رُعْبُ «الوَهَّابيَّة»؟! أَوْ: حوارٌ مع إعلاميٍّ«ناقمٍ»!الجزء الرّابع وهو الأخير 2024.

رُعْبُ «الوَهَّابيَّة»؟! أَوْ: حوارٌ مع إعلاميٍّ«ناقمٍ»!(02): فيما كتبه بعنوان: «حتَّى لا يحْتَلَّنا الوَهَّابيُّون»! الجزء الرّابع وهو الأخير

للشيخ سمير سمراد
تجدُ في الجزء الأخير مِنْ هذا المَقال العناوينَ الآتية:

روافدُ أجنبيَّة، وأخلاطٌ جاهليَّةٌ وَثَنِيَّة، تَسَرَّبتْ إلى الشَّريعةِ المحمَّديَّة!:

المالكيَّةُ يُنكرون بِدَعَ الطُّرُق والافتتانَ بالأضرحة والقبور!:

تَسْلِيَةٌ من «ابنِ الحاجّ المالكيّ» للمُصْلِحِين السَّلَفِيِّينَ:

روافدُ أجنبيَّة، وأخلاطٌ جاهليَّةٌ وَثَنِيَّة، تَسَرَّبتْ إلى الشَّريعةِ المحمَّديَّة!:
نعم! هذا الذي عَنْوَنْتُ به، هو مصدرُ الشّرّ الّذي دخل على الأُمَّة في دينها وفي أصل اعتقادِها، لقد مضى السَّلفُ الأَّولون لا يعرفون إلاَّ التوحيد، ولا يعتقدون في غير الله تعالى، فلمّا توسَّعت الفُتُوحات، ودخل الإسلام الجَبَلَ والوَعْرَ، مِن أرض إفريقيَّةَ وغيرها، كان بها أَخْلاطٌ من طقوس الرُّومان، والوثنيِّين من عُبَّادِ الأحجار والأشجار، ومُؤَلِّهِي الأرواح الغيبيَّة! وغير ذلك، فَتَسَرَّبَتْ هذه إلى الإسلام الّذي كان هؤلاء وأولئك حديثي عَهْدٍ به! ثمَّ استيلاء الدّولة الباطنيّة العُبَيْديَّة، الّتي تسمَّت زُورًا بالفاطميّة! فقد مَكَّنَتْ لعقائد الفرس المجوس، ووساوس الباطنيّة ودسائسها، فجَنَّدُوا لذلك «المُتَمَصْوِفَةَ» «المُتَمَفْقِرَةَ» الجُهَّال! فكانوا هم وسيلَتَهُمْ للوصول إلى أغراضهم، ونجحوا في ذلك!

