حملة يوم عاشورااااء >>> يوم واحد يُكفّر ذنوب السنة الماضية كلها <<< 2024.

حملة يوم عاشورااااء >>> يوم واحد يُكفّر ذنوب السنة الماضية كلها <<<

السلام عليكم يا أمة خير خلق الله .

السلام عليكم يا خير أمة أُخرجت للناس ..

ها هي مواسم الخيرات تتوالى .. وأبواب التوبة والمغفرة تُفتفح من جديد .

ها هو عام هجري جديد يبدأ مع بشرى عظيمة لنا من الله بمغفرة ذنوب العام الماضي كلها.

ها هي فرصتنا لفتح صفحة جديدة مع الله .. أنه يوم عاشوراء .. أنه يوم يُكفر ذنوب سنة كاملة ماضية .. أنه يوم الفرصة الكبير لنبدأ عام هجري جديد مع صلة جديدة طيبة وصفحة جديدة بيضاء مع الله تعالى.

أخواني الكرام .. لقد جعل الله تعالى الخير فينا ولنا .

جعل الخير فينا بأن قال ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ) [آل عمران:110] .

والحمد لله رب العالمين .. كثيرٌ منا بداخله الخير الكبير يتجنب المعاصي والمنكرات .. ويتحرى مواطن الطاعات والعبادات ..

وإن وُجِد فينا من يفعل المعاصي والسيئات . فإنك تجده لغيره ناهٍ عنها ناصحاً له بفعل الطيبات الصالحات ..

اللهم انى اعلم انى اعصيك ولكنى احب من يطيعك فاجعل اللهم حبى لمن اطاعك شفاعة تُقبل لمن عصاك ( دعاء شيخنا الشعراوي رحمه الله ) .

وأما ما جعله تبارك وتعالى لنا من خير .

هي فرص عظيمة تتوالى لنا للتوبة منا والمغفرة من الله تعالى .

منا من فاز في رمضان وأحسن أستغلاله و خرج منه مغفوراً له مرضيٌ عنه من رب العالمين مُحمّلاً بجبال من الحسنات .. وبأنهارِ من فعل الخيرات .ومنا من خرج منه وكان من الخاسرين ولم يُدرك منه شيئاً ولم يستفيد بخيره العظيم .

ومنا من أدرك العشر الأوائل من ذي الحجة ويوم عرفة وكان من الفائزين بغفران عام كامل مضى وعام كامل أتي .. ومن ضاعت منه العشر الأوائل من ذي الحجة وخرج منها ومن العام كله من الخاسرين ..وأنقضى العام الهجري على الغافلين وهم لاهين وبعيدين عن رب العالمين .

وهنا تتجلى عظمة ورحمة الله تعالى بنا .. بأن فتح لنا باباً جديداً للخير في بداية العام الجديد . .. فقد فُتِحت من جديد أبواب الطاعات وتجديد الصلة بينك وبين الله ..

أنه يوم عاشوراء .. زيادة في الخيرات لمن أدرك رمضان وذي الحجة .. وفرصة لتعويضهم لمن لم يدركهم .. .

يعنى عملت ذنوب كتير جدا السنة اللى فاتت وعايز ربنا يغفرلك

صوم يوم عاشوراء

وايه الدليل ؟!

« صيام يوم عرفة ، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ، و السنة التي بعده ، و صيام يوم عاشوراء ، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله »

الراوي: أبو قتادة المحدث: الألباني – المصدر: صحيح الجامع – الصفحة أو الرقم: 3853

خلاصة حكم المحدث: صحيح

هيا أخواني .. قدموا لأنفسكم توبة ناصحة .. ورجعة صادقة تغسلون بها ما مضى .

(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور: ٣١

وقال تعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه: 82

لقد أظهر القرآن الكريم عظيم منزلة شهر الله المحرم الذي يحتوي على يوم عاشوراء … وأظهرت السُنّة علو مكانته .

وسنتعرف معاً على فضل هذا الشهر العظيم عامة .. وعلى يوم عاشوراء خاصة.

:::: نبذة بسيطة عن شهر الله المحرم ::::

لماذا سمي بهذا الإسم ـ فضله ـ وصومه .

* شهر محرم سمي بذلك لأنه : شهر محرم فيه القتال وسمي بذلك تأكيدا لحرمته.

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات : ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)

رواه البخاري.

* انه من الأشهر الحرم.

قال قتادة –رحمه الله- في تفسير الآية:
اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا فيما سوى ذلك و إن كان الظلم في كل حال غير طائل ولكن الله تعالى يعظم من أمره ما يشاء ربنا تعالى).

الجيريا

بارك الله فيك

وفقنا الله واياكم الى ما فيه الخير
مع صادق مودتى

وفقنا الله واياكم الى ما فيه الخير
مع صادق مودتى

الجيريا

الجيريا

الجيرياالجيرياالجيرياالجيرياالجيريا

بارك اله فيك و جزاك خيرا.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم اللهم إنا نسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك ونعوذ بك من شر ما استعاذ به عبدك ونبيك اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول و عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل ونسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لنا خيرا.

بارك الله فيك

>> موضوع رياضيات دورة جوان 2024 << 2024.

سلام عليكم
تفضلو خوتي صورتلكم تمارين

الجيريا
الجيريا

وضعيية
الجيريا

الجيريا

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

ربي يوفقكم ان شاء الله

Good luck for you

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

بارك الله فيك ..زيد صورلنا الوضعية من فضلك ؟

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

تمارين في المتناول، ربي يوفقكم ان شاء الله

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

الجيريا

الجيريا

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

مرسي
صعبولنا العام هدا صح؟؟؟؟

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

واشبيك فرحان بالساهل صورلنا الباقي المدوووزي

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

بارك الله فيك اخي

++ الموضوع سهل جدا وفي متناول الجميع

الله يوفقم جميعا

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

صعيبب بززاااف مخدمتش قااااع

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

موضوع على المستوى ..أتمنى أن تكونوا خدمتم مليح..

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

حتي انا ماخدمتش اليوم من كثرة الخلعة تغميت فالقاعة وتغاشيت
حالتي النفسية راهي جد مظطربة

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تالية القرآن الجيريا
موضوع على المستوى ..أتمنى أن تكونوا خدمتم مليح..

اختي والله لاصعيب علينا

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

بارك الله فيك

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

بارك الله فيك
موضوع في متناول الجميع نتمنى انكم تكونو خدمتو

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

خوتي كلشي صعيب من الوضيعة لي كنت متمنيها حطوها
اما تمارين اخرى رحت ننقل ملقيتش شا ندير

الصور المرفقة
نوع الملف: jpg Image 285.jpg‏ (10.6 كيلوبايت, المشاهدات 136)
نوع الملف: jpg Image 286.jpg‏ (10.7 كيلوبايت, المشاهدات 80)

¨°o.O(«« عبقات وقطوف رمضانية <<اليوم الثالث عشر.>>*** <<أم أمة الله الجزائرية>>»»)O.o°¨ 2024.

الجيريا

الجيريا

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أولا الحمد لله على أن بلغنا شهر رمضان وأذن لنا بصيامه وقيامه نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن صامه إيمانا واحتسابا ..

ثانيا أتقدم بالشكر إلى القائمين على هذه الطبعة "عبقات وقطوف رمضانية " من مشرفين وأعضاء مشاركين فبارك الله فيكم وجعل ما تقدمونه في ميزان الحسنات ..

الجيريا

الجيريا

رمضان شهر القيام والصيام وتلاوة القرآن

الحمد لله ربّ العالمين، به سبحانه نستهدي، وإياه نستكفي، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العليّ العظيم، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبعد:

ففي هذه الأيام المباركة يحل علينا ضيف عظيم وشهر كريم، يهلُّ علينا هلاله، وهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، أوجب الله تعالى صيامه، وشرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم عند رؤية هلاله وهلال كلِّ الشهور أن نذكر الله بذكر فيه بيان عظمة الرب الذي سخر لنا هذه الأهلَّة ومنازلها لنعرف أوقات زماننا فنعرف وقت حجنا وصيامنا وانقضاء شهورنا، وقد قال الله تعالى في بيان فوائد الأهلة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾.

أي يسألونك يا محمد عن الأهلة ومحاقها وتمامها واستوائها، وتغير أحوالها بزيادة ونُقصان واستسرارها، وما المعنى الذي خَالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدًا على حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان؟ – فقلْ يا محمد: خالف بين ذلك ربُّكم لتصييره الأهلة التي سألتم عن أمرها مواقيتَ لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقِها واستسرارها وإهلالكم إياها، أوقات حَلّ ديونكم، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه، وتصرُّم عدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم وحجِّكم، فجعلها مواقيت للناس.

فالقمر والهلال الذي جعله الله ميقاتا للناس من أعظم الأدلة التي دلَّت على عظمة هذا الخالق سبحانه وكمال قدرته ، يقول ابن القيم رحمه الله: «وانظر إلى القمر وعجائب آياته، كيف يُبديه الله كالخيط الدَّقيق، ثم يتزايد نورُه ويتكامل شيئاً فشيئاً كلَّ ليلة حتى ينتهي إلى إبداره وكماله وتمامه، ثمَّ يأخذ في النقصان حتى يعود على حالته الأولى؛ ليظهر من ذلك مواقيتُ العباد في معاشهم وعباداتهم ومناسكهم، فتميَّزت به الأشهر والسنون، وقام به حسابُ العالم مع ما في ذلك من الحكَم والآيات والعبر التي لا يُحصيها إلاَّ الله». اهـ.

وقد عدَّ الله في القرآن الكريم هذا ضمن آياته العظام وبراهينه الجسام، يقول الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُون وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون﴾.

وقوله: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ أي: يَنْزِلُها، كلَّ ليلة ينْزل منها واحدة، إلى أن يصغر جدًّا فيكون كالعرجون القديم، أي: كعذقة النخل إذا قدم وجفَّ وصغر حجمه وانحنى، ثمَّ يُهلُّ في أول الشهر ويبدأ يزيد شيئاً فشيئاً حتَّى يتمَّ نورُه ويتسق ضياؤه، فما أعظمها من آية، وما أوضحها من دلالة على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه سبحانه، ولا ريب أنَّ التَّأملَ في هذه الآية وغيرها مِمَّا دعا الله عباده في كتابه إلى التفكر فيها وتأمُّلها يهدي العبدَ إلى العلم بالربِّ سبحانه بوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وسعة علمه وكمال حكمته، وتعدد برِّه وإحسانه، ومن ثمَّ يُخلص الدِّينَ له ويُفردُه وحده بالذُّلِّ والخضوعِ والحبِّ والإنابة والخوف والرجاء، فهي دلائلُ ظاهرة وبراهينُ واضحة على تفرُّد الله بالربوبية والألوهية والعظمة والكبرياء.

وأما الذكر الذي حث عليه نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقوله عند رؤية هلال رمضان وغيره من الشهور هو ما أخرجه الترمذي عن طلحة رضي الله عنه: أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رَأَى الهِلاَلَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِيَ وَرَبُّكَ اللهُ».

فقوله: «إذا رأى الهلال» الهلال هو طلعة القمر لليلتين أو لثلاث، وفي غير ذلك يُقال له قمر.

وقوله: «أهلَّه علين» أي أطلعه علينا، وأرنا إيَّاه.

وقوله: «باليُمن والإيمان» واليمن هو السعادة، وفي رواية أخرى (بالأمنُ) والأمن هو الطمأنينة والراحة والسكون والسلامة من الآفات والشرور.

والإيمان هو الإقرار والتصديق والخضوع لله، وهو الإيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

والإيمان بالله هو الإيمان والإقرار بوجوده وتفرده بالخلق والرَّزق والإماتة والإحياء والتصرف في الكون وأنه لا شريك له في ذلك.

والإيمان بأنه المستحق بالعبادة المتفرد بالألوهية فلا يُعبد إلا هو ولا يصلى ولا يُسجد إلا له، ولا يُذبح ويُنذر إلا له سبحانه.

والإيمان بأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

والإيمان بملائكته وأنهم خلق من خلقه خلقهم من نور، وهم ذوو أجنحة، وعدد كثير لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه.

والملائكةُ منهم الموكَّلون بالوحي، والموكَّلون بالقَطر، والموكَّلون بالموت، والموكَّلون بالأرحام، والموكَّلون بالحفظ، والمُوكَّلون بالجنَّة، والمُوكَّلون بالنار، والمُوكَّلون بغير ذلك، وكلُّهم مستسلمون منقادون لأمر الله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمَرون.

والإيمان بالكتب المنزلة على أنبياء الله، كصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، والقرآن وأنه كلام الله تعالى.

والإيمان بالرسل والأنبياء، وما أخبر الله عنهم في كتابه، أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم فتجب محبتهم ومحبة نبينا ويجب اتباعه والعمل بما شرع، فمحبته محبة لله عز وجل واتباعه هو تباع الله عز وجل.

والإيمان بالقدر خيره وشره، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكلُّ شيءٍ لا يخرج عن قضاء الله وقدره وخلقه وإيجاده.

وقوله: «والسلامة والإسلام» السلامة هي الوقاية والنجاة من الآفات والمصائب، والإسلام هو الاستسلام لله والانقياد لشرعه.

وجاء تفسير الإسلام في حديث جبريل الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر، قال: والإسلام أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيتَ إن استطعت إليه سبيل.

ثم قال في آخر الحديث: أي حديث رؤية الهلال: «ربِّي وربُّك الله» ففيه بيان أنَّ الكلَّ مربوب مخلوق لهذا الرب العظيم، الذي لا يستحق العبادة والإنابة والخضوع إلا هو سبحانه، لا أكبر المخلوقات كالسموات والأرض والشمس والقمر، ولا أحقرها وأصغرها كالإنسان الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فكيف يملكه لغيره من بني جنسه، وفي هذا ردٌّ على مَن عبد أحداً من المخلوقات من دون الله ﴿ومن آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون﴾.

ثمَّ إنَّ الحديثَ فيه فوائد كثيرة أشير إلى شيء منها، فمنها أنَّ فيه بياناً للفرق بين الإيمان والإسلام وأنَّهما ليسا شيئاً واحداً عندما يجتمعان في الذِّكر، بل لكلِّ واحد منهما معنى خاص، فالإيمان يُراد به الاعتقادات الباطنة، والإسلام يُراد به الأعمال الظاهرة، أمَّا عند إفراد كلِّ واحد منهما بالذِّكر فإنَّه يكون متناولاً لمعنى الآخر.

وفيه أنَّ الأمنَ مرتبطٌ بالإيمان، والسلامةَ مرتبطةٌ بالإسلام، فالإيمان طريق الأمن والأمان، والإسلام طريق السلامة، ومن رام الأمن والسلامة بغيرهما ضلَّ، والله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون﴾، وما نراه اليوم ونلمسه من انعدام الأمن في كثير من بلدان المسلمين فضلا عن بلاد الكفرة والملحدين سببه البعد عن الله وعن دينه الذي فرضه على عباده، وأوجب عليهم اتباعه والعمل به وتحكيمه في أنفسهم قبل كل شيء، ثم فيمن جعلهم الله تحت ولايتهم، فلا بد من صدق الرجوع إلى الله حتى يرفع ما حلَّ بالمسلمين من بلاء ومحن ومصائب وإحن، قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت».

فهذا سبب من أسباب المحن التي حلت بالأمة الإسلامية، حب الدنيا وكراهية الموت، وحب الدنيا يجر إلى ارتكاب المحرمات وتحليلها، وترك الواجبات والتنفير منها، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».

فترك المأمور واجتناب المحظور يؤدي إلى تسليط الكافر وتسليط الذل والمهانة والانتكاس، والدواء هو الرجوع إلى الله والفرار إليه، ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِين﴾، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾.

ومن فوائد الحديث أنَّ فيه لفتةً كريمةً إلى أنَّ أهمَّ ما تُشغل به الشهور وتُمضى فيه الأوقات هو الإيمانُ بالله وبما أمر عباده بالإيمان به، والاستسلامُ له سبحانه في كلِّ أحكامه وجميع أوامره.

قال ابن القيم رحمه الله: « السَّنَةُ شجرة، والشهورُ فروعها، والأيامُ أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنَّما يكون الجَذَاذ يوم المعاد، فعند الجَذاذ يتبيَّن حلوُ الثمار من مُرِّها ». اهـ.

وأعظم الشهور مرورا على الإنسان هو شهر رمضان المبارك، شهر النفحات والخيرات وإقالة العثرات، يستوجب من العبد القيام بحقه من صيام وقيام وقراءة القرآن، وبر وإحسان وصدقة على الفقراء والمحتاجين، الذين هم في أشد الحاجة إلى من يعنيهم على صيام الشهر حتى لا يشغلهم طلب الرزق والسعي وراءهم عن عبادة ربهم في هذا الشهر الكريم، والعبد مطالبٌ بأن يكون في هذا الشهر العظيم من المحسنين الكرماء، اقتداء بخير الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فقد كان أجود الناس على الإطلاق، وكان أجود ما يكون في رمضان، روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسُه القرآن، فَلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».

ففي الحديث بيان أن َّ سبب جوده وكرمه عليه الصلاة والسلام ناتج عن كثرة مدارسة القرآن؛ وذلك أنَّ القرآنَ خلقُه صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها، يأتمر بأوامره، ويجتنب نواهيه. فمدارسته له تجدِّد له العهد بمزيد غنى النفس، فإذا حصلت في رمضان وهو موسم الخيرات وفيه أنزل الله القرآن، والنازل به جبريل، فهذا كله من دواعي زيادة جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم، فمَن رام زيادة جوده في هذا الشهر فعليه بكثرة ذكر الله تعالى وتلاوة كلامه وتدبره، والعمل بما أمر به وترك زواجره، يوفقه ربُّه للخيرات، ويفتح عليه من البركات.

ورحم الله الإمام محمد البشير الإبراهيمي إذ يقول: « إن رمضان يحرك النفوس إلى الخير، ويُسكنها عن الشر، فتكون أجود بالخير من الريح المرسلة، وأبعد عن الشر من الطفولة البلهاء، ويطلقخها من أسْر العادات، ويُحررها من رق الشهوات، ويجتثُّ منها فساد الطباع ورعونة الغرائز، ويطوف عليها في أيامه بمحكمات الصبر ومثبَّتات العزيمة، وفي لياليه بأسباب الاتصال بالله والقُرب منه ».

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم التوفيق لمرضاته، واغتنام أوقات الخير بالذكر والتوبة والإنابة والاستغفار، وأن يتقبل منا شهر الصيام والقيام، وأن يرفع ما حلَّ بهذه الأمة من هموم وغموم، وبلاء ومحن، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

الجيريا

الجيريا

تنبيه الأنام إلى ما لا يسع جهله من أحكام الصيام

فهذه مسائل فقهية متعلّقة بأحكام الصيام، تمسّ حاجة الصائم إليها، ولا غنى له عن معرفتها.

فاعلم ـ أيّها القارئ الكريم ـ أنّه يجب عليك أوّلا أن تبيّت نيّة صوم رمضان ليلا قبل الفجر؛ لما روته حفصة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلّم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من لم يُجْمِعْ الصيام قبل الفجر، فلا صيام له »(1).

والنية هي عقد القلب، ولهذا لا يشترط التلفّظ بها، بل هو بدعة محدثة.

ومن لم يتبيّن له وجوب الصوم إلاّ في النهار، فليمسك بقيّة يومه، ولا قضاء عليه لحديث سلمة بن الأكوع قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلّم رجلا من أسلم أن أذِّن في الناس أنّ من أكل فليصم بقيّة يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإنّ اليوم يوم عاشوراء»(2).

ويجوز لك استعمال السواك مطلقا لا فرق بين أوّل النهار وآخره لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم : «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة»(3).

ويلحق به استعمال معجون الأسنان شريطة أن لا يبتلعه.

ويباح لك المضمضة والاستنشاق، إلا أنّه تكره المبالغة فيهما لحديث لقيط بن صبْرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائما»(4).

وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فصومه صحيح ولا قضاء عليه.

ويلحق بالنهي عن المبالغة في الاستنشاق استعمال السعوط (وهو دواء الأنف)، فلا يجوز استعماله في نهار رمضان، بل إنّ استعماله يفسد صومه ويوجب القضاء.

ويجوز لك الانغماس والاغتسال في الماء نهار رمضان، مع التحرّز من دخول الماء إلى الجوف، لما ثبت عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعَرْج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحرّ»(5).

ومن تراجم البخاريّ في صحيحه (4/181 فتح): باب اغتسال الصائم، وبَلَّ ابنُ عمر رضي الله عنهما ثوباً فألقى عليه وهو صائم، ودخل الشعبي الحمّام وهو صائم، وقال الحسن: «لا بأس بالمضمضة والتبرّد للصائم». وقال أنس : «إنّ لي أبْزنَ أتقَحّم فيه وأنا صائم».

ويباح لك تذوق الطعام في نهار رمضان شريطة عدم ابتلاع شيء منه.

قال ابن عبّاس: «لا بأس أن يذوق الخلّ أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم»(6).

ويباح لك استعمال الطيب والبخور الدهن قال ابن مسعود: «إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا»(7).

ويجوز لك الستعمال الكحل أو الإثمد سواء وجد أثره في الحلق أم لم يوجد، ويلحق به القطرة ونحوها (دواء العين).

عن أنس بن مالك أنّه كان يكتحل وهو صائم.

وعن الأعمش قال: «ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخّص أن يكتحل الصائم بالصبر»(8).

ويباح لك ما لا يمكن الاحتراز عنه كبلع الريق، وشمّ غبار الطريق.

ولا يضرّك خروج الدم من الأنف كالرعاف أو من لثّة الأسنان عند الاستياك شريطة أن لا يبتلعه قصدًا.

والحجامة لا تفسد صومك على القول الصحيح من أقوال العلماء، ويلحق بها الفصد وهو إخراج الدم من العروق.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم احتجم وهو صائم»(9).

ويجوز لك أن تقبّل امرأتك أو أن تباشرها في نهار رمضان.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنّه كان أملكَكُم لإِربِهِ»(10).

إلا أنّها تكره للشابّ لفرط شهوته، وخشية أن لا يملك نفسه.

لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم فجاء شاب، فقال: يا رسول الله أقبّل وأنا صائم؟ قال: لا، فجاء شيخ فقال: أقبّل وأنا صائم؟ قال: نعم، قال فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّ الشيخ يملك نفسه»(11).

وإذا أكلت أو شربت في نهار رمضان ناسيا فصومك صحيح، ولا قضاء عليك ويلحق به من جامع أهله ناسيا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (25 /228).

لما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتمّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه»(12).

وإذا غلبك القيء فلا شيء عليك، لا فرق بين قليله وكثيره، وإذا تقيّأت متعمدا فسد صومك ووجب عليك قضاء ذلك اليوم.

لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من ذرعه قيء وهو صائم، فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض»(13).

ويباح لك استعمال الحقن التي لا تغذي، فإنّها لا تفطر، أمّا الحقن المغذّية التي يستغنى بها عن الأكل والشراب، فإنها تفسد الصوم، لأنّها بمعنى الأكل والشراب، لأنّ نصوص الشرع في مصادره وموارده إذا وجد المعنى الذي تشتمل عليه في صورة من الصور، حكم على هذه الصورة بحكم ذلك النصّ، وبهذا أفتى الشيخ العلاّمة ابن عثيمين كما في "فتاوى هيئة كبار العلماء" (1 /429)، واللّجنة الدائمة رقم الفتوى (5176) والشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (3 /80 تحت رقم الحديث: 1014).

ويجوز لك استعمال المضخة أو البخاخ (دواء الربو) ولا يفسد صومك، لأنّه هواء يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية، لا إلى المعدة فليس بأكل ولا شرب ولا في معناهما وبهذا أفتت اللجنة الدائمة رقم الفتوى (4958)، " فتاوى هيئة كبار العلماء" (1 /437) والشيخ ابن عثيمين كما في لقاء الباب المفتوح اللقاء الثامن، والشيخ الألباني رحمه الله فقد سألته شخصيا عبر الهاتف، وانظر: مجموع الفتاوى (25 /233-234).

وإذا احتلمت فلا شيء عليك، لا فرق بين أن تصبح جنبا أو يكون ذلك في نهار رمضان فعن عائشة وأمّ سلمة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم»(14).

وإذا سافرت في نهار رمضان، فإن شقّ عليك الصوم فالأفضل أن تفطر، وإن لم يشقّ عليك فإن أخذت بالرخصة فحسن، وإن صمت فحسن أيضا، عن أبي سعيد الخذري قال: «كنّا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمنّا الصائم ومنّا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر، وكانوا يرون أنّه من وجد قوّة فصام فحسن، ومن وجد ضعفا فأفطر فحسن»(15).

والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو نفسيهما أفطرتا وأطعمتا عن كلّ يوم مسكينا.

عن ابن عبّاس قال: «إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران ويطعمان مكان كلّ يوم مسكينا، ولا يقضيان صوما»(16).

وعن ابن عمر مثله(17).

وعنه: «أنّ امرأته سألته وهي حبلى، فقال: أفطري وأطعمي عن كلّ يوم مسكينا ولا تقضي»(18).

ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة، فهو عند البعض إجماع سكوتيّ.

وإذا غاب جميع قرص الشمس فأفطر، ولا تعتبر بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق لما رواه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»(19).

وإذا أفطرت ظنا منك غروب الشمس لغيم أو نحوه، ثم تبين لك خلاف ذلك، فصومك صحيح ولا قضاء عليك، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى" (20 /572) وابن القيم في "تهذيب السنن" (3 /236-239).

