وقفات وتأمل مع المؤرخ المقريزي ! 2024.

بقلم :

شريف أبو بكرة الترباني الجُذامي

المؤرخ المقريزي هو أحمد بن علي بن عبدالقادر ، يُعرفُ بالمقريزي نسبةً لحارة المقارزة في مدينة بعلبك ، لأن أصولهم من هناك .

وُلِدَ في القاهرة عام ( 764 ) للهجرة ، وتُوُفِّيَ عام ( 845 ) ، كان شيخ المؤرخين ، وله الصيتُ الواسع ، قاربتْ مؤلفاتُه على الثلاثين ، ولكنَّ المؤرخَ الذي لا يتسلحُ بأدوات الرواية ، ونقدها يأتي السمين ، والهزيل ، ومن هؤلاء المقريزي ، فقد كان لا يمَيِّزُ بين الروايات ، ويتلقفها ويحتضنها !

وقد ذكره العلامة المحقق السخاوي ، وحطَّ عليه في كتابه ( الاعلان والتوبيخ لمن ذَمَّ التاريخ ) ( 112 ) :

( حيث انتدب لهذا الفن الشريف من اشتمل على التحريف والتصحيف ، لعدم اتقانهم شروط الرواية والنقل ، وائتمانهم من لا يوصف بأمانة ولا عقل ، بل صاروا يكتبون السمين مع الهزيل ، والمكين مع المزلزل العليل . ولو سَوَّدْتُ لك ما وقع لشيخ المؤرخين التقي المقريزي ؛ لقضيتَ العجبَ ، وتجنبتَ لتصانيفه الطلب … ) !

وقال في نفس المصدر ( 162 ) :

( والتقي المقريزي في كتابه الامتاع وفيه الكثير مما ينتقد ) .

وكما ذكرنا – آنفا – أن مؤلفات المقريزي كثيرة ومنها ، رسالةٌ اسمها ( التنازع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم ) ! حطَّ فيها المقريزي على بعض الصحابة الكرام من بني أمية كأبي سفيان – رضي الله عنه – وهند زوجه – رضي الله عنها – وعنوان رسالته يحمل عناوين الشيعة ، وحقدهم على بني أمية !

قال المقريزي في رسالته المذكورة ( 13 ) :

( … ثم شدَّة عداوة بني أمية لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومبالغتهم في أذاه وتماديهم على تكذيبه فيما جاء به منذ بعثه الله – عز وجل – بالهدى ودين الحق إلى أن فتح مكة ، شرَّفها الله – تعالى – فدخل من دخل منهم في الاسلام كما هو معروف مشهور .

وأرددُ قولَ القائلِ :

وكم من بعيدِ الدارِ نالَ مُرَادَهُ
….. وآخرُ داني الدَّارِ ، وهو بعيدُ ) .

فكما ترى تأثر الرجل بالنفس الرافضي ، والحقد على بني أمية حتى أنك تشعر أن الكاتب من الشيعة والروافض ، فإنَّ بني أمية ليسوا بالصورة التي رسمها هذا المؤرخ ، وأفضلُ من قرأتُ له في إعطاء بني أميَّة حقَّهم ، هو العلامة ربيع بن هادي ، فقد أبان الغطاءَ عن هؤلاء وبيَّن فضلَهم ، وردَّ الطعونات فيهم ، تجد ذلك في كُتُبِه مبثوثاً منشوراً .

قال المؤرخ المقريزي في رسالته طاعنا هندَ – رضي الله عنها – ( 17 18 ) :

( وأكلتْ هند كَبِدَ حمزة ، فمنهم : أَكَلَةُ الأكبادِ ، وكهف النفاق ) ! وهو يقصد بكهف النفاق أبا سفيان – رضي الله عنه –

ونحن نعلم أنَّ هندَ بريئة من هذه التهمة الشنيعة ، لأنه ثبت في صحيح البخاري أن الذي أمر وحشيَّ بقتل حمزة – رضي الله عنهم جميعا – هو جبير بن مطعم ، ولا دخل لهند من قريب ولا من بعيد .

وهذا يؤكد قول السخاوي في المقريزي أنه قليل المعرفة بأقوال السلف وعلم الحديث .

ثم أخذ المقريزي في الطعن في أبي سفيان طعناً تقشعرُ له الجلودُ ، قال في رسالته المشؤومة ( 33 ) وهو يتحدث عن أبي سفيان – رضي الله عنه – :

( إنه شهد حنيناً مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، وكانت الأزلامُ معه يستقسم بها ، وكان كهفاً للمنافقين ، وأنه كان في الجاهلية زنديقاً ، وفي خبر عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما – أنه رآه يومَ اليرموك ، قال : فكانت الروم إذا ظهرت ؛ قال أبو سفيان : إيهٍ بني الأصفر ، فإذا كشفهم المسلمون ؛ قال أبو سفيان شعراً :

وبنو الأصفرِ ملوكُ الروم
….. لم يبقَ منهم ملكٌ مذكورُ

فحدَّثَ به ابنَ الزبير ، وقال : قاتله اللهُ ! يأبى إلا نفاقاً أولسنا خيراً له من بني الأصفر ؟! ) .

حتى أنه طعن في الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – حتى أنه أيَّد أن عمر كان أعورَ بين عميان ، وقد طعن في عدله … !!

اللهم نقي قلوبنا ، وتوفَّنا ونحن نوقِّرُ الصحابة ونسير على هديهم وطريقهم

كتبها :
شريف سليمان صباح أبو بكرة الترباني الجُذامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.