1 ـ قال محمّد تقيّ الدّين الهلاليّ المغربيّ؛ وهو يتحدّثُ عن مواقف النّاس تُجاه الطَّرائق الصُّوفيَّة!:
«القسم الثّالث: قومٌ مكَرةٌ كائِدُون يتربَّصون بعدوِّهم الدّوائر فلا تسْنحُ لهم فرصةٌ لكيده وصيده إلاَّ اغتنموها. وهؤلاء قد وضعوا على أعينهم المِنْظار المكبِّر، وصاروا ينظرون بإمعانٍ إلى الأُمّة الّتي يريدون كيدها، إمّا ثأرًا، وإمّا طَمَعًا وصَيْدًا. والطَّرائقُ مِن أحسنِ الفُرَصِ لهؤلاء، فمتى رأوا لها مَنْبَتًا في أُمَّةٍ يُريدون إهلاكها، زرعوها على قاعدةِ:
صلَّى وصام لأمرٍ كان يطلبه لمّا قضى الأمر ما صلَّى ولا صام
و أوَّلُ مَن برع في هذا الفنّ وحاز فيه قصَبَ السَّبْق الفُرس المجوس وخُلُوفُهُم من الباطنية الملاحدة، فإنَّ لهم أعمالاً في هذا المضمار مدهشة، استطاعوا بها أن يجعلوا الأمَّةَ الإسلاميَّةَ شِيَعاً، يضربُ بعضها رِقَابَ بعضٍ، وصار بأسُهَا بينها، فمِن دهائهم أنّهم كانوا يُظهرون الإسلام ويُتقنون علومه ويُظهرون من الزّهد والعبادة ما يُصيِّرُ عامَّةَ المسلمين بين أيديهم سامعين مطيعين، ويُمكنهم مِن إيقاد نِيران الحروب بينهم، حتّى يفشلوا وتذهب ريحهم، وذلك ما قصد أعداؤهم الذِّئابُ اللاَّبسةُ جُلُود الضَّأن»اهـ[1].
وقال: «وقد كانت الزَّندقةُ في المتصوِّفة مِن القرن الخامس، كما بيَّن ذلك الإمام ابن عقيل وغيره، والله المستعان»اهـ.
2 ـ لقد صرَّح بعضُ المستشرقين والباحثين الغربيين الّذين كانت لهم سِياحاتٌ في شمال إفريقيّة، بالصِّلَةِ الّتي بين هذه الطُّقُوس الصُّوفيّة، وطُقُوس الأُمَم الوثنيَّة، ومنها: البربريَّة القديمة، والسُّودان الأفارقة، وكذا اليهوديّة والنَّصرانيّة-وهم وإن كانوا أهل كتاب، فقد دخلتهم الوَثنيَّةُ وتأليهُ البَشَر!-:

ـ قَلَتْ صاحبةُ الدِّراسة المسمَّاة: «الإسلام الطُّرُقيُّ: دراسةٌ في موقعه من المجتمع…»، وهي تذكرُ «بعض الجوانب الخصوصيّة للطُّرقيّة بهذه المنطقة من العالم الإسلامي -تعني: الشّمال الإفريقيّ-»: «هناك مَن يرى في عبادة الأولياء بشمال إفريقيا تواصلاً لبعضِ الاعتقادات ولبعض الطُّقُوس البربريَّةِ القديمة» [2]، والشّيء نفسُهُ في الشّرق الإسلاميِّ، قالت: «أثبت[«غولد سيهير»]أنّ زيارة ضريح سيدي أحمد البدوي بطنطا بمصر تأخذ بالضَّبط مكان الزِّيارة الّتي كان يقوم بها المؤمنون إلى الآلهة «أرتيميس» بمصر القديمة، وذلك اعتمادًا على الوصف الّذي قدَّمه هيرودوت لهذا الحجّ، وأيضًا على ما قدَّمه المسافرون المعاصرون مِن شهادات حول هذه الزِّيارة» [3].
ـ وقالت(ص:24): «الكثير من الطُّقُوس ومظاهر الاعتقادات الشّعبيّة هي مرتبطةٌ بوجود السُّودان في المجتمع التّونسيّ والمغاربي بصفةٍ عامَّة»، «وهناك مَن كانوا شهود عيان في بداية القرن التّاسع عشر مسيحي، وكتبوا في صددِ تأثيرِ العنصر الأَسْوَد على الاعتقادات الشَّعبيّة مُستنكرين ذلك، منهم أحمد التَّنبكتيّ [ له مخطوط: «هتك السّرّ عمَّا عليه سودان تونس من الكفر»، وهي عبارةٌ عن رسالةٍ تَوَجَّهَ بها إلى حمودة باشا يَفضح فيها ما كان عليه هؤلاء السُّودان مِن ممارسةٍ خارجةٍ عن الدّين الإسلاميّ]…مؤرّخة في20نوفمبر1800 يَكشفُ فيها الأخطار الجسيمة الَّتي يقوم بها هؤلاء في إشاعةِ التّفسُّخ في المجتمع التّونسي. وقد كانت الطَّريقةُ الصُّوفيّة لهؤلاء السُّودان بتونس تُسَمَّى«الصتمبالي»، ووليُّهُم هو سيدي سعد الّذي له قُبَّةٌ بسَهْلِ مرناق، جنوب العاصمة[4]. ويَبدو أنَّ هؤلاء السُّودان الَّذين كانت لهم أنشطةٌ دينيّةٌ كبيرةٌ…في تونس منذ عهد علي باشا الأوّل(ت:1756)….ونظرًا إلى أنَّهُ كثيرًا ما كان إِسْلاَمُ هؤلاء السُّودان مجرَّدَ نتيجةٍ لسُقُوطهم في عبوديَّةِ الأَسْيَادِ المسلمين، فإنَّ اعتناقَهُم هذا بَقِيَ مَطْبُوعًا إلى حدٍّ بعيدٍ بالاِعتقاداتِ الدِّينيّة والطُّقُوسِ الأصليّةِ الّتي كانُوا يُمارسونها في بُلدانهم وفي إِطَارِ حضَارَاتهم الأصليّة» (ص:25).