لما روته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «أفطرنا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلّم يوم غيم ثم طلعت الشمس»(20).

قال شيخ الإسلام : «ولم يذكروا في الحديث أنّهم أمروا بالقضاء، ولكنّ هشام بن عروة قال: لا بدّ من القضاء، وأبوه أعلم منه وكان يقول: لا قضاء عليهم».

وعن زيد بن أسلم: «أن عمر بن الخطّاب أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنّه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد طلعت الشمس، فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا»(21).

قال ابن القيّم : «قوله: «وقد اجتهدنا» مؤذن بعدم القضاء، وقوله «الخطب يسير» إنَّما هو تَهوين لما فعلوه وتيسير لأمره».

وإذا تسحّرت وشككت في طلوع الفجر، فكل واشرب وأْتِ أهلك حتى تستيقن طلوعه، واطرح الشكّ.

قال رجل لابن عبّاس: «إنّي أتسحّر، فإذا شككت أمسكت»، فقال ابن عبّاس: «كل ما شككت، حتى لا تشكّ» . [ابن أبي شيبة (9075-9067 وعبد الرزّاق 7367 و 7368].

وإذا فعلت ذلك ثم تبين لك أن الفجر قد طلع فلا قضاء عليك ولا كفارة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله انظر «مجموع الفتاوى» (25 /259-263).

وإذا كنت تأكل أو تشرب ثم سمعت النداء، فقد رخّص لك الشرع إتمام سحورك ولا شيء عليك، وعلى هذا تعلم بدعية ما يسمّى بالإمساك.

وهو الإمساك عن السحور قبيل الفجر، فإن قيل هذا من باب الاحتياط فيقال: الاحتياط في موافقة الشرع واتباع الهدي، وما عداه فتنطّع وتبدّع.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه»(22).

وإذا طلع عليك الفجر وأنت مجامع، فيجب عليك النزع، ولا قضاء عليك ولا كفارة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم.

انظر "مفتاح دار السعادة" (2 /354 علي الحلبي).

وإذا مرض المرء مرضا يرجى برؤه، ونصحه الطبيب الثقة الخبير لمهنته بأن يفطر، وأن الصيام يضرّه، لزمه الفطر، وعليه القضاء بعد الشفاء، فإن استمر به المرض وعجز عن الصوم ولم يُرجَ له الشفاء، فعليه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا.

وإذا مرض مرضا مزمنا لا يرجى برؤه كالربو أو السكّري ونحوهما فعليه أن يطعم عن كلّ يوم مسكينا.

والواجب في الفدية الإطعام كما قال تعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾[المائدة: 89] ولا يجوز إخراجها قيمة أو نقودا.

وإذا كان عليك قضاء أيّام من رمضان، فإن شئت تابعت بينها، وإن شئت فرّقت لقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة: 185].

وعن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس في قضاء رمضان: «صمه كيف شئت»، وقال ابن عمر : «صمه كما أفطرته»(23).

وعن أبي هريرة قال: «يواتره إن شاء»(24).

وإذا كان عليك قضاء رمضان فأخّرته عمدًا أو لعذر حتى دخل رمضان آخر فصم رمضان الذي ورد عليك ثم اقض بعده الأيّام التي عليك، ولا إطعام عليك لأنه لم يثبت بالنصّ، وهو اختيار الإمام الحجّة صاحب المحجّة ابن حزم في المحلّي (6 /261).

وإذا جامعت زوجك في نهار رمضان وجب عليك الكفارة على الترتيب، تحرير رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فأطعم ستين مسكينا.

وإذا قطعت التتابع في الصوم لعذر شرعيّ كأن يتخلّل الشهرين يوم الفطر أو يوم النحر مرض أو حيض أو نفاس بالنسبة للمرأة، فلا تقطع التتابع الواجب.

وإذا عجزت عن العتق والصيام والإطعام سقطت الكفّارة عنك لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعُهَا﴾[البقرة: 286].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال : لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا، قال: فمكث النبيّ صلى الله عليه وسلّم فبينما هو على ذلك أتي النبيّ صلى الله عليه وسلّم بعرق فيه تمر، قال: من السائل؟ فقال: أنا قال: خذ هذا فتصدّق به، قال الرجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها ـ يريد الحرّتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبيّ حتى بدت أنيابه ثمّ قال: أطعمه أهلك»(25).

وإذا أتممت الصوم فاعلم أن الله تعالى أوجب عليك زكاة الفطر طهرة لك من اللّغو والرفث، وطعمة للمساكين، تؤديها عن نفسك وعن كلّ من تمونه من صغير وكبير، ذكر وأنثى، حر وعبد من المسلمين.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحرّ والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين» (26) وتخرجها من الأقوات المنصوص عليها أو من أقوات أهل كلّ بلد مقدار صاع من صاع أهل المدينة.

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نؤدّي زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحرّ والمملوك من أدّى سلتا قبل منه وأحسبه قال: ومن أدى دقيقا قبل منه ومن أدّى سويقا قبل منه»(27).

وأما القمح فمقداره نصف صاع على الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم رحمهما الله كما في زاد المعاد (2 /21).

لما رواه ثعلبة بن صعير قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطيبا، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر، أو صاع شعير على كلّ رأس، أو صاع برّ أو قمح بين اثنين عن الصغير والكبير والحرّ والعبد»(28).

وعن عروة بن الزبير: «أنَّ أسماء بنت أبي بكر كانت تخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها الحر منهم والمملوك مدين من الحنطة أو صاعا من التمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به»(29).

ولا يجوز لك أن تخرجها بدل العين قيمة أو نقودًا في قول عامة أهل العلم قال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطي دراهم يعني في صدقة الفطر قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

وقال أبو طالب: قال لي أحمد: لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويقولون قال فلان! قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال الله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الّرَّسُولَ﴾[النساء: 59]، وقال قوم يردّون السنن: قال فلان، قال فلان»(30).

ويجب عليك أن تصرفها للمساكين خاصة، ولا تصرفها لغيرهم من الأصناف الثمانية المنصوص عليهم في القرآن.

لما رواه ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللّغو والرفث، وطعمة للمساكين…»(31).

ويجب عليك أن تخرجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز لك تأخيرها عن ذلك لحديث ابن عبّاس السابق: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».

ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة»(32).

ويجوز لك أن تخرجها إلى من تجمع عنده بيوم أو يومين لما رواه نافع: «كان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين»(33).

وعنه أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.

هذا ما يسر الله تعالى لي جمعه بمنّه وتوفيقه، بشيء من الإيجاز والاختصار، وإلاّ فهناك مسائل أخرى مشهورة ومنثورة في كتب الفقه، فلتراجع لمن أراد التوسع، وبالله التوفيق.

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الجيريا
المقامة الرمضانية

حدَّث محمَّد بن عليّ قال:

دخلت سوق الحيِّ، فألفيت به عبد الحيِّ، وهو بين الميِّت والحيِّ، وهو في ذلك الممشى، يخبط خبط الأعْشَى، وقد زعفر وجهَه الصِّيامُ، وجفَّف ريقَه الأوامُ، فقلت: لأقفونَّ أثرَه، ولأخبرنَّ خبره، وقد واريتُ عنه عِيَاني، فكنتُ أرَاه من حيث لا يراني، فانطلق حتَّى انغمس في أمواج الأخلاط، وهم في زحام وزَيَاط، فماجت به تلك الأمواج، وأمدَّهم بعد ذلك أفواج، فاشتدَّ في ذلك العراك بأسه، ولم يَبْدُ لي من جسده إلَّا رأسُه، فكلَّفني في اللّحاق به المشقَّة، فاختلت للعَرَمْرَم كي أَشُقَّه، فانسلَّ عبد الحيِّ بعد عناء إلى الجزَّار، وكأنَّه مكبَّل الرِّجلين، فليس الأمر لو ترى بِهَيْن، وهو في ذلك شاتم ومشتوم، وطورًا يُلام وطورًا يَلوم، فلمَّا بلغ إلى اللَّحَّام، وعاين تلك اللِّحام، جعل ينظر إليها نظر ذات وِحام، فابتاع منه رطلًا أو رطلين، ثمَّ تولَّى قرير العين، وغطس إلى ناحية الخضر، متقلِّبًا بين ضِرار وضَرَر، فلمَّا وقف عليها لفحته لوافح الأسعار، فضجَّ من ذلك السُّعار، ولجَّ في خصام الخَضَّار، ثمَّ صال وجال، واشترى ما يعجز عن حمله رِجال، ثمَّ غيَّبته عني لُـمَّة، أحاط به جمعُها فواراه، وصار بمكان حيث لا أراه، فإذا هو عند بائع الزَّيتون، وقَلْبُه بكلِّ نوع مفتون، وطال حديثه إلى البائع، والكلام عن البضائع، حتَّى أنساه السَّوْمُ حرمةَ الصَّوم، فألقى زيتونة في فمه، وسها عن صومه، فصاح به القوم: يا رجل أفسدتَ الصَّومَ! فلفظ منها ما تبقَّى، واستغفر الله وذكره، وسبَّ مِنَ القوم مَنْ ذكرَّه، فرأيته وقد تجهَّم وجهه، وشعث رأسه، وتصبَّب عرقه، وقد نهكته تلك الأثقال، وأَنْصبَه التّطواف بين جزَّار وبقَّال، وهو ينظر إلى ساعته في تلك الكروب، يحسب كم بقي للغروب، ولسان حاله يقول:

يا شمس قد طال النَّهار فاغربي فبالغروب ينجلـي ما حـلَّ بـي
إنـِّي إذا مـا أخذتـني الـدُّوخـة أستذكر الـبُـرَاكَ والشَّخْشُوخَة
وشُـْربةً تصنع من حبِّ الفرِيك وزلبيَّـةً تـجي مـن بُـوفَـرِيــك
وعـنـبًـا وطـبـقًــا مــن مــوز وقـهـوة مـعـهــا قلـب اللّــوز
تـهـيـج لـي في نـهـمة أشواقي وأغـتدي مــن ذاك للأســواق
خــلُّوا سبيلـي معشر الـجموع يكفـي الَّذي أصابـني من جوع
قد كسرت من بـينـكم ضلوعي لو كنت أدري جئت فـي دروع ثمَّ أقبل نحوي بكلِّ ما يحوي، فبادرت إليه، ثمَّ سلَّمت عليه، فشكا إليَّ الحال، وما لقي في تلك الأوحال، ثمَّ قال لي: كيف حالك ورمضان؟ فقلت: شهر يستوجب الشُّكران، ولكن سلْ رمضان كيف حاله معي، إن كنت ممَّن يعي، فإنَّنا في زمن فسدت فيه الموازين، وصار ما يشين عند النَّاس يزين، ثمَّ حدَّثته بحديث لبَّد العجاج، وأنساه خبر اللَّحم والدَّجاج، حتَّى إذا استأنس بكلامي، قلت له: ما فعلت الزَّيتونة؟ فقال: سحقًا إنَّها ملعونة! ثمَّ سألني عن حكم ذلك؛ فقلت: القضاء على قول مالك؛ فقال: وهل في قول غيره ما يدفع؟ فقلت: يدفعه أن تتشفَّع، وما أراه ينفع، فاقض يومًا تبرأ به الذِّمَّة، وتحمد في مذاهب كلِّ الأئمَّة، ثمَّ طاف عليه من أحواله طائف، فأخبرني أنَّه نسي البقلاوة والقطايف، وقال: ذلك من أحكام السَّمَر، ولذَّة السَّهر، فانصرفَ وانصرفتُ، وقد هاجت عليَّ رياحُ الرَّجز، فانطلق اللِّسان وما عجز، فأنشأت أقول:
واعـجبًـا من صوم عبـد الـحيِّ إذ قــد غـدا فـي سَـفَـهٍ وغــيٍّ
فإنْ شـهـر رمـضـــان طـــاعه ولــم يـكـن شـرع للمـجــاعه
بـل هـو مـن ربِّ الورى تهذيب لـيـس لـنـهـش لـحم يا ذيــب
فــإن ذا مــقــصـــد شــرع الله فـي كـلِّ مـا شـرعـه يـا لاهــي
مـن ضـلَّ عـن مقاصد الشَّريعه حـرم مـن مـنـافـع بـديـــعــه
فـصم وصن في صومك اللِّسانا وابذل لكـلِّ مـن ترى الإحسانا
واصـغ إلى خيـر الورى الأوَّاب فـيـمن يصوم الشَّهر باحتسـاب
من صــام لله بــه مـحـتـسـبًــا يـغفر لــه الإلــه مــا قـد أذنبـا
ومـثـلـه لـكـلِّ مــن قـد قــامَا فـي لـيلـه فلْتَـطْـلُـبِ الـمـقامَا
فـإنَّ أكـثـر الـورى قـد غـفــلا حـتَّـى إذا مـا رمضـــان أفـــلا
لـم يـغـنـمـوا مـا غـنـم السّباق مـن نـالـهـم مـن ربِّـنـا إعـتاق

قال الرَّاوي لهذا الخبر:
فرجعت أَجْتَلِي من ذلك العِبَر، وأجيلُ فيه الفِكَر، فجاءتني بفضائل الاستقامة، وقد أودعتها هذه المقامة.

* منقول من مجلة الإصلاح «العدد الرابع»
المصدر

الجيريا

ماذا بعد رمضان؟

فمن نعم الله على العبد المؤمن أن يبلِّغه مواسم الطاعات، ويوفقه إلى القيام بالواجبات على أتم ما افترضه المولى عز وجل، وقد أكمل الصائمون صومهم، والقائمون قيام ليالي خير الشهور، وفاز القراء بختم كتاب ربهم وكلام مالكهم، وهذا كلُّه بمنِّ الله وكرمه، ولولاه ما وُفِّق أحد للخيرات.
فمن وفَّى ما عليه من الأعمال والطاعات كاملة، وُفِي له الأجر والجزاء كاملا، ومن نقص من عمله شيئا نقص له من الأجر بقدر ما نقص من العمل.
غدا توفى النــفوس ما كســبت ويحصد الزارعــون ما زرعــوا
إن أحسنوا أحــسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
وقد علموا أنَّ الله تعالى قال في كتابه: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يجتهدون في إكمال الطاعات، والتقرب إلى الله تعالى بإحسان العمل ومداومته، مع خوفهم بعدم القبول، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله عن هذه الآية ﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾، قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم».
فعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في الإخلاص.
فشهر رمضان وقت الزرع، ويوم القيامة وقت الحصاد، فمن لم يزرع لم يحصد إلا الندم والهم، ولقد أحسن القائل:
ترحل شهر الصبر والهفاه وانصرما واختص بالفوز بالجنات من خدما
أصبح الغافل المسـكين منكســرا مثلي فيا ويــحه! يا عظـم ما حرما
من فاتـه الزرع في وقـــت البـدار فما تراه يحصــد إلا الهمَّ والندمـا
بل من الناس من تراه يعبد الله تعالى في شهر الخيرات، يصوم نهاره ويقوم ليله، ويجتنب كلَّ ما يخدش صومه من الكلام البذيء والعمل الدنيء، فإذا انصرم رمضان رجع إلى ما كان عليه من الآثام، ومقال حاله: «لا يُعرف الله إلا في رمضان».فإذا كان عباد الله المتقون وجلون من عدم تقبل العمل، فكيف بمن ضيَّع وقته في السهر والكسل؟
كم يفرح المرء عندما يرى ألوان الطاعات تزداد في رمضان، فما أن يؤذن أذان الفجر إلا وتجد المساجد مكتضة بالمصلين، ولا تكاد تفرِّق بين الصلوات؛ إذ بيوت الله عامرة في كلِّ وقت من ليل ونهار، لكن سَلِ المساجد بعد صلاة العيد عن عُمَّارها، أين ذهبوا، فقد ترك الكثير صلاة الجماعة، ولم يستجب لنداء الله إلا القليل الموفقون.
ألا فليعلَم هؤلاء أنَّ من علامة قبول العمل عند الله أن يكون المرء على حال أفضل من الحال التي كان عليها، فالصيام يزيد المرء تقربا إلى الله في كلِّ الأوقات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾.
قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مخاطبًا للمؤمنين من هذه الأمة وآمرًا لهم بالصيام، وهو: الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة.
فمن لم تزكو نفسه وتمنعه من الشهوات بعد رمضان فلم يصم لله حق الصيام، ولم يستفد من شهره إلا الجوع والعطش.
لأنَّ ربَّ رمضان هو ربُّ الشهور كلها، وما أوجبه عليك في رمضان من فعل الواجبات كالصلوات في الجماعات وترك المحرمات، أوجبه أيضا في سائر الشهور.
سئل أحد السلف قيل له:«إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان؛ فقال: بئس القوم، لا يعرفون الله حقاً إلا في رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السَّنة كله».
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وسائر المسلمين للطاعات والقربات، في كل الشهور والأيام والزمان والأماكن، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنة تمحها …».
فتقوى الله أجلُّ مطلوب يطلبه المسلم، في كلِّ أحيانه وأماكنه، يُتبع الحسنةَ بحسنات، والسيِّئةَ بقرُبات، عسى الله أن يعفو عنه ويجعله من عباده المتقين الموفقين، والحمد لله رب العالمين.

المصدر

الجيريا

" وقفــــة اعتبــــــــــار "

رمضان يمضي والعمر ينقص ونحن ‏غافلون ،،،
وذالك ياعباد الله
أنا في العام الماضي استقبلنا شهر رمضان ، ثم ودعناه ،ثم انتظرنا شهر رمضان القادم ونحن نراه بعيدا ، وهاهو قد دخل علينا ،والواحد منا يقول لنفسه أو يقول لأخيه ،ما أسرع مامرت الأيام ،والله كأن بالأمس نودعوا رمضان الماضي
وها نحن اليوم
ندخل في رمضان الحاضر، وإنها والله لحقيقة الأيام ،تمضي بنا سريعة ،تنقص من آجالنا

يقول لواحد منا ياعباد الله
إذا مر عليه عام زاد عمري سنة
وحقيقة الأمر ، أن عمره قد نقص سنة
فالعمر معدود
والأجل محدود
وإن هي إلا خطوات الله أعلم متى تنتهي الخطوات
إنها أيام ياعباد الله نطويها وتطوينا، وتسير بنا سريعة إلى آجالنا

إن هذه الحقيقة ياعباد الله
تذكرنا بقول ربنا سبحانه وتعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا )

إن الحياة ياعباد الله
تمضي بنا سريعة، وما حالاتنا إلا ثلاثٌ :
شباب ثم شيب ثم موت
وآخر ما يسمى المرؤ شيخا
ويتلوه من الأسماء ميْتو

فهنيئا ياعباد الله
لمن اعتبر بما فات ،وأحيا الحاضر والقادم بالصالحات
فاعتبروا ياؤلي الأبصار .

المصدر

الجيريا

مجلة مختارة


مجلة الإصلاح

العدد الرابع
عدد خاص بشهر رمضان المبارك


تحميل المجلة

الجيريا

صوتية مختارة

رمضان وما بعده – خطبة جمعة.

لتحميل الخطبة: هـــنــــــا

الجيريا

موعظة مختارة

لماذا لا تتغير؟

إذا سألتم الله الجَنة فاسألوه الفردوس الأعلى.
لا تكن ضعيف الهمة، فضلاً عن أن تكون ميّتاً !
لِمَ لا تنافس في أمثال هذه الأحوال ؟!
لِمَ تقنع بالدون عما هو فوق السحاب، بل هو في النجوم !
لماذا تؤْثر الدنيا على الآخرة ؟
لماذا لا تتغير ؟ ما الذي يمنعك ؟
أتشُكُّ في كلام ربك ؟
ألا لا إيمان لك ؟!
ألا تُصدق نبيك صلى الله عليه وآله وسلم ؟
أأنت في ريب وشَكّ من الموت ؟
ألا توقن أنك ستموت ؟
ومن نظر إليك بعد ثلاث وجد حدقتيك قد سالتا على وجنتيك، وانقض بطنك عما فيه من الأذى والقذى. وأول ما يُنتن من الانسان بطنه.
ألا توقن بأنك صائر إلى ذلك ؟
لماذا تُشغل بأمثال هذه الألاعيب التي هي بالصبيان أليَق ؟!
لماذا لا تكون رجلاً مسلماً بصدق وحق ؟
ما الذي يمنعك ؟ وما الذي يُعجزك ؟
لِمَ لا تتوب إلى الله ؟ ولِمَ لا ترجع إليه ؟
ولِمَ لا تتبع رسول الله وتُخلص في المتابعة له ؟
قعدتْ بك شهوتك ؟! استعذ بالله ربك.

الجيريا

موعظة بليغة لكل مسلم على وجه الأرض !

«إن كنت مؤمنا فأنت أعلى لأن الله قال للمؤمنين: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}. العزة لكم ! والمجد لكم ! والكرامة لكم ! أنت تعبد الله وتوحده، وغيرك يكفره ويشرك به. أنت لا تسجد لأحد ولا لشيء دون الله، وغيرك يسجد لمخلوقات الله. أنت تتبع خير الرسل وخير البشر، غيرك يتبع زِبالات الأذهان ونفايات الأفكار وقِمامات الأمم. أنت مسلم فاعتز بإسلامك واستعلي بإيمانك، لا تكن وضيعا ولا ذليلا فإن ذلك لا يجتمع مع الإسلام في قرن.
الإسلام دين العزة، دين الرفعة، دين الكرامة، كما أنه دين العدل ونفي الجور.
ينبغي علينا ألا نلتفت إلى ما يشيعه الآخرون من وسائل لهزيمة المسلمين نفسيا، الحق قوته فيه والحق منصور ومضطهد دوما، فلا تبتئس ولكن النصر له النصر للحق وإن بدا في عين المرء ضعيفا، النصر للحق وإن بدا بادي الرأي مهينا، والعزة للحق لأن الله ناصره والله رب العالمين ينصر أولياءه ويخذل أعداءه.
لا تستهينوا بالنعمة التي أنعم الله عليكم بها، {أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}. اعتز بإسلامك ولا تنهزم ! إن الذي قال بقطع يد السارق هو الله ! والذي قال بجلد ظهر القاذف والزاني هو الله ! والذي أمر برجم الزاني المحصن رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه ! والدين ليس وقفا على الحدود فهذا جزء منه.
تعلم دين ربك الذي شرفك بالانتماء إليه ولا تضيع وقتك وعمرك وراء السمالك في قيل وقال وكثرة السؤال والتسكع على أبواب الأفكار وإلا لتُحرفن على الصراط المستقيم !»

الجيريا

وختاما أسأل الله تعالى أن يمن علينا بفضله وأن يغفر لنا خطايانا ويتقبل صالح أعمالنا وأن يتوفانا وهو راض عنا ..

كانت معكم الفقيرة إلى ربها أم أمة الله غفر الله لها ولوالديها ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجيريا

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وسائر المسلمين للطاعات والقربات، في كل الشهور والأيام والزمان والأماكن، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنة تمحها …».

موفقون بإذن الله

جزاكم الله خيرا
و بالتوفيق لباقي الأعضاء

الأنيس في الجغرافيا للأستاذ قوراري ثامر << ملخصات + وضعيات ادماجية >> 2024.

الجيريا

(( قبل التحميل ادعو لوالدي بالمغفرة ))

(( قبل التحميل ادعو لوالدي بالمغفرة ))

(( قبل التحميل ادعو لوالدي بالمغفرة ))

الأنيس في الجغرافيا للأستاذ قوراري ثامر
يحتوي على ملخصات + وضعيات ادماجية في الجغرافيا لجميع الشعب
و هذه صورة للكتاب
الجيريا

<< التحميل >>

=============== طريقة التحميل من الموقع =================

الجيريا
الجيريا

++ تفاعلكم ؟؟ +++

السلام عليكم اللهم اغفر لنا جميعا يا رب برحمتك وعفوك وكرمك وجودك واحسانك واياك ووالديك اللهم آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــن
الجيريا

++ merci beaucoup ++
bon courage

<< شكرا لكم <<

الجيريا

¨°o.O(«« عبقات وقطوف رمضانية <<اليوم الثالث عشر.>>*** <<أم أمة الله الجزائرية>>»»)O.o°¨ 2024.

الجيريا

الجيريا

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أولا الحمد لله على أن بلغنا شهر رمضان وأذن لنا بصيامه وقيامه نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن صامه إيمانا واحتسابا ..

ثانيا أتقدم بالشكر إلى القائمين على هذه الطبعة "عبقات وقطوف رمضانية " من مشرفين وأعضاء مشاركين فبارك الله فيكم وجعل ما تقدمونه في ميزان الحسنات ..

الجيريا

الجيريا

رمضان شهر القيام والصيام وتلاوة القرآن

الحمد لله ربّ العالمين، به سبحانه نستهدي، وإياه نستكفي، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العليّ العظيم، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبعد:

ففي هذه الأيام المباركة يحل علينا ضيف عظيم وشهر كريم، يهلُّ علينا هلاله، وهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، أوجب الله تعالى صيامه، وشرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم عند رؤية هلاله وهلال كلِّ الشهور أن نذكر الله بذكر فيه بيان عظمة الرب الذي سخر لنا هذه الأهلَّة ومنازلها لنعرف أوقات زماننا فنعرف وقت حجنا وصيامنا وانقضاء شهورنا، وقد قال الله تعالى في بيان فوائد الأهلة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾.

