمنين والمؤمنات ..
فندعو جميع المسلمين إلى أن يكونوا من الصّنف الأوّل.
ثانيا: خبر الدّانماركي هذا، من ناقله ؟ هل حضر جنازته، وشهد وفاته ؟
فإن لم يكن كذلك، فهل اطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدا ؟
والعجيب أنّ ناقله يقول: إنّ الصّحافة الدّانماركيّة متكتّمة على الخبر ! إنّها لإحدى الكُبر !
لو كان حقّا ما يقول، فإنّها فرصتهم السّانحة لاتّهام المسلمين بقتله وحرقه، ومن ثَمّ إعادة فتح ملفّه، ويبنُون لأنفسهم مجدا مؤثّلا، ويفتحون باب الشّهرة الّذي بات مقفلا ..
ثالثا: قال النّاقل: إنّ امرأة فلسطينيّة هي من رأت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام وأخبرها بحرقه !
ما زلنا نُعاني من رسالةالشّيخ ! أحمد المكّي ! الّتي تطلع علينا في كلّ عام مرّة أو مرّتين، ثمّ لا يفيق النّاس ولا يهتدون سبيلا ..
وها هي اليوم تُطلّ علينا رؤيا من فلسطين .. مفادها إبلاغ النّاس خبر الدّانماركيّ المحترق ؟
فمن هذه المرأة ؟ ( فليس كلّ ما يلمع ذهبا).
ثمّ هل رأت النبيّ صلّى الله عليه وسلّمفعلا على صورتهبصفاته الخلقيّة والخِلقيّة ؟
فإنّ الشّيطان لا يتمثّل بصورة النبيّ صلّى الله عليه وسلّمالحقيقيّة، أمّا أن يأتِي في أيّ صورة ويقول: أنا رسول الله،فما المانع؟
رابعا: أنصح نفسي وإخواني أن لا نكون وسيلة لنقل ما يريده المهرّجون والسّاخرون،ففي كلّ يوم يرفعون علما من أعلام الخرافات، والكذبات والخدعات.
إنّ هناكمنتدياتمشهورة للعلمانيّين واللّيبراليّين العرب – ولا أرغب في الإشهار لها بذكر اسمها – جعلوا همّهم الوحيد وهدفهم الفريدهو السّخرية من المسلمين بنقل مثل هذه الخرافات والكذبات.
ويسمّون بعض أركان ألعابهم تلك بـ( اختبار لتخلّف عقول المسلمين )!!
وشروط لعبتهم:
1أن يشارك أكبر عدد.
2 أن تحمل القصّة النّبرة الإسلاميّة كالقصص المخترعة عن المجاهدين، أو أحد الشّيوخ، أو الإعجاز العلمي في القرآن.
3اجتناب العزو إلى الكتب والمراجع التّاريخيّة.
4وضع الشّائعة باسم مستعار في المنتديات الإسلاميّة.
ثمّ استدرك فقال: لا، يكفي وضعها في منتدى واحد، والمغفّلونسيقومون بنشرها بسرعة البرق !!!
ثمّ شرع كلّ منهم يضع ما يوحي به الشّيطان إليه.
من تلك الأخبار الّتي وضعها هؤلاء وانتشرت السّنين الأخيرة:
1) قصّة الشاب الّذي فتحوا قبره بعد ثلاث ساعات، فوجدوه محترقا !
والواقع: أنّ الجثة ما كانت إلاّ لفتاة سعودية احترقت في حادث.
2) قصة الفتاة العمانية: الّتي تحوّلت إلى عنزة مشوّهة، عقابا لها على إهانتها للمصحف الشّريف.
والواقع: أنّ الصورة ما هي إلاّ عمل فنيّ تخيلي بالشمع من إنجاز طائفة يعتقدون الاستنساخ.
3) قصّة نيل أرمسترونغ: وأنّه سمع صوت الأذان من على سطح القمر، وأنّ ذلك كان سببا لإسلامه !!
والواقع: أنّ مكتب أرمسترونغ سارع بتكذيب الخبر, بل عقد هو نفسه مؤتمرا صحفيا بالهند ينفي فيه هذه الأكذوبة.
4) صورة الجنيّ: فقد زعموا أنّ شابّا إماراتيّا قام بتصويره في كهف، ومات الشاب مباشرة بعد تصويره !
والواقع: أنّه لا يمكن رؤية الجنّ على صورتهم الحقيقيّة، حتّى إن الكلمة ( جنّ ) تعني الاختفاء.
والصّورة المزعومة ما كانت إلاّ مجسّما منحوتا متقنا في أحد الكهوف، وكانت عيناه متصلتين بزرّ كهربائي لإضاءة العينين باللّون الأحمر.
5) قصّة الأصوات الّتي صدرت من الأشجار في الغابة: زعموا أنّ أحد العلماء صمّم جهازا لفكّ شفرة الأصوات، فكانت النّتيجة أنها كانت تنطق بكلمة ( الله ) فأسلم بعدها.
والواقع: أنّ الخبر صنعه أعضاء موقع " الليبراليين العرب " بغرض السخرية من المسلمين، وقد نجحوا.
6) قصّة إسلام ابنة بيل كلينتون.
والواقع: أنّها نفسها قامت بنفي وتكذيب هذا الخبر، نعم، ذكرت أنها مهتمة بدين الإسلام وأنّ لديها نسخة مترجمة من القرآن.
7) إسلام مايكل جاكسون: وتتوالى موضة إدخال الّناس ! إلى الإسلام ..
والواقع: أنّه يعلن احترامه للإسلام – وليس ذلك لأنّه درسه، ولكنّ أخاه وكثيرا من معارفه مسلمون – وتسمعه ينفي بشدة الدخول فيه. قال تعالى:{ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}.
8) صورة لحديقة بألمانيا: ولقد كوّنت جذوع الأشجار – فيما زعموا – على الجانبين شهادة التّوحيد ! وأن ألمانيا من أجل ذلك أغلقت الحديقة !!
الواقع: ما كانت الصّورة إلاّ لوحة لفنّان مصريّ، وقد حذف النّاشرون توقيعه عليها.
9) صورة الحرمين: زعموا أنّ وكالة ( ناسا الأميريكيّة ) التقطت صورة للأرض كان كلّ شيء مظلما إلاّ صورة الحرمين كانت تظهر مضيئة ليلا.
الواقع: الصورة من أنجاز " الفوتوشوب "، فقد التقطت الصّورة نهارا ثمّ قاموا بتعتيم المباني المحيطة بالحرمين بالأسود.
10) صورة انشقاق القمر: زعموا أنّ ( وكالة ناسا ) التقطت صورة خط على سطح القمر من جرّاء انشقاقه ! طبعا، وكان ذلك إعجازا مبهرا !!!
الواقع: ليست الصّورة إلاّ من تلفيق هؤلاء النّاقمين بالفوتوشوب، وما عليك إلاّ أن تتصفّح موقع ( ناسا ) فلن تجد أساسا لهذا الخبر.
11) ونأتي إلى خبر الدّانماركيّ: وأنّه وجدت جثته محترقة !!
والواقع: لا يزال هذا المستهزئ – وهناك من هو أكثر وسكتوا عنهم – يظهر مرّات متعدّدة على وسائل الإعلام المرئيّة.
وأخيرا:ليُكُن همّنا ربطُ النّاس بالوحي وليس غير الوحي.
أمّاتلك البشارات فإنّه لا بدّ من التثبّت منها قبل نقلها، فإن كانت حقّا فلله عزّ وجلّ الحمد والمنّة ونسأله المزيد من فضله ..
وإن كانت كذبا فما على المحسنينمن سبيل، والله حسبنا ونعم الوكيل.

رسالة إلى المبذّرين والمسرفين – أبو جابر عبد الحليم توميات 2024.

الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلاّ على الظّالمين، أمّا بعد: فقد جرى أهل العلم قديما وحديثا إذا تكلّموا عن بدعة الاحتفال بالمولد النبويّ على بيان المخالفات في العقيدة والعبادة، بما لا يدع مجالا لأيّ شكّ في بدعيّته.
وأمّا في هذه البلاد خاصّة، وفي هذه الأيّام خاصّة، فإنّ هناك طائفة من النّاس ينبغي تحذيرهم أيضا من مظاهر الاحتفال بإحراق أموالهم، وتضييع قواممعاشهم.
فحديثي إلى من غلبتهم أنفسهم، وطاشت عقولهم، فراحوا يفسِدون أموالهم عن الشّمال وعن اليمين .. ويَصِمون أنفسهم بلقب مشين، فرضوا بأن يتّصفوا بـ:المسرفين والمبذّرين ..
حديثي إليك أيّها الشابّ .. لا نحبّ أن نراك تستجيب لداعي الغيّ والفساد، متنكّبا عن سبيل الهدى والرّشاد .. وأرجو منه أن يعلم الغاية الّتي خلق من أجلها، ويتذكّر الدّار الّتي سينقل إلى أهلها ..
حديثي إليك أيّها الصبيّ .. تعيش صفحة بيضاء غرّاء من عمرك، لا تدري شيئا من أمرك، ترى أنّ كلّ ما يفعله والداك فهو الصّحيح، وما يتركانه هو العيب القبيح ..
إذن فحديثي إليكما أيّها الوالدان الكريمان: فخير أولادكم ينسب إليكما، وشرّهم يعود عليكما.

