منقول للافادة مفهوم الستر من حجاب المراة المسلمة 2024.

مفهوم الستر من حجاب المرأة المسلمة
السـؤال:
يقول بعضُ من تصدَّر لإرشادِ النّاسِ في هذه الأيّامِ: إنَّ مفهومَ الحجابِ راجعٌ إلى العُرفِ، والمقصودُ منه تحقيقُ السِّترِ، وعلى هذا، فإنَّ الجلبابَ أوِ الثّوبَ الذي يستوعب جميعَ البدنِ ليس نموذجَ الحجابِ الواجبِ في هذا الزّمانِ، وإنّما فَرَضه عُرْفُ الصّحابةِ، ولسنا مُلْزَمين باتّباعِ أعرافِهم، فلو لَبِسَتِ المرأةُ تَنُّورَةً وقميصًا أو فستانًا أو غيرَ ذلك ممَّا يُعَدُّ ساترًا فإنّها تكون مرتديةً للحجابِ الذي أوجبه اللهُ فما مدى صِحَّةِ هذا الكلامِ؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فقد اعتمد صاحبُ المقالةِ في تأسيسِ مفهومِ الحجابِ على السِّترِ المطلقِ وربَطه بعُرْفِ الصّحابةِ رضي الله عنهم، وهذه النّظرةُ التّأسيسيّةُ لا تنتهض للاستدلالِ من جهتين:
الأولى: أنَّ المفهومَ الشّرعيَّ للسّترِ المتوخَّى من وراءِ فرضِ الحجابِ إنّما هو السِّترُ المقيَّدُ بجملةٍ منَ الشّروطِ اللاّزمةِ له، مستوحاةً من نصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ حتّى تُضْفِيَ على لباسِ المرأةِ المسلمةِ الصّفةَ الشّرعيّةَ المطلوبةَ، فمِنَ الشّروطِ الشّرعيّةِ التي ينبغي مراعاتُها في لباسِ المرأةِ ما يأتي:
– أن يستوعبَ اللّباسُ جميعَ ما هو عورةٌ من بدنِها فتسترُه عنِ الأجانبِ، ولذلك سُمِّيَ حجابًا لأنّه يحجب شخْصَه أو عيْنَه عنِ الأجانبِ(1)، وأمَّا محارمُها فلا تكشف المرأةُ لهم سوى مواضعِ الزّينةِ. والاستيعابُ يشمَل:
* الخمارَ الذي تُغَطّي به رأسَها وعُنُقَهَا وأُذُنيها وصدْرَها سَدْلاً وإرخاءً وَلَيًّا لقولِه تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31].
* الجلبابَ أوِ الرّداءَ أوِ المِلْحفةَ وهو المُلاءة التي تشتمل بها المرأةُ فتلبَسُها فوقَ خِمارِها ودِرعِها أو قميصِها لتغطِّيَ بها جميعَ ما هو عورةٌ من بدنِها من رأسِها إلى قدميها، ويدلُّ عليه قولُه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأََزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].
وتفريعًا عليه، فإنَّ المقدارَ الشّرعيَّ لطولِ ثوبِ المرأةِ يُرَاعى فيه حالان: حالُ استحبابٍ وهو يزيد على الكعبين بقدرِ شِبْرٍ، وحالُ جوازٍ بقدرِ ذراعٍ(2)، ويدلُّ عليه حديثُ أمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنّها قالت لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم حين ذكر الإزارَ: «فَالْمَرْأَةُ يَا رَسُولَ اللهِ؟»، قال: «تُرْخِي شِبْرًا»، فقالت أمُّ سلمةَ: «إِذَنْ يَنْكَشِفُ عَنْهَا»، قال: «فَذِرَاعًا لاَ تزِيدُ عَلَيْهِ»(3).
– أن يكونَ اللّباسُ واسعًا فضفاضًا لئلاًّ يَصِفَ شيئًا من بدنِها، ذلك لأنَّ اللّباسَ الضَّيِّقَ المحجِّمَ لا يحقِّق السَّترَ المطلوبَ شرعًا، فهو يُحدِّد تفاصيلَ الجسمِ ويُبرزه للنّاظرين، وقد ورد النّهيُ الشّرعيُّ عنِ اللّباسِ الضّيِّقِ في حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنه، قال: «كَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَى لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ لاَ تَلْبَسُ القُبْطِيَّةَ؟» فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ! كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي»، فَقَالَ:«مُرْهَا أَنْ تَجْعَلَ تَحْتَهَا غِلاَلَةً(4)، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا»(5)، والمعلومُ أنَّ الثّوبَ ولو كان كثيفًا فلا تمنع كثافتُه من وصفِ حجمِ الجسدِ أو أعضائِه ما دام ضَيِّقًا.