أي يسألونك يا محمد عن الأهلة ومحاقها وتمامها واستوائها، وتغير أحوالها بزيادة ونُقصان واستسرارها، وما المعنى الذي خَالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدًا على حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان؟ – فقلْ يا محمد: خالف بين ذلك ربُّكم لتصييره الأهلة التي سألتم عن أمرها مواقيتَ لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقِها واستسرارها وإهلالكم إياها، أوقات حَلّ ديونكم، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه، وتصرُّم عدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم وحجِّكم، فجعلها مواقيت للناس.

فالقمر والهلال الذي جعله الله ميقاتا للناس من أعظم الأدلة التي دلَّت على عظمة هذا الخالق سبحانه وكمال قدرته ، يقول ابن القيم رحمه الله: «وانظر إلى القمر وعجائب آياته، كيف يُبديه الله كالخيط الدَّقيق، ثم يتزايد نورُه ويتكامل شيئاً فشيئاً كلَّ ليلة حتى ينتهي إلى إبداره وكماله وتمامه، ثمَّ يأخذ في النقصان حتى يعود على حالته الأولى؛ ليظهر من ذلك مواقيتُ العباد في معاشهم وعباداتهم ومناسكهم، فتميَّزت به الأشهر والسنون، وقام به حسابُ العالم مع ما في ذلك من الحكَم والآيات والعبر التي لا يُحصيها إلاَّ الله». اهـ.

وقد عدَّ الله في القرآن الكريم هذا ضمن آياته العظام وبراهينه الجسام، يقول الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُون وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون﴾.

وقوله: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ أي: يَنْزِلُها، كلَّ ليلة ينْزل منها واحدة، إلى أن يصغر جدًّا فيكون كالعرجون القديم، أي: كعذقة النخل إذا قدم وجفَّ وصغر حجمه وانحنى، ثمَّ يُهلُّ في أول الشهر ويبدأ يزيد شيئاً فشيئاً حتَّى يتمَّ نورُه ويتسق ضياؤه، فما أعظمها من آية، وما أوضحها من دلالة على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه سبحانه، ولا ريب أنَّ التَّأملَ في هذه الآية وغيرها مِمَّا دعا الله عباده في كتابه إلى التفكر فيها وتأمُّلها يهدي العبدَ إلى العلم بالربِّ سبحانه بوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وسعة علمه وكمال حكمته، وتعدد برِّه وإحسانه، ومن ثمَّ يُخلص الدِّينَ له ويُفردُه وحده بالذُّلِّ والخضوعِ والحبِّ والإنابة والخوف والرجاء، فهي دلائلُ ظاهرة وبراهينُ واضحة على تفرُّد الله بالربوبية والألوهية والعظمة والكبرياء.

وأما الذكر الذي حث عليه نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقوله عند رؤية هلال رمضان وغيره من الشهور هو ما أخرجه الترمذي عن طلحة رضي الله عنه: أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رَأَى الهِلاَلَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِيَ وَرَبُّكَ اللهُ».

فقوله: «إذا رأى الهلال» الهلال هو طلعة القمر لليلتين أو لثلاث، وفي غير ذلك يُقال له قمر.

وقوله: «أهلَّه علين» أي أطلعه علينا، وأرنا إيَّاه.

وقوله: «باليُمن والإيمان» واليمن هو السعادة، وفي رواية أخرى (بالأمنُ) والأمن هو الطمأنينة والراحة والسكون والسلامة من الآفات والشرور.

والإيمان هو الإقرار والتصديق والخضوع لله، وهو الإيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

والإيمان بالله هو الإيمان والإقرار بوجوده وتفرده بالخلق والرَّزق والإماتة والإحياء والتصرف في الكون وأنه لا شريك له في ذلك.

والإيمان بأنه المستحق بالعبادة المتفرد بالألوهية فلا يُعبد إلا هو ولا يصلى ولا يُسجد إلا له، ولا يُذبح ويُنذر إلا له سبحانه.

والإيمان بأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

والإيمان بملائكته وأنهم خلق من خلقه خلقهم من نور، وهم ذوو أجنحة، وعدد كثير لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه.

والملائكةُ منهم الموكَّلون بالوحي، والموكَّلون بالقَطر، والموكَّلون بالموت، والموكَّلون بالأرحام، والموكَّلون بالحفظ، والمُوكَّلون بالجنَّة، والمُوكَّلون بالنار، والمُوكَّلون بغير ذلك، وكلُّهم مستسلمون منقادون لأمر الله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمَرون.

والإيمان بالكتب المنزلة على أنبياء الله، كصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، والقرآن وأنه كلام الله تعالى.

والإيمان بالرسل والأنبياء، وما أخبر الله عنهم في كتابه، أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم فتجب محبتهم ومحبة نبينا ويجب اتباعه والعمل بما شرع، فمحبته محبة لله عز وجل واتباعه هو تباع الله عز وجل.

والإيمان بالقدر خيره وشره، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكلُّ شيءٍ لا يخرج عن قضاء الله وقدره وخلقه وإيجاده.

وقوله: «والسلامة والإسلام» السلامة هي الوقاية والنجاة من الآفات والمصائب، والإسلام هو الاستسلام لله والانقياد لشرعه.

وجاء تفسير الإسلام في حديث جبريل الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر، قال: والإسلام أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيتَ إن استطعت إليه سبيل.

ثم قال في آخر الحديث: أي حديث رؤية الهلال: «ربِّي وربُّك الله» ففيه بيان أنَّ الكلَّ مربوب مخلوق لهذا الرب العظيم، الذي لا يستحق العبادة والإنابة والخضوع إلا هو سبحانه، لا أكبر المخلوقات كالسموات والأرض والشمس والقمر، ولا أحقرها وأصغرها كالإنسان الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فكيف يملكه لغيره من بني جنسه، وفي هذا ردٌّ على مَن عبد أحداً من المخلوقات من دون الله ﴿ومن آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون﴾.

ثمَّ إنَّ الحديثَ فيه فوائد كثيرة أشير إلى شيء منها، فمنها أنَّ فيه بياناً للفرق بين الإيمان والإسلام وأنَّهما ليسا شيئاً واحداً عندما يجتمعان في الذِّكر، بل لكلِّ واحد منهما معنى خاص، فالإيمان يُراد به الاعتقادات الباطنة، والإسلام يُراد به الأعمال الظاهرة، أمَّا عند إفراد كلِّ واحد منهما بالذِّكر فإنَّه يكون متناولاً لمعنى الآخر.

وفيه أنَّ الأمنَ مرتبطٌ بالإيمان، والسلامةَ مرتبطةٌ بالإسلام، فالإيمان طريق الأمن والأمان، والإسلام طريق السلامة، ومن رام الأمن والسلامة بغيرهما ضلَّ، والله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون﴾، وما نراه اليوم ونلمسه من انعدام الأمن في كثير من بلدان المسلمين فضلا عن بلاد الكفرة والملحدين سببه البعد عن الله وعن دينه الذي فرضه على عباده، وأوجب عليهم اتباعه والعمل به وتحكيمه في أنفسهم قبل كل شيء، ثم فيمن جعلهم الله تحت ولايتهم، فلا بد من صدق الرجوع إلى الله حتى يرفع ما حلَّ بالمسلمين من بلاء ومحن ومصائب وإحن، قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت».

فهذا سبب من أسباب المحن التي حلت بالأمة الإسلامية، حب الدنيا وكراهية الموت، وحب الدنيا يجر إلى ارتكاب المحرمات وتحليلها، وترك الواجبات والتنفير منها، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».

فترك المأمور واجتناب المحظور يؤدي إلى تسليط الكافر وتسليط الذل والمهانة والانتكاس، والدواء هو الرجوع إلى الله والفرار إليه، ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِين﴾، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾.

ومن فوائد الحديث أنَّ فيه لفتةً كريمةً إلى أنَّ أهمَّ ما تُشغل به الشهور وتُمضى فيه الأوقات هو الإيمانُ بالله وبما أمر عباده بالإيمان به، والاستسلامُ له سبحانه في كلِّ أحكامه وجميع أوامره.

قال ابن القيم رحمه الله: « السَّنَةُ شجرة، والشهورُ فروعها، والأيامُ أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنَّما يكون الجَذَاذ يوم المعاد، فعند الجَذاذ يتبيَّن حلوُ الثمار من مُرِّها ». اهـ.

وأعظم الشهور مرورا على الإنسان هو شهر رمضان المبارك، شهر النفحات والخيرات وإقالة العثرات، يستوجب من العبد القيام بحقه من صيام وقيام وقراءة القرآن، وبر وإحسان وصدقة على الفقراء والمحتاجين، الذين هم في أشد الحاجة إلى من يعنيهم على صيام الشهر حتى لا يشغلهم طلب الرزق والسعي وراءهم عن عبادة ربهم في هذا الشهر الكريم، والعبد مطالبٌ بأن يكون في هذا الشهر العظيم من المحسنين الكرماء، اقتداء بخير الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فقد كان أجود الناس على الإطلاق، وكان أجود ما يكون في رمضان، روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسُه القرآن، فَلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».

ففي الحديث بيان أن َّ سبب جوده وكرمه عليه الصلاة والسلام ناتج عن كثرة مدارسة القرآن؛ وذلك أنَّ القرآنَ خلقُه صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها، يأتمر بأوامره، ويجتنب نواهيه. فمدارسته له تجدِّد له العهد بمزيد غنى النفس، فإذا حصلت في رمضان وهو موسم الخيرات وفيه أنزل الله القرآن، والنازل به جبريل، فهذا كله من دواعي زيادة جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم، فمَن رام زيادة جوده في هذا الشهر فعليه بكثرة ذكر الله تعالى وتلاوة كلامه وتدبره، والعمل بما أمر به وترك زواجره، يوفقه ربُّه للخيرات، ويفتح عليه من البركات.

ورحم الله الإمام محمد البشير الإبراهيمي إذ يقول: « إن رمضان يحرك النفوس إلى الخير، ويُسكنها عن الشر، فتكون أجود بالخير من الريح المرسلة، وأبعد عن الشر من الطفولة البلهاء، ويطلقخها من أسْر العادات، ويُحررها من رق الشهوات، ويجتثُّ منها فساد الطباع ورعونة الغرائز، ويطوف عليها في أيامه بمحكمات الصبر ومثبَّتات العزيمة، وفي لياليه بأسباب الاتصال بالله والقُرب منه ».

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم التوفيق لمرضاته، واغتنام أوقات الخير بالذكر والتوبة والإنابة والاستغفار، وأن يتقبل منا شهر الصيام والقيام، وأن يرفع ما حلَّ بهذه الأمة من هموم وغموم، وبلاء ومحن، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

الجيريا

الجيريا

تنبيه الأنام إلى ما لا يسع جهله من أحكام الصيام

فهذه مسائل فقهية متعلّقة بأحكام الصيام، تمسّ حاجة الصائم إليها، ولا غنى له عن معرفتها.

فاعلم ـ أيّها القارئ الكريم ـ أنّه يجب عليك أوّلا أن تبيّت نيّة صوم رمضان ليلا قبل الفجر؛ لما روته حفصة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلّم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من لم يُجْمِعْ الصيام قبل الفجر، فلا صيام له »(1).

والنية هي عقد القلب، ولهذا لا يشترط التلفّظ بها، بل هو بدعة محدثة.

ومن لم يتبيّن له وجوب الصوم إلاّ في النهار، فليمسك بقيّة يومه، ولا قضاء عليه لحديث سلمة بن الأكوع قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلّم رجلا من أسلم أن أذِّن في الناس أنّ من أكل فليصم بقيّة يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإنّ اليوم يوم عاشوراء»(2).

ويجوز لك استعمال السواك مطلقا لا فرق بين أوّل النهار وآخره لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم : «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة»(3).

ويلحق به استعمال معجون الأسنان شريطة أن لا يبتلعه.

ويباح لك المضمضة والاستنشاق، إلا أنّه تكره المبالغة فيهما لحديث لقيط بن صبْرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائما»(4).

وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فصومه صحيح ولا قضاء عليه.

ويلحق بالنهي عن المبالغة في الاستنشاق استعمال السعوط (وهو دواء الأنف)، فلا يجوز استعماله في نهار رمضان، بل إنّ استعماله يفسد صومه ويوجب القضاء.

ويجوز لك الانغماس والاغتسال في الماء نهار رمضان، مع التحرّز من دخول الماء إلى الجوف، لما ثبت عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعَرْج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحرّ»(5).

ومن تراجم البخاريّ في صحيحه (4/181 فتح): باب اغتسال الصائم، وبَلَّ ابنُ عمر رضي الله عنهما ثوباً فألقى عليه وهو صائم، ودخل الشعبي الحمّام وهو صائم، وقال الحسن: «لا بأس بالمضمضة والتبرّد للصائم». وقال أنس : «إنّ لي أبْزنَ أتقَحّم فيه وأنا صائم».

ويباح لك تذوق الطعام في نهار رمضان شريطة عدم ابتلاع شيء منه.

قال ابن عبّاس: «لا بأس أن يذوق الخلّ أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم»(6).

ويباح لك استعمال الطيب والبخور الدهن قال ابن مسعود: «إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا»(7).

ويجوز لك الستعمال الكحل أو الإثمد سواء وجد أثره في الحلق أم لم يوجد، ويلحق به القطرة ونحوها (دواء العين).

عن أنس بن مالك أنّه كان يكتحل وهو صائم.

وعن الأعمش قال: «ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخّص أن يكتحل الصائم بالصبر»(8).

ويباح لك ما لا يمكن الاحتراز عنه كبلع الريق، وشمّ غبار الطريق.

ولا يضرّك خروج الدم من الأنف كالرعاف أو من لثّة الأسنان عند الاستياك شريطة أن لا يبتلعه قصدًا.

والحجامة لا تفسد صومك على القول الصحيح من أقوال العلماء، ويلحق بها الفصد وهو إخراج الدم من العروق.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم احتجم وهو صائم»(9).

ويجوز لك أن تقبّل امرأتك أو أن تباشرها في نهار رمضان.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنّه كان أملكَكُم لإِربِهِ»(10).

إلا أنّها تكره للشابّ لفرط شهوته، وخشية أن لا يملك نفسه.

لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم فجاء شاب، فقال: يا رسول الله أقبّل وأنا صائم؟ قال: لا، فجاء شيخ فقال: أقبّل وأنا صائم؟ قال: نعم، قال فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّ الشيخ يملك نفسه»(11).

وإذا أكلت أو شربت في نهار رمضان ناسيا فصومك صحيح، ولا قضاء عليك ويلحق به من جامع أهله ناسيا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (25 /228).

لما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتمّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه»(12).

وإذا غلبك القيء فلا شيء عليك، لا فرق بين قليله وكثيره، وإذا تقيّأت متعمدا فسد صومك ووجب عليك قضاء ذلك اليوم.

لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من ذرعه قيء وهو صائم، فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض»(13).

ويباح لك استعمال الحقن التي لا تغذي، فإنّها لا تفطر، أمّا الحقن المغذّية التي يستغنى بها عن الأكل والشراب، فإنها تفسد الصوم، لأنّها بمعنى الأكل والشراب، لأنّ نصوص الشرع في مصادره وموارده إذا وجد المعنى الذي تشتمل عليه في صورة من الصور، حكم على هذه الصورة بحكم ذلك النصّ، وبهذا أفتى الشيخ العلاّمة ابن عثيمين كما في "فتاوى هيئة كبار العلماء" (1 /429)، واللّجنة الدائمة رقم الفتوى (5176) والشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (3 /80 تحت رقم الحديث: 1014).

ويجوز لك استعمال المضخة أو البخاخ (دواء الربو) ولا يفسد صومك، لأنّه هواء يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية، لا إلى المعدة فليس بأكل ولا شرب ولا في معناهما وبهذا أفتت اللجنة الدائمة رقم الفتوى (4958)، " فتاوى هيئة كبار العلماء" (1 /437) والشيخ ابن عثيمين كما في لقاء الباب المفتوح اللقاء الثامن، والشيخ الألباني رحمه الله فقد سألته شخصيا عبر الهاتف، وانظر: مجموع الفتاوى (25 /233-234).

وإذا احتلمت فلا شيء عليك، لا فرق بين أن تصبح جنبا أو يكون ذلك في نهار رمضان فعن عائشة وأمّ سلمة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم»(14).

وإذا سافرت في نهار رمضان، فإن شقّ عليك الصوم فالأفضل أن تفطر، وإن لم يشقّ عليك فإن أخذت بالرخصة فحسن، وإن صمت فحسن أيضا، عن أبي سعيد الخذري قال: «كنّا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمنّا الصائم ومنّا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر، وكانوا يرون أنّه من وجد قوّة فصام فحسن، ومن وجد ضعفا فأفطر فحسن»(15).

والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو نفسيهما أفطرتا وأطعمتا عن كلّ يوم مسكينا.

عن ابن عبّاس قال: «إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران ويطعمان مكان كلّ يوم مسكينا، ولا يقضيان صوما»(16).

وعن ابن عمر مثله(17).

وعنه: «أنّ امرأته سألته وهي حبلى، فقال: أفطري وأطعمي عن كلّ يوم مسكينا ولا تقضي»(18).

ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة، فهو عند البعض إجماع سكوتيّ.

وإذا غاب جميع قرص الشمس فأفطر، ولا تعتبر بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق لما رواه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»(19).

وإذا أفطرت ظنا منك غروب الشمس لغيم أو نحوه، ثم تبين لك خلاف ذلك، فصومك صحيح ولا قضاء عليك، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى" (20 /572) وابن القيم في "تهذيب السنن" (3 /236-239).

لما روته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «أفطرنا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلّم يوم غيم ثم طلعت الشمس»(20).

قال شيخ الإسلام : «ولم يذكروا في الحديث أنّهم أمروا بالقضاء، ولكنّ هشام بن عروة قال: لا بدّ من القضاء، وأبوه أعلم منه وكان يقول: لا قضاء عليهم».

وعن زيد بن أسلم: «أن عمر بن الخطّاب أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنّه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد طلعت الشمس، فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا»(21).

قال ابن القيّم : «قوله: «وقد اجتهدنا» مؤذن بعدم القضاء، وقوله «الخطب يسير» إنَّما هو تَهوين لما فعلوه وتيسير لأمره».

وإذا تسحّرت وشككت في طلوع الفجر، فكل واشرب وأْتِ أهلك حتى تستيقن طلوعه، واطرح الشكّ.

قال رجل لابن عبّاس: «إنّي أتسحّر، فإذا شككت أمسكت»، فقال ابن عبّاس: «كل ما شككت، حتى لا تشكّ» . [ابن أبي شيبة (9075-9067 وعبد الرزّاق 7367 و 7368].

وإذا فعلت ذلك ثم تبين لك أن الفجر قد طلع فلا قضاء عليك ولا كفارة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله انظر «مجموع الفتاوى» (25 /259-263).

وإذا كنت تأكل أو تشرب ثم سمعت النداء، فقد رخّص لك الشرع إتمام سحورك ولا شيء عليك، وعلى هذا تعلم بدعية ما يسمّى بالإمساك.

وهو الإمساك عن السحور قبيل الفجر، فإن قيل هذا من باب الاحتياط فيقال: الاحتياط في موافقة الشرع واتباع الهدي، وما عداه فتنطّع وتبدّع.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه»(22).

وإذا طلع عليك الفجر وأنت مجامع، فيجب عليك النزع، ولا قضاء عليك ولا كفارة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم.

انظر "مفتاح دار السعادة" (2 /354 علي الحلبي).

وإذا مرض المرء مرضا يرجى برؤه، ونصحه الطبيب الثقة الخبير لمهنته بأن يفطر، وأن الصيام يضرّه، لزمه الفطر، وعليه القضاء بعد الشفاء، فإن استمر به المرض وعجز عن الصوم ولم يُرجَ له الشفاء، فعليه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا.

وإذا مرض مرضا مزمنا لا يرجى برؤه كالربو أو السكّري ونحوهما فعليه أن يطعم عن كلّ يوم مسكينا.

والواجب في الفدية الإطعام كما قال تعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾[المائدة: 89] ولا يجوز إخراجها قيمة أو نقودا.

وإذا كان عليك قضاء أيّام من رمضان، فإن شئت تابعت بينها، وإن شئت فرّقت لقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة: 185].

وعن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس في قضاء رمضان: «صمه كيف شئت»، وقال ابن عمر : «صمه كما أفطرته»(23).

وعن أبي هريرة قال: «يواتره إن شاء»(24).

وإذا كان عليك قضاء رمضان فأخّرته عمدًا أو لعذر حتى دخل رمضان آخر فصم رمضان الذي ورد عليك ثم اقض بعده الأيّام التي عليك، ولا إطعام عليك لأنه لم يثبت بالنصّ، وهو اختيار الإمام الحجّة صاحب المحجّة ابن حزم في المحلّي (6 /261).

وإذا جامعت زوجك في نهار رمضان وجب عليك الكفارة على الترتيب، تحرير رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فأطعم ستين مسكينا.

وإذا قطعت التتابع في الصوم لعذر شرعيّ كأن يتخلّل الشهرين يوم الفطر أو يوم النحر مرض أو حيض أو نفاس بالنسبة للمرأة، فلا تقطع التتابع الواجب.

وإذا عجزت عن العتق والصيام والإطعام سقطت الكفّارة عنك لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعُهَا﴾[البقرة: 286].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال : لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا، قال: فمكث النبيّ صلى الله عليه وسلّم فبينما هو على ذلك أتي النبيّ صلى الله عليه وسلّم بعرق فيه تمر، قال: من السائل؟ فقال: أنا قال: خذ هذا فتصدّق به، قال الرجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها ـ يريد الحرّتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبيّ حتى بدت أنيابه ثمّ قال: أطعمه أهلك»(25).

وإذا أتممت الصوم فاعلم أن الله تعالى أوجب عليك زكاة الفطر طهرة لك من اللّغو والرفث، وطعمة للمساكين، تؤديها عن نفسك وعن كلّ من تمونه من صغير وكبير، ذكر وأنثى، حر وعبد من المسلمين.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحرّ والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين» (26) وتخرجها من الأقوات المنصوص عليها أو من أقوات أهل كلّ بلد مقدار صاع من صاع أهل المدينة.

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نؤدّي زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحرّ والمملوك من أدّى سلتا قبل منه وأحسبه قال: ومن أدى دقيقا قبل منه ومن أدّى سويقا قبل منه»(27).

وأما القمح فمقداره نصف صاع على الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم رحمهما الله كما في زاد المعاد (2 /21).

لما رواه ثعلبة بن صعير قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطيبا، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر، أو صاع شعير على كلّ رأس، أو صاع برّ أو قمح بين اثنين عن الصغير والكبير والحرّ والعبد»(28).

وعن عروة بن الزبير: «أنَّ أسماء بنت أبي بكر كانت تخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها الحر منهم والمملوك مدين من الحنطة أو صاعا من التمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به»(29).

ولا يجوز لك أن تخرجها بدل العين قيمة أو نقودًا في قول عامة أهل العلم قال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطي دراهم يعني في صدقة الفطر قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

وقال أبو طالب: قال لي أحمد: لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويقولون قال فلان! قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال الله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الّرَّسُولَ﴾[النساء: 59]، وقال قوم يردّون السنن: قال فلان، قال فلان»(30).

ويجب عليك أن تصرفها للمساكين خاصة، ولا تصرفها لغيرهم من الأصناف الثمانية المنصوص عليهم في القرآن.

لما رواه ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللّغو والرفث، وطعمة للمساكين…»(31).

ويجب عليك أن تخرجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز لك تأخيرها عن ذلك لحديث ابن عبّاس السابق: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».

ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة»(32).

ويجوز لك أن تخرجها إلى من تجمع عنده بيوم أو يومين لما رواه نافع: «كان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين»(33).

وعنه أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.

هذا ما يسر الله تعالى لي جمعه بمنّه وتوفيقه، بشيء من الإيجاز والاختصار، وإلاّ فهناك مسائل أخرى مشهورة ومنثورة في كتب الفقه، فلتراجع لمن أراد التوسع، وبالله التوفيق.

