هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ للشيخ أبي العباس أحمد عماني 2024.

هل تعرف ما يهدم الإسلام؟
(الحلقة الثالثة:حكم الأئمة المضلين)
بِقَلَم: الشيخ أحمد عماني
إمام وخطيب مسجد القدس – برج الكيفان

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: معشرالقراء الكرام، لولا أن الله جل وعلا تكفّل بحفظ هذا الدين الحق لاندثر وزال، وانهدم بنيانه، لكثرة أعدائه (من المنافقين واليهود والنصارى والمشركين والملاحدة وغيرهم)، وجهل أبنائه، وكثرة علماء السوء (من الرافضة والجهمية والمعتزلة والعلمانيين وغيرهم) الذين يُضِلُّونه، وعُبّاد السّوء (كالصوفية وغيرهم) الذين يعبدون الله بجهل، ويغتُر بهم ويَضِلّ كثير من الناس، وأسباب انهدام الدين واندثاره، وزواله أو ضعفه وَوَهَنه كثيرة جدا:
منها: ما دلّ عليه هذا الأثر العظيم الذي رواه الإمام الدارمي في سننه، والفريابي في صفة المنافق وغيرهما بسند صحيح عَنْ التابعي الجليل زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ،قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: «هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ، وَحُكْمُالْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ».
ففي هذا الأثر يخبرنا الخليفة المهدي الراشد، أمير المؤمنين الفاروق أن الإسلام يهدمه ثلاثة أمور وهي:
01 -زلة العالم.
(2) -جدال المنافق بالكتاب.
وقد تحدثنا عن ذلك في المقالين السابقين. وفي هذا المقال نتحدث عن السبب الثالث ألا وهو:
(3) – حكم الأئمة المضلين: والمقصود في هذا الأثر بالأئمة هم الحكام من خلفاء وأمراء وولاة ورؤساء وغيرهم ممن يتولون أمور المسلمين. فالحكام إذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس، فالناس على دين ملوكهم)
وقد قال عبد الله بن المبارك:

وهل أفسد الدين إلا الملوك*** وأحبار سوء ورهبانها

فإذا اجتمع على الأمة حكّام السّوء، وعلماء السّوء، وعُبّاد السّوء فعلى الأمة السّلام،ولا يزال النّا س بخير ما استقام حكّامهم،
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عِنْدَ مَوْتِهِ: «إنَّ النَّاسَ لَنْ يَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا اسْتَقَامَتْ لَهُمْ وُلَاتُهُمْ وَهُدَاتُهُمْ»رواه البيهقي في السنن الكبرى وغيره

وقَالَتْ امرأة من أحْمَس يُقَال لها زينب للخليفة الراشد أبي بكر الصّديق: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ»، قَالَتْ: وَمَا الأَئِمَّةُ؟ قَالَ: «أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ، يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟» قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: «فَهُمْ أُولَئِكِ عَلَى النَّاسِ»رواه البخاري

وقد جعل الله مسؤولية أولي الأمر عظيمة جدا، إذ هم مسؤولون عن كل فرد من أفراد الرعية،

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، …. أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»

فماذا يقول من ولاّه الله على الآلاف أو الملايين من البشر ولم يحفظ لهم دينهم وأنفسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم. وقال عليه الصلاة والسلام: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة "أخرجه البخاري ومسلم.

وفي لفظ لمسلم: " ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة " أخرجه مسلم

فيجب على وليّ أمر المسلمين:

[حِفْظُ الدِّينِ وتَنْفِيذُ الأَحْكَامِ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ، حتى ينتشر العدل بين الناس، وحِمَايَةُ حدود الدولة الإسلامية والدفاع عن أهلها، ليعيش الناس آمنين مطمئنين، على دمائهم وأعراضهم وأموالهم. وإقَامَةُ الْحُدُودِ، لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى عَن الِانتِهَاكِ، وَتُحفَظَ حُقُوقُ العباد مِن الإتلَافٍ، وتَحصِينُ الثُّغُورِ حتى لا تسفك دماء المسلمين، ودماء من يعيش في دولة الإسلام من غير المسلمين]

