أخطاء ومخالفات في الخطوبة 2024.

ملخص الموضوع : :
1- اشتراط رضا الطرفين في عقد النكاح.
2- مشروعية النظر إلى المخطوبة.
3- ضوابط النظر إلى المخطوبة.
4- مفاسد التحدُّث ومبادلة الرسائل مع المخطوبة.
5- تحذير الفتيات من تغرير الشباب الفاسد.
6- تحذير الزوجين من فتح سِجِلاَّت الماضي.
ـــــــــــــــــــــ

إنَّ من شروطِ صِحّةِ النكاح رضَا كلٍّ من الزّوجين بصاحبِه، ومِن أسبابِ هَذا الرّضا عِلمُ كلٍّ مِنَ الزوجَين بحقيقةِ صاحِبِه فيما يَظهَر من تصرُّفاتِه، وحتَّى في شَكلِه الظّاهريِّ، ولذا جَاءَت سنّةُ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – تبيحُ للخاطِبِ نظرَه إِلى مخطوبَتِه، وتُبيح لها نَظرَها إلى خَاطبِها، فنظرُ الخطِيبِ إلى مَخطوبتِه، ونظرُها إليه – أمرٌ أرشَدَ إليهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وبيَّن علَّةَ ذلك وسببَه، وأنّ النّظرَ يؤدِّي إلى تكوينِ فِكرةٍ في قَلبِ ذلك الخاطب، فيكون سببًا لالتِئامِ الزوجَين بتوفيقٍ منَ اللَّه. وهذَا النظرُ الشرعيُّ أمْرٌ مُرَغَّبٌ فيه، فلا يَجوزُ لِلأب أن يمنعَ الخاطبَ منَ النّظر إلى مَن خطب؛ لأنَّ هذا ليسَ مِن شأنِه، فرسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – رغّب، وأمَر أمْرَ استحبابٍ بذلك؛ روى المغيرةُ بن شعبةَ أنّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال له: ((إذا خَطَبتَ امرأةً فانظُر إليها؛ فلعلَّه أن يُؤدَم بَينَكما))[1]، يعني أنّ نظرَك إليهَا سَبَبٌ لأن يجعلَ الله بينك وبينها مودّةً ومحبّة، وقال لرجلٍ من أصحابِه وقد خطَبَ امرَأةً: ((انظر إليها فإنّ في أعيُنِ الأنصَارِ شيئًا))[2]، وأخبَرَ – صلى الله عليه وسلم – أنّ الخاطِبَ إذا نظَر إلى بعضِ ما يدعوه إلى الزواج بمخطوبتِه، ولو لم تعلَم المرأةُ بذلك فلا جناحَ عليه[3]. هذا إذا كانتِ النظرةُ آتِيةً لأجلِ الخطبة، لا نظرة تَشَهٍّ وتطلُّعٍ على عوراتِ الآخرين.

وهَذِه النظرةُ الشّرعيّة إنما تَكون بحضُورِ وَليِّ المرأةِ، سواءٌ كان الأب أو أيّ محرمٍ لها؛ لأنَّ حضورَها مَعَ خاطبها الذِي لم يتمَّ عقد النّكاح له عليها يعتَبَر خلوةً بأجنبيَّة بعيدةٍ عنه، فلا بدَّ في هذه النظرةِ أن تَكونَ نظرةً بحضورِ محرَمِ المرأة؛ حتى نَأمَنَ مِنَ الخلوةِ بالأجنبيّة.
أيّها المسلم، هذه السّنّةُ النبويّة الدالةُ على الترغيبِ في نَظَر الخاطبِ لمخطوبَتِه سنّةُ خيرٍ وهُدى، والتِزام المسلمِ لها مع الضوابطِ الشرعيَّة؛ بِعَدَمِ الخلوة، وبحضورِ محرَمها، هذه هي السُّنَّة، ولذا دلّت سنّةُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على تحريمِ خَلوةِ الرجل بالمرأةِ التي ليست مِن محارمِه إذا لم يحضُرهما محرَم، يقول – صلى الله عليه وسلم -: ((ما خَلا رجلٌ بامرأة إلاَّ كانَ ثالثهما الشّيطان))[4]، وحذّر من الدُّخولِ على النّساء فقال: ((إيّاكم والدّخولَ على النّساء))، فقال رجلٌ: "أرأيتَ الحَموَ يا رسول الله؟!"، قال: ((الحَموُ الموتُ))[5]، وحذَّر المرأةَ أن تسافرَ بلا محرَم، وناشدها إيمانَها بالله واليومِ الآخر أن لا تسافرَ إلاَّ بمحرَم يصحَبُها[6]؛ حفظًا لكرامتها، وصيانةً لأخلاقها.