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الجيريا
المقامة الرمضانية

حدَّث محمَّد بن عليّ قال:

دخلت سوق الحيِّ، فألفيت به عبد الحيِّ، وهو بين الميِّت والحيِّ، وهو في ذلك الممشى، يخبط خبط الأعْشَى، وقد زعفر وجهَه الصِّيامُ، وجفَّف ريقَه الأوامُ، فقلت: لأقفونَّ أثرَه، ولأخبرنَّ خبره، وقد واريتُ عنه عِيَاني، فكنتُ أرَاه من حيث لا يراني، فانطلق حتَّى انغمس في أمواج الأخلاط، وهم في زحام وزَيَاط، فماجت به تلك الأمواج، وأمدَّهم بعد ذلك أفواج، فاشتدَّ في ذلك العراك بأسه، ولم يَبْدُ لي من جسده إلَّا رأسُه، فكلَّفني في اللّحاق به المشقَّة، فاختلت للعَرَمْرَم كي أَشُقَّه، فانسلَّ عبد الحيِّ بعد عناء إلى الجزَّار، وكأنَّه مكبَّل الرِّجلين، فليس الأمر لو ترى بِهَيْن، وهو في ذلك شاتم ومشتوم، وطورًا يُلام وطورًا يَلوم، فلمَّا بلغ إلى اللَّحَّام، وعاين تلك اللِّحام، جعل ينظر إليها نظر ذات وِحام، فابتاع منه رطلًا أو رطلين، ثمَّ تولَّى قرير العين، وغطس إلى ناحية الخضر، متقلِّبًا بين ضِرار وضَرَر، فلمَّا وقف عليها لفحته لوافح الأسعار، فضجَّ من ذلك السُّعار، ولجَّ في خصام الخَضَّار، ثمَّ صال وجال، واشترى ما يعجز عن حمله رِجال، ثمَّ غيَّبته عني لُـمَّة، أحاط به جمعُها فواراه، وصار بمكان حيث لا أراه، فإذا هو عند بائع الزَّيتون، وقَلْبُه بكلِّ نوع مفتون، وطال حديثه إلى البائع، والكلام عن البضائع، حتَّى أنساه السَّوْمُ حرمةَ الصَّوم، فألقى زيتونة في فمه، وسها عن صومه، فصاح به القوم: يا رجل أفسدتَ الصَّومَ! فلفظ منها ما تبقَّى، واستغفر الله وذكره، وسبَّ مِنَ القوم مَنْ ذكرَّه، فرأيته وقد تجهَّم وجهه، وشعث رأسه، وتصبَّب عرقه، وقد نهكته تلك الأثقال، وأَنْصبَه التّطواف بين جزَّار وبقَّال، وهو ينظر إلى ساعته في تلك الكروب، يحسب كم بقي للغروب، ولسان حاله يقول:

يا شمس قد طال النَّهار فاغربي فبالغروب ينجلـي ما حـلَّ بـي
إنـِّي إذا مـا أخذتـني الـدُّوخـة أستذكر الـبُـرَاكَ والشَّخْشُوخَة
وشُـْربةً تصنع من حبِّ الفرِيك وزلبيَّـةً تـجي مـن بُـوفَـرِيــك
وعـنـبًـا وطـبـقًــا مــن مــوز وقـهـوة مـعـهــا قلـب اللّــوز
تـهـيـج لـي في نـهـمة أشواقي وأغـتدي مــن ذاك للأســواق
خــلُّوا سبيلـي معشر الـجموع يكفـي الَّذي أصابـني من جوع
قد كسرت من بـينـكم ضلوعي لو كنت أدري جئت فـي دروع ثمَّ أقبل نحوي بكلِّ ما يحوي، فبادرت إليه، ثمَّ سلَّمت عليه، فشكا إليَّ الحال، وما لقي في تلك الأوحال، ثمَّ قال لي: كيف حالك ورمضان؟ فقلت: شهر يستوجب الشُّكران، ولكن سلْ رمضان كيف حاله معي، إن كنت ممَّن يعي، فإنَّنا في زمن فسدت فيه الموازين، وصار ما يشين عند النَّاس يزين، ثمَّ حدَّثته بحديث لبَّد العجاج، وأنساه خبر اللَّحم والدَّجاج، حتَّى إذا استأنس بكلامي، قلت له: ما فعلت الزَّيتونة؟ فقال: سحقًا إنَّها ملعونة! ثمَّ سألني عن حكم ذلك؛ فقلت: القضاء على قول مالك؛ فقال: وهل في قول غيره ما يدفع؟ فقلت: يدفعه أن تتشفَّع، وما أراه ينفع، فاقض يومًا تبرأ به الذِّمَّة، وتحمد في مذاهب كلِّ الأئمَّة، ثمَّ طاف عليه من أحواله طائف، فأخبرني أنَّه نسي البقلاوة والقطايف، وقال: ذلك من أحكام السَّمَر، ولذَّة السَّهر، فانصرفَ وانصرفتُ، وقد هاجت عليَّ رياحُ الرَّجز، فانطلق اللِّسان وما عجز، فأنشأت أقول:
واعـجبًـا من صوم عبـد الـحيِّ إذ قــد غـدا فـي سَـفَـهٍ وغــيٍّ
فإنْ شـهـر رمـضـــان طـــاعه ولــم يـكـن شـرع للمـجــاعه
بـل هـو مـن ربِّ الورى تهذيب لـيـس لـنـهـش لـحم يا ذيــب
فــإن ذا مــقــصـــد شــرع الله فـي كـلِّ مـا شـرعـه يـا لاهــي
مـن ضـلَّ عـن مقاصد الشَّريعه حـرم مـن مـنـافـع بـديـــعــه
فـصم وصن في صومك اللِّسانا وابذل لكـلِّ مـن ترى الإحسانا
واصـغ إلى خيـر الورى الأوَّاب فـيـمن يصوم الشَّهر باحتسـاب
من صــام لله بــه مـحـتـسـبًــا يـغفر لــه الإلــه مــا قـد أذنبـا
ومـثـلـه لـكـلِّ مــن قـد قــامَا فـي لـيلـه فلْتَـطْـلُـبِ الـمـقامَا
فـإنَّ أكـثـر الـورى قـد غـفــلا حـتَّـى إذا مـا رمضـــان أفـــلا
لـم يـغـنـمـوا مـا غـنـم السّباق مـن نـالـهـم مـن ربِّـنـا إعـتاق

قال الرَّاوي لهذا الخبر:
فرجعت أَجْتَلِي من ذلك العِبَر، وأجيلُ فيه الفِكَر، فجاءتني بفضائل الاستقامة، وقد أودعتها هذه المقامة.

* منقول من مجلة الإصلاح «العدد الرابع»
المصدر

الجيريا

ماذا بعد رمضان؟

فمن نعم الله على العبد المؤمن أن يبلِّغه مواسم الطاعات، ويوفقه إلى القيام بالواجبات على أتم ما افترضه المولى عز وجل، وقد أكمل الصائمون صومهم، والقائمون قيام ليالي خير الشهور، وفاز القراء بختم كتاب ربهم وكلام مالكهم، وهذا كلُّه بمنِّ الله وكرمه، ولولاه ما وُفِّق أحد للخيرات.
فمن وفَّى ما عليه من الأعمال والطاعات كاملة، وُفِي له الأجر والجزاء كاملا، ومن نقص من عمله شيئا نقص له من الأجر بقدر ما نقص من العمل.
غدا توفى النــفوس ما كســبت ويحصد الزارعــون ما زرعــوا
إن أحسنوا أحــسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
وقد علموا أنَّ الله تعالى قال في كتابه: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يجتهدون في إكمال الطاعات، والتقرب إلى الله تعالى بإحسان العمل ومداومته، مع خوفهم بعدم القبول، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله عن هذه الآية ﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾، قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم».
فعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في الإخلاص.
فشهر رمضان وقت الزرع، ويوم القيامة وقت الحصاد، فمن لم يزرع لم يحصد إلا الندم والهم، ولقد أحسن القائل:
ترحل شهر الصبر والهفاه وانصرما واختص بالفوز بالجنات من خدما
أصبح الغافل المسـكين منكســرا مثلي فيا ويــحه! يا عظـم ما حرما
من فاتـه الزرع في وقـــت البـدار فما تراه يحصــد إلا الهمَّ والندمـا
بل من الناس من تراه يعبد الله تعالى في شهر الخيرات، يصوم نهاره ويقوم ليله، ويجتنب كلَّ ما يخدش صومه من الكلام البذيء والعمل الدنيء، فإذا انصرم رمضان رجع إلى ما كان عليه من الآثام، ومقال حاله: «لا يُعرف الله إلا في رمضان».فإذا كان عباد الله المتقون وجلون من عدم تقبل العمل، فكيف بمن ضيَّع وقته في السهر والكسل؟
كم يفرح المرء عندما يرى ألوان الطاعات تزداد في رمضان، فما أن يؤذن أذان الفجر إلا وتجد المساجد مكتضة بالمصلين، ولا تكاد تفرِّق بين الصلوات؛ إذ بيوت الله عامرة في كلِّ وقت من ليل ونهار، لكن سَلِ المساجد بعد صلاة العيد عن عُمَّارها، أين ذهبوا، فقد ترك الكثير صلاة الجماعة، ولم يستجب لنداء الله إلا القليل الموفقون.
ألا فليعلَم هؤلاء أنَّ من علامة قبول العمل عند الله أن يكون المرء على حال أفضل من الحال التي كان عليها، فالصيام يزيد المرء تقربا إلى الله في كلِّ الأوقات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾.
قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مخاطبًا للمؤمنين من هذه الأمة وآمرًا لهم بالصيام، وهو: الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة.
فمن لم تزكو نفسه وتمنعه من الشهوات بعد رمضان فلم يصم لله حق الصيام، ولم يستفد من شهره إلا الجوع والعطش.
لأنَّ ربَّ رمضان هو ربُّ الشهور كلها، وما أوجبه عليك في رمضان من فعل الواجبات كالصلوات في الجماعات وترك المحرمات، أوجبه أيضا في سائر الشهور.
سئل أحد السلف قيل له:«إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان؛ فقال: بئس القوم، لا يعرفون الله حقاً إلا في رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السَّنة كله».
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وسائر المسلمين للطاعات والقربات، في كل الشهور والأيام والزمان والأماكن، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنة تمحها …».
فتقوى الله أجلُّ مطلوب يطلبه المسلم، في كلِّ أحيانه وأماكنه، يُتبع الحسنةَ بحسنات، والسيِّئةَ بقرُبات، عسى الله أن يعفو عنه ويجعله من عباده المتقين الموفقين، والحمد لله رب العالمين.

المصدر

الجيريا

" وقفــــة اعتبــــــــــار "

رمضان يمضي والعمر ينقص ونحن ‏غافلون ،،،
وذالك ياعباد الله
أنا في العام الماضي استقبلنا شهر رمضان ، ثم ودعناه ،ثم انتظرنا شهر رمضان القادم ونحن نراه بعيدا ، وهاهو قد دخل علينا ،والواحد منا يقول لنفسه أو يقول لأخيه ،ما أسرع مامرت الأيام ،والله كأن بالأمس نودعوا رمضان الماضي
وها نحن اليوم
ندخل في رمضان الحاضر، وإنها والله لحقيقة الأيام ،تمضي بنا سريعة ،تنقص من آجالنا

يقول لواحد منا ياعباد الله
إذا مر عليه عام زاد عمري سنة
وحقيقة الأمر ، أن عمره قد نقص سنة
فالعمر معدود
والأجل محدود
وإن هي إلا خطوات الله أعلم متى تنتهي الخطوات
إنها أيام ياعباد الله نطويها وتطوينا، وتسير بنا سريعة إلى آجالنا

إن هذه الحقيقة ياعباد الله
تذكرنا بقول ربنا سبحانه وتعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا )

إن الحياة ياعباد الله
تمضي بنا سريعة، وما حالاتنا إلا ثلاثٌ :
شباب ثم شيب ثم موت
وآخر ما يسمى المرؤ شيخا
ويتلوه من الأسماء ميْتو

فهنيئا ياعباد الله
لمن اعتبر بما فات ،وأحيا الحاضر والقادم بالصالحات
فاعتبروا ياؤلي الأبصار .

المصدر

الجيريا

مجلة مختارة


مجلة الإصلاح

العدد الرابع
عدد خاص بشهر رمضان المبارك


تحميل المجلة

الجيريا

صوتية مختارة

رمضان وما بعده – خطبة جمعة.

لتحميل الخطبة: هـــنــــــا

الجيريا

موعظة مختارة

لماذا لا تتغير؟

إذا سألتم الله الجَنة فاسألوه الفردوس الأعلى.
لا تكن ضعيف الهمة، فضلاً عن أن تكون ميّتاً !
لِمَ لا تنافس في أمثال هذه الأحوال ؟!
لِمَ تقنع بالدون عما هو فوق السحاب، بل هو في النجوم !
لماذا تؤْثر الدنيا على الآخرة ؟
لماذا لا تتغير ؟ ما الذي يمنعك ؟
أتشُكُّ في كلام ربك ؟
ألا لا إيمان لك ؟!
ألا تُصدق نبيك صلى الله عليه وآله وسلم ؟
أأنت في ريب وشَكّ من الموت ؟
ألا توقن أنك ستموت ؟
ومن نظر إليك بعد ثلاث وجد حدقتيك قد سالتا على وجنتيك، وانقض بطنك عما فيه من الأذى والقذى. وأول ما يُنتن من الانسان بطنه.
ألا توقن بأنك صائر إلى ذلك ؟
لماذا تُشغل بأمثال هذه الألاعيب التي هي بالصبيان أليَق ؟!
لماذا لا تكون رجلاً مسلماً بصدق وحق ؟
ما الذي يمنعك ؟ وما الذي يُعجزك ؟
لِمَ لا تتوب إلى الله ؟ ولِمَ لا ترجع إليه ؟
ولِمَ لا تتبع رسول الله وتُخلص في المتابعة له ؟
قعدتْ بك شهوتك ؟! استعذ بالله ربك.

الجيريا

موعظة بليغة لكل مسلم على وجه الأرض !

«إن كنت مؤمنا فأنت أعلى لأن الله قال للمؤمنين: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}. العزة لكم ! والمجد لكم ! والكرامة لكم ! أنت تعبد الله وتوحده، وغيرك يكفره ويشرك به. أنت لا تسجد لأحد ولا لشيء دون الله، وغيرك يسجد لمخلوقات الله. أنت تتبع خير الرسل وخير البشر، غيرك يتبع زِبالات الأذهان ونفايات الأفكار وقِمامات الأمم. أنت مسلم فاعتز بإسلامك واستعلي بإيمانك، لا تكن وضيعا ولا ذليلا فإن ذلك لا يجتمع مع الإسلام في قرن.
الإسلام دين العزة، دين الرفعة، دين الكرامة، كما أنه دين العدل ونفي الجور.
ينبغي علينا ألا نلتفت إلى ما يشيعه الآخرون من وسائل لهزيمة المسلمين نفسيا، الحق قوته فيه والحق منصور ومضطهد دوما، فلا تبتئس ولكن النصر له النصر للحق وإن بدا في عين المرء ضعيفا، النصر للحق وإن بدا بادي الرأي مهينا، والعزة للحق لأن الله ناصره والله رب العالمين ينصر أولياءه ويخذل أعداءه.
لا تستهينوا بالنعمة التي أنعم الله عليكم بها، {أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}. اعتز بإسلامك ولا تنهزم ! إن الذي قال بقطع يد السارق هو الله ! والذي قال بجلد ظهر القاذف والزاني هو الله ! والذي أمر برجم الزاني المحصن رسول الله صلى الله وسلم وبارك عليه ! والدين ليس وقفا على الحدود فهذا جزء منه.
تعلم دين ربك الذي شرفك بالانتماء إليه ولا تضيع وقتك وعمرك وراء السمالك في قيل وقال وكثرة السؤال والتسكع على أبواب الأفكار وإلا لتُحرفن على الصراط المستقيم !»

الجيريا

وختاما أسأل الله تعالى أن يمن علينا بفضله وأن يغفر لنا خطايانا ويتقبل صالح أعمالنا وأن يتوفانا وهو راض عنا ..

كانت معكم الفقيرة إلى ربها أم أمة الله غفر الله لها ولوالديها ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الجيريا

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وسائر المسلمين للطاعات والقربات، في كل الشهور والأيام والزمان والأماكن، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنة تمحها …».

موفقون بإذن الله

جزاكم الله خيرا
و بالتوفيق لباقي الأعضاء

¨°o.O(«« عبقات وقطوف رمضانية <<اليوم الثالث عشر.>>*** <<أم أمة الله الجزائرية>>»»)O.o°¨ 2024.

الجيريا

الجيريا

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أولا الحمد لله على أن بلغنا شهر رمضان وأذن لنا بصيامه وقيامه نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن صامه إيمانا واحتسابا ..

ثانيا أتقدم بالشكر إلى القائمين على هذه الطبعة "عبقات وقطوف رمضانية " من مشرفين وأعضاء مشاركين فبارك الله فيكم وجعل ما تقدمونه في ميزان الحسنات ..

الجيريا

الجيريا

رمضان شهر القيام والصيام وتلاوة القرآن

الحمد لله ربّ العالمين، به سبحانه نستهدي، وإياه نستكفي، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العليّ العظيم، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبعد:

ففي هذه الأيام المباركة يحل علينا ضيف عظيم وشهر كريم، يهلُّ علينا هلاله، وهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، أوجب الله تعالى صيامه، وشرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم عند رؤية هلاله وهلال كلِّ الشهور أن نذكر الله بذكر فيه بيان عظمة الرب الذي سخر لنا هذه الأهلَّة ومنازلها لنعرف أوقات زماننا فنعرف وقت حجنا وصيامنا وانقضاء شهورنا، وقد قال الله تعالى في بيان فوائد الأهلة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾.

أي يسألونك يا محمد عن الأهلة ومحاقها وتمامها واستوائها، وتغير أحوالها بزيادة ونُقصان واستسرارها، وما المعنى الذي خَالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدًا على حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان؟ – فقلْ يا محمد: خالف بين ذلك ربُّكم لتصييره الأهلة التي سألتم عن أمرها مواقيتَ لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقِها واستسرارها وإهلالكم إياها، أوقات حَلّ ديونكم، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه، وتصرُّم عدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم وحجِّكم، فجعلها مواقيت للناس.

فالقمر والهلال الذي جعله الله ميقاتا للناس من أعظم الأدلة التي دلَّت على عظمة هذا الخالق سبحانه وكمال قدرته ، يقول ابن القيم رحمه الله: «وانظر إلى القمر وعجائب آياته، كيف يُبديه الله كالخيط الدَّقيق، ثم يتزايد نورُه ويتكامل شيئاً فشيئاً كلَّ ليلة حتى ينتهي إلى إبداره وكماله وتمامه، ثمَّ يأخذ في النقصان حتى يعود على حالته الأولى؛ ليظهر من ذلك مواقيتُ العباد في معاشهم وعباداتهم ومناسكهم، فتميَّزت به الأشهر والسنون، وقام به حسابُ العالم مع ما في ذلك من الحكَم والآيات والعبر التي لا يُحصيها إلاَّ الله». اهـ.

وقد عدَّ الله في القرآن الكريم هذا ضمن آياته العظام وبراهينه الجسام، يقول الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُون وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون﴾.

وقوله: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ أي: يَنْزِلُها، كلَّ ليلة ينْزل منها واحدة، إلى أن يصغر جدًّا فيكون كالعرجون القديم، أي: كعذقة النخل إذا قدم وجفَّ وصغر حجمه وانحنى، ثمَّ يُهلُّ في أول الشهر ويبدأ يزيد شيئاً فشيئاً حتَّى يتمَّ نورُه ويتسق ضياؤه، فما أعظمها من آية، وما أوضحها من دلالة على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه سبحانه، ولا ريب أنَّ التَّأملَ في هذه الآية وغيرها مِمَّا دعا الله عباده في كتابه إلى التفكر فيها وتأمُّلها يهدي العبدَ إلى العلم بالربِّ سبحانه بوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وسعة علمه وكمال حكمته، وتعدد برِّه وإحسانه، ومن ثمَّ يُخلص الدِّينَ له ويُفردُه وحده بالذُّلِّ والخضوعِ والحبِّ والإنابة والخوف والرجاء، فهي دلائلُ ظاهرة وبراهينُ واضحة على تفرُّد الله بالربوبية والألوهية والعظمة والكبرياء.

وأما الذكر الذي حث عليه نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقوله عند رؤية هلال رمضان وغيره من الشهور هو ما أخرجه الترمذي عن طلحة رضي الله عنه: أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رَأَى الهِلاَلَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِيَ وَرَبُّكَ اللهُ».

فقوله: «إذا رأى الهلال» الهلال هو طلعة القمر لليلتين أو لثلاث، وفي غير ذلك يُقال له قمر.

وقوله: «أهلَّه علين» أي أطلعه علينا، وأرنا إيَّاه.

وقوله: «باليُمن والإيمان» واليمن هو السعادة، وفي رواية أخرى (بالأمنُ) والأمن هو الطمأنينة والراحة والسكون والسلامة من الآفات والشرور.

والإيمان هو الإقرار والتصديق والخضوع لله، وهو الإيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

والإيمان بالله هو الإيمان والإقرار بوجوده وتفرده بالخلق والرَّزق والإماتة والإحياء والتصرف في الكون وأنه لا شريك له في ذلك.

والإيمان بأنه المستحق بالعبادة المتفرد بالألوهية فلا يُعبد إلا هو ولا يصلى ولا يُسجد إلا له، ولا يُذبح ويُنذر إلا له سبحانه.

والإيمان بأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

والإيمان بملائكته وأنهم خلق من خلقه خلقهم من نور، وهم ذوو أجنحة، وعدد كثير لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه.

والملائكةُ منهم الموكَّلون بالوحي، والموكَّلون بالقَطر، والموكَّلون بالموت، والموكَّلون بالأرحام، والموكَّلون بالحفظ، والمُوكَّلون بالجنَّة، والمُوكَّلون بالنار، والمُوكَّلون بغير ذلك، وكلُّهم مستسلمون منقادون لأمر الله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمَرون.

والإيمان بالكتب المنزلة على أنبياء الله، كصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، والقرآن وأنه كلام الله تعالى.

والإيمان بالرسل والأنبياء، وما أخبر الله عنهم في كتابه، أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم فتجب محبتهم ومحبة نبينا ويجب اتباعه والعمل بما شرع، فمحبته محبة لله عز وجل واتباعه هو تباع الله عز وجل.

والإيمان بالقدر خيره وشره، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكلُّ شيءٍ لا يخرج عن قضاء الله وقدره وخلقه وإيجاده.

وقوله: «والسلامة والإسلام» السلامة هي الوقاية والنجاة من الآفات والمصائب، والإسلام هو الاستسلام لله والانقياد لشرعه.

وجاء تفسير الإسلام في حديث جبريل الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر، قال: والإسلام أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيتَ إن استطعت إليه سبيل.

ثم قال في آخر الحديث: أي حديث رؤية الهلال: «ربِّي وربُّك الله» ففيه بيان أنَّ الكلَّ مربوب مخلوق لهذا الرب العظيم، الذي لا يستحق العبادة والإنابة والخضوع إلا هو سبحانه، لا أكبر المخلوقات كالسموات والأرض والشمس والقمر، ولا أحقرها وأصغرها كالإنسان الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فكيف يملكه لغيره من بني جنسه، وفي هذا ردٌّ على مَن عبد أحداً من المخلوقات من دون الله ﴿ومن آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون﴾.

ثمَّ إنَّ الحديثَ فيه فوائد كثيرة أشير إلى شيء منها، فمنها أنَّ فيه بياناً للفرق بين الإيمان والإسلام وأنَّهما ليسا شيئاً واحداً عندما يجتمعان في الذِّكر، بل لكلِّ واحد منهما معنى خاص، فالإيمان يُراد به الاعتقادات الباطنة، والإسلام يُراد به الأعمال الظاهرة، أمَّا عند إفراد كلِّ واحد منهما بالذِّكر فإنَّه يكون متناولاً لمعنى الآخر.

وفيه أنَّ الأمنَ مرتبطٌ بالإيمان، والسلامةَ مرتبطةٌ بالإسلام، فالإيمان طريق الأمن والأمان، والإسلام طريق السلامة، ومن رام الأمن والسلامة بغيرهما ضلَّ، والله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون﴾، وما نراه اليوم ونلمسه من انعدام الأمن في كثير من بلدان المسلمين فضلا عن بلاد الكفرة والملحدين سببه البعد عن الله وعن دينه الذي فرضه على عباده، وأوجب عليهم اتباعه والعمل به وتحكيمه في أنفسهم قبل كل شيء، ثم فيمن جعلهم الله تحت ولايتهم، فلا بد من صدق الرجوع إلى الله حتى يرفع ما حلَّ بالمسلمين من بلاء ومحن ومصائب وإحن، قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت».

فهذا سبب من أسباب المحن التي حلت بالأمة الإسلامية، حب الدنيا وكراهية الموت، وحب الدنيا يجر إلى ارتكاب المحرمات وتحليلها، وترك الواجبات والتنفير منها، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».

فترك المأمور واجتناب المحظور يؤدي إلى تسليط الكافر وتسليط الذل والمهانة والانتكاس، والدواء هو الرجوع إلى الله والفرار إليه، ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِين﴾، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾.

ومن فوائد الحديث أنَّ فيه لفتةً كريمةً إلى أنَّ أهمَّ ما تُشغل به الشهور وتُمضى فيه الأوقات هو الإيمانُ بالله وبما أمر عباده بالإيمان به، والاستسلامُ له سبحانه في كلِّ أحكامه وجميع أوامره.

قال ابن القيم رحمه الله: « السَّنَةُ شجرة، والشهورُ فروعها، والأيامُ أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنَّما يكون الجَذَاذ يوم المعاد، فعند الجَذاذ يتبيَّن حلوُ الثمار من مُرِّها ». اهـ.

وأعظم الشهور مرورا على الإنسان هو شهر رمضان المبارك، شهر النفحات والخيرات وإقالة العثرات، يستوجب من العبد القيام بحقه من صيام وقيام وقراءة القرآن، وبر وإحسان وصدقة على الفقراء والمحتاجين، الذين هم في أشد الحاجة إلى من يعنيهم على صيام الشهر حتى لا يشغلهم طلب الرزق والسعي وراءهم عن عبادة ربهم في هذا الشهر الكريم، والعبد مطالبٌ بأن يكون في هذا الشهر العظيم من المحسنين الكرماء، اقتداء بخير الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فقد كان أجود الناس على الإطلاق، وكان أجود ما يكون في رمضان، روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسُه القرآن، فَلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».