قلتُ:
وهذا الَّذِي نَقَلَتْهُ الباحثةُ عن السُّودان، قد وَرَدَ ما يُماثِلُهُ في: «أجوبةِ المغيليّ على أسئلة الأَسْقِيا»؛ حيثُ وَصَلَ[COLOR="rgb(160, 82, 45)"] الشّيخُ محمّد بن عبد الكريم المغيليّ التّلمسانيّ[/COLOR] بلادَ كاغو[مِن بلادِ التَّكْرُور/ أو السُّودَان الغربيّ] واجتمعَ بسُلطانِهَا أَسْقِيَا الحاجّ محمّد، وأَلَّفَ لهُ تأليفًا أجابَهُ فيهِ على مسائلَ(سنة: 1502/1503)؛ وقد ذَكَرَ فيها الأَسْقِيَا عن طُقُوس السُّودان حَالَ كُفْرِهِم، وهو يَتَحَدَّثُ عن أحدِ سلاطينهم وأجدادِهِ مِن عَبَدَةِ الأصنام، ما يلي: «…وهم قومٌ كُفَّارٌ يَعبدون الأصنامَ مِن الأشجار والأحجار، ويَتَصَدَّقُون لها، ويَسألُون حوائجهم عندها، فإِنْ أَصَابُوا خيرًا زعموا أنّ تلكَ الأصنام هي الّتي أَعْطَتْهُم، وإن لم يُصيبوا، رأوا أنَّها مَنَعَتْهُم، فلا يَغْزُون حتَّى يُشاوروها، وإن قَدِمُوا من سفرٍ قصدوها ونزلوا عندها، ولتلك الأصنام سَدَنَةٌ يَخدمونها ويُتَرْجِمُون لها عنهم، وفيهم كهّانٌ وسَحَرَةٌ يقصدونهم كذلك….[ثمَّ تكلَّم عن الرَّجُل المسؤولِ عنه، بعد أن ذكر مِن صفته أنَّهُ يَنطقُ بالشَّهادتين ونحوها مِن ألفاظِ المسلمين، ولكن لا يَعرفُ لذلك حقيقةً، إنَّما يَقُولُ ذلك بلِسَانِهِ…ويصوم رمضان ويَتصدَّقُ كثيرًا مِن الذّبائح وغيرها عند المساجد ونحوها، ومع ذلك يَعْبُدُ الأصنام ويُصَدِّقُ الكُهَّان ويَستعين بالسَّحَرة ونحوهم فيُعَظِّمُونَ بعضَ الأشجار والأحجار بالذَّبْحِ عندها والصَّدَقَة والتّضرُّع والنَّذْر لها وطلب قضاء حوائجه، ويَسْتَعِينُ بها، وبالسَّحَرة والكُهَّان في الأُمُور كلّها، أو جُلِّها»(ص:34-35).
وكان مِن جوابِ المغيليّ[5] – بعدَ أن قَرَّرَ أنَّهُ لا يُكَفّر أحدٌ بذنبٍ مِن أهلِ القِبلة، وذَكَرَ أنَّ التَّكفير يكونُ بأحدِ أمور؛ وذكرَ منها: «عبادة الأوثان!»-: «إنّ الّذي ذَكَرْتُمُوه مِن حالِ «سِنِي علي» عَلَمٌ على الكفرِ بلا شكّ[6]، فإن كان الأمرُ كما ذكرتُم فهو كَافِرٌ، وكذلك مَن عَمِلَ بمثلِ عملِهِ، بل يجبُ التَّكفيرُ بما هو أَقَلُّ مِن ذلك…»(ص:39-40).