وإنّكما موقوفان يوم العرض الأكبر لا تخفى منكم خافية، فتُسألان عن الأولاد وفلذات الأكباد، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
وفي الصّحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( كلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )).
وفي صحيح مسلم عن مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ المُزنِيِّ رضي الله عنه قال: إنّي سمعت رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِاللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ))..
حديثنا إليكم جميعا عن قُبح التّبذير والمبذّرين، وذمّ الإسراف المسرفين ..
وإنّه لا يخفى على كلّ من حلاّه الله بالإسلام وطاعة العليّ القدير، وكلّ من آتاه الله الفطنة والعقل وحُسن التّقدير، أنّ التّبذير بجميع أنواعه محرّم، فما يحتاجه المسلم هو كلمات تُعيده إلى زمرة الرّاشدين، وتخرجه من زمرة الفاسدين، وكما قال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىتَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذّاريات:55].
فتذكّر أخي الكريم:
أوّلا: نهي الله عن التّبذير:
فقد قال الله تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً} [الإسراء:26]،
{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} فالأقربون أولى بالمعروف، أن تغيث منهم المحتاج والملهوف، فتعطيه حقّه من البرّ والإكرام، فتنفق على الأهل والأولاد والوالدين نفقةً تسدّ بها حاجتهم، وتستحقّ بها طاعتهم واحترامهم.
{وَالْمِسْكِينَ} آته حقّه من الزّكاة والصّدقات لتزول مسكنتُه، وتُقضَى حاجتُه، وارفع عنه ذلّ الحاجة، وأعظم الأعمال سرور تُدخله على قلب مسلم.
{وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو: الغريب المنقطع عن بلده.
ولكن:{وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} أي: لا تعطه جميعَ مالك حتّى تضرّ بنفسك، فإنّ سدّ حاجتك أولى من سدّ حاجة النّاس؛ لذلك جاء في صحيح مسلم عن جابرٍ رضي الله عنه أنّ رجلا جَاءَ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَهَا إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: (( ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَاوَهَكَذَا )).
فتأمّل أخي الكريم كلام الله عزّ وجلّ، تجده ينهى عن مجاوزة الحدّ في الطّاعات والمستحبّات، فينهى المسلم أن يتصدّق بجميع ماله ! ويزجره إن أعطى المحتاج فوق حاجته ! فإنّ ذلك تبذير نهى الله عنه !
قال الشّافعيّ رحمه الله:" التّبذير إنفاق المال في غير حقّه ". أي: ولو كان ظاهر العمل خيرا، فإنّه أيضا تبذير وإسراف. وقد أنكر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على من أنفق جميع ماله مضيّعا أهلَه، وقال له: (( خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى )).
ثانيا: تذكّر أنّ المبذّرين قد وُصِفوا بشرّ الأوصاف ..
فبعد أن نهى الله نهيا صريحا عن التّبذير، قال تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:27].
إخوان الشّياطين، أي: إنّما هم يتّبعون أمر الشّيطان، قال العلماء:" لأنّ الشّيطان لا يدعو إلاّ إلى كلّ خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف والتّبذير، والله تعالى إنّما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرّحمن الأبرار:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}" اهـ [تفسير السّعدي رحمه الله].
وذكر القرطبيّ رحمه الله في " تفسيره " ثلاثة أقوال في سبب اعتبارهم إخوان الشّياطين:
الأوّل: أنّهم في حكمهم، إذ المبذّر ساعٍ في الإفساد كالشّياطين.
الثّاني: أنّهم يفعلون ما تسوِّل لهم أنفسُهم.
الثّالث: أنّهم يقرنون بهم غدا في النّار، عياذا بالله.
وتأمّل كيف ختم الآية بذكر أعظم صفات الشّيطان:{وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً}، فهو قد كفر بأنعم الله، وكذلك التّبذير. وهذا هو:
الأمر الثّالث:إضاعة المال كفر بنعمة الله تعالى.
ولقد قال تعالى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، وإنّ هذا المال من أعظم مِنَنِ الله تعالى على العباد، ينبغي على العباد شكرها لا كفرها.
ولشدّة حرص النّاس عليه والسّعي إليه، وردت نصوصٌ لا يحصيها أحدٌ في ذمّه؛ كيلا يُبالغ النّاس في طلبه، وتصلَ أيديهم إلى أموال النّاس .. فعجيب أمر هؤلاء كيف يضيّعون ما من أجله يتعبون، وحقوقَ غيرهم يأخذون.
واحفظ هذا عن العلماء: إنّ أركان شكر النّعمة ثلاثة: الاعتراف بها، ونسبتها إلى المنعم وحده، وصرفها فيما يجب.
الاعتراف بها: فمن غير اللاّئق أن يغدِق الله عليك النّعم ثمّ يسمعك تشكو ضيق الحال وسوء المآل.
نسبتها إلى الله سبحانه، فمن الكفر بالنّعمة أن تنسبها إلى حولك وقوّتك، ومثل هذا كمثل قارون الّذي قال يوم ذكّره قومه بشكر الله وطاعته:{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص: من الآية78]، وكلّنا يحفظ قصّة الأعمى والأقرع والأبرص – وهي في الصّحيحين – يوم آتاهم الله من كلّ ما سألوه، فكان من خبرهم ؟
لمّا أتاهم الملك في صورة رجل مسكين انقطعت به السّبيل، يسأل الأوّل ( بِالَّذِي أَعْطَاه اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ )، ويسأل الثّاني: ( بِالَّذِي وَهَبَهُ الشَّعْرَ الحَسَنَ وَالمَالَ )، ويسأل الثّالث ( بِالَّذِي رَدَّ إِلَيْهِ بَصَرَهُ وَالمَالَ ).
فقال الأبرص والأقرع: ( لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ ). قال الملك لكلّ منهما: ( إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ ). وعادا إلى ما كان عليه، ولعذاب الآخرة أشقّ.
أمّا الأعمى (( فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ ) فقال الملك: ( أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ ).
والرّكن الثّالث لشكر النّعمة:
صرفها فيما يجب: فإنّك إن صرفت النّعمة فيما لا يليق فهو كفر بها، فالعين ما خلقها الله إلاّ للنّظر في مخلوقاته، وتدبّر آياته، فلا تمدّن عينيك إلى حرام .. واللّسان ما خلق إلاّ لذكر الله والنّطق بالطيّب من القول، فلا تصرفه في الكذب والغيبة والكلام البذيء، كذلك المال ما خلقه الله إلاّ لإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة، وصرفه في وجوه البرّ والحلال، فلا تصرفه في الزّائد عن قدر حاجتك، ومن باب أولى لاتصرفْهُ في محرّم.
فإذا تبيّن أنّ التّبذير كفر بنعمة الله، فأعدّ – أخي الكريم، أختي الكريمة – الجوابَ عن السّؤال الّذي يسألك إيّاه الكبير المتعال ..
الأمر الرّابع: أنّ العبد يحاسب في ماله حسابا خاصّا ..
ففي سنن التّرمذي وغيره عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِرَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ ؟ )) فما عساك أن تجيب ؟!
هل ستصرّح بأنّك آتيته الولد كي يشتري به ما يعصِي به الله الواحد الأحد ؟! هل ترى من الآن أنّ صرف المال في مثل المفرقعات والشّموع وغير ذلك من الحقّ أو الباطل ؟!
إذن فقف مع نفسك من الآن قبل ذلك الموقف؛ فمن حاسب نفسه خفّ عنه الحساب، ووقاه الله سوء العذاب.
خامسا: تذكّر أنّ الاقتصاد وحسن التصرّف من مزايا الإسلام.
ومن ألقى نظرة خاطفة على الفقه الإسلاميّ ليعجب أشدّ العجب من تعظيم الشّريعة وعلماء الشّرع لأمر التّبذير والإسراف، انطلاقا من النّصوص السّابقة، ومن نصوص أخرى:
كقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: من الآية31].
وأكّد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بُغض الله لذلك، ففي الصّحيحين عن المُغيرةِ بنِ شعبةَ رضي الله عنه عن النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( إِنَّاللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ )).
قال العلماء: إضاعة المال هي إنفاقه في غير طاعة الله، أو بالتّوسع في الحلال المباح !
وروى البخاري عن خَوْلَةَ الأنصاريّةِ رضي الله عنها قالت: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: (( إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِبِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )).
وروى البخاري تعليقا والنّسائي وأحمد عن عبدِ الله بن عمرِو رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا، فِيغَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ )).
وقال ابنُ عبّاسٍ رضي الله عنه:" كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَمَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ ".
وكان عمر وأنسٌ رضي الله عنهما يقولان:" إنّ من السّرف أن تأكل كلّ ما اشتهيت ".
وقد حرّم العلماء إضاعة الماء، والورق، وإفساد النّبات، وغير ذلك، حتّى ولو كنت في طاعة.
وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتوضّا بمدّ، ويغتسل بأربعة أمداد إلى خمسة ! واختلف العلماء هل يجب التقيّد بما فعل، أو يجوز الزّيادة عليه ؟ والصّواب: أنّ العبرة بالحدّ الّذي يكفي المتوضّئ، فلا يتجاوزه.
لذلك كان القول الصّحيح من أقوال أهل العلم هو تحريم الإسراف في استعمال الماء في الوضوء، بدليل ما رواه أبو داود عن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه أنّه سمع ابنه يقول:" اللّهم إنّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنّة " ! فقال له والده:" أيْ بنيّ ! سلِ الله الجنّة وتعوّذ به من النّار، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
(( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌيَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ ))، فسمّاه اعتداءً، و{إِنَّاللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}.
أرأيت إلى كوب الماء إذا ولغ فيه الكلب ؟ أرأيت إذا أدخلت يدَك في الإناء بعد استيقاظك من نومك قبل غسلها ثلاثا ؟ هذا الماء كرهالعلماء إلقاءه، وقالوا: عليه أن يُلقيه في الزّرع أو يسقي به بهيمة ..
فما ظنّك بمن يفتح الحنفيّة يريد الوضوء، والمرأة تريد التّنظيف ؟!..
بل ما ظنّك بمن يذهب إلى جيبه فيقتطع شيئا من ماله ثمّ يُحرقُه؟!..
سادسا: التّبذيرمن أسباب الحجر:
والحجر: هو منع المرء من التصرّف في ماله من أجل السّفه أو الفلس.
قال القرطبيّ رحمه الله:" ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذّر "، وقال ابن المنذر رحمه الله: " أكثر علماء الأمصار يرون الحجر على كلّ مضيّع لماله صغيرا كان أم كبيرا ".
وقال الشّوكانيّ رحمه الله: " والسّفه المقتَضِي للحجر هو صرف المال في الفِسق، أو فيما لا مصلحة فيه ولا غرض دينيّ ولا دنيويّ ".
وإنّ الله جلاله يقول:{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء: من الآية5]. فاستجيبوا إلى نداء الله، ولا تُؤتوا الصّبية الأموال إلاّ إذا عُلِم وجه إنفاقها.
سابعا: تذكّر المفاسد الأخرى الّتي تنشأ من وراء هذه الاحتفالات.
ففيها ترويع للمسلمين، وقد روى أبو داود أنّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا )).
أذيّة المؤمنين: وكلّنا يسمع صبيحة الاحتفالات إحصاءات عجيبة مذهلة عن الإصابات الّتي تحدثها تلك الاحتفالات: فهذا احترق بيتُه ! وذاك احترقت سيّارته ! وطفلة صغيرة فقدت بصرها ! وصبيّ احترق جسده ! إلى غير ذلك، بل إنّه حدث الأعوام الأخيرة أن اضطرّالمصلّون بالمساجد إلى الجمع بين الصّلاتين، لشدّة الخوف الّذي ركب نفوسهم وملأ صدورهم !
وفيها نشر الأذى في طرقات النّاس: فما تُخلّفه تلك المفرقعات من الأذى لم يعُد يخفى على أحد، وقد جعل الله إماطة الأذى من الإيمان، وجعله من الصّدقات، ولعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الّذين يتخلّون في طرقات النّاس ومواردهم.
ثامنا: أنّ في ذلك إرضاء لأعداء لله:
وهو القائل سبحانه:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.
فالعجيب أن يترك العبد نداء الله:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة:195]..
ويترك نداء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ))..
يترك نداءات الإيمان والإحسان، ثمّ يتّبع الشّيطان وأولياء الشّيطان ..
وتأمّلما ذكره المؤرّخ المشهور الجبرتي المصريّ رحمه الله في "عجائب الآثار" (2/201، 249) وفي كتاب آخر له:" مظهر التّقديس بزوال دولة الفرنسيس" (ص 47):
أنّ نابليون بونابرت عندما احتلّ مصر انكمش الصّوفية وأصحاب الموالد وضعف نشاطهم، ففي سنة 1798م سأل قائد العسكر عن المولد النّبوي ؟ ولماذا لم يعملوه كعادتهم ؟
فاعتذر الشّيخ البكري بتوقّف الأحوال وتعطّل الأمور وانعدام المصاريف.
فقال له القائد: لا بدّ من ذلك!
فأمر له بثلاثمائة ريال فرنسيّة يستعينون بها على إحياء المولد " !
قال الجبرتي:" فعلّقوا حبالا وقناديل، واجتمع معهم الفرنسيّون، ودقّوا طبولهم، وأحرقوا الحرّاقات، وأشياء أمثالالصّواريخ، تصعد في الهواء "!.
ولعلّنا نتساءل ما هدف نابليون وجنوده من وراء ذلك ؟
نترك الجواب للمؤرّخ نفسه حيث يقول:" ورخّص الفرانساويّة ذلك للنّاس لما رأوا فيه من الخروج عن الشّرائع، واجتماع النّساءبالرّجال، واتّباع الشّهوات، والتّلاهي وفعل المحرّمات "اهـ.
وبتعبير آخر: إنّ أعداء الدّين يعلمون علم اليقين أنّ باب البدع والمعاصي هو مخدّر الأمم والشّعوب، والبعدِ عن نصر علاّم الغيوب.
ونقول للإمام الجبرتي: إنّ الفرنسيّين كانوا يريدون هدم دين المسلمين، ولكنّهم كانوا هم الّذين دفعوا لهم المال ليشتروا هذه المفرقعات.
فتعال اليوم لترى المسلمين يشترون المفرقعات بأموالهم ! ويملئون جيوب أصحاب البلايين والقناطير المقنطرة !..