ولكن للأسفِ الشديد يغلط البعضُ من المسلمين ممّن اغترّوا بتقليد الأعداءِ، وانساقوا وراءَ تلكَ الشّعارات الزائفةِ والأفكار المنحرفةِ، حيث إنّ الخطيب ربما التَقَى بمخطوبتِه لُقيا غيرَ شرعيّة، سببُها الاتِّصال الهاتفيّ، الرسائل الجوالة، وأمثال ذلك، فبمجرَّدِ الخطبة يتَّخذ بعضُ ضعفاءِ الإيمان ذلك وسيلةً إلى الاتصالِ بالمرأة المخطوبةِ، والتحدُّث معها عبرَ الجوال أو الهاتف، وتبادُل الرّسائل، وذا منكَر يا أخي المسلم، فإنّ هذه الاتصالاتِ والرسائلَ ربما تقرِّب بعضَهم إلى بعض، فيجري اتِّصالٌ ولِقاء وخَلوَة، وربّما وقع المحذور، والعياذ بالله.

أختي المسلمة، قد يخدَعُك بعضُ الشباب، فيذكُرُ أنّه يريد خطبَتَك، وسيتقدَّم لخطبَتِك لوليِّك، فيُكثِر الاتصالَ، ويُكثِر التحدّث، ويكثِر بَعثَ الرسائل، وما قصدُه إلاَّ خِداعٌ ومَكر وتضلِيل وتغرير، فإن تكن الفتاةُ فتاةً مؤمنة حقًّا، ذات دينٍ واستقامة، ومحافظةً على دينها وشرفِها لم تمكِّن هذا المتطفِّل منَ الاتصالِ بها، وتقول: الأمورُ تُؤتَى من أبوابها، والسنّةُ أباحتِ النظرَ عندما تدعو الحاجةَ إليه، أمّا اتصالاتٌ وأحاديثُ يوميّة، يعلِّل بعضُ أولئك أنّه يريدُ أن يكشِفَ أخلاقَها، ويريدُ أن يسبُر العلاقَةَ النفسيّة، ويريد ويريد، ويتشاوَرَان في تأثيثِ المسكَن، أو المشترياتِ للزواج، إلى غيرِ ذلك من هذه العِلَل الواهية، فهذا من تزيينِ الشيطان وتحسينِه الباطلَ لبعضِ ضُعفاءِ الإيمان. فلا يخدعنَّك – أختي المسلمة – ممارِسٌ في الشّرِّ، ومتردِّد في الفسادِ، وساعٍ في الشرّ والبلاء، إن تقدَّم خاطبًا نظَر، وتكفيه النظرةُ الأولى، وأما الأحاديثُ ومبادلَة الأحاديث فذا أمرٌ ينبغي إغلاقُ بابِه إلاَّ بعد العقدِ الشرعيّ الذي يستبيح به المرأةَ المسلمة.
أيّتها المرأةُ المسلمة، كم من شبابٍ خدَعوا بعضَ الفتيات، وغرّروا ببعضِ الفتيات، وتجرَّؤوا على بعض الفتيات، حتّى حمَلهم ذلك الباطلُ على التقاطِ صورٍ لتلك الفتاة وهي تحادِثُ هذا الرجل وتلتقي به، ثمّ يجعلها وسائلَ ضغطٍ على هذهِ الفَتاةِ ليقتَنِصَها ويدمِّر أخلاقَها وفضائلها.