ففي الحديث بيان أن َّ سبب جوده وكرمه عليه الصلاة والسلام ناتج عن كثرة مدارسة القرآن؛ وذلك أنَّ القرآنَ خلقُه صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها، يأتمر بأوامره، ويجتنب نواهيه. فمدارسته له تجدِّد له العهد بمزيد غنى النفس، فإذا حصلت في رمضان وهو موسم الخيرات وفيه أنزل الله القرآن، والنازل به جبريل، فهذا كله من دواعي زيادة جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم، فمَن رام زيادة جوده في هذا الشهر فعليه بكثرة ذكر الله تعالى وتلاوة كلامه وتدبره، والعمل بما أمر به وترك زواجره، يوفقه ربُّه للخيرات، ويفتح عليه من البركات.

ورحم الله الإمام محمد البشير الإبراهيمي إذ يقول: « إن رمضان يحرك النفوس إلى الخير، ويُسكنها عن الشر، فتكون أجود بالخير من الريح المرسلة، وأبعد عن الشر من الطفولة البلهاء، ويطلقخها من أسْر العادات، ويُحررها من رق الشهوات، ويجتثُّ منها فساد الطباع ورعونة الغرائز، ويطوف عليها في أيامه بمحكمات الصبر ومثبَّتات العزيمة، وفي لياليه بأسباب الاتصال بالله والقُرب منه ».

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم التوفيق لمرضاته، واغتنام أوقات الخير بالذكر والتوبة والإنابة والاستغفار، وأن يتقبل منا شهر الصيام والقيام، وأن يرفع ما حلَّ بهذه الأمة من هموم وغموم، وبلاء ومحن، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

الجيريا

الجيريا

تنبيه الأنام إلى ما لا يسع جهله من أحكام الصيام

فهذه مسائل فقهية متعلّقة بأحكام الصيام، تمسّ حاجة الصائم إليها، ولا غنى له عن معرفتها.

فاعلم ـ أيّها القارئ الكريم ـ أنّه يجب عليك أوّلا أن تبيّت نيّة صوم رمضان ليلا قبل الفجر؛ لما روته حفصة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلّم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من لم يُجْمِعْ الصيام قبل الفجر، فلا صيام له »(1).

والنية هي عقد القلب، ولهذا لا يشترط التلفّظ بها، بل هو بدعة محدثة.

ومن لم يتبيّن له وجوب الصوم إلاّ في النهار، فليمسك بقيّة يومه، ولا قضاء عليه لحديث سلمة بن الأكوع قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلّم رجلا من أسلم أن أذِّن في الناس أنّ من أكل فليصم بقيّة يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإنّ اليوم يوم عاشوراء»(2).

ويجوز لك استعمال السواك مطلقا لا فرق بين أوّل النهار وآخره لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم : «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة»(3).

ويلحق به استعمال معجون الأسنان شريطة أن لا يبتلعه.

ويباح لك المضمضة والاستنشاق، إلا أنّه تكره المبالغة فيهما لحديث لقيط بن صبْرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائما»(4).

وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فصومه صحيح ولا قضاء عليه.

ويلحق بالنهي عن المبالغة في الاستنشاق استعمال السعوط (وهو دواء الأنف)، فلا يجوز استعماله في نهار رمضان، بل إنّ استعماله يفسد صومه ويوجب القضاء.

ويجوز لك الانغماس والاغتسال في الماء نهار رمضان، مع التحرّز من دخول الماء إلى الجوف، لما ثبت عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعَرْج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحرّ»(5).

ومن تراجم البخاريّ في صحيحه (4/181 فتح): باب اغتسال الصائم، وبَلَّ ابنُ عمر رضي الله عنهما ثوباً فألقى عليه وهو صائم، ودخل الشعبي الحمّام وهو صائم، وقال الحسن: «لا بأس بالمضمضة والتبرّد للصائم». وقال أنس : «إنّ لي أبْزنَ أتقَحّم فيه وأنا صائم».

ويباح لك تذوق الطعام في نهار رمضان شريطة عدم ابتلاع شيء منه.

قال ابن عبّاس: «لا بأس أن يذوق الخلّ أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم»(6).

ويباح لك استعمال الطيب والبخور الدهن قال ابن مسعود: «إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا»(7).

ويجوز لك الستعمال الكحل أو الإثمد سواء وجد أثره في الحلق أم لم يوجد، ويلحق به القطرة ونحوها (دواء العين).

عن أنس بن مالك أنّه كان يكتحل وهو صائم.

وعن الأعمش قال: «ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخّص أن يكتحل الصائم بالصبر»(8).

ويباح لك ما لا يمكن الاحتراز عنه كبلع الريق، وشمّ غبار الطريق.

ولا يضرّك خروج الدم من الأنف كالرعاف أو من لثّة الأسنان عند الاستياك شريطة أن لا يبتلعه قصدًا.

والحجامة لا تفسد صومك على القول الصحيح من أقوال العلماء، ويلحق بها الفصد وهو إخراج الدم من العروق.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم احتجم وهو صائم»(9).

ويجوز لك أن تقبّل امرأتك أو أن تباشرها في نهار رمضان.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنّه كان أملكَكُم لإِربِهِ»(10).

إلا أنّها تكره للشابّ لفرط شهوته، وخشية أن لا يملك نفسه.

لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم فجاء شاب، فقال: يا رسول الله أقبّل وأنا صائم؟ قال: لا، فجاء شيخ فقال: أقبّل وأنا صائم؟ قال: نعم، قال فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّ الشيخ يملك نفسه»(11).

وإذا أكلت أو شربت في نهار رمضان ناسيا فصومك صحيح، ولا قضاء عليك ويلحق به من جامع أهله ناسيا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (25 /228).

لما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتمّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه»(12).

وإذا غلبك القيء فلا شيء عليك، لا فرق بين قليله وكثيره، وإذا تقيّأت متعمدا فسد صومك ووجب عليك قضاء ذلك اليوم.

لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من ذرعه قيء وهو صائم، فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض»(13).

ويباح لك استعمال الحقن التي لا تغذي، فإنّها لا تفطر، أمّا الحقن المغذّية التي يستغنى بها عن الأكل والشراب، فإنها تفسد الصوم، لأنّها بمعنى الأكل والشراب، لأنّ نصوص الشرع في مصادره وموارده إذا وجد المعنى الذي تشتمل عليه في صورة من الصور، حكم على هذه الصورة بحكم ذلك النصّ، وبهذا أفتى الشيخ العلاّمة ابن عثيمين كما في "فتاوى هيئة كبار العلماء" (1 /429)، واللّجنة الدائمة رقم الفتوى (5176) والشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (3 /80 تحت رقم الحديث: 1014).

ويجوز لك استعمال المضخة أو البخاخ (دواء الربو) ولا يفسد صومك، لأنّه هواء يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية، لا إلى المعدة فليس بأكل ولا شرب ولا في معناهما وبهذا أفتت اللجنة الدائمة رقم الفتوى (4958)، " فتاوى هيئة كبار العلماء" (1 /437) والشيخ ابن عثيمين كما في لقاء الباب المفتوح اللقاء الثامن، والشيخ الألباني رحمه الله فقد سألته شخصيا عبر الهاتف، وانظر: مجموع الفتاوى (25 /233-234).

وإذا احتلمت فلا شيء عليك، لا فرق بين أن تصبح جنبا أو يكون ذلك في نهار رمضان فعن عائشة وأمّ سلمة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم»(14).

وإذا سافرت في نهار رمضان، فإن شقّ عليك الصوم فالأفضل أن تفطر، وإن لم يشقّ عليك فإن أخذت بالرخصة فحسن، وإن صمت فحسن أيضا، عن أبي سعيد الخذري قال: «كنّا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمنّا الصائم ومنّا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر، وكانوا يرون أنّه من وجد قوّة فصام فحسن، ومن وجد ضعفا فأفطر فحسن»(15).

والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو نفسيهما أفطرتا وأطعمتا عن كلّ يوم مسكينا.

عن ابن عبّاس قال: «إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران ويطعمان مكان كلّ يوم مسكينا، ولا يقضيان صوما»(16).

وعن ابن عمر مثله(17).

وعنه: «أنّ امرأته سألته وهي حبلى، فقال: أفطري وأطعمي عن كلّ يوم مسكينا ولا تقضي»(18).

ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة، فهو عند البعض إجماع سكوتيّ.

وإذا غاب جميع قرص الشمس فأفطر، ولا تعتبر بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق لما رواه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»(19).

وإذا أفطرت ظنا منك غروب الشمس لغيم أو نحوه، ثم تبين لك خلاف ذلك، فصومك صحيح ولا قضاء عليك، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى" (20 /572) وابن القيم في "تهذيب السنن" (3 /236-239).

لما روته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «أفطرنا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلّم يوم غيم ثم طلعت الشمس»(20).

قال شيخ الإسلام : «ولم يذكروا في الحديث أنّهم أمروا بالقضاء، ولكنّ هشام بن عروة قال: لا بدّ من القضاء، وأبوه أعلم منه وكان يقول: لا قضاء عليهم».

وعن زيد بن أسلم: «أن عمر بن الخطّاب أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنّه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد طلعت الشمس، فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا»(21).

قال ابن القيّم : «قوله: «وقد اجتهدنا» مؤذن بعدم القضاء، وقوله «الخطب يسير» إنَّما هو تَهوين لما فعلوه وتيسير لأمره».

وإذا تسحّرت وشككت في طلوع الفجر، فكل واشرب وأْتِ أهلك حتى تستيقن طلوعه، واطرح الشكّ.

قال رجل لابن عبّاس: «إنّي أتسحّر، فإذا شككت أمسكت»، فقال ابن عبّاس: «كل ما شككت، حتى لا تشكّ» . [ابن أبي شيبة (9075-9067 وعبد الرزّاق 7367 و 7368].

وإذا فعلت ذلك ثم تبين لك أن الفجر قد طلع فلا قضاء عليك ولا كفارة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله انظر «مجموع الفتاوى» (25 /259-263).

وإذا كنت تأكل أو تشرب ثم سمعت النداء، فقد رخّص لك الشرع إتمام سحورك ولا شيء عليك، وعلى هذا تعلم بدعية ما يسمّى بالإمساك.

وهو الإمساك عن السحور قبيل الفجر، فإن قيل هذا من باب الاحتياط فيقال: الاحتياط في موافقة الشرع واتباع الهدي، وما عداه فتنطّع وتبدّع.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه»(22).

وإذا طلع عليك الفجر وأنت مجامع، فيجب عليك النزع، ولا قضاء عليك ولا كفارة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم.

انظر "مفتاح دار السعادة" (2 /354 علي الحلبي).

وإذا مرض المرء مرضا يرجى برؤه، ونصحه الطبيب الثقة الخبير لمهنته بأن يفطر، وأن الصيام يضرّه، لزمه الفطر، وعليه القضاء بعد الشفاء، فإن استمر به المرض وعجز عن الصوم ولم يُرجَ له الشفاء، فعليه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا.

وإذا مرض مرضا مزمنا لا يرجى برؤه كالربو أو السكّري ونحوهما فعليه أن يطعم عن كلّ يوم مسكينا.

والواجب في الفدية الإطعام كما قال تعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾[المائدة: 89] ولا يجوز إخراجها قيمة أو نقودا.

وإذا كان عليك قضاء أيّام من رمضان، فإن شئت تابعت بينها، وإن شئت فرّقت لقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة: 185].

وعن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس في قضاء رمضان: «صمه كيف شئت»، وقال ابن عمر : «صمه كما أفطرته»(23).

وعن أبي هريرة قال: «يواتره إن شاء»(24).

وإذا كان عليك قضاء رمضان فأخّرته عمدًا أو لعذر حتى دخل رمضان آخر فصم رمضان الذي ورد عليك ثم اقض بعده الأيّام التي عليك، ولا إطعام عليك لأنه لم يثبت بالنصّ، وهو اختيار الإمام الحجّة صاحب المحجّة ابن حزم في المحلّي (6 /261).

وإذا جامعت زوجك في نهار رمضان وجب عليك الكفارة على الترتيب، تحرير رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فأطعم ستين مسكينا.

وإذا قطعت التتابع في الصوم لعذر شرعيّ كأن يتخلّل الشهرين يوم الفطر أو يوم النحر مرض أو حيض أو نفاس بالنسبة للمرأة، فلا تقطع التتابع الواجب.

وإذا عجزت عن العتق والصيام والإطعام سقطت الكفّارة عنك لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعُهَا﴾[البقرة: 286].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال : لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا، قال: فمكث النبيّ صلى الله عليه وسلّم فبينما هو على ذلك أتي النبيّ صلى الله عليه وسلّم بعرق فيه تمر، قال: من السائل؟ فقال: أنا قال: خذ هذا فتصدّق به، قال الرجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها ـ يريد الحرّتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبيّ حتى بدت أنيابه ثمّ قال: أطعمه أهلك»(25).

وإذا أتممت الصوم فاعلم أن الله تعالى أوجب عليك زكاة الفطر طهرة لك من اللّغو والرفث، وطعمة للمساكين، تؤديها عن نفسك وعن كلّ من تمونه من صغير وكبير، ذكر وأنثى، حر وعبد من المسلمين.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحرّ والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين» (26) وتخرجها من الأقوات المنصوص عليها أو من أقوات أهل كلّ بلد مقدار صاع من صاع أهل المدينة.

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نؤدّي زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحرّ والمملوك من أدّى سلتا قبل منه وأحسبه قال: ومن أدى دقيقا قبل منه ومن أدّى سويقا قبل منه»(27).

وأما القمح فمقداره نصف صاع على الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم رحمهما الله كما في زاد المعاد (2 /21).

لما رواه ثعلبة بن صعير قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطيبا، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر، أو صاع شعير على كلّ رأس، أو صاع برّ أو قمح بين اثنين عن الصغير والكبير والحرّ والعبد»(28).

وعن عروة بن الزبير: «أنَّ أسماء بنت أبي بكر كانت تخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها الحر منهم والمملوك مدين من الحنطة أو صاعا من التمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به»(29).

ولا يجوز لك أن تخرجها بدل العين قيمة أو نقودًا في قول عامة أهل العلم قال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطي دراهم يعني في صدقة الفطر قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

وقال أبو طالب: قال لي أحمد: لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويقولون قال فلان! قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال الله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الّرَّسُولَ﴾[النساء: 59]، وقال قوم يردّون السنن: قال فلان، قال فلان»(30).

ويجب عليك أن تصرفها للمساكين خاصة، ولا تصرفها لغيرهم من الأصناف الثمانية المنصوص عليهم في القرآن.

لما رواه ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللّغو والرفث، وطعمة للمساكين…»(31).

ويجب عليك أن تخرجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز لك تأخيرها عن ذلك لحديث ابن عبّاس السابق: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».

ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة»(32).

ويجوز لك أن تخرجها إلى من تجمع عنده بيوم أو يومين لما رواه نافع: «كان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين»(33).

وعنه أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.

هذا ما يسر الله تعالى لي جمعه بمنّه وتوفيقه، بشيء من الإيجاز والاختصار، وإلاّ فهناك مسائل أخرى مشهورة ومنثورة في كتب الفقه، فلتراجع لمن أراد التوسع، وبالله التوفيق.

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الجيريا
المقامة الرمضانية

حدَّث محمَّد بن عليّ قال:

دخلت سوق الحيِّ، فألفيت به عبد الحيِّ، وهو بين الميِّت والحيِّ، وهو في ذلك الممشى، يخبط خبط الأعْشَى، وقد زعفر وجهَه الصِّيامُ، وجفَّف ريقَه الأوامُ، فقلت: لأقفونَّ أثرَه، ولأخبرنَّ خبره، وقد واريتُ عنه عِيَاني، فكنتُ أرَاه من حيث لا يراني، فانطلق حتَّى انغمس في أمواج الأخلاط، وهم في زحام وزَيَاط، فماجت به تلك الأمواج، وأمدَّهم بعد ذلك أفواج، فاشتدَّ في ذلك العراك بأسه، ولم يَبْدُ لي من جسده إلَّا رأسُه، فكلَّفني في اللّحاق به المشقَّة، فاختلت للعَرَمْرَم كي أَشُقَّه، فانسلَّ عبد الحيِّ بعد عناء إلى الجزَّار، وكأنَّه مكبَّل الرِّجلين، فليس الأمر لو ترى بِهَيْن، وهو في ذلك شاتم ومشتوم، وطورًا يُلام وطورًا يَلوم، فلمَّا بلغ إلى اللَّحَّام، وعاين تلك اللِّحام، جعل ينظر إليها نظر ذات وِحام، فابتاع منه رطلًا أو رطلين، ثمَّ تولَّى قرير العين، وغطس إلى ناحية الخضر، متقلِّبًا بين ضِرار وضَرَر، فلمَّا وقف عليها لفحته لوافح الأسعار، فضجَّ من ذلك السُّعار، ولجَّ في خصام الخَضَّار، ثمَّ صال وجال، واشترى ما يعجز عن حمله رِجال، ثمَّ غيَّبته عني لُـمَّة، أحاط به جمعُها فواراه، وصار بمكان حيث لا أراه، فإذا هو عند بائع الزَّيتون، وقَلْبُه بكلِّ نوع مفتون، وطال حديثه إلى البائع، والكلام عن البضائع، حتَّى أنساه السَّوْمُ حرمةَ الصَّوم، فألقى زيتونة في فمه، وسها عن صومه، فصاح به القوم: يا رجل أفسدتَ الصَّومَ! فلفظ منها ما تبقَّى، واستغفر الله وذكره، وسبَّ مِنَ القوم مَنْ ذكرَّه، فرأيته وقد تجهَّم وجهه، وشعث رأسه، وتصبَّب عرقه، وقد نهكته تلك الأثقال، وأَنْصبَه التّطواف بين جزَّار وبقَّال، وهو ينظر إلى ساعته في تلك الكروب، يحسب كم بقي للغروب، ولسان حاله يقول:

يا شمس قد طال النَّهار فاغربي فبالغروب ينجلـي ما حـلَّ بـي
إنـِّي إذا مـا أخذتـني الـدُّوخـة أستذكر الـبُـرَاكَ والشَّخْشُوخَة
وشُـْربةً تصنع من حبِّ الفرِيك وزلبيَّـةً تـجي مـن بُـوفَـرِيــك
وعـنـبًـا وطـبـقًــا مــن مــوز وقـهـوة مـعـهــا قلـب اللّــوز
تـهـيـج لـي في نـهـمة أشواقي وأغـتدي مــن ذاك للأســواق
خــلُّوا سبيلـي معشر الـجموع يكفـي الَّذي أصابـني من جوع
قد كسرت من بـينـكم ضلوعي لو كنت أدري جئت فـي دروع ثمَّ أقبل نحوي بكلِّ ما يحوي، فبادرت إليه، ثمَّ سلَّمت عليه، فشكا إليَّ الحال، وما لقي في تلك الأوحال، ثمَّ قال لي: كيف حالك ورمضان؟ فقلت: شهر يستوجب الشُّكران، ولكن سلْ رمضان كيف حاله معي، إن كنت ممَّن يعي، فإنَّنا في زمن فسدت فيه الموازين، وصار ما يشين عند النَّاس يزين، ثمَّ حدَّثته بحديث لبَّد العجاج، وأنساه خبر اللَّحم والدَّجاج، حتَّى إذا استأنس بكلامي، قلت له: ما فعلت الزَّيتونة؟ فقال: سحقًا إنَّها ملعونة! ثمَّ سألني عن حكم ذلك؛ فقلت: القضاء على قول مالك؛ فقال: وهل في قول غيره ما يدفع؟ فقلت: يدفعه أن تتشفَّع، وما أراه ينفع، فاقض يومًا تبرأ به الذِّمَّة، وتحمد في مذاهب كلِّ الأئمَّة، ثمَّ طاف عليه من أحواله طائف، فأخبرني أنَّه نسي البقلاوة والقطايف، وقال: ذلك من أحكام السَّمَر، ولذَّة السَّهر، فانصرفَ وانصرفتُ، وقد هاجت عليَّ رياحُ الرَّجز، فانطلق اللِّسان وما عجز، فأنشأت أقول:
واعـجبًـا من صوم عبـد الـحيِّ إذ قــد غـدا فـي سَـفَـهٍ وغــيٍّ
فإنْ شـهـر رمـضـــان طـــاعه ولــم يـكـن شـرع للمـجــاعه
بـل هـو مـن ربِّ الورى تهذيب لـيـس لـنـهـش لـحم يا ذيــب
فــإن ذا مــقــصـــد شــرع الله فـي كـلِّ مـا شـرعـه يـا لاهــي
مـن ضـلَّ عـن مقاصد الشَّريعه حـرم مـن مـنـافـع بـديـــعــه
فـصم وصن في صومك اللِّسانا وابذل لكـلِّ مـن ترى الإحسانا
واصـغ إلى خيـر الورى الأوَّاب فـيـمن يصوم الشَّهر باحتسـاب
من صــام لله بــه مـحـتـسـبًــا يـغفر لــه الإلــه مــا قـد أذنبـا
ومـثـلـه لـكـلِّ مــن قـد قــامَا فـي لـيلـه فلْتَـطْـلُـبِ الـمـقامَا
فـإنَّ أكـثـر الـورى قـد غـفــلا حـتَّـى إذا مـا رمضـــان أفـــلا
لـم يـغـنـمـوا مـا غـنـم السّباق مـن نـالـهـم مـن ربِّـنـا إعـتاق

قال الرَّاوي لهذا الخبر:
فرجعت أَجْتَلِي من ذلك العِبَر، وأجيلُ فيه الفِكَر، فجاءتني بفضائل الاستقامة، وقد أودعتها هذه المقامة.

* منقول من مجلة الإصلاح «العدد الرابع»

الجيريا

ماذا بعد رمضان؟

فمن نعم الله على العبد المؤمن أن يبلِّغه مواسم الطاعات، ويوفقه إلى القيام بالواجبات على أتم ما افترضه المولى عز وجل، وقد أكمل الصائمون صومهم، والقائمون قيام ليالي خير الشهور، وفاز القراء بختم كتاب ربهم وكلام مالكهم، وهذا كلُّه بمنِّ الله وكرمه، ولولاه ما وُفِّق أحد للخيرات.
فمن وفَّى ما عليه من الأعمال والطاعات كاملة، وُفِي له الأجر والجزاء كاملا، ومن نقص من عمله شيئا نقص له من الأجر بقدر ما نقص من العمل.
غدا توفى النــفوس ما كســبت ويحصد الزارعــون ما زرعــوا
إن أحسنوا أحــسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
وقد علموا أنَّ الله تعالى قال في كتابه: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يجتهدون في إكمال الطاعات، والتقرب إلى الله تعالى بإحسان العمل ومداومته، مع خوفهم بعدم القبول، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله عن هذه الآية ﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾، قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم».
فعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في الإخلاص.
فشهر رمضان وقت الزرع، ويوم القيامة وقت الحصاد، فمن لم يزرع لم يحصد إلا الندم والهم، ولقد أحسن القائل:
ترحل شهر الصبر والهفاه وانصرما واختص بالفوز بالجنات من خدما
أصبح الغافل المسـكين منكســرا مثلي فيا ويــحه! يا عظـم ما حرما
من فاتـه الزرع في وقـــت البـدار فما تراه يحصــد إلا الهمَّ والندمـا
بل من الناس من تراه يعبد الله تعالى في شهر الخيرات، يصوم نهاره ويقوم ليله، ويجتنب كلَّ ما يخدش صومه من الكلام البذيء والعمل الدنيء، فإذا انصرم رمضان رجع إلى ما كان عليه من الآثام، ومقال حاله: «لا يُعرف الله إلا في رمضان».فإذا كان عباد الله المتقون وجلون من عدم تقبل العمل، فكيف بمن ضيَّع وقته في السهر والكسل؟
كم يفرح المرء عندما يرى ألوان الطاعات تزداد في رمضان، فما أن يؤذن أذان الفجر إلا وتجد المساجد مكتضة بالمصلين، ولا تكاد تفرِّق بين الصلوات؛ إذ بيوت الله عامرة في كلِّ وقت من ليل ونهار، لكن سَلِ المساجد بعد صلاة العيد عن عُمَّارها، أين ذهبوا، فقد ترك الكثير صلاة الجماعة، ولم يستجب لنداء الله إلا القليل الموفقون.
ألا فليعلَم هؤلاء أنَّ من علامة قبول العمل عند الله أن يكون المرء على حال أفضل من الحال التي كان عليها، فالصيام يزيد المرء تقربا إلى الله في كلِّ الأوقات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾.
قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مخاطبًا للمؤمنين من هذه الأمة وآمرًا لهم بالصيام، وهو: الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة.
فمن لم تزكو نفسه وتمنعه من الشهوات بعد رمضان فلم يصم لله حق الصيام، ولم يستفد من شهره إلا الجوع والعطش.
لأنَّ ربَّ رمضان هو ربُّ الشهور كلها، وما أوجبه عليك في رمضان من فعل الواجبات كالصلوات في الجماعات وترك المحرمات، أوجبه أيضا في سائر الشهور.
سئل أحد السلف قيل له:«إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان؛ فقال: بئس القوم، لا يعرفون الله حقاً إلا في رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السَّنة كله».
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وسائر المسلمين للطاعات والقربات، في كل الشهور والأيام والزمان والأماكن، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنة تمحها …».
فتقوى الله أجلُّ مطلوب يطلبه المسلم، في كلِّ أحيانه وأماكنه، يُتبع الحسنةَ بحسنات، والسيِّئةَ بقرُبات، عسى الله أن يعفو عنه ويجعله من عباده المتقين الموفقين، والحمد لله رب العالمين.