فنسأل الله تعالى أن يهدينا سبل الرّشاد، ويُجنّبنا سبل الغيّ والفساد، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.

تفسير سورة الحجرات _مقدمة مهمة -أبو جابر عبد الحليم توميات 2024.

الجيريا

الجيريا
تفسير سورة الحجرات -مقدمة مهمة
لفضيلة الشيخ أبو جابر عبد الحليم توميات حفظه الله

الجيريا


درس ألقاه فضيلته يوم 21/10/2016
الموافق ل :23/11/1432 بمسجد بينام


لمشاهدة الدرس مباشرة إضغط هنا بارك الله فيك

بناتنا بين الواقع و المأمول – أبو جابر عبد الحليم توميات حفظه الله 2024.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فموضوع هذه المحاضرة هو " بناتنا بينالواقعوالمأمول" .. أو قل: بناتنا بينالآمالوالآلام.. موضوع من أهمّ الموضوعات، يحتاج إلى دروس ومحاضرات؛ ذلك:
أوّلاً: لأنّه يتعلّق بالفتاة، ذلك الصّرح الّذي يعلّق عليه كلّ الآمال، الّتي سوف تصير في يوم مازوجةًفيها السّكن والفيئ والظّلال، ثمّ أُمّاًتُعدّ لتربية الأجيال وصنع الأبطال.
ثانياً: هذا الهجوم الشّرس الّذي شُنّ على الأسرة المسلمة هذه الأزمان، وبخاصّة هذه الأيّام، فقد كان الأعداء سابقا يعجزون عن الوصول إلى عقول بناتنا لبثّ ما لديهم من سموم، وعَرْضِ ما عندهم من كفر وإلحاد ومجون، أمّا الآن فقد أصبحتتحمل أفكارُهم الرّياح: رياحمهلكة، بل أعاصير مدمّرة، تقصف بالمبادئ والقيم، وتدمّر الأديان والأخلاق، وتقتلع جذور الفضيلة والصّلاح من جذورها، وتجتثّ عروق الحق من أصولها.
إنّه غزو لا تشارك فيه الطّائرات ولا الدّبابات، ولا القنابل ولا المدرّعات، وليس له في صفوف الأعداء خسائر تُذْكر، بل خسائره في صفوفنا نحن المسلمين، إنّه غزو الشّهوات، والأفلام والمسلسلات، والأغاني والرّقصات، وإهدار الأعمار بتضييع الأوقات.

الخطب خطب فادح *** والعيب عيب فاضح
وعارنا في النّاس لا *** تـحمله النّواضـح

وقد أدرك الأعداءأنّ الشّيء لا يُهدم إلاّ من داخله، وعمود الأسرة هي المرأة، ألا فليبدأ الغزوُ من المرأة ! لذلك قال قائلهم:"كأس وغانية يفعلان في أمّة محمّد ما لا يفعله الجيوش الجرّارة".
لقد أدرك هؤلاء أنّ المرأة نصف المجتمع، وهي التي تلد وتحضن وتُأوي النّصف الآخر، فكانت هي المجتمع كلّه .. وأنّها بمثابة القلب إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد .. وهي حارسة القلاع، وحامية البقاع، فإذا نام الحارس أو ضاع، فقل على القلعة السّلام.
يقول خبثاء صهيون في بروتوكولاتهم: (علينا أن نكسب المرأة، ففي أيّ يوم مدّت إلينا يدها ربحنا القضيّة).
ويقول ميدروبيرغر:"إنّ المرأة المسلمة هي أقدر فئات المجتمع الإسلاميّ على جرّه إلى التحلّل والفساد".
ويقول جان بوكارو في كتابه"الإسلام والغرب":"إنّ التأثير الغربيّ لا يكون له أثر مثل ما يكون على المرأة"..
ثالثا: هذا الكيد المبين، وهذا التّكالب العظيم على المرأة المسلمة، يقابله تساهل النّاس في شأن الفتاة، فقصّروا في القيام بواجبهم، حتّى كبرت المرأة وهي معتادة على لبس القصير، والخروج الكثير، والاختلاط بالرّجال، وأن تكون عُرضة للانحراف والضّلال.
لذلك فإنّ الحديث يوجّه أوّلاً إلى الوالدين، وبخاصّة الرّجل، فهو المسؤول قبلها عليها، وأنّ الحساب موجّه إليه أكثر ممّا هو موجّه إليها.
ألا ترى أنّ الله تبارك وتعالى نهى كلا الأبوين الكريمين آدم وحوّاء عن الأكل من الشّجرة، ثمّ عاتب آدم وحده فقال:{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طـه:115]، وقال:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]، وقال:{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طـه:117].
أمّا بناتنا في الواقع: فالواقع لا يخفى على ذي عينين، ولن يكون خلاف في وصفه بين اثنين، فبناتنا أمام هذا الغزو الفاضح أصناف ثلاثة:
صنف على الفطرة، لا ترضى بالرّذيلة، وتحبّ كلّ سبل الفضيلة، ولكنّه صنفٌ لا يدري بما يُكاد له في وضح النّهار، كالرّيشة في مهبّ الرّيح ما لها من قرار.
– وصنف منهنّ تغيّرت فطرتهنّ، والشّيطان سكنهنّ، فرضيت بالدنيّة، والخزي والرزيّة.
– وصنف هنّ أنفس من كلّ عزيز، لا ترضى الواحدة منهنّ إلاّ أن تضع بصمتها على المجتمع، فترأب صدعَه، وتصلح فاسده.
همّتها عالية، وأحلامها غالية، وسؤالها ورجاؤها ما قالته أمّ سلمة للنبّيّ صلّى الله عليه وسلّم: يَا رَسُولَ اللهِ،لَا أَسْمَعُ اللهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ والجهاد؟ فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍأَوْأُنْثَىبَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195].
فالأمل معقودٌ على إيجاد هذا الصّنف من النّساء ..