فيا أختي المسلمة، احذَري من هذا الضَّربِ من الناس، وأغلِقِي بابَ الاتصال، واجعلي الأمرَ يأخُذ قنواتِه المعروفةَ، ويأخُذ طُرُقَه الشرعيّة، أمّا اتصالاتٌ ولقاءاتٌ مشبوهَة.. فإنّ ذلك خداعٌ لك من أولئك القوم؛ لأنّ بعضَهم لا يهدِف من ذلك سوى الإفساد، هو فاسِد في نفسِه فيريد أن ينقُلَ الفسادَ والشرَّ إلى غيره، ويفرَح مع عُشَراء السّوء بإفسادِ فتَياتِ المسلمين، وإيقاعهنّ في البلاء حتى يقضِيَ غَرضَه المحرَّم بأسباب هذه الاتّصالاتِ المشبوهَة.
أختي المسلِمَة، أخي المسلِم، لا بدَّ من تقوَى اللَّه للجميع، وأن نكونَ صادقين في إخبارِنا، فإن تكن صادِقًا فقدِّم الخِطبةَ لأبي المرأة، واجعَل حَديثَك مع وليِّ أمرها، وابتعِد عن هذه اللقاءاتِ والأحاديث المشبوهَة، فبإمكانِك عقدُ الزّواج وتعجيل الدخولِ؛ فتكون على طريقةٍ واضحةٍ، ومنهَج سليم، بعيدٍ عن الحرام قليلِه وكثيرِه.

أيّتها المسلمة، لا بُدَّ من تَقوى الله ومراقبتِه، لا بدّ من أخذِ الحيطة والحذر من بعضِ أولئك الفاسقين الفاسِدين، أن لا نمكِّنَ لَهم الأمرَ، وأن نَحُولَ بينهم وبين إجرامِهم، وأن نردَعَهم ونوقِفهم عند حدِّهم، فوليُّ الفتاةِ المسلمة يجِب أن يُشعِرَها بعد الخِطبة أنّ هذا الخاطبَ لا يزال أجنبيًّا عنها إلى أن يَتِمَّ العقدُ الشرعيّ، وأنَّ اتّصالَها به، واتّصالَه بها، والتحدُّثَ بينهما لا يؤدِّي إلى نتائجَ طيّبة.
أخي المسلم، أختي المسلمة، كم مِن محادَثةٍ أفسدت حتَّى الخِطبة، وجَلَبت على المرأةِ وأوليائِها العار! وكم محادَثةٍ جَلبَت المصائبَ والبلايا! أقوامٌ هم فاسِدون في أنفسِهم، متمرِّسون في الفساد، مجرِّبون لطُرُق الغواية والإفسادِ والإضلال، فيأخُذ بالهاتِف هذه الفتاةَ بأسلوبٍ معسول، ثم يقلِب المِجنَّ عليها ويبتعِد عنها، وربما تعلَّق قلبُها به، فأصابها ما أصابها. إذًا فلا تعطِي الانقيادَ إلى أولئك، ودعُوا الأمورَ الشرعيَّة تأخُذ مَجراها، بعدَ العقدِ الشرعيِّ يبادَر بالدخول حتى تُغلَق أسباب الشرّ، ويحرِص المسلم على الامتناع عن الشرّ والفساد، ويكون زواجُه زواجًا شرعيًّا قائمًا على أسسٍ ثابتة، بعيدًا عن هذه الغواياتِ والتضليل.

إنَّ هُناك فِئةً من الأزواجِ – هدانا الله وإياهم – طِباعُهم سيِّئة وماضيهم سيِّئ، وقد تردَّدوا في الفسادِ وطرُقه؛ لهذا تَرَى بعضَهم عندما يخطب الفتاةَ ويدخل بها، يحاوِل فتحَ ملفٍّ عن الماضي؛ فيقول لها: أخبريني عن ماضيكِ السابِق؛ ماذا حصل؟ التقيتِ بمَنْ؟ ماذا عملتِ؟ مَنِ الصاحب؟ مَنِ الصديقة؟ إلى آخره، ويبني على هذا الشكوكَ في المرأةِ، وكراهيتها، وربما أضرَّ بها.
يا أخي المسلم، ما مضى من ماضٍ فلستَ مسؤولاً عنه، وفتحُ الماضي والتحدُّث عن الماضِي لستَ مسؤولاً عنه، أنتَ مسؤولٌ عن المرأةِ مِن أوّل يومٍ انتقلتْ إليك وخلوتَ بها، فالماضي بما مضى لستَ مسؤولاً عنه، ومحاولةُ إرغامُ المرأة على أنْ تتحدَّثَ، وربَّما يحمِلها على الكذب؛ ليتَّخِذ ذلك ذريعةً للإضرارِ بها، أو إيذاءِ أهلها، أوِ استرجاعِ المهرِ من أهلها، ويكون ذا بذاءةٍ في اللسان وفجورٍ في القول، وأضرُّ الناسِ من يُكرمه الناسُ اتّقاءَ شرِّ لسانِه.
يا أخي المسلم، لستَ مسؤولاً عن الماضي، لنَكُن جادّين في إصلاح حاضِرنا ومستقبَلنا إن شاء الله، أمَّا أمورٌ مضَت فإنّ التحدّثَ فيها، ومحاولة البحثِ لا جدوى له، ولا مصلحةَ منه.