– أن يكونَ اللّباسُ كثيفًا غيرَ شفَّافٍ لئلاَّ يصِفَ لونَ بَشَرةِ المرأةِ، فقَدْ ورد النّهيُ عنه في حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه مرفوعًا: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا»(6).
ففي الحديثِ دلالةٌ ظاهرةٌ على تحريمِ لُبْسِ الثّوبِ الرّقيقِ الذي يَشِفُّ ويَصِفُ لونَ بدنِ المرأةِ، قال ابنُ عبدِ البرِّ -رحمه الله-: «أراد (النّساءَ) اللّواتي يَلْبَسْنَ مِنَ الثّيابِ الشّيءَ الخفيفَ الذي يصِفُ ولا يستر، فهنَّ كاسياتٌ بالاسمِ عارياتٌ في الحقيقةِ»(7). وقال ابنُ تيميّةَ -رحمه الله-: «وقد فُسِّرَ قوله: «كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ» بأنْ تكتسِيَ ما لا يسترها، فهي كاسيةٌ وهي في الحقيقةِ عاريةٌ، مثلَ مَنْ تكتسي الثّوبَ الرّقيقَ الذي يصِفُ بَشَرَتَها، أو الثّوبَ الضّيِّقَ الذي يُبْدي تقاطيعَ خَلْقِها مثلَ عَجِيزَتِها وساعدِها ونحوِ ذلك، وإنّما كسوةُ المرأةِ ما يسترها فلا يُبْدي جسمَها ولا حجمَ أعضائِها لكونِه كثيفًا واسعًا»(8).
– وأن لا يكونَ لباسُ المرأةِ لباسَ شهرةٍ سواء بالنّفيسِ أو الخسيسِ لقولِه صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَوْبًا مِثْلَهُ، ثُمَّ تُلْهَبُ فِيهِ النَّارُ»(9). قال ابن تيميّةَ -رحمه الله-: «وتُكْرَهُ الشُّهرةُ من الثّيابِ، وهو المترفِّعُ الخارجُ عن العادةِ والمنخفِضُ الخارجُ عن العادةِ، فإنَّ السّلفَ كانوا يكرهون الشّهرتين: المترفِّعَ والمنخفِضَ، وفي الحديث: «مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ»(10)، وخيارُ الأمورِ أوساطُها»(11).
– ومن هذا القبيلِ -أيضًا- ألاَّ يكونَ لباسُ المرأةِ زينةً تَلْفِتُ الأنظارَ وتَجْلِبُ الانتباهَ سواء في هيئةِ لباسِها أوِ الألوانِ الفاتحةِ أو البرَّاقةِ اللاّمعةِ، أو المادّةِ المصنوعِ منها، أو النّقوشِ والوشيِ التي عليه، تفاديًا أن تكونَ من المتبرِّجاتِ بزينةٍ. قال الألوسيُّ -رحمه الله- : «ثمَّ اعلمْ أنَّ عندي ممَّا يُلْحَقُ بالزّينةِ المنهيِّ عن إبدائِها ما يلبَسه أكثرُ مُتْرَفَاتِ النّساءِ في زمانِنا فوق ثيابِهنَّ ويتستَّرْنَ به إذا خرجْنَ من بيوتِهنَّ، وهو غطاءٌ منسوجٌ من حريرٍ ذي عدّةِ ألوانٍ، وفيه من النّقوشِ الذّهبيّةِ أو الفضيّةِ ما يَبْهَرُ العيونَ، وأرى أنّ تمكينَ أزواجِهنَّ ونحوِهم لهنَّ من الخروجِ بذلك ومَشْيِهنّ به بين الأجانبِ من قِلَّةِ الغَيْرَةِ، وقد عمَّتْ البلوى بذلك»(12).