ثمَّ وصفَ لَهُ حالَ أهلِ البلاد الّتي اسْتَوْلَى عليها بعدُ: «سِنِي علي»، قال(ص:43-44):
«…فإذا هُم يَشْهَدُون ويقولون لا إله إلاّ الله محمّدٌ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ويَعتقدون مع ذلك أنّ هناك مَن يَنفعُهُم ويَضُرُّهم غير الله جلّ وعلا، ولهم أصنامٌ، ويَقولون الثّعلب قال كذا، وسيكونُ كذا، وإن كان كذا سيكون كذا، ويُعظِّمُون بعض الأشجار ويَذبحون لها، ولهم بيوتٌ مُعظَّمةٌ عليهم، لا يُولُّون سلطانًا ولا يَقطعون أمرًا صغيرًا ولا كبيرًا إلاّ بِأَمْرِ سَدَنَةِ بُيُوتهم المعظَّمَة عندهم، فزَجَرْتُهُمْ عن ذلكَ كلِّهِ، فأَبَوا إِلاَّ بالسَّيْف، فهل هذا يُكَفِّرُهُم ويُحِلُّ قَتْلَهُم وأَخْذَ أَمْوَالِهِم إِن أَصَرُّوا عليهِ…».
وكان مِن جوابِ المغيلي(ص:45):
«…وأمَّا القومُ الَّذِين وصفتَ أحوالهم، فهُم مُشرِكُون بلا شكٍّ، لأنَّ التَّكفيرَ في ظاهرِ الحكم يكون بأقلّ مِن ذلك، كما بَيَّنَّاه في السُّؤال الّذي قبلَ هذا، فلا شكَّ أنَّ الجهادَ فيهِم أَوْلَى وأَفْضَل مِن الكفَّار الَّذين لا يقولون لا إله إلاّ الله محمّدٌ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، لأنَّ هؤلاء الَّذِين وصفتَ لَبسوا الحقّ بالباطل، بحيثُ يَضِلُّ بهم كثيرٌ مِن جهلةِ المسلمين حتَّى يَكْفُرَ وهُو لا يَشعر[7]، فهُم أَوْلَى بالجهادِ مِنَ الكُفَّارِ الّذين لا يَقْتَدِي بهم مسلمٌ…»اهـ.
علَّقَ مُحقِّق الأجوبة بقولِهِ:
«مِن هذا يَتَبَيَّنُ للقارئِ جانبٌ مِن الكيفيَّةِ الّتي كان عليها إِسْلاَمُ الكثيرين عَلَى أَيَّامِ الأَسْكِيَا محمّد، وليسَ هُناكَ مِن شكٍّ، في أنَّ أسبابَ التَّباعدِ عنِ الإسلام في بعضِ التَّصرُّفات إنَّما تَعُودُ إلى بَقَاءِ العاداتِ القديمةِ الّتي ظَلَّ السُّكَّانُ يُحافظون عليها لا بِسببِ تفريطِهِم قي قضيَّةِ الانسجامِ مع الإسلام، ولكن لقِلّةِ توفّرهم على ما يُمكنهم مِن التّعمُّق في فهمِهِ…ولذا ظَلَّ في إسلامهم حتَّى القرن السَّادس عشر كثيرٌ مِن أَوْجُهِ السَّذَاجَةِ واختلاطِ العاداتِ القديمةِ بالدِّيانةِ الجديدة»اهـ.