يا أخي، وُجِد عند بعضِ هؤلاء الأزواجِ مَن يقول لها بعدَ مضيِّ سنين معها: إن لم تخبريني بماضيك فأنت طالق! إلى آخره، ويهدِّدها بالطلاق، لماذا؟! لأنَّ شلّتَه الفاسدة أوحَوْا إليه بأكاذيبَ وأباطيل أرادوا بها التفريقَ بينه وبين امرأته، ربما يكون صدقٌ في شيء، لكن الكذب والباطل هو المسيطِرُ على هذه الآراءِ الخطيرة. كريمُ النَّفسِ طيِّبُ الخلُق يعامِل المرأةَ بالحُسنَى، ويسوسُها السياسةَ الشرعيّة، ويتّقي اللهَ فيها، وأمّا فتحُ بابِ الشكوكِ والوساوسِ والأوهامِ الماضِية، وأنتَ لا تعلم ولا علاقةَ لك به، لكنَّ شيطانًا أراد أن يفرِّقَ بينك وبينَ امرأتِك، فرُبَّما أتى بأمرٍ يصدُق في واحدةٍ ويكذب في مائة؛ ليُفرِّقَ بينك وبين امرأتك، ويُحدثَ شرخًا بينكما، ويهدِمَ البيتَ، ويقضي على الحياةِ الزوجية السعيدة.

فليتَّقِ اللهَ شبابُنا، وليبتعِدوا عن هذه التّرّهات، وليستقيموا على الطَّاعة، وكلُّ ظنونٍ وشكوك مبنيّة على غير أساسٍ كلُّها ضلالٌ وخطأ، وكلّها مبنيّة على باطل، واعلَم أن قذفَ المرأة المسلمة بما هي بريئةٌ منه كبيرةٌ من كبائرِ الذنوب؛ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4 – 5].

أخِي المسلم، شلَل الفسادِ وعُشَراء الباطل احذرهم على نفسِك، واحذرهم على أهلِك وولدك، احذَرهم أن يدمِّروا منزلَك، احذرهم أن يفرِّقوا أسرتك؛ لأنهم قومٌ لا خلاقَ لهم، يحبّون الفسادَ والإفساد، ولا تهنأ نفوسُهم إلاَّ إذا فرَّقوا بين الرجل وبين امرأتِه، وربما يتَّخذونها وسائلَ ضغط على تلك المرأة؛ ليوقِعوها في شَبَكات الفسادِ والعُهر والعياذ بالله.
فلنتّقِ الله في أنفسنا، وفي عوراتِ المسلمين عمومًا، وأن لا نسعَى بالفساد والإفساد، فلَعَنَ الله من خبَّب امرأةً على زوجها! فمَنْ أفسَدَ الحياةَ الزوجية بالأكاذيب والأباطيل؛ فإنّه مستحقٌّ للعنة الله؛ لأنه شيطان من الشياطين لا خيرَ فيه، إذِ المؤمِنُ يسعَى في الخير جُهدَه، ويسعى في التأليف {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، أمّا أولئك الهادِمون للبيوتِ، المفرِّقون بين الأزواج، هؤلاء فِئةٌ ماردة، وفئة فاسِدة.