الجيريا

" وقفــــة اعتبــــــــــار "

رمضان يمضي والعمر ينقص ونحن ‏غافلون ،،،
وذالك ياعباد الله
أنا في العام الماضي استقبلنا شهر رمضان ، ثم ودعناه ،ثم انتظرنا شهر رمضان القادم ونحن نراه بعيدا ، وهاهو قد دخل علينا ،والواحد منا يقول لنفسه أو يقول لأخيه ،ما أسرع مامرت الأيام ،والله كأن بالأمس نودعوا رمضان الماضي
وها نحن اليوم
ندخل في رمضان الحاضر، وإنها والله لحقيقة الأيام ،تمضي بنا سريعة ،تنقص من آجالنا

يقول لواحد منا ياعباد الله
إذا مر عليه عام زاد عمري سنة
وحقيقة الأمر ، أن عمره قد نقص سنة
فالعمر معدود
والأجل محدود
وإن هي إلا خطوات الله أعلم متى تنتهي الخطوات
إنها أيام ياعباد الله نطويها وتطوينا، وتسير بنا سريعة إلى آجالنا

إن هذه الحقيقة ياعباد الله
تذكرنا بقول ربنا سبحانه وتعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا )

إن الحياة ياعباد الله
تمضي بنا سريعة، وما حالاتنا إلا ثلاثٌ :
شباب ثم شيب ثم موت
وآخر ما يسمى المرؤ شيخا
ويتلوه من الأسماء ميْتو

فهنيئا ياعباد الله
لمن اعتبر بما فات ،وأحيا الحاضر والقادم بالصالحات
فاعتبروا ياؤلي الأبصار .

……….

أكثر من 50 فرض و إختبار في اللغة العربية . الرابعة متوسط >> 2024.

ط§ظ„ط¬ظٹط±ظٹط§
كيف حال الجميع ؟! آمل ان تكونوا بأحسن الأحوال .
اقدم لكم اليوم ملف يحتوى على اكثر من 50 فرض و إختبار في اللغة العربية للسنة الرابعة متوسط للفصول الثلاث . أغلبها كنت قد نسختها و هي فروض من المتوسطــة التي أدرس فيها " الصالح عبدلي " و البعض الآخر من الموقع 1 للدراسة في الجزائر .
. أتمنى ان تستفيدوا منها . تفضلوا الرابط
ط§ظ„ط¬ظٹط±ظٹط§
للتحميل المباشر
ط§ظ„ط¬ظٹط±ظٹط§
دعوآتكم لي ♥

كوثررررر بآرك الله فيكِ وجزآك الله ألف خير وأدخلك فسيح جنانه
والله كنت أنتظر هذا الكنز جزآك الله الف خير وحقق امانيك
++
موفقة أخيتي

شكرا يا اختي كوثر على الرابط

mmmmmmmmeeeeeeeerrrrrrrrrrcccciii

شكرا جزيلا لك أختي
بارك الله فيك

¨°o.O(«« عبقات وقطوف رمضانية <<اليوم الثالث عشر.>>*** <<أم أمة الله الجزائرية>>»»)O.o°¨ 2024.

الجيريا

الجيريا

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا .
أما بعد:
أولا الحمد لله على أن بلغنا شهر رمضان وأذن لنا بصيامه وقيامه نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن صامه إيمانا واحتسابا ..

ثانيا أتقدم بالشكر إلى القائمين على هذه الطبعة "عبقات وقطوف رمضانية " من مشرفين وأعضاء مشاركين فبارك الله فيكم وجعل ما تقدمونه في ميزان الحسنات ..

الجيريا

الجيريا

رمضان شهر القيام والصيام وتلاوة القرآن

الحمد لله ربّ العالمين، به سبحانه نستهدي، وإياه نستكفي، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العليّ العظيم، وهو المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وبعد:

ففي هذه الأيام المباركة يحل علينا ضيف عظيم وشهر كريم، يهلُّ علينا هلاله، وهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، أوجب الله تعالى صيامه، وشرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم عند رؤية هلاله وهلال كلِّ الشهور أن نذكر الله بذكر فيه بيان عظمة الرب الذي سخر لنا هذه الأهلَّة ومنازلها لنعرف أوقات زماننا فنعرف وقت حجنا وصيامنا وانقضاء شهورنا، وقد قال الله تعالى في بيان فوائد الأهلة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾.

أي يسألونك يا محمد عن الأهلة ومحاقها وتمامها واستوائها، وتغير أحوالها بزيادة ونُقصان واستسرارها، وما المعنى الذي خَالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة أبدًا على حال واحدة لا تتغير بزيادة ولا نقصان؟ – فقلْ يا محمد: خالف بين ذلك ربُّكم لتصييره الأهلة التي سألتم عن أمرها مواقيتَ لكم ولغيركم من بني آدم في معايشهم، ترقبون بزيادتها ونقصانها ومحاقِها واستسرارها وإهلالكم إياها، أوقات حَلّ ديونكم، وانقضاء مدة إجارة من استأجرتموه، وتصرُّم عدة نسائكم، ووقت صومكم وإفطاركم وحجِّكم، فجعلها مواقيت للناس.

فالقمر والهلال الذي جعله الله ميقاتا للناس من أعظم الأدلة التي دلَّت على عظمة هذا الخالق سبحانه وكمال قدرته ، يقول ابن القيم رحمه الله: «وانظر إلى القمر وعجائب آياته، كيف يُبديه الله كالخيط الدَّقيق، ثم يتزايد نورُه ويتكامل شيئاً فشيئاً كلَّ ليلة حتى ينتهي إلى إبداره وكماله وتمامه، ثمَّ يأخذ في النقصان حتى يعود على حالته الأولى؛ ليظهر من ذلك مواقيتُ العباد في معاشهم وعباداتهم ومناسكهم، فتميَّزت به الأشهر والسنون، وقام به حسابُ العالم مع ما في ذلك من الحكَم والآيات والعبر التي لا يُحصيها إلاَّ الله». اهـ.

وقد عدَّ الله في القرآن الكريم هذا ضمن آياته العظام وبراهينه الجسام، يقول الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُون وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون﴾.

وقوله: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ أي: يَنْزِلُها، كلَّ ليلة ينْزل منها واحدة، إلى أن يصغر جدًّا فيكون كالعرجون القديم، أي: كعذقة النخل إذا قدم وجفَّ وصغر حجمه وانحنى، ثمَّ يُهلُّ في أول الشهر ويبدأ يزيد شيئاً فشيئاً حتَّى يتمَّ نورُه ويتسق ضياؤه، فما أعظمها من آية، وما أوضحها من دلالة على عظمة الخالق، وعظمة أوصافه سبحانه، ولا ريب أنَّ التَّأملَ في هذه الآية وغيرها مِمَّا دعا الله عباده في كتابه إلى التفكر فيها وتأمُّلها يهدي العبدَ إلى العلم بالربِّ سبحانه بوحدانيته وصفات كماله ونعوت جلاله من عموم قدرته وسعة علمه وكمال حكمته، وتعدد برِّه وإحسانه، ومن ثمَّ يُخلص الدِّينَ له ويُفردُه وحده بالذُّلِّ والخضوعِ والحبِّ والإنابة والخوف والرجاء، فهي دلائلُ ظاهرة وبراهينُ واضحة على تفرُّد الله بالربوبية والألوهية والعظمة والكبرياء.

وأما الذكر الذي حث عليه نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقوله عند رؤية هلال رمضان وغيره من الشهور هو ما أخرجه الترمذي عن طلحة رضي الله عنه: أَنَّ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا رَأَى الهِلاَلَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ، رَبِيَ وَرَبُّكَ اللهُ».

فقوله: «إذا رأى الهلال» الهلال هو طلعة القمر لليلتين أو لثلاث، وفي غير ذلك يُقال له قمر.

وقوله: «أهلَّه علين» أي أطلعه علينا، وأرنا إيَّاه.

وقوله: «باليُمن والإيمان» واليمن هو السعادة، وفي رواية أخرى (بالأمنُ) والأمن هو الطمأنينة والراحة والسكون والسلامة من الآفات والشرور.

والإيمان هو الإقرار والتصديق والخضوع لله، وهو الإيمان بالله وكتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

والإيمان بالله هو الإيمان والإقرار بوجوده وتفرده بالخلق والرَّزق والإماتة والإحياء والتصرف في الكون وأنه لا شريك له في ذلك.

والإيمان بأنه المستحق بالعبادة المتفرد بالألوهية فلا يُعبد إلا هو ولا يصلى ولا يُسجد إلا له، ولا يُذبح ويُنذر إلا له سبحانه.

والإيمان بأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

والإيمان بملائكته وأنهم خلق من خلقه خلقهم من نور، وهم ذوو أجنحة، وعدد كثير لا يعلم عددهم إلا هو سبحانه.

والملائكةُ منهم الموكَّلون بالوحي، والموكَّلون بالقَطر، والموكَّلون بالموت، والموكَّلون بالأرحام، والموكَّلون بالحفظ، والمُوكَّلون بالجنَّة، والمُوكَّلون بالنار، والمُوكَّلون بغير ذلك، وكلُّهم مستسلمون منقادون لأمر الله، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمَرون.

والإيمان بالكتب المنزلة على أنبياء الله، كصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل، والقرآن وأنه كلام الله تعالى.

والإيمان بالرسل والأنبياء، وما أخبر الله عنهم في كتابه، أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم فتجب محبتهم ومحبة نبينا ويجب اتباعه والعمل بما شرع، فمحبته محبة لله عز وجل واتباعه هو تباع الله عز وجل.

والإيمان بالقدر خيره وشره، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكلُّ شيءٍ لا يخرج عن قضاء الله وقدره وخلقه وإيجاده.

وقوله: «والسلامة والإسلام» السلامة هي الوقاية والنجاة من الآفات والمصائب، والإسلام هو الاستسلام لله والانقياد لشرعه.

وجاء تفسير الإسلام في حديث جبريل الطويل الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عمر، قال: والإسلام أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسولُ الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجَّ البيتَ إن استطعت إليه سبيل.

ثم قال في آخر الحديث: أي حديث رؤية الهلال: «ربِّي وربُّك الله» ففيه بيان أنَّ الكلَّ مربوب مخلوق لهذا الرب العظيم، الذي لا يستحق العبادة والإنابة والخضوع إلا هو سبحانه، لا أكبر المخلوقات كالسموات والأرض والشمس والقمر، ولا أحقرها وأصغرها كالإنسان الذي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فكيف يملكه لغيره من بني جنسه، وفي هذا ردٌّ على مَن عبد أحداً من المخلوقات من دون الله ﴿ومن آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون﴾.

ثمَّ إنَّ الحديثَ فيه فوائد كثيرة أشير إلى شيء منها، فمنها أنَّ فيه بياناً للفرق بين الإيمان والإسلام وأنَّهما ليسا شيئاً واحداً عندما يجتمعان في الذِّكر، بل لكلِّ واحد منهما معنى خاص، فالإيمان يُراد به الاعتقادات الباطنة، والإسلام يُراد به الأعمال الظاهرة، أمَّا عند إفراد كلِّ واحد منهما بالذِّكر فإنَّه يكون متناولاً لمعنى الآخر.

وفيه أنَّ الأمنَ مرتبطٌ بالإيمان، والسلامةَ مرتبطةٌ بالإسلام، فالإيمان طريق الأمن والأمان، والإسلام طريق السلامة، ومن رام الأمن والسلامة بغيرهما ضلَّ، والله تعالى يقول: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون﴾، وما نراه اليوم ونلمسه من انعدام الأمن في كثير من بلدان المسلمين فضلا عن بلاد الكفرة والملحدين سببه البعد عن الله وعن دينه الذي فرضه على عباده، وأوجب عليهم اتباعه والعمل به وتحكيمه في أنفسهم قبل كل شيء، ثم فيمن جعلهم الله تحت ولايتهم، فلا بد من صدق الرجوع إلى الله حتى يرفع ما حلَّ بالمسلمين من بلاء ومحن ومصائب وإحن، قال صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت».

فهذا سبب من أسباب المحن التي حلت بالأمة الإسلامية، حب الدنيا وكراهية الموت، وحب الدنيا يجر إلى ارتكاب المحرمات وتحليلها، وترك الواجبات والتنفير منها، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».

فترك المأمور واجتناب المحظور يؤدي إلى تسليط الكافر وتسليط الذل والمهانة والانتكاس، والدواء هو الرجوع إلى الله والفرار إليه، ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِين﴾، ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون﴾.

ومن فوائد الحديث أنَّ فيه لفتةً كريمةً إلى أنَّ أهمَّ ما تُشغل به الشهور وتُمضى فيه الأوقات هو الإيمانُ بالله وبما أمر عباده بالإيمان به، والاستسلامُ له سبحانه في كلِّ أحكامه وجميع أوامره.

قال ابن القيم رحمه الله: « السَّنَةُ شجرة، والشهورُ فروعها، والأيامُ أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنَّما يكون الجَذَاذ يوم المعاد، فعند الجَذاذ يتبيَّن حلوُ الثمار من مُرِّها ». اهـ.

وأعظم الشهور مرورا على الإنسان هو شهر رمضان المبارك، شهر النفحات والخيرات وإقالة العثرات، يستوجب من العبد القيام بحقه من صيام وقيام وقراءة القرآن، وبر وإحسان وصدقة على الفقراء والمحتاجين، الذين هم في أشد الحاجة إلى من يعنيهم على صيام الشهر حتى لا يشغلهم طلب الرزق والسعي وراءهم عن عبادة ربهم في هذا الشهر الكريم، والعبد مطالبٌ بأن يكون في هذا الشهر العظيم من المحسنين الكرماء، اقتداء بخير الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فقد كان أجود الناس على الإطلاق، وكان أجود ما يكون في رمضان، روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسُه القرآن، فَلَرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».

ففي الحديث بيان أن َّ سبب جوده وكرمه عليه الصلاة والسلام ناتج عن كثرة مدارسة القرآن؛ وذلك أنَّ القرآنَ خلقُه صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها، يأتمر بأوامره، ويجتنب نواهيه. فمدارسته له تجدِّد له العهد بمزيد غنى النفس، فإذا حصلت في رمضان وهو موسم الخيرات وفيه أنزل الله القرآن، والنازل به جبريل، فهذا كله من دواعي زيادة جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم، فمَن رام زيادة جوده في هذا الشهر فعليه بكثرة ذكر الله تعالى وتلاوة كلامه وتدبره، والعمل بما أمر به وترك زواجره، يوفقه ربُّه للخيرات، ويفتح عليه من البركات.

ورحم الله الإمام محمد البشير الإبراهيمي إذ يقول: « إن رمضان يحرك النفوس إلى الخير، ويُسكنها عن الشر، فتكون أجود بالخير من الريح المرسلة، وأبعد عن الشر من الطفولة البلهاء، ويطلقخها من أسْر العادات، ويُحررها من رق الشهوات، ويجتثُّ منها فساد الطباع ورعونة الغرائز، ويطوف عليها في أيامه بمحكمات الصبر ومثبَّتات العزيمة، وفي لياليه بأسباب الاتصال بالله والقُرب منه ».

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم التوفيق لمرضاته، واغتنام أوقات الخير بالذكر والتوبة والإنابة والاستغفار، وأن يتقبل منا شهر الصيام والقيام، وأن يرفع ما حلَّ بهذه الأمة من هموم وغموم، وبلاء ومحن، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.

الجيريا

الجيريا

تنبيه الأنام إلى ما لا يسع جهله من أحكام الصيام

فهذه مسائل فقهية متعلّقة بأحكام الصيام، تمسّ حاجة الصائم إليها، ولا غنى له عن معرفتها.

فاعلم ـ أيّها القارئ الكريم ـ أنّه يجب عليك أوّلا أن تبيّت نيّة صوم رمضان ليلا قبل الفجر؛ لما روته حفصة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلّم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «من لم يُجْمِعْ الصيام قبل الفجر، فلا صيام له »(1).

والنية هي عقد القلب، ولهذا لا يشترط التلفّظ بها، بل هو بدعة محدثة.

ومن لم يتبيّن له وجوب الصوم إلاّ في النهار، فليمسك بقيّة يومه، ولا قضاء عليه لحديث سلمة بن الأكوع قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلّم رجلا من أسلم أن أذِّن في الناس أنّ من أكل فليصم بقيّة يومه، ومن لم يكن أكل فليصم فإنّ اليوم يوم عاشوراء»(2).

ويجوز لك استعمال السواك مطلقا لا فرق بين أوّل النهار وآخره لعموم قوله صلى الله عليه وسلّم : «لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلّ صلاة»(3).

ويلحق به استعمال معجون الأسنان شريطة أن لا يبتلعه.

ويباح لك المضمضة والاستنشاق، إلا أنّه تكره المبالغة فيهما لحديث لقيط بن صبْرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «بالغ في الاستنشاق إلاّ أن تكون صائما»(4).

وإن تمضمض أو استنشق في الطهارة فسبق الماء إلى حلقه من غير قصد ولا إسراف فصومه صحيح ولا قضاء عليه.

ويلحق بالنهي عن المبالغة في الاستنشاق استعمال السعوط (وهو دواء الأنف)، فلا يجوز استعماله في نهار رمضان، بل إنّ استعماله يفسد صومه ويوجب القضاء.

ويجوز لك الانغماس والاغتسال في الماء نهار رمضان، مع التحرّز من دخول الماء إلى الجوف، لما ثبت عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال: «رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالعَرْج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحرّ»(5).

ومن تراجم البخاريّ في صحيحه (4/181 فتح): باب اغتسال الصائم، وبَلَّ ابنُ عمر رضي الله عنهما ثوباً فألقى عليه وهو صائم، ودخل الشعبي الحمّام وهو صائم، وقال الحسن: «لا بأس بالمضمضة والتبرّد للصائم». وقال أنس : «إنّ لي أبْزنَ أتقَحّم فيه وأنا صائم».

ويباح لك تذوق الطعام في نهار رمضان شريطة عدم ابتلاع شيء منه.

قال ابن عبّاس: «لا بأس أن يذوق الخلّ أو الشيء ما لم يدخل حلقه وهو صائم»(6).

ويباح لك استعمال الطيب والبخور الدهن قال ابن مسعود: «إذا كان صوم أحدكم فليصبح دهينا مترجلا»(7).

ويجوز لك الستعمال الكحل أو الإثمد سواء وجد أثره في الحلق أم لم يوجد، ويلحق به القطرة ونحوها (دواء العين).

عن أنس بن مالك أنّه كان يكتحل وهو صائم.

وعن الأعمش قال: «ما رأيت أحدًا من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يرخّص أن يكتحل الصائم بالصبر»(8).

ويباح لك ما لا يمكن الاحتراز عنه كبلع الريق، وشمّ غبار الطريق.

ولا يضرّك خروج الدم من الأنف كالرعاف أو من لثّة الأسنان عند الاستياك شريطة أن لا يبتلعه قصدًا.

والحجامة لا تفسد صومك على القول الصحيح من أقوال العلماء، ويلحق بها الفصد وهو إخراج الدم من العروق.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم احتجم وهو صائم»(9).

ويجوز لك أن تقبّل امرأتك أو أن تباشرها في نهار رمضان.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقبّل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنّه كان أملكَكُم لإِربِهِ»(10).

إلا أنّها تكره للشابّ لفرط شهوته، وخشية أن لا يملك نفسه.

لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وسلّم فجاء شاب، فقال: يا رسول الله أقبّل وأنا صائم؟ قال: لا، فجاء شيخ فقال: أقبّل وأنا صائم؟ قال: نعم، قال فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إنّ الشيخ يملك نفسه»(11).

وإذا أكلت أو شربت في نهار رمضان ناسيا فصومك صحيح، ولا قضاء عليك ويلحق به من جامع أهله ناسيا، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (25 /228).

لما رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتمّ صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه»(12).

وإذا غلبك القيء فلا شيء عليك، لا فرق بين قليله وكثيره، وإذا تقيّأت متعمدا فسد صومك ووجب عليك قضاء ذلك اليوم.

لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من ذرعه قيء وهو صائم، فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض»(13).

ويباح لك استعمال الحقن التي لا تغذي، فإنّها لا تفطر، أمّا الحقن المغذّية التي يستغنى بها عن الأكل والشراب، فإنها تفسد الصوم، لأنّها بمعنى الأكل والشراب، لأنّ نصوص الشرع في مصادره وموارده إذا وجد المعنى الذي تشتمل عليه في صورة من الصور، حكم على هذه الصورة بحكم ذلك النصّ، وبهذا أفتى الشيخ العلاّمة ابن عثيمين كما في "فتاوى هيئة كبار العلماء" (1 /429)، واللّجنة الدائمة رقم الفتوى (5176) والشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (3 /80 تحت رقم الحديث: 1014).

ويجوز لك استعمال المضخة أو البخاخ (دواء الربو) ولا يفسد صومك، لأنّه هواء يصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية، لا إلى المعدة فليس بأكل ولا شرب ولا في معناهما وبهذا أفتت اللجنة الدائمة رقم الفتوى (4958)، " فتاوى هيئة كبار العلماء" (1 /437) والشيخ ابن عثيمين كما في لقاء الباب المفتوح اللقاء الثامن، والشيخ الألباني رحمه الله فقد سألته شخصيا عبر الهاتف، وانظر: مجموع الفتاوى (25 /233-234).

وإذا احتلمت فلا شيء عليك، لا فرق بين أن تصبح جنبا أو يكون ذلك في نهار رمضان فعن عائشة وأمّ سلمة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم»(14).

وإذا سافرت في نهار رمضان، فإن شقّ عليك الصوم فالأفضل أن تفطر، وإن لم يشقّ عليك فإن أخذت بالرخصة فحسن، وإن صمت فحسن أيضا، عن أبي سعيد الخذري قال: «كنّا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم فمنّا الصائم ومنّا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر، وكانوا يرون أنّه من وجد قوّة فصام فحسن، ومن وجد ضعفا فأفطر فحسن»(15).

والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أو نفسيهما أفطرتا وأطعمتا عن كلّ يوم مسكينا.

عن ابن عبّاس قال: «إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران ويطعمان مكان كلّ يوم مسكينا، ولا يقضيان صوما»(16).

وعن ابن عمر مثله(17).

وعنه: «أنّ امرأته سألته وهي حبلى، فقال: أفطري وأطعمي عن كلّ يوم مسكينا ولا تقضي»(18).

ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة، فهو عند البعض إجماع سكوتيّ.

وإذا غاب جميع قرص الشمس فأفطر، ولا تعتبر بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق لما رواه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم»(19).

وإذا أفطرت ظنا منك غروب الشمس لغيم أو نحوه، ثم تبين لك خلاف ذلك، فصومك صحيح ولا قضاء عليك، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى" (20 /572) وابن القيم في "تهذيب السنن" (3 /236-239).

لما روته أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «أفطرنا على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلّم يوم غيم ثم طلعت الشمس»(20).

قال شيخ الإسلام : «ولم يذكروا في الحديث أنّهم أمروا بالقضاء، ولكنّ هشام بن عروة قال: لا بدّ من القضاء، وأبوه أعلم منه وكان يقول: لا قضاء عليهم».

وعن زيد بن أسلم: «أن عمر بن الخطّاب أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنّه قد أمسى وغابت الشمس فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، قد طلعت الشمس، فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا»(21).

قال ابن القيّم : «قوله: «وقد اجتهدنا» مؤذن بعدم القضاء، وقوله «الخطب يسير» إنَّما هو تَهوين لما فعلوه وتيسير لأمره».

وإذا تسحّرت وشككت في طلوع الفجر، فكل واشرب وأْتِ أهلك حتى تستيقن طلوعه، واطرح الشكّ.

قال رجل لابن عبّاس: «إنّي أتسحّر، فإذا شككت أمسكت»، فقال ابن عبّاس: «كل ما شككت، حتى لا تشكّ» . [ابن أبي شيبة (9075-9067 وعبد الرزّاق 7367 و 7368].

وإذا فعلت ذلك ثم تبين لك أن الفجر قد طلع فلا قضاء عليك ولا كفارة وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله انظر «مجموع الفتاوى» (25 /259-263).

وإذا كنت تأكل أو تشرب ثم سمعت النداء، فقد رخّص لك الشرع إتمام سحورك ولا شيء عليك، وعلى هذا تعلم بدعية ما يسمّى بالإمساك.

وهو الإمساك عن السحور قبيل الفجر، فإن قيل هذا من باب الاحتياط فيقال: الاحتياط في موافقة الشرع واتباع الهدي، وما عداه فتنطّع وتبدّع.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا سمع أحدكم النداء، والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه»(22).

وإذا طلع عليك الفجر وأنت مجامع، فيجب عليك النزع، ولا قضاء عليك ولا كفارة، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم.

انظر "مفتاح دار السعادة" (2 /354 علي الحلبي).

وإذا مرض المرء مرضا يرجى برؤه، ونصحه الطبيب الثقة الخبير لمهنته بأن يفطر، وأن الصيام يضرّه، لزمه الفطر، وعليه القضاء بعد الشفاء، فإن استمر به المرض وعجز عن الصوم ولم يُرجَ له الشفاء، فعليه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا.

وإذا مرض مرضا مزمنا لا يرجى برؤه كالربو أو السكّري ونحوهما فعليه أن يطعم عن كلّ يوم مسكينا.