فكيف السّبيل إلى تحقيق هذا الأمل ؟

أوّلا: الإكثار من الدّعاء.قال الله تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} [الكهف: من الآية17]، وقال عزّوجلّ: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السّجدة:من الآية13].
وتأمّل كلام عيسى عليه السّلام كما حكاه القرآن:{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا}.
فانظر إلى قوله عليه السّلام: وجعلني، وجعلني، ولم يجعلني، فمن الّذي آتاه ؟ إنّه الله .. ومن الّذي آواه ؟ إنّه الله ..ومن الّذي جعله، والّذي لم يجعله ؟ إنّه الله.
واللهِ لو اجتمع المربّون من جميع الأقطار، والمعلّمون من جميع الأمصار، ما استطاع أحد منهم أن يهدي ولدك إلاّ بإذن الله:{إِنَّكَ لا تَهْدِيمَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56].
ثانيا: استحضار نعمة البنات: فإنّ المسلم إذا نظر إلى البنات بأنّهنّ من نِعمِ الله العظيمة، سعَى إلى شكرها بتسخيرهنّ في طاعته وابتغاء مرضاته.
يقول المولى جل وعلا:{للهِ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَن يَشَاء إِنَـاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَـاثاً} [الشورى:49،50]، قال بعض السّلف: من بركة المرأة أن تلِد الإناث قبل الذّكور؛ لأنّ الله تعالى بدأ بذكرهنّ.
وقد حضّ الإسلام على الاعتناء بالبنات خاصّة ورعايتهنّ، روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ )).
وفي صحيح مسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ))-وضمّ أصابعه-.
وروى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر مرفوعاً: ((لاَ تَكْرَهُوا البَنَاتِ؛فَإِنَّهُنَّ المُؤْنِسَاتُ الغَالِيَاتُ)) ["الصّحيحة" (3206)].
ثالثا: الدنوّ منهنّ: فالدنوّ علامة الحبّ والتّقدير والاحترام.
وخاصّة إذا بلغت الفتاة أشدّها، فقد روى أبو داود والترمذي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: (( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا حَدِيثًا وَكَلَامًا بِرَسُولِ اللَّهِصَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَمِنْ فَاطِمَةَ،كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ)).
وخير مثال يُذكر حال الخنساء مع أخيها صخر، فإنّها قالت في رثائه القصائد الطِّوال، وأبلغت في المقال، ولم تقل حرفاً فيمن استشهد من أولادها، ذلك لأنّ أخاها صخراً كان لها نِعْم المُعين والمؤنِس.
وينشأ من البعد عنهنّ:
الجهل بأحكام الدّين: فإن رأت الفتاة بينها وبين والدها بعدا، وجعل بينه وبينها سدّا، فأنّى لها أن تقصده لتعلّم دينها؟!
– خفاءالخطأ: فقد تكون الفتاة على خطأ، فيزداد نموّا مع مرور أيّامهم، لماذا ؟ لوجود ذلك الحاجز المنيع .. لا يصل صوت كلّ منهما إلى الآخر.
أمّا لو كان هناك احتكاك ومخالطة، ونقاش ومحادثة، فسيمكن للفتاة أن تفاتح والديها في الموضوع كصديق يحادث صديقه، ورفيق يناصح رفيقه:{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء: من الآية 94].
الفراغ المهلك: فإنّ الزّجاجة الفارغة إن لم تملأها بالماء العذب الزّلال، ملئت بالهواء وسوء الحال.
فإذا لم تكن حاضرا في حياة ابنتك مربّيا ومعلّما، وناصحا ومفهّما، فسيبحث كلّ منهما عن ناصح خارج البيت. ولك أن تتصوّر ما الّذي ستجده خارج البيت؟!
وقد أثبتت الدّراسات النّفسيّة أنّ 80 % من الفتيات اللاّء يحرمن من حنان الأب والأخ يبحثن عنه خارج البيت.
رابعاً:التّعليم والتأديب.
فإنّ الله تعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، قال عليّ رضي الله عنه في هذه الآية:" علّموا أهليكم الخير "، وقال مجاهد رحمه الله:" أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم ".
وكان يقال:" من أدّب ولده أرغم أنف عدوّه "

ومنزلة التَّأدب من أديبٍ *** بمنزلة السِّلاح من الشُّجاع

وقد عظّم الله تعالى لقمان الحكيم في كتابه من أجل وصيّته الغالية لابنه.
وعليك بالقصص الهادف البنّاء: كقصص الصّالحات، من أمثال امرأة فرعون في صبرها على الزّوج الطّاغية، وأمّ سليم في صبرها على فقد الأحباب، وأمّ شريك في ثباتها، وغيرهنّ.
فهي أخبارٌتزيد المرأة ثباتا على ثبات، شعارها: الاستقامة إلى الممات ..أخبارٌتصل حاضرها بماضيها، والقلوب بناصرها وباريها .. أخبار تناديها أنّه قد سبقك على هذا الدّرب نساءٌ تسمعين أخبارَهم، فاتّبعي واقتفي آثارهم.
وفي مقام العلم وطلبه: حدِّثها عنأمّهات المؤمنين، قال الذّهبي رحمه الله عن أمّ المؤمنينعائشةرضي الله عنها:"لا أعلم في أمّة محمّدصلّىالله عليه وسلّم،بلولا في النّساء مطلقا امرأةً أعلم منها" ["سير أعلام النّبلاء" (2/140)].
وقال مسروق:"رأينا مشيخة أصحابرسول الله صلّى الله عليه وسلّميسألونها عن الفرائض"، وقال عطاء: كانت عائشة أفقه النّاس.
وما كان علمها قد حوّلها إلى آلةكما حوّل رجال زماننا ونساءه، ولكنّه علم ورّث عملا، قال ابن أخيها القاسم بن محمّد بن أبي بكررضي الله عنه:" كنت إذا غدوت بدأت ببيت عائشة، فأسلّم عليها، فإذا هي قائمة تصلّي وتقرأ:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَالسَّمُومِ} [الطور:27]، وتدعو وتبكي، وتردّدها، فقمت حتّى مللت القيام، فذهبت إلى السّوق لحاجتي،ثمّ رجعت فإذا هي قائمةكما هي تصلّي وتبكي"!.
وكانت تتصدّق بمالها كلّه، ثمّ تقول لها جاريتها: لم تتركي لنا شيئا نأكله، فتقول: لو ذكّرتني لفعلت ؟!
وهذهحفصة بنت سيرين، فلا تسل عن حسن عبادتها وتمامها، ويكفينا وصف تلكم الجارية السّندية الّتي اشترتها، فقيل لها: كيف رأيت مولاتك ؟ فذكرت كلاما بالفارسيّة معناه:أنّها امرأة صالحة، إلاّ أنّها أذنبت ذنبا. فسئلت: ما هو ؟ قالت:لا أدري،ولكنّني أراهاوأسمعها تبكي اللّيل كلّه!
– وإذا أردْتَ ترغيبها في التستّر والحجاب، فما عليك إلاّ أن تذكّرها بما رواه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنهاقالت:"كنت أدخل بيتي الّذي دُفِن فيه رسولاللهصلّى الله عليه وسلّموأبي،فأضع ثيابي،وأقول:إنّما هو زوجي وأبي،فلمّا دفن معهما عمر بن الخطابرضيالله عنهفوالله مادخلت إلاّ وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياء من عمر..!
وذكِّرها بما رواه البخاري عن عطاء قال: قال لي ابنُ عبّاس رضي الله عنه:ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت:بلى، قال: هذه المرأة السّوداء، أتت النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت:إنّي أُصرع وإني أتكشّف، فادع الله لي! فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:((إن شئت صبرت ولك الجنّة، وإن شئت دعوت الله لك أن يعافيك))، قالت:أصبر،ولكن ادع الله لي ألاّأتكشّف– وفي رواية قالت:إني أخاف هذا الخبيث أن يجرّدني– فدعا لها.
فقد هان عليها صرع العفاريت ولا ترضى أن يبدو شيء من بدنها رضي الله عنها وأرضاها.
خامسا: الرّفق في التّعليم. فالرّفق ما كان في شيءٍ إلاّ زانه، وإنّ الله إذا أراد بأهل بيتٍ خيرا أدخل فيهم الرّفق.
سادساً: ثمّ عليك بالحزم، فهو عين الحكمة. ولا يعنِي الرّفق أن نتساهل فيما فرضه الله تعالى علينا تُجاه البنات من مراقبتهنّ، وتذكيرهنّ.
فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّمعدّ المرأة كلّها عورة، وينبغي للإنسان أن يستر عورته، فقد روى التّرمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ،فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ)).
وعلى الوالدين أن يتذكّرا أنّها ناقصة عقل ودين: ففي الصّحيحين عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا رَأَيْتُمِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ))، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قال:((أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ)) قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْنُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟)) قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: ((فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا)).
وهذاالخطاب موجّه إلى الكُمَّل من نساء العالم، من رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ، فكيف بغيرهنّ ؟
ومعلوم ممّن لحظ واقع المرأة اليوم أنّ المرأة سريعة الانقياد وراء عواطفها، ممّا سهّل المهمّة على أعداء هذا الدّين في استغلالها لضرب تعاليم الإسلام، وهدم صروح الإيمان. ولو وعظتها لسمعت، ولو سمعت لنسيت.
وغير ذلك من الأمور الّتي تبيّن لنا أنّ المرأة لا بدّ من الاعتناء بها، وعدم التّساهل معها.

والله تعالى نسأل أن يُقرّ أعيُنَنا ببناتنا، وفلذات أكبادنا، وأن يجعلهنّ صالحاتٍ مصلحاتٍ، إنّه وليّ ذلك ومولاه.

بارك الله فيك

تفسير سورة الحجرات مقدّمة بين يدي السّورة – أبو جابر عبد الحليم _ متجدد 2024.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقبل الشّروع في تفسير سورة " الحجرات "، فإنّه لا بدّ من مقدّمة للحديث عن مسائل مهمّة تتعلّق بالسّورة، وهي مسائل:
المسألة الأولى: في إثبات اسم السّورة.
فإنّ كثيرا من السّور ثبت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه سمّاها بذلك، كسورة البقرة، وآل عمران، والنّساء، وبراءة، والكهف، وغير ذلك.
وهناك سورٌ لم يثبُت عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه هو الّذي سمّاها ولكنّه ثبت عن الصّحابة، كسورة المائدة، وسورتنا هذه.

فقد صحّ في مسند الإمام أحمد عن الحارث بن ضرار الخزاعيّ رضي الله عنه أنّه ذكر سبب نزول آية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] أنّه قال:" فنزلت الحجُرات ".
ثمّ سار على تسميتها بذلك التّابعون والعلماء في تصانيفهم وكتبهم.

ولم يُعلم لها اسمٌ آخر كبعض السّور، وإنّما سمّاها العلماء بـ"سورة الأخلاق" لما سيأتي في فضلها إن شاء الله.

المسألة الثّانية: معنى اسمها:

الحجرات: جمع حجرة، كظلُمات جمع ظلْمة، وتجمع أيضا على الحُجَر مثل غُرْفَةٍ وغُرَفٍ.

والحجرة: أوسع من البيت، فهي الشّيء الجامع للبيوت.

روى الإمام أحمد عن أمّ حميد امرأة أبي حميد السّاعدي أنّها جاءت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله، إنّي أحبّ الصّلاة معك، فقال:

(( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاَةَ مَعِي، وَصَلاَتُكِ فِيبَيْتِكِخَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِيحُجْرَتِكِ، وَصَلاَتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِيدَارِكِ، وَصَلاَتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاَتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاَتِكِ فِي مَسْجِدِي )).

المسألة الثّالثة: في اشتقاق الاسم.

الحجرة مأخوذة من الحَجْر، وهو المنع، ومنه أطلق على الحرام الممنوع حِجراً، كقوله تعالى:{وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ} [الأنعام:138].

ومنه: الحَجْر على السّفيه والمفلس في الفقه، وسمّي العقل حِجْراً لمنعه عن القبائح، قال الله تعالى:{هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر:5].