خطبة جمعة مفرغة

موضوع رائع بارك الله فيك

بارك الله فيك على الموضوع القيم

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حمراوي نت الجيريا
ملخص الموضوع : :
1- اشتراط رضا الطرفين في عقد النكاح.
2- مشروعية النظر إلى المخطوبة.
3- ضوابط النظر إلى المخطوبة.
4- مفاسد التحدُّث ومبادلة الرسائل مع المخطوبة.
5- تحذير الفتيات من تغرير الشباب الفاسد.
6- تحذير الزوجين من فتح سِجِلاَّت الماضي.
ـــــــــــــــــــــ

إنَّ من شروطِ صِحّةِ النكاح رضَا كلٍّ من الزّوجين بصاحبِه، ومِن أسبابِ هَذا الرّضا عِلمُ كلٍّ مِنَ الزوجَين بحقيقةِ صاحِبِه فيما يَظهَر من تصرُّفاتِه، وحتَّى في شَكلِه الظّاهريِّ، ولذا جَاءَت سنّةُ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – تبيحُ للخاطِبِ نظرَه إِلى مخطوبَتِه، وتُبيح لها نَظرَها إلى خَاطبِها، فنظرُ الخطِيبِ إلى مَخطوبتِه، ونظرُها إليه – أمرٌ أرشَدَ إليهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وبيَّن علَّةَ ذلك وسببَه، وأنّ النّظرَ يؤدِّي إلى تكوينِ فِكرةٍ في قَلبِ ذلك الخاطب، فيكون سببًا لالتِئامِ الزوجَين بتوفيقٍ منَ اللَّه. وهذَا النظرُ الشرعيُّ أمْرٌ مُرَغَّبٌ فيه، فلا يَجوزُ لِلأب أن يمنعَ الخاطبَ منَ النّظر إلى مَن خطب؛ لأنَّ هذا ليسَ مِن شأنِه، فرسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – رغّب، وأمَر أمْرَ استحبابٍ بذلك؛ روى المغيرةُ بن شعبةَ أنّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال له: ((إذا خَطَبتَ امرأةً فانظُر إليها؛ فلعلَّه أن يُؤدَم بَينَكما))[1]، يعني أنّ نظرَك إليهَا سَبَبٌ لأن يجعلَ الله بينك وبينها مودّةً ومحبّة، وقال لرجلٍ من أصحابِه وقد خطَبَ امرَأةً: ((انظر إليها فإنّ في أعيُنِ الأنصَارِ شيئًا))[2]، وأخبَرَ – صلى الله عليه وسلم – أنّ الخاطِبَ إذا نظَر إلى بعضِ ما يدعوه إلى الزواج بمخطوبتِه، ولو لم تعلَم المرأةُ بذلك فلا جناحَ عليه[3]. هذا إذا كانتِ النظرةُ آتِيةً لأجلِ الخطبة، لا نظرة تَشَهٍّ وتطلُّعٍ على عوراتِ الآخرين.

وهَذِه النظرةُ الشّرعيّة إنما تَكون بحضُورِ وَليِّ المرأةِ، سواءٌ كان الأب أو أيّ محرمٍ لها؛ لأنَّ حضورَها مَعَ خاطبها الذِي لم يتمَّ عقد النّكاح له عليها يعتَبَر خلوةً بأجنبيَّة بعيدةٍ عنه، فلا بدَّ في هذه النظرةِ أن تَكونَ نظرةً بحضورِ محرَمِ المرأة؛ حتى نَأمَنَ مِنَ الخلوةِ بالأجنبيّة.
أيّها المسلم، هذه السّنّةُ النبويّة الدالةُ على الترغيبِ في نَظَر الخاطبِ لمخطوبَتِه سنّةُ خيرٍ وهُدى، والتِزام المسلمِ لها مع الضوابطِ الشرعيَّة؛ بِعَدَمِ الخلوة، وبحضورِ محرَمها، هذه هي السُّنَّة، ولذا دلّت سنّةُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على تحريمِ خَلوةِ الرجل بالمرأةِ التي ليست مِن محارمِه إذا لم يحضُرهما محرَم، يقول – صلى الله عليه وسلم -: ((ما خَلا رجلٌ بامرأة إلاَّ كانَ ثالثهما الشّيطان))[4]، وحذّر من الدُّخولِ على النّساء فقال: ((إيّاكم والدّخولَ على النّساء))، فقال رجلٌ: "أرأيتَ الحَموَ يا رسول الله؟!"، قال: ((الحَموُ الموتُ))[5]، وحذَّر المرأةَ أن تسافرَ بلا محرَم، وناشدها إيمانَها بالله واليومِ الآخر أن لا تسافرَ إلاَّ بمحرَم يصحَبُها[6]؛ حفظًا لكرامتها، وصيانةً لأخلاقها.

