في السياسة و التسييس 2024.

جاءت السياسة فى لسان العرب بمعنى الرياسة، وقيل: ساس المرء سياسة أي قام به، وسوَّسه القومُ جعلوه يسوسهم. والسياسة هى القيام على الشيء بما يصلحه. والسياسة من فعل السائس أي تولي أمورهم، ويقال: هو يسوس الدواب إذا قام عليها وراضها. والوالي يسوس رعيته، وبهذا المعنى العام ارتبطت السياسة بأصول ثلاثة: معالجة الرعية وشؤونها بالقدرة عليها وإصلاح الأمور وإغراء الناس بما يراد منهم بتزيينه إليهم. وهكذا تبدو السياسة غالباً مقترنة بإستعلاء السائس وتفوقه. وتشمل السياسة على مجالات الدنيا والعاجل والآخرة والآجل والظاهر والأبدان والباطن والنفوس وعلى الخاصة والعامة. أما أوصافها فإنها مدنية ومطلقة وبدنية ونفسية، ويقوم عليها الأنبياء والملوك والعلماء. والسياسة المثلى عند الفقهاء هى سياسة الأنبياء أى أنها تحقق المدينة الفضلى بين الناس
وكما يقول أرسطو فالإنسان حيوان سياسي بالفطرة، وهو ما يعنى فى لغة العصر أن الإنسان هو محور كل التفاعلات والأحداث التى يشهدها المجتمع، ولا يمكن تصور السياسة إلا في ضوء العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفي كلا الحالتين هو الإنسان الذى يتبادل هذه الأدوار فى النظم الديموقراطية، والسلطة فى معناها العام هى علاقة تفاعلية تبادلية، فكيف يمكن لنا تصور أو تخيل أن الحاكم يعيش بمفرده على هذا الكوكب، هل سيشعر أنه حاكم يمارس الحكم والسلطة. الحاكم لا يشعر بالحكم والسلطان إلا إذا توفر له الأفراد أو الرعية. هي هكذا السياسة
ومعضلة السياسة عندنا أن كل شيء مسيس إلا السياسة، ولو أخذنا المعنى بالمقلوب، فهى تعنى أمراً واحداً غريباً، فالحاكم يتقبل من رعيته أن يقوموا بكل شيء ويطلبوا أي شيء إلا أن يمسوا الحكم أو السلطة التى يمتلكها، على الفرد المحكوم أن يمارس الحدود الدنيا من حاجاته المادية الغريزية، لكن عندما يذهب الأمر الى حد مطالبة الحاكم بالسلطة أو انتقاده أو مس هيبتها وبرجها العالي، فهنا الرفض وعدم القبول، وهنا تصبح السياسة غير مسيسةهذه المقدمة لا بد منها ونحن بصدد تقييم ما يحدث هنا في الجزائر من بعض الاضرابات و الاضطربات التي نسمعها من هنا و هناك على عدم قدرة الحكومة من توفير الأمن الاجتماعي وتوفير العمل والخدمات الخرى، والتي على أساسها يقاس أداء الحكومة وإنجازها
والحكومة بالمعنى الإنساني هي مجموعة من البشر، والبشر يجتهدون يصيبون ويخطئون، ينجحون ويفشلون، يتقدمون ويتراجعون، فهم ليسوا أنبياء معصومون من الخطأ، ومن هنل تأتي أهمية المشاركة في الرأي والمحاسبة والمساءلة حتى لا تنحرف السفينة عن مسارها وإلا غرقت بالجميع، ولنا في سيرة الرسول الكريم والصحابة منهاج في فن الحكم. وأذكر هنا بقول الفاروق عمر: إذا زاغ الوالي أو الأمير زاغت رعيته، وإن أشقى الولاة من شقيت به رعيته
لقد قوبلت الاضرابات والمسيرات الاحتجاجية بالنقد واتهمت بالتسييس وفي هذا الكلام غرابة، فهي مسيسة لا جدال بل وينبغي أن تكون مسيسة وإلا لا معنى لها، فالحياة الديموقراطية التي أوصلت الحكومة إلى الحكم، تفرز لنا مشهدين: سلطة حاكمة ومعارضة فى الجانب الآخر تتصيد أخطاء الحكومة سواء داخل البرلمان أو خارجه وتنظر دورها في الحكم ولكن بطريقة ديموقراطية، والمهم فى هذه العلاقة أن تتم فى إطار من الشرعية السياسية الواحدة التي يلتزم بها الجميع وأن تتم بطريقة مؤسساتية سلمية غير عنيفة وهو ما من شأنه أن يثري العملية الديموقراطية.
وفى ظنى أن العنف، وإن اعتُبر صورة من صور المشاركة السياسية وهي منتشرة في مجتمعاتنا، إلا إنه صورة غير مقبولة وغير شرعية، إما أن تتم الإضرابات وفقاً لأصول مؤسساتية ودستورية وقانونية وبعيداً عن العنف اللامشروع فهذه حالة صحية ومظهر من مظاهر الديموقراطية، وفى هذا السياق لا يمكن فهم الاضرابات بأنها مسيسة لأن كل شيء فى حياتنا مسيس والإنسان العربي مجبول على السياسة بحكم قضيته وأصبحت لغته التي تسبق البحث عن لقمة الخبز. ولعلي أختم بأن أذكر أن معضلة الديموقراطية هى أن كل شيء عندنا مسيس إلا السياسة

بارك الله فيك