وحَجْرُ الإِنسان وحِجْرُه بالفتح والكسر حِضْنُه؛ لأنّ الشّيء في الحجر معناه أنّه في حمايته، فيمنعه من الضّرر والأذى.

والحُجْرَةُ سمِّيت بذلك؛ لمنعها النّاس من الوصول إلى ما يُحفظ من الأعراض والأموال.

المسألة الرّابعة: الحكمة من تسمية السّورة بالحجرات.

وهذا علْم مهمّ، يبيّن لك حكمة من سمّاها، فإن كان الله تعالى هو الّذي سمّى السّورة فله الحكمة البالغة، وإن كان النبيّ صلّى الله عليهوسلّم أو أصحابه فلن يكون أيضا خاليا عن الحكمة.

قال الزّركشي رحمه الله وهو يبيّن لنا أهمّية هذا العلم في "البرهان" (1/270271):

" ينبغي النّظر في وجه اختصاص كلّ سورة بما سمّيت به، ولا شكّ أنّ العرب تراعي في الكثير من المسمّيات أخذَ أسمائها من نادر أو مستغرب يكون في الشيء من خلق، أو صفة تخصّه .. ويسمّون الجملة من الكلام أو القصيدة الطّويلة بما هو أشهر فيها، وعلى ذلكجرت أسماء سور الكتاب العزيز "اهـ.

قال الشّيخ الطّاهر بن عاشور رحمه الله:" ووجه تسميتها أنّها ذكر فيها لفظ الحجرات ".

والحقّ، أنّ هذا ليس كافيا لتسمية السّورة بذلك.

إنّما جاءت السّورة لتبنِيَ ركناً من أركان هذا الدّين، ألا وهو طاعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وتعظيمه، فأراد الله أن يؤدّب بعضَ من لم يُحسن مخاطبةَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حيث صاروا كما سيأتي معنا إن شاء الله ينادونه صلّى الله عليه وسلّم من وراء الحجرات فأنزل الله تعالى قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْوَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} [الحجرات].

فهنا على المسلم أن يتأمّل جيّدا قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}، فإنّه إذا كان الّذي يخاطب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمثلِ هذه الطّريقة اعتبره الله تعالى غير عاقلٍ وهو أمرٌ يبدو دقيقا صغيرا، فكيف بمن ترك تعظيم أمره ونهيه ؟ فلا شكّ أنّه أدنى منزلة وأحطّ مرتبة.

فكان اسم السّورة يذكّر المؤمنين بهذه الحادثة؛ حتّى يعظّموا نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم في كلّ شؤونهم وجميع أحوالهم.

المسألة الخامسة: ما جاء في فضلها.

سورة الحجرات من مفصّل القرآن، بل أوّل سور مفصّل القرآن، فقد روى الإمام أحمد عن واثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قالَ:

(( أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمَثَانِيَ، وَفُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ )).

فالسّبع: هنّ السّبع الطِّوال، وذلك من "البقرة" إلى "براءة".

والمئون: ما كان فيها مئة آية فأكثر.

والمثاني: هي سورة الفاتحة.

أمّا المفصّل فالمراد به السّور الّتي كثرت فصولها، وهي من "الحُجرات" إلى آخر القرآن على الصّحيح كما في "فتح الباري" (9/74).

وليس هناك دليل خاصّ يدلّ على فضل سورة الحجرات بعينها إلاّ ثناء العلماء سلفا وخلفا على أحكامها، وقد ذكر بعض المفسّرين لفضلها حديثا موضوعا وهو: ( من قرأ سورة الحجرات أعطِي من الأجر بعدد من أطاع الله وعصاه ).

ويظهر فضل سورة الحجرات من تسمية العلماء لها بـ" سورة الأخلاق "؛ وذلك لما حوته من الآداب الجليلة والأحكام النّافعة، فهي اشتملت على أنواع الأدب كلّها:

فمن الأدب مع اللهعزّ وجلّ:

1– ألاّ يقدّم العبد قولاً ولا رأياً ولا شخصاً على قوله سبحانه.

2– وألاّ يتسرّع المؤمن في أمره حتّى يعلم حكمَ الله فيه.

3– تكرار الأمر بتقواه سبحانه وتعالى.

4– ألاّ يمنّ أحدٌ على الله إسلامه وطاعته.

5– ألاّ يزكّي المرء نفسه على الله.

6– مراقبة الله تعالى الّتي تضمّنها قوله تعالى:{وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

7– تذكّر فضل الله وشكره على أن هدى عباده إلى الإسلام.

8– تذكّر فضل الله وشكرُه على أن حبّب لعباده الصّالحين الإيمان وزيّنه لهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان.

9– اليقين في الله وأمره، والبعد عن الارتياب في أمور الإيمان، وغير ذلك ممّا يأتي في السّورة.

ومن الأدب مع رسول اللهصلّى الله عليه وسلّم:

1– ألاّ يتقدّم أحد بين يديه بأمر ولا نهي.

2– ألاّ يقدِّم أحدٌ قولَه أو قولَ من يعظّمه على قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

3– الأدب في ندائه ومخاطبته.

4– على المسلم أن يتّهم رأيه لا سنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا بدا له أنّه لا يوافق حاله، كما يشير إليه قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ منَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}.

5– ترك المنّ عليه بالاتّباع والطّاعة.

ومن الأدب مع الخلق:

1– فعند التّخاطب نخاطبهم بجميل الخطاب والطيّب من القول.

2– ترك السّخرية منهم والاستهزاء بهم.

3– ترك مناداتهم بما يكرهون من الألقاب.

4– ترك ظنّ السّوء بهم.

5– ترك التجسّس عليهم.

6– الحذر من اغتياب واحد منهم.

7– توقير التقيّ والفاضل منهم ومعرفة حقّه.

8– تعليم الجاهل منهم بالحُسنَى.

9– الأخذ على يد ظالمهم ونصرة مظلومهم.

ومن الأدب مع النّفس:

1– حثّها على العمل بطاعة الله وتخليصها من العذاب في الدّنيا والآخرة.

2– ترك مدحها وإنزالها فوق منزلتها.

3– توطينها على التثبّت من الأخبار والتأنّي في الأحكام.

4– تدريبها على الخير.

5– حملها على الحكم بالعدل والقسط.

6– إزالة الشكّ عنها.

7– فعل ما يجلب لها الوقار والاحترام.

وغير ذلك من الأمور النّافعة، ممّا يدلّ على فضلها، وأنّها على وجازتها ومجيئها في ثمانية عشر آية تراها حوت هذا الخير كلّه.

المسألة السّادسة: هل هي مكّية أو مدنيّة ؟

هي مدنيّة باتّفاق أهل العلم، أي: ممّا نزل بعد الهجرة، وحكى السّيوطي في " الإتقان " قولا شاذّا أنّها مكّية، ولا يعرف قائل هذا القول. وهل بٌنِيت الحجرات إلاّ بعد الهجرة ؟

وفي " أسباب النّزول " للواحدي رحمه الله أنّ قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} الآية، نزلت بمكّة في يوم فتح مكّة، ولم يثبت أنّ تلك الآية نزلت بمكّة كما سيأتي إن شاء الله .

ثمّ لو ثبت، فإنّ العبرة بالزّمان لا بالمكان.

والله الموفّق لا ربّ سواه.

فصل الشتاء ربيع المؤمن – أبو جابر عبد الحليم توميات حفظه الله 2024.

الخطبة الأولى:[بعد الحمد والثّناء]

فيقول المولى تبارك وتعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِيالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}.
يستفتح الله تعالى هذه الآية بأداة الاستفتاح والتّنبيه، وذلك لنُصغِي إليه الأسماع والآذان، ونفتح له الفؤاد والجنان، ليحدّثك عن وعده لأوليائه، وأنصاره وأحبّائه، أن: لا خوفٌ عليهم فيما هو آت، ولا حزن على ما قد مضى أو فات، ويبشّرهم بشارة ظاهرة، بالسّعادة في الدّنيا والآخرة، {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: من الآية111].
أمّا في الحياة الدّنيا: فقد كتب الله كتابا لا تبديل فيه أنّ أولياءه هم الغالبون فقال:{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 56].

أمّا في ساعة توديع الحياة الدّنيا: فقد كتب الله كتابا لا تبديل فيه أنّ أولياءه هم الآمنون، فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} [فصّلت].
أمّا يوم القيامة: فقد كتب الله كتابا لا تبديل فيه أنّ أولياءه هم الفائزون:{يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)} [الزّخرف].
فمن هم أولياء الله ؟
أهم الّذين تُبنى عليهم القِباب ؟ أهُم الذين تبنى عليهم الأضرحة ويُقصَدون دون العزيز الوهّاب ؟
هذا ما شاع لدى عامّة المسلمين قرونا وقرونا طويلة، ظنّوا ولاية الله لعباده إنّما هي لخاصّة النّاس ! وكيف لا وهم لا يتدبّرون كلام الله الّذي فسّر لنا معنى الوليّ فقال:{الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} ؟
أي: إنّ الّذين حقّقوا توحيده والإيمان به ولم يُشركوا به شيئا، {وَكَانُوا يَتَّقُونَ}، فما من شيء أمرهم به إلاّ فعلوه، وما من شيء نهاهم عنه إلاّ اجتنبوه، وإن زلّت بهم الأقدام وضلّت بهم الأفهام تابوا إليه واستغفروه:{إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196].
فالصّالحون من عباد الله هم أولياؤه، وأهله وأحبّاؤه.
ولمّا ابتعد أكثر النّاس عن صفات الصّالحين، أضاعوا ما وعدهم الله به أن:{لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فصاروا من أشدّ النّاس هلعا، وأكثرهم فزعا، وأشدّهم في الحياة طمعا، يُفتنون في كلّ عام مرّة أو مرّتين ثمّ لا يتوبون ولا هم يذّكرون.
{وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} فصار كثير منهم مثالا للحزن والشّقاء، تحت حرّ البأساء والضرّاء.
فالأزمة أزمة أولياء لله، والأزمة أزمة أقوام صالحين:{يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: من الآية104].
ينقصنا عدد كبير من أولياء الله تعالى الّذين تنبعِث من وجوههم أنوار الطّاعة، وتباشير الصّلاح، قال ابن عبّاس رضي الله عنه:" أولياء الله تعالى الّذين إذا رُؤوا ذُكِر الله تعالى "[1].
أولياء الله الّذين إذا أقسموا على الله أبرّهم، وإذا استنصروه نصرهم.
أولياء الله الّذين قال فيهم المولى تبارك وتعالى في الحديث القدسي الّذي رواه البخاري: (( مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُالَّتِي يَبْطِشُبِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).
فكيف السّبيل إلى بلوغ ولاية الله عزّ وجلّ ؟
ألا فاعلموا أنّ الله تعالى قد فتح بابين لبلوغ ولايته، وقربه وكرامته:
الباب الأوّل: العلمباللهعزّ وجلّ وبما يقرّب إليه.
ففي مقدّمة أولياء الله بعد الأنبياء هم ورثتهم من العلماء الربّانيّين، أعلام الهدى ومصابيح الدُّجى، قال تعالى:{يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: من الآية11].
وروى التّرمذي عن أبي هريرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرَ اللهِ، وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ، أَوْ مُتَعَلِّمٌ )). قال الإمام أحمد: إن لم يكن أهل العلم هم أولياءَ الله فليس لله وليّ !
ولكن، لو حصرنا ولاية الله تعالى في العلماء، لقلّ عدد الصّالحين في هذه الأمّة ؟ فمن فضل الله تعالى ومنّه وكرمه أنّه فتح بابا واسعا لمن قصرت بهم الهمم في تحصيل العلم، وأن يكونوا من أهل العلم، ذلكم الباب هو:
الباب الثّاني: العبادة.
العبادة والإكثار منها .. العبادة التي من أجلها خُلِق ابن آدم، وهو فيها مقصّر، ثمّ تراه مقصِّرا في إدراك وتدارك هذا التّقصير !
العبادة الّتي جعلها الله أجمل حلّة وأفضل وسام، وأشرف منزل وأعظم مقام، وكفى بها شرفا أنّها تُدخِلُك في زمرة من ناداهم المولى تعالى قائلا:{يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68]..
كفاها شرفا أنّك تدخل بها تحت من وصفهم بقوله:{وَإِذَاسَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: من الآية186]، {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42]، {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر:49].
حتّى يأتيَ نصر الله وانتصاره:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105].
وحتّى ينادى نداءً طال انتظاره:{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:29]..