والواجب في الفدية الإطعام كما قال تعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾[المائدة: 89] ولا يجوز إخراجها قيمة أو نقودا.

وإذا كان عليك قضاء أيّام من رمضان، فإن شئت تابعت بينها، وإن شئت فرّقت لقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أيّامٍ أُخَرَ﴾[البقرة: 185].

وعن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عبّاس في قضاء رمضان: «صمه كيف شئت»، وقال ابن عمر : «صمه كما أفطرته»(23).

وعن أبي هريرة قال: «يواتره إن شاء»(24).

وإذا كان عليك قضاء رمضان فأخّرته عمدًا أو لعذر حتى دخل رمضان آخر فصم رمضان الذي ورد عليك ثم اقض بعده الأيّام التي عليك، ولا إطعام عليك لأنه لم يثبت بالنصّ، وهو اختيار الإمام الحجّة صاحب المحجّة ابن حزم في المحلّي (6 /261).

وإذا جامعت زوجك في نهار رمضان وجب عليك الكفارة على الترتيب، تحرير رقبة، فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فأطعم ستين مسكينا.

وإذا قطعت التتابع في الصوم لعذر شرعيّ كأن يتخلّل الشهرين يوم الفطر أو يوم النحر مرض أو حيض أو نفاس بالنسبة للمرأة، فلا تقطع التتابع الواجب.

وإذا عجزت عن العتق والصيام والإطعام سقطت الكفّارة عنك لقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعُهَا﴾[البقرة: 286].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال : لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا، قال: فمكث النبيّ صلى الله عليه وسلّم فبينما هو على ذلك أتي النبيّ صلى الله عليه وسلّم بعرق فيه تمر، قال: من السائل؟ فقال: أنا قال: خذ هذا فتصدّق به، قال الرجل: على أفقر منّي يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها ـ يريد الحرّتين ـ أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبيّ حتى بدت أنيابه ثمّ قال: أطعمه أهلك»(25).

وإذا أتممت الصوم فاعلم أن الله تعالى أوجب عليك زكاة الفطر طهرة لك من اللّغو والرفث، وطعمة للمساكين، تؤديها عن نفسك وعن كلّ من تمونه من صغير وكبير، ذكر وأنثى، حر وعبد من المسلمين.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحرّ والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين» (26) وتخرجها من الأقوات المنصوص عليها أو من أقوات أهل كلّ بلد مقدار صاع من صاع أهل المدينة.

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن نؤدّي زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحرّ والمملوك من أدّى سلتا قبل منه وأحسبه قال: ومن أدى دقيقا قبل منه ومن أدّى سويقا قبل منه»(27).

وأما القمح فمقداره نصف صاع على الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم رحمهما الله كما في زاد المعاد (2 /21).

لما رواه ثعلبة بن صعير قال: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم خطيبا، فأمر بصدقة الفطر صاع تمر، أو صاع شعير على كلّ رأس، أو صاع برّ أو قمح بين اثنين عن الصغير والكبير والحرّ والعبد»(28).

وعن عروة بن الزبير: «أنَّ أسماء بنت أبي بكر كانت تخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها الحر منهم والمملوك مدين من الحنطة أو صاعا من التمر بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به»(29).

ولا يجوز لك أن تخرجها بدل العين قيمة أو نقودًا في قول عامة أهل العلم قال أبو داود: قيل لأحمد وأنا أسمع: أعطي دراهم يعني في صدقة الفطر قال: أخاف أن لا يجزئه خلاف سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

وقال أبو طالب: قال لي أحمد: لا يعطي قيمته، قيل له: قوم يقولون عمر بن عبد العزيز كان يأخذ بالقيمة، قال: يدعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويقولون قال فلان! قال ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقال الله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الّرَّسُولَ﴾[النساء: 59]، وقال قوم يردّون السنن: قال فلان، قال فلان»(30).

ويجب عليك أن تصرفها للمساكين خاصة، ولا تصرفها لغيرهم من الأصناف الثمانية المنصوص عليهم في القرآن.

لما رواه ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللّغو والرفث، وطعمة للمساكين…»(31).

ويجب عليك أن تخرجها قبل صلاة العيد، ولا يجوز لك تأخيرها عن ذلك لحديث ابن عبّاس السابق: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات».

ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة»(32).

ويجوز لك أن تخرجها إلى من تجمع عنده بيوم أو يومين لما رواه نافع: «كان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يُعطون قبل الفطر بيوم أو يومين»(33).

وعنه أن عبد الله بن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة.

هذا ما يسر الله تعالى لي جمعه بمنّه وتوفيقه، بشيء من الإيجاز والاختصار، وإلاّ فهناك مسائل أخرى مشهورة ومنثورة في كتب الفقه، فلتراجع لمن أراد التوسع، وبالله التوفيق.

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الجيريا
المقامة الرمضانية

حدَّث محمَّد بن عليّ قال:

دخلت سوق الحيِّ، فألفيت به عبد الحيِّ، وهو بين الميِّت والحيِّ، وهو في ذلك الممشى، يخبط خبط الأعْشَى، وقد زعفر وجهَه الصِّيامُ، وجفَّف ريقَه الأوامُ، فقلت: لأقفونَّ أثرَه، ولأخبرنَّ خبره، وقد واريتُ عنه عِيَاني، فكنتُ أرَاه من حيث لا يراني، فانطلق حتَّى انغمس في أمواج الأخلاط، وهم في زحام وزَيَاط، فماجت به تلك الأمواج، وأمدَّهم بعد ذلك أفواج، فاشتدَّ في ذلك العراك بأسه، ولم يَبْدُ لي من جسده إلَّا رأسُه، فكلَّفني في اللّحاق به المشقَّة، فاختلت للعَرَمْرَم كي أَشُقَّه، فانسلَّ عبد الحيِّ بعد عناء إلى الجزَّار، وكأنَّه مكبَّل الرِّجلين، فليس الأمر لو ترى بِهَيْن، وهو في ذلك شاتم ومشتوم، وطورًا يُلام وطورًا يَلوم، فلمَّا بلغ إلى اللَّحَّام، وعاين تلك اللِّحام، جعل ينظر إليها نظر ذات وِحام، فابتاع منه رطلًا أو رطلين، ثمَّ تولَّى قرير العين، وغطس إلى ناحية الخضر، متقلِّبًا بين ضِرار وضَرَر، فلمَّا وقف عليها لفحته لوافح الأسعار، فضجَّ من ذلك السُّعار، ولجَّ في خصام الخَضَّار، ثمَّ صال وجال، واشترى ما يعجز عن حمله رِجال، ثمَّ غيَّبته عني لُـمَّة، أحاط به جمعُها فواراه، وصار بمكان حيث لا أراه، فإذا هو عند بائع الزَّيتون، وقَلْبُه بكلِّ نوع مفتون، وطال حديثه إلى البائع، والكلام عن البضائع، حتَّى أنساه السَّوْمُ حرمةَ الصَّوم، فألقى زيتونة في فمه، وسها عن صومه، فصاح به القوم: يا رجل أفسدتَ الصَّومَ! فلفظ منها ما تبقَّى، واستغفر الله وذكره، وسبَّ مِنَ القوم مَنْ ذكرَّه، فرأيته وقد تجهَّم وجهه، وشعث رأسه، وتصبَّب عرقه، وقد نهكته تلك الأثقال، وأَنْصبَه التّطواف بين جزَّار وبقَّال، وهو ينظر إلى ساعته في تلك الكروب، يحسب كم بقي للغروب، ولسان حاله يقول:

يا شمس قد طال النَّهار فاغربي فبالغروب ينجلـي ما حـلَّ بـي
إنـِّي إذا مـا أخذتـني الـدُّوخـة أستذكر الـبُـرَاكَ والشَّخْشُوخَة
وشُـْربةً تصنع من حبِّ الفرِيك وزلبيَّـةً تـجي مـن بُـوفَـرِيــك
وعـنـبًـا وطـبـقًــا مــن مــوز وقـهـوة مـعـهــا قلـب اللّــوز
تـهـيـج لـي في نـهـمة أشواقي وأغـتدي مــن ذاك للأســواق
خــلُّوا سبيلـي معشر الـجموع يكفـي الَّذي أصابـني من جوع
قد كسرت من بـينـكم ضلوعي لو كنت أدري جئت فـي دروع ثمَّ أقبل نحوي بكلِّ ما يحوي، فبادرت إليه، ثمَّ سلَّمت عليه، فشكا إليَّ الحال، وما لقي في تلك الأوحال، ثمَّ قال لي: كيف حالك ورمضان؟ فقلت: شهر يستوجب الشُّكران، ولكن سلْ رمضان كيف حاله معي، إن كنت ممَّن يعي، فإنَّنا في زمن فسدت فيه الموازين، وصار ما يشين عند النَّاس يزين، ثمَّ حدَّثته بحديث لبَّد العجاج، وأنساه خبر اللَّحم والدَّجاج، حتَّى إذا استأنس بكلامي، قلت له: ما فعلت الزَّيتونة؟ فقال: سحقًا إنَّها ملعونة! ثمَّ سألني عن حكم ذلك؛ فقلت: القضاء على قول مالك؛ فقال: وهل في قول غيره ما يدفع؟ فقلت: يدفعه أن تتشفَّع، وما أراه ينفع، فاقض يومًا تبرأ به الذِّمَّة، وتحمد في مذاهب كلِّ الأئمَّة، ثمَّ طاف عليه من أحواله طائف، فأخبرني أنَّه نسي البقلاوة والقطايف، وقال: ذلك من أحكام السَّمَر، ولذَّة السَّهر، فانصرفَ وانصرفتُ، وقد هاجت عليَّ رياحُ الرَّجز، فانطلق اللِّسان وما عجز، فأنشأت أقول:
واعـجبًـا من صوم عبـد الـحيِّ إذ قــد غـدا فـي سَـفَـهٍ وغــيٍّ
فإنْ شـهـر رمـضـــان طـــاعه ولــم يـكـن شـرع للمـجــاعه
بـل هـو مـن ربِّ الورى تهذيب لـيـس لـنـهـش لـحم يا ذيــب
فــإن ذا مــقــصـــد شــرع الله فـي كـلِّ مـا شـرعـه يـا لاهــي
مـن ضـلَّ عـن مقاصد الشَّريعه حـرم مـن مـنـافـع بـديـــعــه
فـصم وصن في صومك اللِّسانا وابذل لكـلِّ مـن ترى الإحسانا
واصـغ إلى خيـر الورى الأوَّاب فـيـمن يصوم الشَّهر باحتسـاب
من صــام لله بــه مـحـتـسـبًــا يـغفر لــه الإلــه مــا قـد أذنبـا
ومـثـلـه لـكـلِّ مــن قـد قــامَا فـي لـيلـه فلْتَـطْـلُـبِ الـمـقامَا
فـإنَّ أكـثـر الـورى قـد غـفــلا حـتَّـى إذا مـا رمضـــان أفـــلا
لـم يـغـنـمـوا مـا غـنـم السّباق مـن نـالـهـم مـن ربِّـنـا إعـتاق

قال الرَّاوي لهذا الخبر:
فرجعت أَجْتَلِي من ذلك العِبَر، وأجيلُ فيه الفِكَر، فجاءتني بفضائل الاستقامة، وقد أودعتها هذه المقامة.

* منقول من مجلة الإصلاح «العدد الرابع»

الجيريا

ماذا بعد رمضان؟

فمن نعم الله على العبد المؤمن أن يبلِّغه مواسم الطاعات، ويوفقه إلى القيام بالواجبات على أتم ما افترضه المولى عز وجل، وقد أكمل الصائمون صومهم، والقائمون قيام ليالي خير الشهور، وفاز القراء بختم كتاب ربهم وكلام مالكهم، وهذا كلُّه بمنِّ الله وكرمه، ولولاه ما وُفِّق أحد للخيرات.
فمن وفَّى ما عليه من الأعمال والطاعات كاملة، وُفِي له الأجر والجزاء كاملا، ومن نقص من عمله شيئا نقص له من الأجر بقدر ما نقص من العمل.
غدا توفى النــفوس ما كســبت ويحصد الزارعــون ما زرعــوا
إن أحسنوا أحــسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا
وقد علموا أنَّ الله تعالى قال في كتابه: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾. وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يجتهدون في إكمال الطاعات، والتقرب إلى الله تعالى بإحسان العمل ومداومته، مع خوفهم بعدم القبول، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله عن هذه الآية ﴿والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾، قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم».
فعن فضالة بن عبيد قال: لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾». رواه ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في الإخلاص.
فشهر رمضان وقت الزرع، ويوم القيامة وقت الحصاد، فمن لم يزرع لم يحصد إلا الندم والهم، ولقد أحسن القائل:
ترحل شهر الصبر والهفاه وانصرما واختص بالفوز بالجنات من خدما
أصبح الغافل المسـكين منكســرا مثلي فيا ويــحه! يا عظـم ما حرما
من فاتـه الزرع في وقـــت البـدار فما تراه يحصــد إلا الهمَّ والندمـا
بل من الناس من تراه يعبد الله تعالى في شهر الخيرات، يصوم نهاره ويقوم ليله، ويجتنب كلَّ ما يخدش صومه من الكلام البذيء والعمل الدنيء، فإذا انصرم رمضان رجع إلى ما كان عليه من الآثام، ومقال حاله: «لا يُعرف الله إلا في رمضان».فإذا كان عباد الله المتقون وجلون من عدم تقبل العمل، فكيف بمن ضيَّع وقته في السهر والكسل؟
كم يفرح المرء عندما يرى ألوان الطاعات تزداد في رمضان، فما أن يؤذن أذان الفجر إلا وتجد المساجد مكتضة بالمصلين، ولا تكاد تفرِّق بين الصلوات؛ إذ بيوت الله عامرة في كلِّ وقت من ليل ونهار، لكن سَلِ المساجد بعد صلاة العيد عن عُمَّارها، أين ذهبوا، فقد ترك الكثير صلاة الجماعة، ولم يستجب لنداء الله إلا القليل الموفقون.
ألا فليعلَم هؤلاء أنَّ من علامة قبول العمل عند الله أن يكون المرء على حال أفضل من الحال التي كان عليها، فالصيام يزيد المرء تقربا إلى الله في كلِّ الأوقات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾.
قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مخاطبًا للمؤمنين من هذه الأمة وآمرًا لهم بالصيام، وهو: الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة.
فمن لم تزكو نفسه وتمنعه من الشهوات بعد رمضان فلم يصم لله حق الصيام، ولم يستفد من شهره إلا الجوع والعطش.
لأنَّ ربَّ رمضان هو ربُّ الشهور كلها، وما أوجبه عليك في رمضان من فعل الواجبات كالصلوات في الجماعات وترك المحرمات، أوجبه أيضا في سائر الشهور.
سئل أحد السلف قيل له:«إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان؛ فقال: بئس القوم، لا يعرفون الله حقاً إلا في رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السَّنة كله».
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وسائر المسلمين للطاعات والقربات، في كل الشهور والأيام والزمان والأماكن، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت، وأتبِع السيئةَ الحسنة تمحها …».
فتقوى الله أجلُّ مطلوب يطلبه المسلم، في كلِّ أحيانه وأماكنه، يُتبع الحسنةَ بحسنات، والسيِّئةَ بقرُبات، عسى الله أن يعفو عنه ويجعله من عباده المتقين الموفقين، والحمد لله رب العالمين.

الجيريا

" وقفــــة اعتبــــــــــار "

رمضان يمضي والعمر ينقص ونحن ‏غافلون ،،،
وذالك ياعباد الله
أنا في العام الماضي استقبلنا شهر رمضان ، ثم ودعناه ،ثم انتظرنا شهر رمضان القادم ونحن نراه بعيدا ، وهاهو قد دخل علينا ،والواحد منا يقول لنفسه أو يقول لأخيه ،ما أسرع مامرت الأيام ،والله كأن بالأمس نودعوا رمضان الماضي
وها نحن اليوم
ندخل في رمضان الحاضر، وإنها والله لحقيقة الأيام ،تمضي بنا سريعة ،تنقص من آجالنا

يقول لواحد منا ياعباد الله
إذا مر عليه عام زاد عمري سنة
وحقيقة الأمر ، أن عمره قد نقص سنة
فالعمر معدود
والأجل محدود
وإن هي إلا خطوات الله أعلم متى تنتهي الخطوات
إنها أيام ياعباد الله نطويها وتطوينا، وتسير بنا سريعة إلى آجالنا

إن هذه الحقيقة ياعباد الله
تذكرنا بقول ربنا سبحانه وتعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا )

إن الحياة ياعباد الله
تمضي بنا سريعة، وما حالاتنا إلا ثلاثٌ :
شباب ثم شيب ثم موت
وآخر ما يسمى المرؤ شيخا
ويتلوه من الأسماء ميْتو

فهنيئا ياعباد الله
لمن اعتبر بما فات ،وأحيا الحاضر والقادم بالصالحات
فاعتبروا ياؤلي الأبصار .

……….

>>> كيك الشكولا الجاهز2024 == شرح بالصور == 2024.

السلام عليكم

.. كثير من الاحيان تتفاجئي بزوار من غير موعد او يكون نفسك بكيك مع الشاي ومالك خلق تقعدين ساعة بالمطبخ تسوينه .. اسهل شي في هذي الحالات الكيك الجاهز .. سريع وخفيف و99% بينجج معاكي .. فقط اللي بغير النتيجة هو التقديم والتزيين .. وهذي طريقة من الطرق السريعة وما تاخد وقت ..

إليكن هذه الوصفة الجميلة لكيك الشوكولا الجاهز

الجيريا

حملي المقادير وكيفية الوصفة من هنا :

https://www.filesin.com/3CC194833/download.html

والان أتركك مع الصور الجميلة لكيفية التحضير

الجيريا

الجيريا

الجيريا

الجيريا

الجيريا

الجيريا

الجيريا

ملاحظة: إن لم يتوفر لديك شوكولا وكريم خفق بامكانك عمل خليط من الحليب والكاكاو .. وهذي المقادير والطريقة:

½ حليب سائل او ¼ كوب ماء + ½1 م ط حليب بودر – 3 م ص كاكاو سادة

2 م ط سكر (او زيادة حسب الرغبة بالحلاوة) – 2 م ص نشا – 1 م ص فانيليا

2 م ص نسكويك (اختياري) – 1 م ط زبدة

ضعي المقادير كلها في جدر صغير وحركي على نار متوسطة باستمرار حتى تغلي ثم ارفعيها واتركيها حتى تبرد قليلا وتشتد واستخدميها .. اذا كانت جامدة اضيفي ملعقة او اثنتان من الحليب وإذا سائلة جدا ذوبي ملعقة صغيرة من النشا في قليل من الحليب واضيفيها حتى يصبح المزيج ثخين .

وهذي صورة للكيك بخليط الحليب والكاكاو

الجيريا

حملي المقادير وكيفية الوصفة من هنا :

https://www.filesin.com/3CC194833/download.html

للتحميل الصحيح :

-1
الجيريا

2
الجيريا

3

الجيريا

ولا تنسوا وضع رد أو دعوة خير منكم

لذيذة وشهي فالحين نروح نعملها شكرا

حفظك الله ورعاك وسدد خطاك وحقق بقدرته مناك

merciiiiiiiiiii bcp

شكرا جزيلا على هذه الوصفة ننتظر جديدك

العفو وان شاء الله بالجديد دائما

العفووبارك الله فيكم جميعا

يعطيك الصحة اومن بعيد باين بلي بنين ميام ميام

ممممششششكورين جميعا

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لولو1000 الجيريا
لذيذة وشهي فالحين نروح نعملها شكرا

العفو وبارك الله فيكم

بارك الله فيك اختي

شكرا اختي بارك الله فيك

بارك الله فيكم

<<< عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر >>> 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر
للشيخ عبد المحسن العباد

ملخص لمحاضرة بعنوان
«عقيدة أهل السنة والاثر في المهدي المنتظر»
للشيخ عبد المحسن العباد
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسئيات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله :

أما بعد .. أخبر الرسول(صلى الله عليه وآله) امته عن الامم الماضية بأخبار لابد من التصديق بها ، وأنها وقعت وفق خبره(صلى الله عليه وآله) ، كما أخبر عن أمور مستقبلة لابد من التصديق بها ، والاعتقاد أنها ستقع على وفق ما جاء عنه(صلى الله عليه وآله) وما من شيء يقرب إلى اللّه إلاّ وقد دلّ الامة عليه . ورغّبها فيه ، وما من شر إلاّ حذّرها منه .

إن من بين الامور المستقبلة التي تجري في آخر الزمان ، عند نزول عيسى بن مريم(عليه السلام) من السماء ، هو خروج رجل من أهل بيت النبوة من ولد علي بن أبي طالب ، يوافق اسمه اسم الرسول(صلى الله عليه وآله)ويقال له المهدي ، يتولى إمرة المسلمين ، ويصلي عيسى بن مريم(عليه السلام) خلفه ، وذلك لدلالة الاحاديث المستفيضة عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ، التي تلقتها الامة بالقبول ، واعتقدت موجبها إلاّ من شذ .
وسيكون الكلام حول هذا الموضوع لامرين :
الاول : أن الاحاديث الواردة في المهدي لم ترد في الصحيحين على وجه التفصيل ، بل جاءت مجملة ، وقد وردت في غيرهما مفسرة لما فيهما ، فقد يظن ظان أن ذلك يقلل من شأنهما ، وذلك خطا واضح ، فالصحيح بل الحسن في غير الصحيحين مقبول معتمد عند اهل الحديث .
الثاني : أن بعض الكتّاب في هذا العصر أقدم على الطعن في الاحاديث الواردة في المهدي بغير علم ، بل جهلاً أو تقليداً لاحد لم يكن من أهل العناية بالحديث .
لهذين الامرين ، ولكون الواجب على كل مسلم ناصح لنفسه ألاّ يتردد في تصديق الرسول(صلى الله عليه وآله) فيما يخبر به ، رأيت أن يكون الكلام حول هذا الامر كما قلت ، تحت عنوان عقيدة اهل السنة والاثر في المهدي المنتظر .

ولكي نكون على علم مقدماً بعناصر الموضوع ، أسوقها لكم فيما يلي :
الاول : ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) .
الثاني : ذكر أسماء الائمة الذين أخرجوا الاحاديث والاثار الواردة في المهدي في كتبهم .
الثالث : ذكر الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف من العلماء .
الرابع : ذكر الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ، وحكاية كلامهم في ذلك .
الخامس : ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الاحاديث التي لها تعلق بشأن المهدي .
السادس : ذكر بعض الاحاديث في شأن المهدي الواردة في غير الصحيحين ، مع الكلام عن أسانيد بعضها .
السابع : ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي ، واعتقدوا موجبها ، وحكاية كلامهم في ذلك .
الثامن : ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار أحاديث المهدي ، أو التردد فيها ، مع مناقشة كلامه باختصار .
التاسع : ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الاحاديث الواردة في المهدي ، والجواب عن ذلك .
العاشر : كلمة ختامي

الاول : أسماء الصحابة الذين رووا عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أحاديث المهدي :
جملة ما وقفت عليه من أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ستة وعشرون ، وهم :
1 ـ عثمان بن عفان .
2 ـ علي بن أبي طالب .
3 ـ طلحة بن عبيد اللّه .
4 ـ عبد الرحمان بن عوف .
5 ـ الحسين بن علي .
6 ـ أم سلمة .
7 ـ أم حبيبة .
8 ـ عبد اللّه بن عباس .
9 ـ عبد اللّه بن مسعود .
10 ـ عبد اللّه بن عمر .
11 ـ عبد اللّه بن عمرو .
12 ـ أبو سعيد الخدري .
13 ـ جابر بن عبد اللّه .
14 ـ أبو هريرة .
15 ـ أنس بن مالك .
16 ـ عمار بن ياسر .
17 ـ عوف بن مالك .
18 ـ ثوبان مولى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) .
19 ـ قرة بن إياس .
20 ـ علي الهلالي .
21 ـ حذيفة بن اليمان .
22 ـ عبد اللّه بن الحارث بن جزء .
23 ـ عوف بن مالك .
24 ـ عمران بن حصين .
25 ـ أبو الطفيل .
26 ـ جابر الصدفي .

الثاني : أسماء الائمة الذين خرّجوا الاحاديث والاثار الواردة في المهدي في كتبهم :
وأحاديث المهدي خرّجها جماعة كثيرون من الائمة في الصحاح والسنن والمعاجم والمسانيد وغيرها ، وقد بلغ عدد الذين وقفت على كتبهم ، واطلعت على ذكر تخريجهم لها ، ثمانية وثلاثين ، وهم :
1 ـ أبو داود في سننه .
2 ـ الترمذي في جامعه .
3 ـ ابن ماجة في سننه .
4 ـ النسائي ، ذكره السفاريني في لوامع الانوار البهية ، والمناوي في فيض القدير ، وما رأيته في الصغرى ، ولعله في الكبرى .
5 ـ احمد في مسنده .
6 ـ ابن حبان في صحيحه .
7 ـ الحاكم في المستدرك .
8 ـ أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف .
9 ـ نعيم بن حماد في كتاب الفتن .
ـ 1-الحافظ أبو نعيم في كتاب المهدي ، وفي الحلية .
11 ـ الطبراني في الكبير والاوسط والصغير .
12 ـ الدارقطني في الافراد .
13 ـ البارودي في معرفة الصحابة .
14 ـ أبو يعلى الموصلي في مسنده .
15 ـ البزار في مسنده .
16 ـ الحارث بن أبي أسامة في مسنده .
17 ـ الخطيب في تلخيص المتشابه ، وفي المتفق والمتفرق .
18 ـ ابن عساكر في تاريخه .
19 ـ ابن منده في تاريخ أصبهان .
20 ـ أبو الحسن الحربي في الاول من الحربيات .
21 ـ تمام الرازي في فوائده .
22 ـ ابن جرير في تهذيب الاثار .
23 ـ أبو بكر بن المقري في معجمه .
24 ـ أبو عمرو الداني في سننه .
25 ـ أبو غنم الكوفي في كتاب الفتن .
26 ـ الديلمي في مسند الفردوس .
27 ـ أبو بكر الاسكاف في فوائد الاخبار .
28 ـ أبو حسين بن المناوي في كتاب الملاحم .
29 ـ البيهقي في دلائل النبوة .
30 ـ أبو عمرو المقري في سننه .
31 ـ ابن الجوزي في تاريخه .
32 ـ يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده .
33 ـ الروياني في مسنده .
34 ـ ابن سعد في الطبقات .
35 ـ ابن خزيمة .
36 ـ عمرو بن شبر .
37 ـ الحسن بن سفيان .
38 ـ أبو عوانه .
وهؤلاء الاربعة ذكر السيوطي في العرف الوردي كونهم ممن خرج أحاديث المهدي ، دون عزو التخريج إلى كتاب معين .