ولكن للأسفِ الشديد يغلط البعضُ من المسلمين ممّن اغترّوا بتقليد الأعداءِ، وانساقوا وراءَ تلكَ الشّعارات الزائفةِ والأفكار المنحرفةِ، حيث إنّ الخطيب ربما التَقَى بمخطوبتِه لُقيا غيرَ شرعيّة، سببُها الاتِّصال الهاتفيّ، الرسائل الجوالة، وأمثال ذلك، فبمجرَّدِ الخطبة يتَّخذ بعضُ ضعفاءِ الإيمان ذلك وسيلةً إلى الاتصالِ بالمرأة المخطوبةِ، والتحدُّث معها عبرَ الجوال أو الهاتف، وتبادُل الرّسائل، وذا منكَر يا أخي المسلم، فإنّ هذه الاتصالاتِ والرسائلَ ربما تقرِّب بعضَهم إلى بعض، فيجري اتِّصالٌ ولِقاء وخَلوَة، وربّما وقع المحذور، والعياذ بالله.

أختي المسلمة، قد يخدَعُك بعضُ الشباب، فيذكُرُ أنّه يريد خطبَتَك، وسيتقدَّم لخطبَتِك لوليِّك، فيُكثِر الاتصالَ، ويُكثِر التحدّث، ويكثِر بَعثَ الرسائل، وما قصدُه إلاَّ خِداعٌ ومَكر وتضلِيل وتغرير، فإن تكن الفتاةُ فتاةً مؤمنة حقًّا، ذات دينٍ واستقامة، ومحافظةً على دينها وشرفِها لم تمكِّن هذا المتطفِّل منَ الاتصالِ بها، وتقول: الأمورُ تُؤتَى من أبوابها، والسنّةُ أباحتِ النظرَ عندما تدعو الحاجةَ إليه، أمّا اتصالاتٌ وأحاديثُ يوميّة، يعلِّل بعضُ أولئك أنّه يريدُ أن يكشِفَ أخلاقَها، ويريدُ أن يسبُر العلاقَةَ النفسيّة، ويريد ويريد، ويتشاوَرَان في تأثيثِ المسكَن، أو المشترياتِ للزواج، إلى غيرِ ذلك من هذه العِلَل الواهية، فهذا من تزيينِ الشيطان وتحسينِه الباطلَ لبعضِ ضُعفاءِ الإيمان. فلا يخدعنَّك – أختي المسلمة – ممارِسٌ في الشّرِّ، ومتردِّد في الفسادِ، وساعٍ في الشرّ والبلاء، إن تقدَّم خاطبًا نظَر، وتكفيه النظرةُ الأولى، وأما الأحاديثُ ومبادلَة الأحاديث فذا أمرٌ ينبغي إغلاقُ بابِه إلاَّ بعد العقدِ الشرعيّ الذي يستبيح به المرأةَ المسلمة.
أيّتها المرأةُ المسلمة، كم من شبابٍ خدَعوا بعضَ الفتيات، وغرّروا ببعضِ الفتيات، وتجرَّؤوا على بعض الفتيات، حتّى حمَلهم ذلك الباطلُ على التقاطِ صورٍ لتلك الفتاة وهي تحادِثُ هذا الرجل وتلتقي به، ثمّ يجعلها وسائلَ ضغطٍ على هذهِ الفَتاةِ ليقتَنِصَها ويدمِّر أخلاقَها وفضائلها.