وممّا زادني شرفـا وتَـْيهـاً *** وكِدْت بأَخْمُصَيَّ أطأ الثريّا
دخولي تحت قولك: يا عبادي*** وأن صيّرت أحمد لـي نبيّا

وتأمّلوا حال الأوّلين وعزّهم وسيادتهم، ومجدهم وشرفهم، ما رُفعوا إلاّ لأنّهم رفعوا ألوية العبادة.
هذا إمام العابدين، وحامل لواء المتّقيين، محمّد صلّى الله عليه وسلّم:
روى أبو داود والنّسائي – وأصل الحديث في صحيح مسلم – عن حذيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَكَانَ يَقُولُ: (( اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ )).
ثُمَّ اسْتَفْتَحَ، فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ ثُمَّ رَكَعَ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، وَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ (( سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ))، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَكَانَ قِيَامُهُ نَحْوًا مِنْ رُكُوعِهِ يَقُولُ: (( لِرَبِّيَ الْحَمْدُ ))، ثُمَّ سَجَدَ فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، فَكَانَ يَقُولُ في سُجُودِهِ: (( سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ))، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، وَكَانَ يَقْعُدُ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: (( رَبِّاغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي )) فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقَرَأَفِيهِنَّالْبَقَرَةَ، وَآلَعِمْرَانَ، وَالنِّسَاءَ، وَالْمَائِدَةَ، أَوْالْأَنْعَامَ.
وروى الإمام أحمد عن عَلِيٍّ رضي الله عنه قال: مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا إِلَّا نَائِمٌ، إِلَّا رَسُولَ اللهِصلّىالله عليه وسلّمتَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ – وفي رواية: يناشد ربّه -.
وروى البخاري عن عائشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟! قال: (( أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا ! )).
وروى النّسائي وابن ماجه عن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قالَ: ( قَامَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ بِآيَةٍ، وَالآيةُ:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سـبأ: من الآية13].
وعلى هذا الصّراط السّويّ سار الصّحابة والتّابعون، وصاروا خير القرون، مع ما هم عليه من الجهاد في سبيل الله، والإنفاق ابتغاء مرضاة الله، حازوا قصبات السّباق، فلا طمع لأحد من الأمّة بعدهم في اللّحاق، ولكن المبرّز من اتّبع صراطهم المستقيم، واقتفى منهاجهم القويم.
أبو بكررضي الله عنه:
صدّيق هذه الأمّة، روى مسلم عنْ أبِي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا ؟)) قال أبو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ! قالَ: (( فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً ؟)) قالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ! قالَ: (( فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟)) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ! قالَ: (( فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا ؟)) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَا ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ )).

عجبا من سيرك المدلّل *** تمشي رويدا وتجي في الأوّل

عمر بن الخطّابرضي الله عنه: يقول العبّاس رضي الله عنه:" كنت جارا لعمر بن الخطّاب فما رأيت أحدا أفضل من عمر: إنّ ليله صلاة ونهاره صيام، وإنّه لفي حاجة النّاس".
وكان رضي الله عنه يقول: لولا ثلاث لما أحببت البقاء: أن أُحْمَل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة اللّيل، ومجالسة الصّالحينينتقون أطايب الكلام كما ينتقون أطايب الثّمر ".
وعن هشام بن الحسن قال: كان عمر رضي الله عنه يمرّ بالآية في ورده، فتخنقه، فيبكي حتّى يسقط، ثمّ يلزم بيته حتّى يُعادَ يحسَبونَه مريضا ! وقرأ مرّة قول يعقوب عليه السّلام:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ} [يوسف: من الآية86] فسُمع نشيجه من آخر الصفّ.
فاللّهم أنت أصلحت الصّالحين، أصلح قلوبنا، واغفر ذنوبنا، واكشف همومنا وكروبنا، وصلّ اللهمّ على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.
الخطبة الثّانية:
الحمد لله على إحسانه، وعلى جزيل عطائه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله الدّاعي إلى سبيله ورضوانه، اللهمّ صلّ عليه وسلّم وعلى أصحابه وآله، وعلى كلّ من اتّبع طريقه وسار على منواله، أمّا بعد:
فإنّ من مواسم العبادة الّتي يغفل عنها كثير من النّاس: هذه الأيّام الّتي تظّلنا، وعلى أرضها تقلّنا.
إنّنا نعيش أيّاما من موسم عظيم، ينادي المسلم بأعلى صوته، ويدعوه من قبل موته: اغتنم هذه الأيّام قبل انقضائها ! وتمسّك بهذه الفرص قبل فواتها ! ألا إنّه موسم فصل الشّتاء ..
النّاس جميعهم، والأجناس كلّهم لا يختلفون في النّظر إليه على أنّه فصل البرد والقرّ، فصل يُجبرك على أن تسارع إلى أن تتّخذ التّدابير لئلاّ تعاني من ألمه، ولتسلم من سقمه ..
فصل يستقبله الناس وكأنّه من الغزاة، فيُعِدّوا له ما استطاعوا من قوّة من أنواع المدافئ والمعاطف، والثّياب الثّقيلة والأغطية الكثيرة، صدًّا لهجوم رياحٍ باردة، وقرصات ليل لاذعة ..
وهنا يقف استعدادهم وتدبيرهم .. ويحُطّ رحاله تفكيرهم ..
إلاّ فئةً من النّاس يحيّرك موقفهم، وتلفت انتباهَك نظرتهم: إنّهم عبّاد هذه الأمّة.
لقد تأمّلوا آيات الله عزّ وجلّ القائل:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْل} [لقمان: من الآية29]، فرأوا أنّ الله يُدخل في فصل الشّتاء جزءا من النّهار في اللّيل، فيقصر النّهار ويطول اللّيل.
عندئذٍ أدرك سلف هذه الأمّة هذه الدّعوة إلى التأمّل، فعرفوا فضلَ هذا الموسم العظيم، وأنّه رحمة من العليّ الكريم، فراحوا يسارعون في الخيرات، واغتنام الأجر والثواب في الأعمال الصّالحات، ومن درر كلامهم رحمهم الله قولهم:" الشِّتَاءُ رَبِيعُ المُؤْمِنِ ".
وهذا كلام في غاية الجمال، وفي ذروة الجودة والكمال، قال ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الأثر:
" وإنّما كان الشّتاء ربيعَ المؤمن لأنّه يرتع فيه في بساتين الطّاعات، ويسرح في ميادين العبادات ".
فمن الأعمال الجليلة هذه الأيّام: صيام النّهار، وقيام اللّيل.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( مَرْحبًا بِالشِّتَاءِ، تَنْزِلُ فِيهِ البَرَكَةُ، وَيَطُولُ فِيهِ اللَّيْلُ لِلْقِيَامِ، وَيَقْصُرُ فِيهِ النَّهَارُ لِلصِّيَامِ ).
وقال الحسن البصري رحمه الله: ( نِعْمَ زَمَانُ المُؤْمِنِ الشِّتَاءُ: لَيْلُهُ طَوِيلٌ فَيَقُومُهُ، وَنَهَارُهُ قَصِيرٌ فَيَصُومُهُ ).
وكان عبيد بن عمير رحمه الله إذا جاء الشّتاء قال: ( يا أهل القرآن ! طال ليلكم لقراءتكم فاقرؤوا، وقصُر النّهار لصيامكم فصوموا ).
وقال يحيى بن معاذ: ( اللّيل طويل فلا تقصّره بمنامك، والإسلام نقيّ فلا تدنّسه بآثامك ).
سينقضي هذا الفصل، ويعود النّاس من معركتهم معه بالسّلامة من برده وقرّه، ويعود المؤمن العامل بالغنيمة من أجره، ومن كلام السّلف: "الصّوْمُ في الشِّتَاءِ الغنِيمةُ البَارِدَةُ".
قال الخطّابي رحمه الله:" الغنيمة الباردة أي: السّهلة، ولأنّ حرّة العطش لا تنال الصّائم فيه ".
وقال ابن رجب:" غنيمة باردة: لأنّها حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقّة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفواً صفواً بغير كلفة ".
وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول:" أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى الغَنِيمَةِ البَارِدَةِ ؟" قالوا بلى. قال:" الصِّيَامُ فِي الشِّتَاءِ، وَقِيَامُ لَيْلِ الشِّتَاءِ ".
فحريٌّ بنا أيّها المؤمنون اقتناص هذه الغنيمة لا سيّما في مثل هذا الشّهر العظيم شهر الله المحرّم، فيغتنم المؤمن أيّامه الفاضلة مثل الاثنين والخميس، أو ما تيسّر منه، وأن نسارع في الأسحار إلى الوقوف بين يدي الواحد القهّار، فوالله ما كانت الأمّة أحوج إلى ذلك مثل هذه الأيّام.
روى الحاكم أنّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال لرجُلٍ وهو يَعِظُهُ: (( اِغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَقَبْلَهَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَقَبْلَسَقَمِكَ، وَغِنَاكَقَبْلَفَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَقَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَقَبْلَ مَوْتِكَ )).
ألا فاحرصوا على الطيّب من الأقوال والأعمال: صلّوا باللّيل والنّاس نيام، وتقرّبوا إلى المولى بالصّيام، وأطعموا الطّعام، تدخلوا جنّة ربّكم بسلام.