ويجب عليه الدعوة إلى الإسلام، وجهاد أعداء الله ،والتوزيع العادل للثروة وتقليد الأُمَناء والنُّصَحَاءِ (من الوُلاة والوُزراء والسُفراء والقُضاة وقادة الجيوش وغيرهم من المسؤولين)فِيمَا يُفَوَّضُ إلَيْهِمْ مِنَ الْأَعْمَالِ وَيَكِلُهُ إلَيْهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ؛ لِتَكُونَ الْأَعْمَالُ بِالكَفاءَةِ مَضبُوطَةً، وَالأَموَالُ بِالأُمَنَاءِ مَحفُوظَةً [الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء والماوردي] بتصرّف

فيجب على وليّ الأمر أن يحفظ على الناس دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم، وذلك بتطبيق الحدود، والعدل بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، قال الله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:41]

قال ابن تيمية في(مجموع الفتاوى)(28/262):{ فَالمَقصُودُ الواجِبُ بِالولايَاتِ: إصلَاحُ دِينِ الْخَلْقِ الَّذِي مَتَى فَاتَهُمْ خَسِرُوا خُسْرَانًا مُبِينًا وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ مَا نَعِمُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا؛ وَإِصْلَاحُ مَا لَا يَقُومُ الدِّينُ إلَّا بِهِ مِن أَمْرِ دُنْيَاهُمْ. وَهُوَ نَوْعَانِ: قَسْمُ المالِ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ؛ وَعُقُوبَاتُ الْمُعْتَدِينَ فَمَنْ لَمْ يَعْتَدِ أَصْلَحَ لَهُ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ ….فَإِذَا اجْتَهَدَ الرَّاعِي فِي إصْلَاحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ بِحَسَبِ الإِمْكَانِ كَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ زَمَانِهِ وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.اهـ

فيجب على وليّ الأمر أن يقيم الحدود على القريب والبعيد ،وعلى الغنيّ والفقير ، وعلى القويّ والضعيف ،وأن لا تأخذه في الله لومة لائم .قال ابن تيمية(يَجِبُ إقَامَتُهُ عَلَى الشَّرِيفِ، وَالْوَضِيعِ، وَالضَّعِيفِ، وَلَا يَحِلُّ تَعْطِيلُهُ؛ لَا بِشَفَاعَةٍ، وَلَا بِهَدِيَّةٍ، وَلَا بِغَيْرِهِمَا، وَلَا تَحِلُّ الشَّفَاعَةُ فِيهِ. وَمَنْ عَطَّلَهُ لِذَلِكَ -وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى إقَامَتِهِ- فَعَلَيْهِ لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَهُوَ ممن اشترى بآيات الله ثمنا قليلاً…) مجموع الفتاوى(28/298)

وتعطيل حدود الله أو تطبيقها على البعض دون البعض سبب هلاك الأمم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )رواه البخاري ومسلم .

قال ابن تيمية رحمه اللهالجيرياوَقَد أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ تَعْطِيلَ الحَدِّ بِمَالٍ يُؤْخَذُ، أَو غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ المَالَ المَأْخُوذَ مِن الزَّانِي، وَالسَّارِقِ وَالشَّارِبِ، وَالمُحَارِبِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ ونحو ذلك لتعطيل الحدّ، مال سُحْت خبيث. وكثير مِمَّا يُوجدُ مِن فَسَادِ أُمُورِ النَّاسِ، إنَّمَا هو لتعطيل الحَدِّ بِمَالٍ أَو جَاهٍ، وَهَذَا مِن أَكبَرِ الأَسبَابِ الَّتِي هِيَ فَسَادُ أَهْلِ البَوَادِي وَالقُرَى وَالْأَمصَارِ) مجموع الفتاوى(28/303).

ويجب على ولي الأمر أن يعدل في قسمة المال فهو مؤتمن عليه، فعليه أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ حله فيضعه حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ مُسْتَحِقِّهِ قال ابن تيمية رحمه الله: [وَاَلَّذِي عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ حِلِّهِ، وَيَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ مُسْتَحِقِّهِمجموع الفتاوى(28/ 269)

وأما من لم يقُم بمصالح المسلمين وأفسد عليهم دينهم أو دنياهم أو أفسدهما معا ،فإن خطره على الأمة جسيم ،وعذابه عند الله عظيم ، وقد حذّر الله الحُكّام من الحُكم بأهوائهم وبِقَوانينَ يُقنّنُونها، تكون مُخالِفةً لما أنزله على نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم فقال: {…وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]وقال{… وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }[المائدة: 45] وقال{…وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }[المائدة: 47] .

وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ. فَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ، فَهُوَ في النار. ورجل قَضَى بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ» (رَوَاهُ النسائي في السنن الكبرى وأبو داود والترمذي وابن ماجة).

وقَالَ عَلِيّ بن أبي طالب رضي الله عنه:«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، فَأَمَّا اللَّذَانِ فِي النَّارِ فَرَجُلٌ جَارَ مُتَعَمِّدًا فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ فَهُوَ فِي النَّارِ، أَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ اجْتَهَدَ، فَأَصَابَ الْحَقَّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِأَبِي الْعَالِيَةِ: مَا ذَنْبُ هَذَا الَّذِي اجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ؟ قَالَ: ذَنْبُهُ أَنْ لَا يَكُونَ قَاضِيًا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ» رواه ابن أبي شيبة وابن الجعد.

ففي هذا الحديث وهذا الأثر ،التحذيرُ ممّن يحكم بغير ما أنزل الله متعمّدا ظلما وعدوانا، وكذلك من يحكم بغير ما أنزل الله خطأ وهو ليس أهلا للحُكم بين الناس، فكيف بوليّ الأمر الذي يحكم بغير ما أنزل الله متعمّدا إضلال الخلق عن سبيل الله ،ويتعمّد أن يُوَلّي على الناس قضاة السّوء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويُوَلّي على الناس وزراء السّوء ،وولاة السّوء، وغيرهم ممّن يفسدون دين الناس ودنياهم ، ويُوَلّي على الناس شرارهم في الدين والدنيا ،الذين يدعون إلى الباطل كالقومية العربية ، والاشتراكية ،والرأسمالية ،والعلمانية ،واللائكية ، ويدعون إلى الخلاعة، والحرية المطلقة ،وأنواع الفساد، والأفكار الهدامة ،فينتشر الفساد في الأرض، وتنحرف عقائد الناس وعباداتهم وأخلاقهم ،وينتشر الشرك والإلحاد والكفر و تنتشر البدع والخرافات ،والسحر والكهانة ،وتنتشر الخمور ،ويكثر الفسوق والفجور، والزنا والرّبا ،والظلم بين الناس ،ويتزعزع الأمن ،ويضيّق على الناس في معايشهم ، وتضطرب أحوالهم ،ويقلّ الخير ويكثر الشرّ، وتُيسّر السّبل لأهل الشر ،فيعيثون في الأرض فسادا ،ويُضَيَّقُ على أهل الخير ،كما يفعلُ الأعداء إذا دخلوا دولة واحتلّوها…وبالجُملة فخطرُ الحُكّام الضّالين كبيرٌ جِدّا ،فكيف بالحكام الضالين المضلين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عِوَجا.

فالمُصيبة بهم عظيمة ،وخاصة إذا استعانوا بدُعاة السوء من أهل البدعة والضلالة (الذين ذكرناهم في الحلقة الماضية)،واستغلوا أسوأ استغلال أخطاء العلماء الربانيين ،وربّما سجنوهم أو شرّدوهم أو منعوهم من قول كلمة الحق، واستعانوا بدُعاة الفسوق والفجور والمجون والخلاعة ،وربّما بدعاة الإلحاد والشرك، ،وأسندوا الأمور إلى غير أهلها ،فأسندوا أمر الدين والإعلام والتعليم والثقافة والاقتصاد وغير ذلك ،إلى الفاسدين في العقيدة والفكر والأخلاق ،ولم يُسندوها إلى الثقات والأمناء والناصحين المخلصين ، فحينئذ لم يبق إلا انتظار قيام الساعة ،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» رواه البخاري .

فإلى الله المشتكى، والله المستعان.

فالواجب على وليّ أمر المسلمين أن يحكم بينهم بشريعة الله ، وأن يحكم بينهم بالعدل ، قال الله مخاطبا نبيّه الكريم :{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا…} [المائدة: 48] وقال:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ }[المائدة:49] وقال:{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }[المائدة:50]

_وعدل أولياء الأمور سبب بقاء الحكم ، فمن فعل ذلك استقامت له الأمور ،وصلح حاله وحال رعيّته ،وفاز يوم القيامة فوزا عظيما .قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ ثِنْتَيْنِ لَنْ تَبْرَحُوا بِخَيْرٍ مَا لَزِمْتُمُوهُمَا: الْعَدْلُ فِي الْحُكْمِ , وَالْعَدْلُ فِي الْقَسْمِ" رواه ابن أبي شيبة في المصنف.وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يظلهم الله في ظله يوم لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ، ….. ».رواه البخاري ومسلم .وقال أيضا: (أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذو سلطان مقسط، ….)رواه مسلم.وقَالَ أيضا: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ… ».رواه مسلم