الثالث : ذكر لبعض الذين ألفوا كتباً في شأن المهدي :
وكما اعتنى علماء هذه الامة بجمع الاحاديث الواردة عن نبيهم(صلى الله عليه وآله)تأليفاً وشرحاً ، كان للاحاديث المتعلقة بأمر المهدي قسطها الكبير من هذه العناية ، فمنهم من أدرجها ضمن المؤلفات العامة كما في السنن والمسانيد وغيرها ، ومنهم من أفردها بالتأليف ، وكل ذلك حصل منهم حماية لهذا الدين ، وقياماً بما يجب من النصح للمسلمين ، فمن الذين أفردوها بالتأليف :
1 ـ أبو بكر بن أبي خيثمة زهير بن حرب . قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه : «ولقد توغل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه في جمعه للاحاديث الواردة في المهدي» .
2 ـ الحافظ أبو نعيم ، ذكره السيوطي في الجامع الصغير ، وذكره في العرف الوردي ، بل قد لخص السيوطي الاحاديث التي جمعها أبو نعيم في المهدي ، وجعلها ضمن كتابه العرف الوردي ، وزاد عليها فيه أحاديث وآثاراً كثيرة جداً .
3 ـ السيوطي ، فقد جمع فيه جزءاً سماه العرف الوردي في أخبار المهدي ، وهو مطبوع ضمن كتابه الحاوي للفتاوي في الجزء الثاني منه . قال في أوله : «الحمد للّه وسلام على عباده الذين اصطفى ، هذا جزء جمعت فيه الاحاديث والاثار الواردة في المهدي ، لخصت فيه الاربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم ، وزدت عليه مافات ، ورمزت عليه صورة (ك)» .
والاحاديث والاثار التي أوردها السيوطي في شأن المهدي تزيد على المئتين ، وفيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع ، وإذا أورد الحديث الواحد أضافه إلى كل من الذين خرّجوه ، فيقول مثلاً في أحدها : «أخرج أبو داود وابن ماجة والطبراني والحاكم عن أم سلمة : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : المهدي من عترتي من ولد فاطمة» .
4 ـ الحافظ عماد الدين بن كثيرة قال في كتابه الفتن والملاحم : «وقد أفردت في ذكر المهدي جزءاً على حدة ، وللّه الحمد والمنة» .
5 ـ الفقيه ابن حجر المكي ، وقد سمى مؤلَّفه القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ، ذكر ذلك البرزنجي في الاشاعة ، ونقل منه ، وكذلك السفاريني في لوامع الانوار البهية ، وغيرهما .
6 ـ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال ، فقد ألف في شأن المهدي رسالة ذكرها البرزنجي في الاشاعة ، وذكر ذلك قبله أيضاً ملا علي القاري الحنفي ، في المرقاة شرح المشكاة .
7 ـ ملا علي القاري ، وسمى مؤلَّفه المشرب الوردي في مذهب المهدي ، ذكره في الاشاعة ، ونقل جملة كبيرة منه
8ـ مرعي بن يوسف الحنبلي المتوفى سنة ثلاث وثلاثين بعد الالف ، وسمى مؤلَّفه فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر ، ذكره السفاريني في لوامع الانوار البهية ، وذكره الشيخ صديق حسن القنوجي في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة ، وغيرها .
9 ـ ومن الذين ألفوا في شأن المهدي ، بالاضافة إلى مسألتي نزول عيسى(عليه السلام) وخروج المسيح والدجال ، القاضي محمد بن علي الشوكاني ، وسمى مؤلَّفه التوضيح في تواتر ماجاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح ، ذكر ذلك صديق حسن في الاذاعة ، ونقل جملة منه ، والشوكاني ممن ألف بشأنه ، وحكى تواتر الاحاديث الواردة فيه .
10 ـ الامير محمد بن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام ، المتوفى سنة 1182 هـ . قال صديق حسن في الاذاعة : «وقد جمع السيد العلامة بدر الملة المنير ، محمد بن إسماعيل الامير اليماني ، الاحاديث القاضية بخروج المهدي ، وأنه من آل محمد(صلى الله عليه وآله) ، وأنه يظهر في آخر الزمان» ، ثم قال : «ولم يأت تعيين زمنه إلاّ أنه يخرج قبل خروج الدجال» .

الرابع : ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي ونقل كلامهم في ذلك :
1ـ محمد البرزنجي المتوفى سنة ثلاث بعد المئة والالف في كتابه الاشاعة لاشراط الساعة . قال : «الباب الثالث في الاشراط العظام والامارات القريبة التي تعقبها الساعة ، وهي أيضاً كثيرة ، فمنها المهدي ، وهو أولها . واعلم أن الاحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر» إلى أن قال : «ثم الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة أنه من ولد فاطمة» إلى أن قال : «قد علمت أن أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزمان ، وأنه من عترة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) من ولد فاطمة ، بلغت حد التواتر المعنوي ، فلا معنى لانكارها».
وقال في ختام كتابه المذكور ، بعد الاشارة إلى بعض أمور تجري في آخر الزمان : «وغاية ما ثبت الاخبار الصحيحة الكثيرة الشهيرة ، التي بلغت التواتر المعنوي ، وجود الايات العظام التي فيها بل أولها خروج المهدي ، وأنه يأتي في آخر الزمان من ولد فاطمة يملا الارض عدلاً كما ملئت ظلماً» .
2- ـ الشيخ محمد السفاريني المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد المئة والالف ، في كتابه لوامع الانوار البهية . قال : «وقد كثرت بخروجه (يعني المهدي) الروايات ، حتى بلغت حد التواتر المعنوي» وأورد الاحاديث في خروج المهدي ، وأسماء بعض الصحابة الذين رووها ، ثم قال : «وقد روي عمن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم رضي اللّه عنهم بروايات متعددة ، وعن التابعين من بعدهم ، ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالايمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة» .
3 ـ القاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة خمسين بعد المئتين والالف ، وهو صاحب التفسير المشهور ، ومؤلف نيل الاوطار. قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجال والمسيح : «فالاحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة ، بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الاصول ، وأما الاثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي ، فهي كثيرة جداً ، لها حكم الرفع ; إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك» .
وقال في مسألة نزول المسيح(عليه السلام) : «فتقرر أن الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، والاحاديث الواردة في الدجال متواترة ، والاحاديث الواردة في نزول عيسى(عليه السلام) متواترة» .
4-الشيخ صديق حسن القنوجي المتوفى سنة سبع بعد الثلاثمئة والالف . قال في كتابه الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة : «والاحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً ، تبلغ حد التواتر المعنوي ، وهي في السنن وغيرها من دواوين الاسلام من المعاجم والمسانيد» إلى أن قال : «لاشك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين شهر ولا عام ، لما تواتر من الاخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف ، إلاّ من لا يعتد بخلافه» إلى أن قال : «فلا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر ، المدلول عليه بالادلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة الى حد التواتر» .
5 ـ الشيخ محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة خمس وأربعين بعد الثلاثمئة والالف . قال في كتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر : «وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى(عليه السلام) ثابت بالكتاب والسنة والاجماع» ثم قال : «والحاصل أن الاحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة ، وكذا الواردة في الدجال ، وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم(عليه السلام)».

الخامس : ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الاحاديث مما له تعلق بشأن المهدي :
1 ـ روي البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عن أبي هريرة قال : «قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم ، وإمامكم منكم؟ » .
2 ـ وروى مسلم في كتاب الايمان من صحيحه عن أبي هريرة مثل حديثه عن البخاري ; ورواه أيضاً عن أبي هريرة بلفظ : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم فأمكم منكم ؟» ، وفيه تفسير ابن أبي ذئب راوي الحديث لقوله : «وامكم منكم» ، بقوله : «فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم(صلى الله عليه وآله)» .
3 ـ وروى مسلم في صحيحه عن جابر أنه سمع النبي(صلى الله عليه وآله) يقول : «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة .
قال : فينزل عيسى ابن مريم(عليه السلام) فيقول أميرهم : تعال صل لنا ، فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة» .
فهذه الاحاديث التي وردت في الصحيحين ، وإن لم يكن فيها التصريح بلفظ المهدي ، تدل على صفات رجل صالح يؤم المسلمين في ذلك الوقت . وقد جاءت الاحاديث في السنن والمسانيد وغيرها مفسرة لهذه الاحاديث التي في الصحيحين ، ودالة على أن ذلك الرجل الصالح اسمه محمد ، ويقال له المهدي . والسنة يفسر بعضها بعضاً .
ولما كان المقام لا يتسع لايراد الكثير من الاحاديث الواردة في غير الصحيحين ، في شأن المهدي ، والكلام عليها ، رأيت الاقتصار هنا على إيراد بعضها ، مع الكلام على بعض أسانيدها .

السادس : ذكر بعض الاحاديث في المهدي الواردة في غير الصحيحين :
1- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الرَّقِّيُّ عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ فَتَذَاكَرْنَا الْمَهْدِيَّ فَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ) رواه ابن ماجه , قال الألباني ( صحيح ) انظر صحيح ابن ماجه لالباني
2- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ عَنْ زِيَادِ بْنِ بَيَانٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ) رواه أبوداود قال الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6734 في صحيح الجامع
3- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ حَدَّثَنَا يَاسِينُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ يُصْلِحُهُ اللَّهُ فِي لَيْلَةٍ)رواه ابن ماجه , قال الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 6735 في صحيح الجامع
4- حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ تَمَّامِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الْجَبْهَةِ أَقْنَى الْأَنْفِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ) رواه أبوداود قال الألباني (: ( حسن ) انظر حديث رقم : 6736 في صحيح الجامع )
5- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ الْعُقَيْلِيُّ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِي صِدِّيقٍ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَكُونُ فِي أُمَّتِي الْمَهْدِيُّ إِنْ قُصِرَ فَسَبْعٌ وَإِلَّا فَتِسْعٌ فَتَنْعَمُ فِيهِ أُمَّتِي نِعْمَةً لَمْ يَنْعَمُوا مِثْلَهَا قَطُّ تُؤْتَى أُكُلَهَا وَلَا تَدَّخِرُ مِنْهُمْ شَيْئًا وَالْمَالُ يَوْمَئِذٍ كُدُوسٌ فَيَقُومُ الرَّجُلُ فَيَقُولُ يَا مَهْدِيُّ أَعْطِنِي فَيَقُولُ خُذْ) رواه ابن ماجه , قال الألباني ( حسن ) انظر صحيح ابن ماجه لالباني
6- حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعَطَّارُ حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَلِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي قَالَ عَاصِمٌ وَ حدثنا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَلِيَ )قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 5304 في صحيح الجامع

السابع : ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها ، وحكاية كلامهم في ذلك :
1-قال الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمئة : «إن في المهدي أحاديث جياداً» . قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ، في ترجمة علي بن نفيل بن زارع النهدي : «قلت : ذكره العقيلي في كتابه ، وقال : لا يتابع على حديثه في المهدي ، ولا يعرف إلاّ به» . قال : «وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه» .
ويرى الامام ابن حبان البستي المتوفى سنة 354 أن الاحاديث الواردة في المهدي مخصصة لحديث : «لا يأتي عليكم زمان إلاّ والذي بعده شر منه» .
2-قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، في الكلام على الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب الفتن : «إن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)قال : لا يأتي عليكم زمان إلاّ والذي بعده شر منه ، حتى تلقوا ربكم» . قال : «واستدل ابن حبان في صحيحه بأن الحديث ليس على عمومه بالاحاديث الواردة في المهدي ، وأنه يملا الارض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً» .
وقال الامام البيهقي المتوفى سنة 458 هـ ، بعد كلامه على تضعيف «لامهدي إلاّ عيسى ابن مريم» قال : «والاحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسناداً» .
3-وقال الامام محمد بن احمد بن أبي بكر القرطبي ، صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة 671 هـ ، في كتابه التذكرة في أمور الاخرة ، بعد ذكر حديث «ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم» قال : «إسناده ضعيف، والاحاديث عن النبي(صلى الله عليه وآله) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث ، فالحكم بها دونه» ، وقال : «يحتمل أن يكون قوله(صلى الله عليه وآله) : ولا مهدي إلاّ عيسى ابن مريم ، أي لا مهدي كاملاً إلاّ عيسى» . قال : «وعلى هذا تجتمع الاحاديث ويرتفع التعارض» .
نقل ذلك عنه السيوطي في آخر جزء من العرف الوردي في أخبار المهدي
4-وقال الشيخ شمس الحق العظيم آبادي المتوفى سنة 1329 هـ في حاشيته المسماة عون المعبود على سنن أبي داود : «وخرّج أحاديث المهدي جماعة من الائمة ، منهم أبو داود والترمذي وابن ماجة والبزاز والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من الصحابة ، مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد اللّه بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد اللّه بن الحارث ابن جزء ، وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف» .
5-وقال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري المتوفى سنة 1352 هـ في كتابه عقيدة الاسلام : «أخرج مسلم في نزول عيسى(عليه السلام) عن جابر يقول : سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يقول : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال : فينزل عيسى ابن مريم(صلى الله عليه وآله)فيقول أميرهم : تعال صلّ لنا ، فيقول لا ، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة اللّه هذه الامة» . قال الكشميري : «المراد به أنه لا يؤم في تلك الصلاة ، حتى لا يتوهم أن الامة المحمدية سلبت الولاية» .
هذه بعض الكلمات التي وقفت عليها لبعض أهل السنة والاثر في شأن المهدي ، والاحتجاج بالاحاديث الواردة فيه ، وأعني بأهل السنة والاثر أهل الحديث ومن سار على منوالهم ، ممن جعل مستنده في الاعتقاد كتاب اللّه وما ثبت عن رسوله(صلى الله عليه وآله) ، دون الاعتراض على ذلك بخيال يسميه صاحبه معقولاً .

الثامن : ذكر من وقفت عليه ممن حكي عنه إنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه ، مع مناقشة كلامه باختصار:
فإن قال قائل : قد أكثرت من النقل عن أهل العلم في إثبات خروج المهدي في آخر الزمان ، فلماذا ؟ وهل وقفت على ذكر إنكار أحد لخروج المهدي ، أو التردد في شأنه على الاقل ؟
والجواب عن السؤال الاول هو أنني أوردت بعض ما وقفت عليه من كلام أهل العلم ، بشأن خروج المهدي في آخر الزمان ، لتزداد ثباتاً ويقيناً بأن اعتقاد خروجه آخر الزمان هو الجادة المسلوكة ، ولتعلم أنه الحق الذي لا يسوغ العدول عنه والالتفات إلى غيره ، وعمدة اهل العلم في ذلك الاحاديث الواردة عن الرسول(صلى الله عليه وآله) فيه ، إذ لا مجال للرأي في مثل هذا الامر ، بل سبيله الوحيد هو الوحي ; لانه من الامور الغيبية .
أما الجواب عن السؤال الثاني ، فهو أني لم أقف على تسمية أحد في الماضين أنكر أحاديث المهدي ، أو تردد فيها ، سوى رجلين اثنين . أما أحدهما فهو أبو محمد بن الوليد البغدادي ، الذي ذكره ابن تيمية في منهاج السنة ، وقد مضى حكاية كلام ابن تيمية عنه ، وأنه قد اعتمد على حديث « " لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدنيا إلا إدبارا ، ولا الناس إلا شحا ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم " .)قال الألباني : أخرجه ابن ماجه ( 2 / 495 ) والحاكم ( 4 / 441 ) وابن الجوزي في " الواهيات " ( 1447 ) وابن عبد البر في " جامع العلم " ( 1 / 155 ) وأبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " ( 3 / 3 / 2 ، 4 / 9 / 1 ، 5 / 22 / 2 ) والسلفي في " الطيوريات " ( 62 / 1 ) والخطيب ( 4 / 221 ) من طريق محمد بن خالد الجندي
عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس
قلت : وهذا إسناد ضعيف فيه علل ثلاث :
الأولى : عنعنة الحسن البصري ، فإنه قد كان يدلس .
الثانية : جهالة محمد بن خالد الجندي ، فإنه مجهول كما قال الحافظ في " التقريب " تبعا لغيره كما يأتي .
الثالثة : الاختلاف في سنده .
قال البيهقي : قال أبو عبد الله الحافظ : محمد بن خالد مجهول واختلفوا عليه في إسناده ، فرواه صامت بن معاذ قال : حدثنا يحيى بن السكن ، حدثنا محمد بن خالد … فذكره ، قال صامت : عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء ، فدخلت على محدث لهم ، فوجدت هذا الحديث عنده عن محمد بن خالد عن أبان بن أبي عياش عن الحسن مرسلا ، قال البيهقي : فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد الجندي وهو مجهول عن أبان أبي عياش ، وهو متروك عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو منقطع ، والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسنادا ، نقله في " التهذيب " وقال الذهبي في " الميزان " : إنه خبر منكر ، ثم ساق الرواية الأخيرة عن ابن أبي عياش عن الحسن مرسلا ثم قال : فانكشف ووهى .
وقال الصغاني : موضوع كما في " الأحاديث الموضوعة " للشوكاني ( ص 195 ) ونقل السيوطي في " العرف الوردي في أخبار المهدي " ( 2 / 274 من الحاوي ) عن القرطبي أنه قال في " التذكرة " : إسناد ضعيف ، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه .
وقد أشار الحافظ في " الفتح " ( 6 / 385 ) إلى رد هذا الحديث لمخالفته لأحاديث المهدي .) وقال ابن تيمية : «وليس مما يعتمد عليه لضعفه» . وسبق في أثناء الكلام الذين نقلت عنهم أنه لو صح هذا الحديث لكان الجمع بينه وبين أحاديث المهدي ممكناً . ولم أقف على ترجمة لابي محمد المذكور .
وأما الثاني فهو عبد الرحمان بن خلدون المغربي المؤرخ المشهور، وهو الذي اشتهر بين الناس عنه تضعيفه لاحاديث المهدي . وقد رجعت إلى كلامه في مقدمة تأريخه ، فظهر لي منه التردد لا الجزم بالانكار . وعلى كل حال فإنكارها أو التردد في التصديق بما دلت عليه شذوذ عن الحق ، ونكوب عن الجادة المطروقة . وقد تعقبه الشيخ صديق حسن في كتابه إلاذاعة حيث قال : «لا شك أن المهدي يخرج في آخر الزمان من غير تعيين لشهر ولا عام ، لما تواتر من الاخبار في الباب ، واتفق عليه جمهور الامة خلفاً عن سلف ، إلاّ من لا يعتد بخلافه» وقال : «لا معنى للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود ، والمنتظر المدلول عليه بالادلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابلة النصوص المستفيضة المشهورة ، البالغة إلى حد التواتر» . ولي ملاحظات على كلام ابن خلدون أرى أن أشير إليها هنا :
الاولى : أنه لو حصل التردد في أمر المهدي من رجل له خبرة بالحديث ، لاعتبر ذلك زللاً منه ، فكيف إذا كان من الاخباريين الذين هم ليسوا من أهل الاختصاص ؟ وقد احسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه لاحاديث المسند حيث قال : «أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم ، واقتحم قحماً لم يكن من رجالها» وقال : «إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتاً عجيباً ، وغلط أغلاطاً واضحة» وقال : «إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين : الجرح مقدم على التعديل ، ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئاً مما قال» .
الثانية : صدَّر ابن خلدون الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي بقوله : «اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ، ويظهر العدل ، ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الاسلامية ، ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره ، وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال ، أو ينزل معه فيساعده على قتله ، ويأتم بالمهدي في صلاته ، ويحتجون في هذا الشأن بأحاديث خرّجها الائمة ، وتكلم فيها المنكرون لذلك ، وربما عارضوها ببعض الاخبار» .
أقول : هذه الشهادة التي شهدها ابن خلدون ، وهي أن اعتقاد خروج المهدي هو المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الاعصار ، ألا يسعه في ذلك ما وسع الناس على ممر الاعصار ؟ كما ذكر ابن خلدون نفسه ، وهل ذلك إلاّ شذوذ بعد معرفة أن الكافة على خلافه ؟ وهل هؤلاء الكافة اتفقوا على الخطأ ؟ والامر ليس اجتهادياً ، وإنما هو غيبي لا يسوغ لاحد إثباته إلاّ بدليل من كتاب اللّه أو سنة نبيه(صلى الله عليه وآله) ، والدليل معهم وهم أهل الاختصاص . الثالثة : أنه قال قبل إيراد الاحاديث : «ونحن الان نذكر هنا الاحاديث الواردة في هذا الشأن» وقال في نهايتها : «فهذه جملة الاحاديث التي خرّجها الائمة في شأن المهدي وخروجه في آخر الزمان» وقال في موضع آخر بعد ذلك : «وما أورده أهل الحديث من أخبار المهدي قد استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا» .
وأقول : إنه قد فاته الشيء الكثير ، يتضح ذلك بالرجوع إلى ما أثبته السيوطي في العرف الوردي في أخبار المهدي عن الائمة ، بل إن مما فاته الحديث الذي ذكره ابن القيم في المنار المنيف عن الحارث بن أبي أسامة ، وقال : «إسناده جيد» ، وتقدم ذكره بسنده وحاصل ما قيل في رجاله .
الرابعة : أن ابن خلدون نفسه قد اعترف بسلامة بعض أحاديث المهدي من النقد ، حيث قال بعد إيراد الاحاديث التي خرّجها الائمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان : «وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلاّ القليل» .
وأقول : إن القليل الذي يسلم من النقد يكفي للاحتجاج به ، ويكون الكثير الذي لم يسلم عاضداً له ومقوياً ، على أنه قد سلم الشيء الكثير كما تقدم ذلك في حكاية كلام القاضي محمد بن علي الشوكاني ، الذي حكى تواترها وقال : «إن فيها خمسين حديثاً فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر» ثم إنه في آخر البحث ذكر ما يفيد تردده في أمر المهدي ، وذلك يفيد عدم ثبات رأيه ، لكونه تكلم فيه بما ليس باختصاصه .
هذه بعض الملاحظات على كلام ابن خلدون في شأن المهدي.

التاسع: كلمة ختامية :
إن أحاديث المهدي الكثيرة ، التي ألّف فيها مؤلفون ، وحكى تواترها جماعة ، واعتقد موجبها أهل السنة والجماعة وغيرهم ، تدل على حقيقة ثابتة بلا شك ، وأن أحاديث المهدي على كثرتها وتعدد طرقها ، وإثباتها في دواوين أهل السنة ، يصعب كثيراً القول بأنه لا حقيقة لمقتضاها ، إلاّ على جاهل أو مكابر ، أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها ، ولم يقف على كلام أهل العلم المعتد بهم فيها . والتصديق بها داخل في الايمان بأن محمداً هو رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ; لان من الايمان به(صلى الله عليه وآله) تصديقه فيما أخبر به ، وداخل في الايمان بالغيب الذي امتدح اللّه المؤمنين به بقوله :(ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب) وداخل في الايمان بالقدر ; فإن سبيل علم الخلق بما قدره اللّه أمران :
أحدهما : وقوع الشيء ، فكل ما كان ووقع علمنا أن اللّه قد شاءه ، لانه لا يكون ولا يقع إلاّ ما شاءه اللّه ، وما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لم يكن .
الثاني : الاخبار بالشيء الماضي الذي وقع ، وبالشيء المستقبل قبل وقوعه من الذي لا ينطق عن الهوى(صلى الله عليه وآله) ، فكل ما ثبت إخباره به من الاخبار في الماضي ، علمنا بأنه كان على وفق خبره(صلى الله عليه وآله) ، وكل ما ثبت إخباره عنه مما يقع في المستقبل ، نعلم بأن اللّه قد شاءه ، وأنه لابد أن يقع على وفق خبره(صلى الله عليه وآله) كإخباره(صلى الله عليه وآله) بنزول عيسى(عليه السلام)في آخر الزمان ، وإخباره بخروج المهدي ، وبخروج الدجال، وغير ذلك من الاخبار ، فإنكار أحاديث المهدي أو التردد في شأنه أمر خطير . نسأل اللّه السلامة والعافية والثبات على الحق حتى الممات .

*- البيضاء العلمية -*