السلام عليك أخي ورحمة الله
اللهم وفقنا لكل ما تحب وترضى
بارك الله فيك

بارك الله فيك .

شرح الأصول الثلاثة : منزلة العمل والدّعوة والصّبر -أبو جابر عبد الحليم 2024.

الجيريا

الجيريا
شرح الأصول الثلاتة (3)منزلة العمل و الدعوة و الصبر
لفضيلة الشيخ أبو جابر عبد الحليم توميات حفظه الله

الجيريا


درس ألقاه فضيلته يوم 26/10/2016
الموافق ل :28/11/1432 بمسجد بينام


لمشاهدة الدرس مباشرة إضغط هنا بارك الله فيك

الجيريا
الجيريا

الجيريا

♪♫♪♪♫♪♪♫♪♪♫♪

الجيريا

█║▌│▌║║█│║▌║║▌│▌

القعقاع بن عمر بين الحقيقة و الخيال – عبد الحليم توميات 2024.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فقد جرت العادة أنّ حال أكثر النّاس دائر بين الإفراط والتّفريط، والإغراق والتّقصير، والحقّ هو ملازمة الإنصاف، بعيدا عن الغلوّ أوالإجحاف.
وممّن تناولته الألسنة بالحديث هذه الأيّام، علم من الأعلام، وفارس من الفرسان الكرام، ألا وهو: القعقاع بن عمرو التّميميّرحمه الله.

ولمّا كان لكلّ قوم عادة، فعادتي قبل أن أخطّ حرفا، أو أنبِس ببنت شفة، فإنّي أبحث عن دواعي حديث النّاس، وتطايُره بين الأجناس ! فإذا بالدّاعي إلى ذلك هو: ذيوع صِيت إنتاج سينمائيّ عربيّ ! يَعرِض فيها حياة البطل التّميميّ. فتمخّض جبل الإعلام، فولد كثيرا من الكلام، فتسمع هذا يفْصِل في صحبته فصلا .. وتقرأ لآخر ينفي وجوده أصلا .. وثالث ينسُب النّفي للرّافضة ! وغير ذلك.
والصّواب – والله أعلم – هو التوسّط في المسألة، والّذي أعتقده:
أنّ القعقاع بن عمروٍرحمه الله كان من سادة الرّجال، والمجاهدين الأبطال، وكان له الأثر البليغ في الإطاحة بدولة الفرس في معركة القادسيّة وغيرها، فكان عنوانا للشّجاعة والإقدام، ومثالا يقتدِي به أبناء الإسلام.
وقد روى غير واحدٍ من أهل السّير والتّاريخ أنّ أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه قال فيه:"صوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل". والله أعلم بصحّة ذلك.
فهو رحمه الله من خيرة التّابعين، وليس صحابيّا؛ وقد ذكر ابن عبد البرّ رحمه الله في " الاستيعاب " أنّه هو وأخاه عاصمَ بن عمرو " لا يصحّ لهما عند أهل الحديث صحبة ولا لقاء ولا رواية ".
وأفاد أنّ الّذي ذكر أنّ له صحبةً إنّما هو سيف بن عمرو التّميمي، وسيف لا يخفى حاله على طالب الحديث، فهو متروك.
وقال ابن عساكر رحمه الله بصيغة التّمريض:" يقال إن له صحبة "، ولا شكّ أنّ الصّحبة لا تثبت بمثل ذلك.
فالمُثبِت لصحبته رحمه الله هو المُطالب بالدّليل على ذلك، لأنّ النّافي باقٍ على الأصل.
وربّما ساعد على انتشار هذا الخطأ، أنّ هناك من الصّحابة من اسمه القعقاع، وهو من بني تميم أيضا، ففي صحيح البخاري:
أنّه قدم ركبٌ منْ بني تميمٍ على النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: أَمِّرْ القعقاعَ بنَ معْبدِ بنِ زُرارةَ. قال عمر: بل أَمِّرْ الأَقْرعَ بنَ حابسٍ … فنزل في ذلك قوله عزّ وجلّ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوابَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
فالتباس الأسماء والأنساب، إذا أضيف إليه رواية سيف بن عمرو، والسّهو الّذي لا يسلم منه أحد، يؤدّي كلّ ذلك إلى شيوع الخطأ.
أمّا من توسّع ونفى وجود شخص بهذا الاسم فغير سديد؛ لأنّه خلاف ما جرى عليه عمل أهل العلم بالسّير والأخبار المشهود لهم بالتحرّي والتثبّت.

والله تعالى أعلم.

مظاهر الحرب على أهل الربا -أبو جابر عبد الحليم 2024.

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فإنّه لم يعرف أن مرّ على البشريّة جمعاء عصرٌ انتشر فيه الرّبا انتشارَه هذا الزّمان. وإنّه يوم أن بدأ غزوُ هذه المعاملة للمجتمعات الإسلاميّة كانت فتاوى أهل العلم على خطّ الدّفاع الأوّل لدرئها، وردّها ودفعها.
ولكنّ عــشّــاق الرّبــا تمكّنوا من يتغلغلوا في أوساط المسلمين فألبسوها ألبسة متنوّعة عليها طابع الإسلام، موقّع عليها بعضُ من انتسب زورا وبهتانا إلى الأئمّة الأعلام ..