ويجب على وليّ الأمر أن يُوَلّي على الناس الصالحين والأمناء والناصحين بحسب الإمكان، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى(28/247_249) الجيريا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ …أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيمَا تَحْتَ يَدِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، …….. فَإِنْ عَدَلَ عَن الْأَحَقِّ الْأَصْلَحِ إلَى غَيْرِهِ، لِأَجْلِ قَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا…أو صداقة أَوْ مُرافقة فِي بَلَدٍ أَوْ مَذْهَبٍ؛ أَوْ طَرِيقَةٍ، ….أَوْ لِرِشْوَةٍ يَأْخُذُهَا مِنْهُ مِن مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِن الْأَسْبَابِ، أَوْ لِضغنٍ فِي قَلْبِهِ عَلَى الْأَحَقِّ، أَوْ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا: فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ……فَإِنَّ الرَّجُلَ لِحُبِّهِ لِوَلَدِهِ، … قَدْ يُؤْثِرُهُ فِي بَعْضِ الْوِلَايَاتِ، أَوْ يُعْطِيهِ مَا لا يستحقه؛ فيكون قد خان أمانته؛ وكذلك قَدْ يُؤْثِرُهُ زِيَادَةً فِي مَالِهِ أَوْ حِفْظِهِ؛ بِأَخْذِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ، أَوْ مُحَابَاة مَنْ يُدَاهِنُهُ فِي بَعْضِ الْوِلَايَاتِ، فَيَكُونُ قَد خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَخَانَ أَمَانَتَه)اهـ باختصار.

وقال أيضا (فليس عليه أَنْ يَسْتَعْمِلَ إلَّا أَصْلَحَ الْمَوْجُودَ، وَقَدْ لَا يكون في موجوده من هو أصلح لِتِلْكَ الوِلَايَةِ، فَيَخْتَارُ الْأَمْثَلَ فَالأَمْثَلَ فِي كُلِّ منصب بحسبه، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ التَّامِّ، وَأَخْذِهِ لِلوِلَايَةِ بِحَقِّهَا، فَقَدْ أَدَّى الأَمَانَةَ، وَقَامَ بِالْوَاجِبِ فِي هَذَا، وَصَارَ فِي هَذَا المَوْضِعِ مِن أئمة العدل المقسطين عِندَ اللَّهِ؛ ….فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وَيَقُولُ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ……..فَمَنْ أَدَّى الْوَاجِبَ المَقْدُورَ عَلَيهِ فَقَد اهتَدَى)(مجموع الفتاوى)[28/252].اهـ باختصار

نسأل الله أن يُصْلِح أحوال حُكّام المسلمين، وأن يُوفّقهم للسّعي لتحكيم شرع الله ،وأن يُصلح أحوال المحكومين ،وأن يَردّ الجميع إلى دين الحق ردّا جميلا ،وأن يجعلهم جميعا متحابّين فيما بينهم ،ومتعاونين على البرّ والتقوى ، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه، وأختِمُ هذه المقالة بدُعاء عظيم كان يدعُو به الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز قائلا : «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ مَنْ كَانَ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ وَأَهْلِكْ مَنْ كَانَ فِي هَلَاكِهِ صَلَاحٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ» رواه ابن أبي شيبة وغيره.

بارك الله فيك
اللهم احفظ الاسلام و المسلمييين ،،،

بارك الله فيك
اللهم احفظ الاسلام و المسلمييين ،،،

بارك الله فيكم

السلام عليكم.
(2) -جدال المنافق بالكتاب.
وقد تحدثنا عن ذلك في المقالين السابقين. وفي هذا المقال نتحدث عن السبب الثالث ألا وهو:
(3) – حكم الأئمة المضلين: والمقصود في هذا الأثر بالأئمة هم الحكام من خلفاء وأمراء وولاة ورؤساء وغيرهم ممن يتولون أمور المسلمين. فالحكام إذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس، فالناس على دين ملوكهم)
لا عجب أن الإسلا صار غريبا في الجزائر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)

شكرا على الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.