ـ وقالت(ص:25): «…الاعتقادُ في الأولياء، نجدُهُ في الدِّينِ العِبريّ والمسيحيّ، مثلَمَا نجدُهُ في ظاهرةِ «ساحر القبيلة» وزعيمها الرُّوحيّ عندَ الشُّعُوب البِدَائيَّة. وأكثرُ مِن ذلك يُمْكِنُ أن نجدَ اشتراكًا بين يهود ومسلمين في زيارةِ نفسِ الوليِّ مثلما هو الحالُ بالنِّسْبَةِ لسِيدِي محرز بتونس[…وتفسيرُهُ أنّ محرز بن خلف قد وضع اليهود تحت حمايته عندما قامت انتفاضاتٌ شعبيّةٌ عارمةٌ ضدّ الحكم الفاطميّ الشِّيعيّ…] أو لسيدي يعقوب بتلمسان[8]»اهـ.

وقد أشار ابنُ الحاجّ المالكيّ إلى أَثَرِ مُخالطَةِ المسلمين لغيرِهِم، في بَثِّ مثلِ هذه البِدع والمحدثات؛ قال في«المدخل»(3/95):
«…مع قِلَّةِ العلم والتّعلُّم في الغالب، فَأَنِسَتْ نفوسُهُم بعَوَائِد مَن خَالَطُوهُ فنَشَأَ مِن ذلك الفساد، وهو أنَّهم وَضعوا تلكَ العَوَائِد الّتي أَنِسَتْ بها نفوسُهُم مَوْضِعَ السُّنَن حتَّى إذا قُلْتَ لبعضِهِم اليومَ: السُّنَّةُ كذا، يكونُ جوابه على ذلك على الفَوْر: عَادَةُ النَّاسِ كذا، أو طريقةُ المشايِخِ كذا، فإِنْ طَالَبْتَهُ بالدَّلِيلِ الشَّرعيِّ، لم يَقدر على ذلك، إلاّ أنّه يقولُ: نَشَأْتُ على هذا، وكان والدي وجدِّي وشيخي وكلُّ مَن أعرفُهُ على هذا المنهاج، ولا يُمكِنُ في حقِّهِم أن يَرتكبوا الباطل أو يُخالِفُوا السُّنّة، فيُشَنِّعُ على مَن يَأمرُهُ بالسُّنَّة، ويَقولُ لهُ: ما أَنْتَ أَعْرَفُ بالسُّنَّة ممّن أَدْرَكْتُهُم مِن هذا الجَمِّ الغفير. وقد تقدَّمَ إِنْكَارُ بعضِ العلماءِ على الإمامِ مالكٍ (رحمه الله) في أَخْذِهِ بعَمَلِ علماءِ المدينةِ -على ساكنها أفضلُ الصّلاة والسّلام- فكيفَ يَحتجُّ هذا المسكين بعَمَلِ أهلِ القرنِ السّابع، مَعَ مُخالطتهم لغير جِنْسِ المسلمين من القِبْطِ والأعاجم وغيرهما، نَعُوذُ بالله من الضَّلال»اهـ كلامُ ابنِ الحاجّ.