فسمّوها فــائــدة، ومرابحـة، كي يختلط الرّبا بالبيع الحلال، والنّجاسة بالماء العذب الزّلال، والله عزّ وجلّ يقول:{وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: من الآية 275].
أي: إنّ الله عزّ وجلّ أحلّ البيع ليوسّع على عباده سبل الرّزق الحسن المدرار، وليصل العباد إلى ما يريدونه من غير ضرر ولا ضرار، أمّا الرّبا فهو أكل أموال النّاس بالباطل. ولمّا كانت النّفوس تحتاج إلى ترغيب وترهيب لامتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، فإليك أخي الكريم هذه الكلمات ولا أملك غيرها أزفّها إلى من رضي بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا ورسولا.
فقد كثرت النّصوص المحرّمة للرّبا وغلّظت في تحريمه حتّى ما تركت مجالا للتّساهل به:
أوّلا: إعلان الحرب على آكل الرّبا.
لقد آذن الله تعالى المتعاملين بالرّبا بحرب شعواء لا هوادة فيها، فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279].
حرب على أهل الرّبا: على آكله .. وموكلِه .. وكلّ من حام حول سبيله ..
ومن ذا الّذي يقدر على أن يحارب الله عزّ وجلّ ؟!
ولو استقصيت النّصوص لما رأيت الله سـمّى العقاب حربا إلاّ وهو يتحدّث: عن عقوبة أهل الرّبا، وعن عقاب من عادى له وليّا ..
ثانيا: أنّ الله حرّم الرّبا في جميع الدّيانات.
قال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (161)} [النّساء].
فلم يبعث الله رسولا ولا نبيّا، ولم يؤتِ العلمَ عالما تقيّا إلاّ وهو يبلّغ عن الله تحريم الرّبا ..
ولم يقف الأمر عند ذلك.
ثالثا:أنّه من الكبائر والعياذ بالله
والكبيرة هي ما كان فيه وعيد في الآخرة، أو حدّ في الدّنيا، أو ترتّب على فعلها لعن أو براءة من فاعلها.
بل هو من أكبر الكبائر الّتي سمّاها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالموبقات .. والموبقات: هنّ المهلكات.
فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ )).
أي باعدوها، ولا تقربوها .. لذلك حرّم الله قليل الرّبا وكثيرَه .. وحرّم كلّ طريق يؤدّي إلى الرّبا ..
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: (( الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ )).
ولم يقف الأمر عند ذلك ..
رابعا: إنّ أكل الرّبا أخطر من الزّنا ..
روى الإمام أحمد عن عبدِ اللهِ بنِ حنْظلةَ – غسِيلِ الملائكة – رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( دِرْهَمُ رِباً يَأْكُلُهُالرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاَثِينَ زَنْيَةً )).
وَروى ابن أبي الدّنيا في " كتاب ذمّ الغيبة "، والبيهقيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَذَكَرَ أَمْرَ الرِّبَا، وَعَظَّمَ شَأْنَهُ، وَقَالَ:
(( إِنَّ الدِّرْهَمَ يُصِيبُهُ الرَّجُلُ مِنَ الرِّبَا أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ فِي الخَطِيئَةِ مِنْ سِتٍّ وَثَلاَثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ المُسْلِمِ )).
وروى أحمد أيضا بإسناد جيّد عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ قَالَ: ( لَأَنْ أَزْنِي ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ زَنْيَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ آكُلَ دِرْهَمَ رِبًا يَعْلَمُ اللهُ أَنِّي أَكَلْتُهُ حِينَ أَكَلْتُهُ رِباً ).
ولم يقف الأمر عند ذلك ..
خامسا: فقد جعله أعظم جرما ممّن يزني بمحارمه .. وأيّ المحارم ؟..
روى الحاكم عن عبدِ اللهِ يعني ابنَ مسعودٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( الرِّبَا ثَلاَثٌ وَسَبْعُونَ بَاباً أَيْسَرُهَامِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ )).
وروى البيهقيّ عنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الرِّبَا سَبْعُونَ بَاباً، أَدْنَاهَا كَالَّذِي يَقَعُ عَلَى أُمِّهِ )).
وروى الطّبرانيّ في " الأوسط " عنِ البراءِ بنِ عازِبٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( الرِّبَا اثْنَانِ وَسَبْعُونَ بَاباً، أَدْنَاهَا مِثْلُ إِتْيَانِ الرَّجُلِ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ )).
ولم يقف الأمر عند ذلك ..
سادسا: فقد قُرِن الرّبا بالشّرك باللهتعالى.
روى البزّار عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( الرِّبَا بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، وَالشِّرْكُ مِثْلُ ذَلِكَ )).
ولم يقف الأمر عند ذلك ..
سابعا: فإنّه جعل الرّبا من الذّنوب الّتي لا تُغفر إلاّ بالتّوبة وردّ المال لصاحبه والتخلّص من المال بأيّ صوره ..
روى الطّبرانيّ عن عوْفِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِيَّاكَ وَالذُّنُوبَ الَّتِي لاَ تُغْفَرُ: الغُلُولُ، فَمَنْ غَلَّ شَيْئًا أَتَى بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَآكِلُ الرِّبَا )).
ومع ذلك فإنّنا لا زلنا نرى الرّبا قد شاع، وانتشر وذاع، حتّى صار المنكر معروفا، بل إنّه ليُنكَر عليك أشدّ الإنكار لو بيّنت جلّ معاملات النّاس اليوم بأنّها قائمة على الرّبا !
فاعلم أخي الفاضل أنّ انتشار الرّبا ليس مفاجأة تفاجئنا، بل إنّه ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، فقد أخبرنا النبيّ صلّىالله عليه وسلّم على أنّ من أشراط السّاعة أن يُرفع العلم، وأن يظهر الجهل، وعند ذلك يكذّب الصّادق العالم، ويصدّق الكاذب الجاهل، وعندئذ يفشُو الزّنا، ويكثر شرب الخمر، ويشيع الرّبا ..
روى الطّبرانيّ عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ يَظْهَرُ الرِّبَا، وَالزِّنَا، وَالخَمْرُ )).
يقول الله تعالى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُم ..(3)}[الأنبياء].
ولكنّ من الذّنوب ما يعجّل الله تعالى الأخذ بها، فلا يؤخّرها إلى قيام السّاعة .. فبينما القلوب لاهية، والصّدور من التّقوى خاوية، ترى جيوش الحقّ تغزو المتنكّبين عن صراط الله عزّ وجلّ ..
فقد أُعلِنَتْ الحرب ..
وما أدراك ما هذه الحرب ..
حرب لا هوادة لها إلاّ بالتّوبة، قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ..(279)}.
وما مظاهر هذه الحرب ؟..
حربٌ ترى آثارها في الحياة الدّنيا، وتبقى آثارها في الحياة البرزخيّة، ويوم يبعث الله البريّة ..
أمّا في الدّنيا ..
· فقد رتّب اللهتعالىاللّعنة على أهل الرّبا ..
روى مسلم عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال: ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِصلّى الله عليه وسلّمآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ )).
روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِصلّى الله عليه وسلّمآكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ ) وَقَالَ: (( هُمْ سَوَاءٌ )).
وروى البخاري عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: ( لَعَنَ رَسُولُ اللهِصلّى الله عليه وسلّمالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَاوَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ ). ومن مظاهر هذه اللّعنة:
· ما يحلّ بهم من العذاب:
روى الحاكم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْعَذَابَ اللهِ )).
وروى أبو يعلى بسند جيّد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ذَكَرَ حَدِيثاً عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وَقَالَ فِيهِ: (( مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الزِّنَاوَالرِّبَا، إِلاَّ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ اللهِ )).
· محق البركة وزوالها.
قال الله تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}[البقرة:276].
وقد روى ابن ماجه عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (( مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ )).
· المـسـخ:
روى عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائد المسند " عن عُبادةَ بنِ الصّامتِ رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم قال:
(( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَبَطَرٍ وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ، فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ بِاسْتِحْلاَلِهِمْ المَحَارِمَ، وَاتِّخَاذِهِمْالقَيْنَاتِ، وَشُرْبِهِمُ الخَمْرَ، وَبِأَكْلِهِمْ الرِّبَا، وَلُبْسِهِمْ الحَرِيرَ )).
هذا كلّه في الدّنيا .. فتعال وانظر إلى مخلّفات هذه الحرب:
في القبر ..
روى البخاري عن سَمُرةَ بنِ جندبٍ رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخَذَا بِيَدِي، فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ فِي النّهَرِ ؟ قَالَ: آكِلُ الرِّبَا )).
حتّى إذا بعِث النّاس رأيت مخلّفات تلك الحرب على أرض الحشر .. فعذابه:
يوم القيامة:
· أنّه يحشر كالمجنون المصروع ..
روى الطّبرانيّ عن عوفِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( مَنْ أَكَلَ الرِّبَا بُعِثَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَجْنُوناً يَتَخَبَّطُ، ثُمَّ قَرَأَ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُمِنَالْمَسِّ} [البقرة: من الآية275] )).
· وتبقى اللّعنة تلحقه !
ففي الوقت الّذي يرجو من نبيّه صلّى الله عليه وسلّم الشّفاعة، يسمعه يقول شيئا ..
إنّه يدعو عليه لا له .. إنّه يلعنه ..
روى أحمد عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قال:
( آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ، وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبَاهُ إِذَا عَلِمُوا بِهِ، وَالوَاشِمَةُ وَالمُسْتَوْشِمَةُ لِلْحُسْنِ، وَلاَوِي الصَّدَقَةِ، وَالمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الهِجْرَةِمَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍصلّى الله عليه وسلّميَوَمَ القِيَامَةِ ).
قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: من الآية275]..
ويقول ينادي الّذين أسرفوا على أنفسهم قائلا:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْتَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)}.

والله تعالى أعلم وأعزّ وأكرم، وهو الموفّق لا ربّ سواه.

جزاك الله خير .. بالذات الاسهم لا تدري ايها حلال وايها حرام مع تضارب فتاوى المشايخ

فاتقاء الشبهات هو الاسلم ..حتى لا نقع في الربا

شرح منظومة القواعد الفقهية – الشيخ أبو جابر عبد الحليم توميات حفظه الله 2024.

الجيريا



شرح منظومة القواعد الفقهية

لفضيلة الشيخ أبو جابر عبد الحليم توميات حفظه الله


الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 01 : مقدّمة مهمّة

نشأة علم القواعد الفقهية.
أقسام الكتب المؤلفة في القواعد الفقهية.
الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية.
بيان معنى القاعدة الفقهية.
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 02: من فوائد العلم بالقواعد الفقهيّة

من فوائد العلم بالقواعد الفقهية

الجيريا.

شرح منظومة القواعد الفقهية 03: مباحث تتعلّق بالنّية

-شرح قول المؤلّف رحمه الله:
النّية شرط لسائر العمل فيها الصّلاح والفساد للعمل
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 04: الدّين مبنيّ على جلب المصالح ودرء المفاسد

– قال المؤلّف رحمه الله
الدّين مبني على المصالح في جلبها والدرء للقبائح
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 05: تزاحم المصالح – تزاحم المفاسد

شرح قول المؤلف رحمه الله:
فإذا تزاحم عدد المصالح يُقدَّم الأعلى من المصالح
وضّده تزاحم المفاسد فارتكب الأدنى من المفاسد
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 06: قاعدة العسر مرفوع

شرح قول المؤلف رحمه الله:
ومن قواعد شرعنا التيسير في كلّ أمر نابه تعسير
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 07: قاعدة (وليس واجب بلا اقتدار) – قاعدة الضرورات تبيح المحضورات

شرح قول المؤلف رحمه الله:
وليس واجب بلا اقتدار ولا محرّم مع اضطرار
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 08: قاعدة اليقين لا يزول بالشّك

شرح قول المؤلف رحمه الله:
وترجع الأحكام لليقين فلا يزيل الشّك لليقين
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 09: الأصل في المياه والأرض والملابس الطّهارة – الأصل في الأبضاع – الأصل في اللحوم الإباحة

شرح قول المؤلف رحمه الله:
والأصل في مياهنا الطهارة والأرض والسّماء والحجارة
والأصل في الأبضاع واللحوم والنّفس والأموال للمعصوم
تحريمها حتّى يجيء الحل فافهم هداك الله ما يُمل
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 10: الأصل في العادات الإباحة – الأصل في العبادات التّحريم

شرح قول المؤلف رحمه الله:
والأصل في عاداتنا الإباحة حتى يجيء صارف الإباحة
وليس مشروعا من الأمور غير الذي في شرعنا مذكور
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 11: للوسائل أحكام المقاصد

شرح قول المؤلف رحمه الله:
وسائل الأمور كالمقاصد واحكم بهذا الحكم للزّوائد
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 12: ارتكاب المحظور نسيانا أو خطأ أو إكراها

شرح قول المؤلف رحمه الله:
والخطأ الإكراه والنّسيان أسقطه معبودنا الرّحمن
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 13: التّابع في الوجود تابع في الحكم – قاعدة ما لم يُضبط بالشّرع ضُبط بالعُرْف

شرح قول المؤلف رحمه الله:
ومن مسائل الأحكام في التّبع يثبت لا إذا استقل فوقع
وقوله:
والعرف معمول به إذا ورد حكم من الشّرع الشّريف لم يحد
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 14: من استعجل الشّيء قبل أوانه عوقب بحرمانه – النّهي إن عاد إلى ذات المنهيّ عنه أو لازمه اقتضى الفساد – من أتلف شيئا لينتفع به ضمنه، ومن أتلفه ليدفع ضرره عنه لم يضمنه

شرح قول المؤلف رحمه الله:
معاجل المحظور قبل آنه قد باء بالخسران مع حرمانه
–النّهي إن عاد إلى ذات المنهيّ عنه أو لازمه اقتضى الفساد
وإن أتى التّحريم في نفس العمل أو شرطه فذو فساد وخلل
–من أتلف شيئا لينتفع به ضمنه، ومن أتلفه ليدفع ضرره عنه لم يضمنه
ومتلف مؤذيه ليس يضمن بعد الدّفاع بالتي هي أحسن
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 15

"أل" تفيد العموم في الجمع والإفراد
النّكرة في سياق النّفي والنّهي تفيد العموم
لا يتّم الحكم حتى تجتمع الشّروط وتنتفي الموانع
الجزاء على قدر العمل
ما ينشأ عن المأذون غير مضمون
الجيريا

شرح منظومة القواعد الفقهية 16

الحكم يدور مع علّته وجودا وعدما وقوّة وضعفا.
-الأصل في الشّروط الجعليّة الصّحة واللّزوم.
– العبادات الغير مقصودة تندرج تحت المقصودة.
– المشغول لا يُشغل.
– الوازعات الطّبيعية كالوازعات الشّرعيّة