عبد الرحمن الأخضري 2024.

عاش الأخضري في القرن العاشر ، تحت مظلة الخلافة الإسلامية العثمانية، وإذا كان هذا عصر فتوحات وتوسعات بحرية في الواجهة إلا أن باطنه يعج بالضعف و الانحطاط، ضعف في العلوم والآداب .
والحكم بالضعف على هذا العصر لا يعني تعميم القاعدة على كل الأفراد، فقد بقيت ثلة من العلماء تنير الظلام وتقوّم الاعوجاج، من بينهم علامتنـــــا عبد الرحمن الأخضري وقد قال هو نفسه عن عصره ما يلي :
هذا زمان كثرت فيه البدع واضطربت عليه أمواج الخدع
والدين قد تهدمت أركانـــــه والزور طابق الهوى دخــــــانه
والبدع التي يتحدث عنها مصدرها الطرق الصوفية المنحرفة ، و قد انتقدها انتقادا لاذعا في الرسالة القدسية نختار منها أهونها و أخفها وقعا:
ففي كتاب شيخنا الـــزروق فوائد بديعة الفتـــــــــوق
إذا رأيت الرجل يطيـــــــر أو فوق ماء البحر قد يسير
و لم يقف عند جدود الشرع فإنه مستدرج أو بدعـــي
فارفضه إنما القتى دجـــــال ليس له التحقيق و الكمــال
ففي العصر الذي تكون فيه الكرامة الخاصة بالأولياء هي معيار التقوى و القربى من الله يكثـــر الدجــــــل و الادعاء. كما وصف عصره بثلاث نقائص في قوله :
و قل لمن لم ينتصف لمقصدي العذر حق واجب للمبتــــدي
و لبني إحدى و عشرين سنـــة معذرة مقبولة مستحسنـــــــة
لاسيما في عاشـــــــر القرون ذي الجهل و الفساد و الفتون
إن الأمة في عصر الأخضري عاشت مرحلة ضعفها كأي حضارة ظهرت أو ستظهر على و جه الأرض ، و تلك سنة الله ، و لكل شيء إذا ما تم نقصان . و لكن الله لا يترك أمته هملا دون توجيه أو إرشاد ، و إنما يمهد لظهور مجددين ينشرون الوعي ، و يكرسون حياتهم للإصلاح ، و نحن نعتعقد أن عبد الرحمن الأخضري هو أحد هؤلاء ، فمن هو إذن؟
هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الصغير بن محمد بن عامر الأخضري من يني سليم . و لد سنة 920هـ الوافق لـ 1514 م في بنطيوس إحدى قرى الزاب القبلي وهي تابعة اليوم لبلدية مخادمة دائرة أورلال و تبعد عن بسكرة بحوالي ثلاثين كلم.
تربى في أحضان أسرة عريقة في العلم و الإصلاح ، فجده محمد بن عامر هو مؤسس الزاوية المشهورة في بنطيوس ، كما عرف بفتاويه السديدة .
أما أبوه فهو محمد الصغير عالم مشهود له التفوق ، ألف حاشية على الخليل و كتابا في التصوف ، و أخوه الأكبر هو أحمد بن محمد الصغير صاحب فقه و بيان و منطق، و لكنه للأسف لم يخلف أثرا مكتوبا .
أساتذتــــــــه
مما تقدم نستخلص أن أباه و أخاه الأكبر هما أول أساتذته. كما تتلمذ لعبد الرحمان بن لقرون فقيه ليشانة و أحد مرابطيها ، و ليشانة قرية تبعد عن بنطيوس بحوالي عشرة كلم ،مشهورة بالعلم و الإصلاح، من أعلامها سيدي سعادة محي السنة في بلاد المغرب العربي ، و الشيخ أحمد سحنون شاعر جمعية علماء المسلمين الجزائريين و الشيخ بوحامد فرحات . و تتلمذ أيضا للعلامة الخروبي و أخذ عنه أوراد الطريقة الشاذلية و الزروقية ، كما رحل إلى قسنطينة ، و أخذ عن عالمها عمر بن محمد الكماد المعروف بالوزان ، كما أكمل تكوينه بجامع الزيتونـــــــــة العامر، ثم رجع إلى قريته بنطيوس ، و التزم زاويته مرابطا بل مرابضا متخذا منها منارة لبث رسالته الإصلاحية عن طريق التدريس و التأليف .
مكانتـــه العلميــــة
