اصلاح ذات البين 2024.

في كل يوم، نسمع عن خصومات تقع بين الناس، ونشاهد صراعات ومنازعات تحدث هنا وهناك أغلبها لأسباب دنوية، ومعظمها في مواضيع يسيرة، وقضايا بسيطة، لا تستدعي التوتر، ولا التضخيم، ولا التأزم.

إن الاختلاف صفة طبيعية من الصفات البشرية المكتسبة، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ}، فالإنسان يرافقه عدوه اللعين (الشيطان)، المكلف بالتحريش والغواية، والذي لن يسلم منه أحد من البشر، حتى أكثرهم علماً، وأحسنهم تقوى.

تحدث المخاصمات بين الدول مع بعضها البعض، وتقع بين الحكام والشعوب، والرؤساء والمرؤوسين، والأزواج والزوجات، وكذلك بين الأقارب والجيران والأصدقاء، فينتج عنها حدوث القطيعة، وزرع الضغينة، وتوليد الكراهية، وتفريق القلوب، وفتح صراعات، وجلب آثام، وانتهاك حرمات وارتكاب محرمات.

فكم حروب قامت، وبيوت هدمت، وأموال صرفت، وأوقات ضيعت، وأنفس تفرقت، وحياة فسدت، والسبب خلافات بسيطة وقعت، وهفوات يسيرة حدثت، والتي كان من الممكن تلافيها، إذا توافر المصلح الصادق الأمين، الذي يفض النزاع، بتبيين الخطأ، وإظهار الصواب.

كنا بالأمس نعالج مشاكلنا بيننا، داخل نطاق ضيق، وفي سرية تامة، إذ كان بيننا المصلح المتطوع، الذي عمل على توثيق روابط المودة، وإعادة جسور المحبة، كان أهل النزاع يأخذون بنصيحته، ويعدونها حكماً ملزماً بالنفاذ، وهو الذي مازال موجوداً ومطلوباً، في مجتمعات قروية، ولكن محدودة.

لقد عصم الله بالمصلحين دماء وأموالا، وويلات وتطورات، كادت أن تتأزم، لولا فضل الله تعالى ثم بفضل جهود المصلحين ومساعيهم، فلماذا لا نحرص على درء الخصومات، وقطع المنازعات، كما كان قديماً – دون الرجوع إلى المحاكم الشرعية، والجهات الأمنية؟!، والتي تعاني من كثرة المراجعين، وتأخر المعاملات، وطول الإجراءات.

الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة، حثنا عليها الخالق سبحانه وتعالى، والذي قال:

{وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ} (1) سورة الأنفال، أعظم ما يجنيه المصلح من وراء عمله الكبير: {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (170) سورة الأعراف، وقال عليه الصلاة والسلام: (أفضل الصدقة إصلاح ذات البين)، وذكر الأوزاعي (رحمه الله تعالى): (ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين). إن المجتمع يبحث عن المصلح العادل، صاحب النفس الأبية، والأخلاق الحسنة، والسيرة النظيفة، المصلح الذي يملك الكفاءة والنزاهة، ويجيد مهارة الاستماع، وأساليب الإرشاد والإقناع، والذي يبذل ماله وجهده ووقته طلباً للأجر والثواب من الخالق سبحانه، وتحقيقاً لقيمة الأخوة، وواجب النصيحة، وأهمية الوحدة واللحمة، ألا يمكن أن يكون لدينا في كل مسجد من مساجدنا، لجنة تطوعية؟! تقوم على النظر في حل المشاكل، وتعمل على علاجها، وعقد راية الصلح بين طرفيها، هذه اللجنة إن تكونت! سوف تنجح إذا سلكت المنهج الرباني، واتخذت النبراس التالي: (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب).

جزاك الله خيرا

بارك الله فيك

الجيريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.