نشأة الإدارة وتطورها 2024.

إن مفهوم الإدارة من الناحية العلمية مفهوما ناهضا وحديث الولادة أما من حيث التطبيق والممارسة فمفهومه قديم جدا قدم البشرية وعصورها ،منذ فجرها الأول أين بدأ التمازج الاجتماعي بين البشر الذي أوجدته ضرورة توافر التنظيم والتنسيق والتوجيه بين تلك الجماعات الموغلة في التاريخ.
لقد وجدت الإدارة في كل الحضارات القديمة وكانت لها أصولها وتقاليدها ومفاهيمها الخاصة بها ،وتميزت المفاهيم بصفات وخصائص كل حضارة وكل عصر وفي كل مرحلة تاريخية ترسخت العديد من المفاهيم الإدارية والقيادية التي بلورت الفكر الإداري والقيادي الحديثين .
ولقد كان يستحيل أن تنجز الحضارات القديمة ما أنجزنه إلا من خلال الإدارة.

ففي الحضارة الصينية القديمة حظيت الإدارة باهتمام كبير وبخاصة بعد العام 2357ق.م فقد عرف الصين ولأول مرة شكل الدولة الواحدة على يد الإمبراطور [ ياو ] بعد أن كانت تضم مجموعة من الدويلات والمقاطعات المتناحرة .وفي عهد الإمبراطور العظيم [ شن الكبير ] حوالي 2200ق.م شهدت الإدارة الصينية مستوى عاليا من الدقة والتنظيم وفي العام 1100 ق.م كان دستور [ تشاو ] بمثابة دليل إداري لجميع موظفي الدولة بمن فيهم الإمبراطور نفسه.

وفي الحضارة المصرية القديمة وبخاصة في الفترة الواقعة بين 2900 ـ 2475 ق.م عرفت الإدارة شكلا من أشكال التنظيم المركزي حيث كان على درجة عالية من التنظيم والتنسيق للجهاز الحكومي . إلا أنه وفي الفترة الواقعة بين 2160 ـ1788 ق.م، ظهرت نظم اللا مركزية الجديدة التي أدت إلى تراخي الولاء للدولة ،وانخفاض دخلها، وضعف قوتها مما أدى حتما إلى عودة المركزية، والحكم المطلق للفرعون، وكل ذلك كان يحتاج إلى كادر حازم وواعي ومدرك لمتطلبات ذلك العصر ،ولعل بناء الأهرامات أكبر شاهد على قدرة المصريين على الإدارة بالقوة والحزم. (1).

وفي الحضارة الإغريقية التي انتشرت مرحلة زمنية طويلة وكان لها التأثير الواضح على البشرية حيث قدمت لها ثمارا طيبة في كافة
المجالات ،والإدارة كانت أحد تلك المجالات ،فالإدارة الإغريقية كانت تعتمد على عدة مبادئ كانت سائدة آنذاك منها مبدأ الديمقراطية،،حيث كان الجهاز الإداري يتشكل من موظفين يتم اختيارهم عن طريق الاقتراع الشعبي، وقد أجمعوا على أن حكم الطغاة هو أسوأ أنواع الحكم ،وقد استخدم الإغريق الأساليب الموحدة ولسرعة المحددة للوصول إلى الحد الأقصى من إنتاج، كما عُرفوا بتطبيق مبدإ التخصص في العمل وتقسيمه.
وقد نادى الإغريق بمبدإ كلّية الإدارة وأن كل الأمور عامة كانت أو خاصة لا بد أن يسري عليها مبدأ الإدارة كما عرفوا مبدأ دورية الوظيفة والذي يقتضي شغل الوظيفة مدة معينة ثم تركها إجباريا لإتاحة الفرصة للكفاءات الجديدة والاستفادة منها وهذا ما طبقته الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الإدارة اليوغسلافية من خلال دستور 1963م،، كما عرفت الإدارة الإغريقية مبدأ تغليب المصلحة العامة على الخاصة أو ما يسمى
بــ ( روح المصالحة العامة).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مجلة البحوث الأمنية(دورية علمية محكّمة تصدر عن مركز البحوث والدراسات بكلية الملك فهد ) ـ السعودية العدد 42 الصادر في شهر أفريل 2024( بتصرف)
عن كتاب( القيادة الإدارية) لمؤلفه الدكتور سالم بن سعيد القحطاني.طبعة 2024.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ

أما في الحضارة الرومانية : فقد استطاع الرومان من خلال مواهبهم الإدارية الرفيعة أن يسيطروا على شعوب يفوق تعدادهم الخمسين مليون نسمة كما استطاعوا فرض وجودهم على رقعة شاسعة من الأرض ضمت أوربا وشمال أفريقيا وبلاد الشام وتركية وتمكنوا من إنشاء كيان حكومي وعسكري
عملاق نتيجة كفاءاتهم، ومقدراتهم الإدارية والقيادية…،وعند ظهور الجمهورية التي دامت منذ 509 ق.م حتى عام 27ق.م كون الحاكم جهاز استشاري يضم مائة عضو، أما القيادة الإدارية فكانت حكراً على الطبقة الارستقراطية وكان الدستور الروماني يطبق نظام جمع السلطات ( مجلس المستشارين – مجلس النواب – والمجالس الشعبية).
و في عهد الإمبراطورية شهدت البلاد الكثير من التطبيقات الإدارية السليمة حيث أصبح اختيار القادة للمناصب العليا في البلاد يعتمد على الجدارة، والمؤهلات مما جعل البلاد تشهد تنظيماً إدارياً راقياً في العديد من مجالات الحياة .
وقد عرف المسلمون إدارة شؤون المجتمع كما سيأتي ذكره في المطلب اللاحق هذا هو حال الإدارات والقيادات في العصور القديمة (1).‏

وبظهور الثورة الصناعية التي استبدلت المهارات الإنســانية بالمهارات الآلية،والقوى المحركة الإنسانية والحيوانية بالقوة المادية، فرض التصنيع نفسه، فواكبت الإدارة هذه التغيرات الهامة،لمواجهة التطور السريع في أساليب ووسائل وحــجم الإنتاج،وبرزت ضرورة الاتصال والتنسيق والإشراف وفض نزاعات العمال والعناية بمشاكلهم الاجتماعية.وكان أحد أصحاب رؤوس الأموال هو أول باحث في هذه المشاكل وهو الإنجليزي
"روبرت أوين" (1771-1858)،الذي حسن ظروف العمل وحدد سن العمل وخفض ساعاته.
وقد تعددت المداخل النظرية في دراسة الإدارة لصلتها بكثير من العلوم مثل :علم الاجتماع، وعلم الاقتصاد ،وعلم النفس،وعلم السياسة،وعلم القانون ،هذا الأخير ساهم بقوة هادفة في دراسة الإدارة العامة عبر المدخل القانوني الذي يهتم بالآتي :
1-وضع الضوابط المحددة لعمل وبناء الأجهزة التنفيذية.
2-تحديد الصلاحيات والحقوق والالتزامات إزاء الأجهزة التنفيذية والأجهزة الأخرى والأفــراد
3-تحديد العلاقة بين الأجهزة المختلفة.
4-تحديد القواعد المنظمة لشؤون التوظيف العام.
5-التأسيس للتوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بما يسمح للرقابة المتبادلة بينـها
هذا ونشير إلى أن تدريس السياسات الإدارية بدأ في جامــعة "هارفارد" بأمريكا سنة 1911-1912.(2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ إيمان العلي (باحثة سورية):صحيفة الفرات(يومية سياسية ) ـ مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر دمشق سورية ـ العدد 614 بتاريخ :26/07/2017 متاحة على الموقع : https://furat.alwehda.gov.sy تاريخ الرفع :31/12/2017
2 ـ الموقع نفسه

يتبع إن شاء الله بموضوع :الإدارة عند المسلمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.