فيا أختي المسلمة، احذَري من هذا الضَّربِ من الناس، وأغلِقِي بابَ الاتصال، واجعلي الأمرَ يأخُذ قنواتِه المعروفةَ، ويأخُذ طُرُقَه الشرعيّة، أمّا اتصالاتٌ ولقاءاتٌ مشبوهَة.. فإنّ ذلك خداعٌ لك من أولئك القوم؛ لأنّ بعضَهم لا يهدِف من ذلك سوى الإفساد، هو فاسِد في نفسِه فيريد أن ينقُلَ الفسادَ والشرَّ إلى غيره، ويفرَح مع عُشَراء السّوء بإفسادِ فتَياتِ المسلمين، وإيقاعهنّ في البلاء حتى يقضِيَ غَرضَه المحرَّم بأسباب هذه الاتّصالاتِ المشبوهَة.
أختي المسلِمَة، أخي المسلِم، لا بدَّ من تقوَى اللَّه للجميع، وأن نكونَ صادقين في إخبارِنا، فإن تكن صادِقًا فقدِّم الخِطبةَ لأبي المرأة، واجعَل حَديثَك مع وليِّ أمرها، وابتعِد عن هذه اللقاءاتِ والأحاديث المشبوهَة، فبإمكانِك عقدُ الزّواج وتعجيل الدخولِ؛ فتكون على طريقةٍ واضحةٍ، ومنهَج سليم، بعيدٍ عن الحرام قليلِه وكثيرِه.

أيّتها المسلمة، لا بُدَّ من تَقوى الله ومراقبتِه، لا بدّ من أخذِ الحيطة والحذر من بعضِ أولئك الفاسقين الفاسِدين، أن لا نمكِّنَ لَهم الأمرَ، وأن نَحُولَ بينهم وبين إجرامِهم، وأن نردَعَهم ونوقِفهم عند حدِّهم، فوليُّ الفتاةِ المسلمة يجِب أن يُشعِرَها بعد الخِطبة أنّ هذا الخاطبَ لا يزال أجنبيًّا عنها إلى أن يَتِمَّ العقدُ الشرعيّ، وأنَّ اتّصالَها به، واتّصالَه بها، والتحدُّثَ بينهما لا يؤدِّي إلى نتائجَ طيّبة.
أخي المسلم، أختي المسلمة، كم مِن محادَثةٍ أفسدت حتَّى الخِطبة، وجَلَبت على المرأةِ وأوليائِها العار! وكم محادَثةٍ جَلبَت المصائبَ والبلايا! أقوامٌ هم فاسِدون في أنفسِهم، متمرِّسون في الفساد، مجرِّبون لطُرُق الغواية والإفسادِ والإضلال، فيأخُذ بالهاتِف هذه الفتاةَ بأسلوبٍ معسول، ثم يقلِب المِجنَّ عليها ويبتعِد عنها، وربما تعلَّق قلبُها به، فأصابها ما أصابها. إذًا فلا تعطِي الانقيادَ إلى أولئك، ودعُوا الأمورَ الشرعيَّة تأخُذ مَجراها، بعدَ العقدِ الشرعيِّ يبادَر بالدخول حتى تُغلَق أسباب الشرّ، ويحرِص المسلم على الامتناع عن الشرّ والفساد، ويكون زواجُه زواجًا شرعيًّا قائمًا على أسسٍ ثابتة، بعيدًا عن هذه الغواياتِ والتضليل.

إنَّ هُناك فِئةً من الأزواجِ – هدانا الله وإياهم – طِباعُهم سيِّئة وماضيهم سيِّئ، وقد تردَّدوا في الفسادِ وطرُقه؛ لهذا تَرَى بعضَهم عندما يخطب الفتاةَ ويدخل بها، يحاوِل فتحَ ملفٍّ عن الماضي؛ فيقول لها: أخبريني عن ماضيكِ السابِق؛ ماذا حصل؟ التقيتِ بمَنْ؟ ماذا عملتِ؟ مَنِ الصاحب؟ مَنِ الصديقة؟ إلى آخره، ويبني على هذا الشكوكَ في المرأةِ، وكراهيتها، وربما أضرَّ بها.
يا أخي المسلم، ما مضى من ماضٍ فلستَ مسؤولاً عنه، وفتحُ الماضي والتحدُّث عن الماضِي لستَ مسؤولاً عنه، أنتَ مسؤولٌ عن المرأةِ مِن أوّل يومٍ انتقلتْ إليك وخلوتَ بها، فالماضي بما مضى لستَ مسؤولاً عنه، ومحاولةُ إرغامُ المرأة على أنْ تتحدَّثَ، وربَّما يحمِلها على الكذب؛ ليتَّخِذ ذلك ذريعةً للإضرارِ بها، أو إيذاءِ أهلها، أوِ استرجاعِ المهرِ من أهلها، ويكون ذا بذاءةٍ في اللسان وفجورٍ في القول، وأضرُّ الناسِ من يُكرمه الناسُ اتّقاءَ شرِّ لسانِه.
يا أخي المسلم، لستَ مسؤولاً عن الماضي، لنَكُن جادّين في إصلاح حاضِرنا ومستقبَلنا إن شاء الله، أمَّا أمورٌ مضَت فإنّ التحدّثَ فيها، ومحاولة البحثِ لا جدوى له، ولا مصلحةَ منه.