تكمن مكانته العلمية في كتبه التعليمية التي معظمها منظومات على طريقة أهل عصره ، حيث ما يخرج تأليفا إلا و يتنافس العلماء في شرحه و التعليق عليه أو تحشيته ، كما يسرع طلبة المعاهـــــــد و من بينهم طلبة الزهر الشريف إلى حفظه و استظهاره و يزيد في الإعجاب به حداثة سنه .
إن كتبه تفوق الثلاثين كتابا بعضها مطبوع و البعض الآخر مازال يستحث الهمم لإخراجه إلى النور.
يقول عنه الورثلاني : "وله تآليف كثيرة مفيدة ، و هو من العارفين بالله تعالى"
و تلم كتب الأخضري بعلوم عصره و فنونه من فقه و تصوف و فلسفة و فلك و علم بيان و علم الرياضيات و غيرها ، و هو عالم موسوعي متبصر.
لقد اتخذ من كتبه وسيلة لنشر الوعي و إصلاح الفكر الديني الذي كان غارقا في الخرافات و السذاجة.
و على الرغم من كونه صوفيا مولعا بالأذكار و الخلوة في جبل أحمر خدو و غيره فقد كان صافي الذهن، شفاف الوجدان ، سليم التفكير ، يلتزم الوسطية ، و لم تؤثر فيه ثقافة عصره، فأستاذه الخروبي مثلا كان ينظم الأوراد و الأذكار و غيرها للدعاية للطريقة ، في حين كان الخضري يسعى جاهدا إلى إصلاح الانحراف الذي طرأ على هذه الطرق فقال و متأسفا على الطريقة الصافية :
أين دعاة الدين أهل العلــــــم قد سلفوا و الله قبل اليـــوم
و هاجت الطائفة الدجاجلــــة السالكون للطرق الباطلــــة
وا أسفا على الطريق السابلة أفسدها الطائفة الدجاجلـــة
قد أحدثوا طريقة بدعيـــــــة و أفسدوا الطريقة الشرعية
إن الانتقادات اللاذعة و المتكررة التي وجهها لطائفة الصوفية المنحرفة تكشف عن شجاعة نادرة فهو بين ظهرانيهم و لا يأمن انتقامهم في أي لحظة ، كما تنم عن شخصية حيوية ، نفضت عنها غبار الدفاتر البالية .
وفاتـــــــــــــــــــــــه
يؤكد معظم الباحثين أنه عاش ثلاثة و عشرين سنة فقط(920 ـ953) و أنه لم يتزوج في حياته.
لكن فريقا آخر شكك في هذه المعلومة، و يمدد في حياته ، و ينسب إليه الزواج وتكوين عائلة، فهناك عائلتان تدعيان الانحدار من نسله، كما أن حجة هولاء أن هذا افنتاج الغزير يصعب إنجازه في فترة قصيرة من العمر ، كما أن هذا التمكن و التبحر قلما يفتح على شاب .
تذكر الروايات أن علامتنا الأخضري كان يصطاف في سطيف و نواحيها كل سنة ، و أدركته الوفاة سنة 953 في كجال .
كتبـــــــــــــــه
مختصر الأخضري على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه .
الدرة البيضاء منظومة في الفرائص و الحساب و التركات
شرح الدرة البيضاء
السلم الرونق في علم المنطق
شرح السلم الرونق
الجوهر المكنون في الثلاثة فنون(المعاني و البيان و البديع)
السراج في الهيئة و هي منظومة من البحر الطويل في علم الفلك
المنظومة القدسية و هي في التصوف و الآداب الخاصة بالسلوك
اللامية في مدح الرسول (ص)
أزهر المطال في علم الإسطرلاب
الدرة البهية في نظم الأجرمية
الفريدة الغراء في علم الكلام
هذه بعض الكتب أشرنا إليها في هذه العجالة ، كما أن كتابتنا هذه مجرد إشارة إلى هذا العالم الضخم و إلى عصره المليء بالمتناقضات ، و حسبنا أننا أشرنا إلى حياته بالبنان ففي هذا تذكير و للتذكير فوائد جمة.
عبد القادر صيد ليشانة

الجيريا

الجيريا

الجيريا

الجيريا

بارك الله فيك

بارك الله فيك يا أستاذنا الفاضل , لقد نفضت الغبار على درر من منطقتنا يجهلها حتّى أبناء المنطقة فضلا عن غيرهم
فحيّاك الله و بيّاك و جعل الفردوس متقلبك و مثواك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.