تشوش في الرؤية وخطأ في تنزيل الأحكام 2024.

تشوش في الرؤية وخطأ في تنزيل الأحكام

بعيدا عن المناظرات والمهاترات وإبراز المؤهلات الأدبية والقدرات العقلية وغير ذلك من المواهب والطاقات التي قد تهدر الحقائق وتجرّ المآسي في لحظة ضعف من كاتب أو سطوة من نفسه أحببت أن أذكّر نفسي أولا وإخوتي ثانيا بشيء مهم هذه الأيام ألا وهو (اعتزال الفتن وتركها وغلق الباب دونها) :

ليس غريبا ولا عجيبا أن يحصل تشوش في الرؤية وخطأ في تنزيل الأحكام عند الفتن فالناس درجات من حيث قوة الإدراك وسلامة الفهم وصفاء التصور وقد يعتري بعض هذه الآليات الذهنية ما يوقعها في الخطئ :

1 – إما عجزا عن إدراك الحقائق نتيجة لعوامل ذاتية تتعلق بالعاطفة والغرض أو موضوعية تتعلق بخفاء الأدلة وقوة الوارد

2 – وإما أن يكون فسادا في الفهم نتيجة ضعف التحصيل أو غلبة التعصب أو سوء الظنْ بالله أو غير ذلك من العوامل

3 – وإما تشوشا في الصورة نتيجة المعاصي أو الغفلة أو التعرض للفتن

فمن وصف الفتنة وعلاماتها أنها تجعل الحليم حيرانا ولهذا أمرنا نبيّنا باعتزالها وعدم مجارات أهلها

جاء في صحيح البخاري من حدث المكي بن إبراهيم قال أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن سالم قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يقبض العلم ويظهر الجهل والفتن ويكثر الهرج قيل يا رسول الله وما الهرج فقال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل ) ( صحيح البخاري : كتاب العلم )

وجاء في حديث كُرْزِ بن عَلْقَمَةَ الخزاعي رضي الله عنه قال: (قال رَجُلٌ: يا رَسُولَ الله، هل لِلإِسْلاَمِ من مُنْتَهَى؟ قال: نعم، أَيُّمَا أَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْعَرَبِ أَوِ الْعَجَمِ أَرَادَ الله بِهِمْ خَيْراً أَدْخَلَ عَلَيْهِمُ الإِسْلاَمَ، قال: ثُمَّ مَهْ؟ قال: ثُمَّ تَقَعُ الْفِتَنُ كَأَنَّهَا الظُّلَلُ، قال: كَلاَّ والله إن شَاءَ الله، قال: بَلَى والذي نفسي بيده، ثُمَّ تَعُودُونَ فيها أَسَاوِدَ صُبًّا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) رواه أحمد. وصححه ابن حبان وزاد في روايته: (فخير الناس يومئذ مؤمن معتزل في شعب من الشعاب يتقي الله ويذر الناس من شره).

قال شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/187):
( الفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء فصار الأكابر رضي الله عنهم
عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها وهذا شأن الفتن كما قال تعالى : (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله)

فالسقوط في الفتن ومواقعتها لا يرجع لأمور ذاتية تتعلق بشخص المعين فقط ولكنه قد ترجع لأمور موضوعية راجعة للمحيط وقوة وسائل الشويش وفتنة المؤثرات ونجاعة الخطاب المعادي وغير ذلك من الأمور ولهذا قلّ أن تجد مواقعا للفتنة إلاّ وقد ندم على الخوض فيها والتعرض لها

قال الشيخ العلامة مشهور حسن آل سلمان : [ على هؤلاء أنْ يتأملوا طويلاً، ماأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (15/17-18) ، وأحمد في «الزهد» (2/136) ، ونعيم بن حماد في «الفتن» (352) ، وأبو نعيم في «الحلية» (1/274) ، والداني في «الفتن» (28) بسند جيد عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، قال:

«إن الفتنة وكِّلت بثلاث: بالْحادِّ النحرير الذي لا يرتفع له شيء إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد، فأما هذان فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتبحثه، حتى تبلو ما عنده» .
وفي رواية: «بالشريف» ، بدل: «وبالسيد» ،

وفيها: «فأما الحاد النحرير فتصرعه، وأما هذان فتبحثهما حتى تبلو ما عندهما» .

و (النحرير) : هو الفطن البصير بكل شيء (1) ، وتوكل الفتنة به إنْ كان حادّاً غير حليم، ولا أناة عنده، يريد الخير بمجرد وقوفه ومعرفته له، من غير اتباع منهج السلف وسنة الله -عز وجل- في التغيير، ودون النظر إلى مآلات الأفعال، وعواقب الأمور، التي لا يجوز لأحد أن يستشرف الفتنة، ولا يخوض فيها دون ذلك.

وتشمل كذلك المعجبين به، وبتقريراته، وأطروحاته، فيشاركون فيها، بشرفهم وسيادتهم، وبألسنتهم وخطبهم، ومقالاتهم ومؤلفاتهم ونشراتهم وصحفهم وهيآتهم، فتختبرهم الفتنة، وتبلو ما عندهم، فالخطيب والداعي لها أقرب منها من الشريف المعجب الذي بهرته الزخارف، وغرته الشعارات، ولعله إنْ تأمَّل وتحلّم، ونظر، وفكر، ودبّر، وقدّر، يخلص منها، إنْ تداركته رحمة مولاه، وخرج عن داعي هواه. ] ( العراق في أحاديث الفتن )

فاحذر أيها الأخ الحبيب من الفتن ومواقعتها ولتغلق بابك دونها ولتحذر زينتها وفتنتها فإنها إذا وقعت تزلزلت الأرض وتلبدت السماء واختلط كلّ ما تعرفه اليوم وستشتاق لهذه اللحظة التي تجلس فيها آمنا مطمئنا تكاتب إخوانك وتسامرهم وهي رسالة لكلّ قاريء أرجو أن يضعها المحل المناسب من قلبه و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

عن حذيفة رضي الله عنه – الفقيه بالفتن وما ورد فيها- أنه قال : " إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؛ فلينظر فإن كان رأى حلالاً كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة ، وإن كان يرى حراماً كان يرى حلالاً فقد أصابته الفتنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.