يا أخي، وُجِد عند بعضِ هؤلاء الأزواجِ مَن يقول لها بعدَ مضيِّ سنين معها: إن لم تخبريني بماضيك فأنت طالق! إلى آخره، ويهدِّدها بالطلاق، لماذا؟! لأنَّ شلّتَه الفاسدة أوحَوْا إليه بأكاذيبَ وأباطيل أرادوا بها التفريقَ بينه وبين امرأته، ربما يكون صدقٌ في شيء، لكن الكذب والباطل هو المسيطِرُ على هذه الآراءِ الخطيرة. كريمُ النَّفسِ طيِّبُ الخلُق يعامِل المرأةَ بالحُسنَى، ويسوسُها السياسةَ الشرعيّة، ويتّقي اللهَ فيها، وأمّا فتحُ بابِ الشكوكِ والوساوسِ والأوهامِ الماضِية، وأنتَ لا تعلم ولا علاقةَ لك به، لكنَّ شيطانًا أراد أن يفرِّقَ بينك وبينَ امرأتِك، فرُبَّما أتى بأمرٍ يصدُق في واحدةٍ ويكذب في مائة؛ ليُفرِّقَ بينك وبين امرأتك، ويُحدثَ شرخًا بينكما، ويهدِمَ البيتَ، ويقضي على الحياةِ الزوجية السعيدة.

فليتَّقِ اللهَ شبابُنا، وليبتعِدوا عن هذه التّرّهات، وليستقيموا على الطَّاعة، وكلُّ ظنونٍ وشكوك مبنيّة على غير أساسٍ كلُّها ضلالٌ وخطأ، وكلّها مبنيّة على باطل، واعلَم أن قذفَ المرأة المسلمة بما هي بريئةٌ منه كبيرةٌ من كبائرِ الذنوب؛ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 4 – 5].

أخِي المسلم، شلَل الفسادِ وعُشَراء الباطل احذرهم على نفسِك، واحذرهم على أهلِك وولدك، احذَرهم أن يدمِّروا منزلَك، احذرهم أن يفرِّقوا أسرتك؛ لأنهم قومٌ لا خلاقَ لهم، يحبّون الفسادَ والإفساد، ولا تهنأ نفوسُهم إلاَّ إذا فرَّقوا بين الرجل وبين امرأتِه، وربما يتَّخذونها وسائلَ ضغط على تلك المرأة؛ ليوقِعوها في شَبَكات الفسادِ والعُهر والعياذ بالله.
فلنتّقِ الله في أنفسنا، وفي عوراتِ المسلمين عمومًا، وأن لا نسعَى بالفساد والإفساد، فلَعَنَ الله من خبَّب امرأةً على زوجها! فمَنْ أفسَدَ الحياةَ الزوجية بالأكاذيب والأباطيل؛ فإنّه مستحقٌّ للعنة الله؛ لأنه شيطان من الشياطين لا خيرَ فيه، إذِ المؤمِنُ يسعَى في الخير جُهدَه، ويسعى في التأليف {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، أمّا أولئك الهادِمون للبيوتِ، المفرِّقون بين الأزواج، هؤلاء فِئةٌ ماردة، وفئة فاسِدة.

خطبة جمعة مفرغة

شكرا جزيلا اختي الكريمة موضوع رائع

بارك الله فيك على الموضوع الرائع

بارك الله فيكم جميعا على المرور ، أتمنى لكم الاستفادة .

بارك الله فيك أخي على الموضوع القيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.