– أن لا يكونَ اللّباسُ شبيهًا بلباسِ الرّجلِ فقَدْ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»(13)، كما «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المَرْأَةِ وَالمَرْأَةَ تَلْبَسَ لِبْسَةَ الرَّجُلِ»(14)، و«لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنَ النِّسَاءِ»(15). والمقصودُ بالتّشبُّهِ المنهيِّ عنه بين الرّجالِ والنّساءِ التّشبُّهُ في اللّباسِ والزّينةِ والكلامِ والمشيِ، وهو حرامٌ للقاصدِ المختارِ قولاً واحدًا. قال ابنُ حجرٍ -رحمه الله-: «وتَشَبُّهُ النّساءِ بالرّجالِ والرّجالِ بالنّساءِ مِنْ قاصدٍ مختارٍ حرامٌ اتّفاقًا»(16).
– أن لا يكونَ اللّباسُ شبيهًا بلباسِ أهلِ الكفرِ وأزيائِهم وعاداتِهم لقولِه صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(17).
ولا يخفى أنَّ جملةَ شروطِ لباسِ المرأةِ وضوابطِه أُخِذَ من نصوصٍ شرعيّةٍ صحيحةٍ تُفْصِحُ عن حقيقةِ السّترِ المطلوبِ شرعًا، وإطلاقُ مفهومِ السّترِ من غيرِ ملاحظةٍ لهذه الشّروطِ خطأٌ بَيِّنٌ ظاهرُ الفسادِ.
الثانية: أنّ ربْطَ صاحبِ المقالةِ مفهومَ الحجابِ بعُرْفِ الصّحابةِ رضي الله عنهم يحتاج إلى تفصيلٍ: فإنْ كان مقصودُه أنَّ هذا اللّباسَ -ممَّا اعتاده الصّحابةُ رضي الله عنهم في ألبستِهم وأزيائِهم وعادتِهم- لا يُوجَدُ في نفيِه ولا في إثباتِه دليلٌ شرعيٌّ كما هو شأنُ العرفِ في الاصطلاحِ فلا شكَّ في بطلانِ هذا القولِ، يردُّه ما تقدَّم بيانُه مِنَ النّصوصِ الشّرعيّةِ والإجماعِ وعملِ الصّحابةِ رضي الله عنهم، فقَدْ ذكرتْ أمُّ سلمةَ رضي الله عنها أنّه: «لَمَّا نَزَلَتْ ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: 59]، خَرَجَتْ نِسَاءُ الأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأَكْسِيَةِ»(18)، وقالتْ عائشةُ رضي الله عنها: «يَرْحَمُ اللهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ، لَمَّا أنزل اللهُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31]، شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بها»(19)، وهذا وغيرُه يدلُّ على أنّهم كانوا في عوائدَ جاريةٍ فانقلبوا -استجابةً لنداءِ الشّرعِ- إلى عوائدَ شرعيّةٍ.
أمَّا إنْ كان مقصودُه أنَّ مفهومَ الحجابِ فَرَضَه عُرْفُ الصّحابةِ رضي الله عنهم مِنْ مُنْطَلَقِ عوائدَ شرعيّةٍ أقرَّها الدّليلُ الشّرعيُّ الصّحيحُ فهذا حقٌّ، لكنْ يجب اتّباعُه في وصْفِه وشرْطِه.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 12 ربيع الثاني 1445ه
الموافق ل: 28 مارس 2024م منقول من موقع الشيخ فركوس ارجو الدعاء له

بارك الله فيك وفي الشيخ

شكرا جزيلا لك ، و تقبل منك و من شيخنا أبي عبد المعزِّ محمد علي فركوس .

الجيريا

الجيريا

بارك الله فيكي اختي وجعله في ميزان حسانتك……………………

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة fort1fort الجيريا
بارك الله فيك وفي الشيخ

.و فيكم بركة متشكرة ردكم جعله الله في ميزان حسناتكم

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواثق الجيريا
بارك الله فيكي اختي وجعله في ميزان حسانتك……………………

و فيكم بركة متشكرة ردكم جعله الله في ميزان حسناتكم

بارك الله فيكم

بارك الله فيك
جزا الله كل جير

السلام عليكم
جزاك الله خيرا يا أختاه

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة khaoula23 الجيريا
بارك الله فيكم

و فيكم بركة جعلنا الله و اياكم في الجنة الفردوس الاعلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.