المالكيَّةُ يُنكرون بِدَعَ الطُّرُق والافتتانَ بالأضرحة والقبور!:
ـ ولا يزالُ كثيرٌ من أئمَّةِ المالكيّةِ وكبارِ فقهائهم في القرون القريبة مِن قرنِ ابنِ الحاجّ وبعده، يَرُدُّونَ على معاصِرِيهم مِن المالكيّة؛ فأين الإجماع المزعوم؟ وأين إِطْبَاقُ المالكيّةِ على هذه البدع والرُّسُوم الطّرُقيّة وغير الطُّرُقيّة؟!
وأسوقُ هنا نقلاً عن أبي العبّاسِ أحمد النّاصريّ:
ـ ورد في جريدةِ «الصِّراط»[العدد(2)،(ص:4)]، تحت عنوان: «بدعةُ الطَّرِيقِ في الإسلام» ما يلي:
«قال العلاَّمة المؤرِّخ أبو العبّاس أحمد النّاصريّ في كتابه«الاستقصاء» في تاريخ المغرب الأقصى ما نَصُّهُ:
«قد ظهرت ببلاد المغرب وغيرها منذُ أعصارٍ مُتطاولة، لا سيَّما في المئة العاشرة وما بعدها بدعةٌ قبيحةٌ، وهي اجتماعُ طائفةٍ مِن العامَّةِ على شيخٍ مِن الشُّيُوخ الّذين عاصروهم، أو تَقَدَّمُوهم ممَّن يُشارُ إليه بالوَلاية والخُصُوصيّة ويَخُصُّونهُ بمزيدِ المحبَّةِ والتَّعظيم، ويَتمسَّكون بخِدْمَتِهِ والتّقرُّب إليه قَدْرًا زَائِدًا على غيرِهِ من الشُّيوخ، بحيثُ يَرْتَسِمُ في خَيَالِ جهلهم أنّ كلَّ المشايخ أو جلّهم دُونَهُ في المنزلةِ عند الله، ويَقولون: نحنُ أتباعُ سيدي فلان وخَدَمُ الدَّار الفلانية، لا يَتحوَّلُون عن ذلك ولا يَزُولون خَلَفًا عن سَلَفٍ، ويُنادُون باسمه، ويَستغيثون به، ويَفزَعُون في مُهِمَّاتهم إليهِ، مُعْتَقِدِين أنّ التّقرُّب إليه نافعٌ والانحرافَ عنه قيد شِبْرٍ ضَارٌّ، مَعَ أنَّ النَّافعَ والضّارّ هو اللهُ وحده، وإذا ذُكِرَ لهم شيخٌ آخر ودَعَوا إليهِ صَاحُوا صَيْحةَ حُمْرِ الوَحْش مِن غيرِ تَبَصُّرٍ في أحواله، هل يَستحقُّ ذلك التَّعظيم أم لا؟ فصارَ الأمرُ عَصَبِيًّا، وصارت الأُمَّةُ بذلك طرائِقَ قِدَدًا؛ ففِي كلِّ بلدٍ أو قريةٍ عدّةُ طوائف، وهذا لم يكن معروفًا في سَلَفِ الأُمَّةِ الّذين هُمُ القُدْوَةُ لمن بعدهم» اهـ[9]. هذه الحالةُ هي نفسُهَا الموجودةُ في المغرب الأوسط والمغرب الأدنى، وهؤلاء هُمُ الّذين تَكَرَّرَ إِنكارُ العلماءِ عليهم مِن عهدٍ بعيد، وهُم أَصْلُ كثيرٍ مِن البلايا الّتي يُعانيها المسلمون اليوم. ثُمَّ بعدَ هذا كُلِّهِ يَزعُمُ قومٌ أنَّهم رجالُ التَّصوُّف، وأنَّهم ما أَنْكَرَ عليهم إِلاَّ علماءُ اليوم! »اهـ.
ـ وأسوقُ كلامًا مطوَّلاً لباحثٍ ومُثقّفٍ مغربيّ معاصر، عَالَجَ فيهِ بأسلُوبِهِ العصريّ الصِّرَاعَ الدَّائرَ بين السَّلفيَّةِ والنِّظامِ الطُّرُقيّ، و قالَ مُؤلِّفُ «الخطاب الإصلاحيِّ في المغرب: التّكوين والمصادر»(ص:144-147):
«اسْتَشْنَعَ العَقْلُ السَّلفيُّ[10] البدعةَ بقوَّةٍ، ولم يُوَقِّرْ أصحابَهَا. وكثيرًا –بل الأغلبُ- ما كان الخوضُ في السِّجالِ ضدَّها تشنيعًا على الزَّوايا والطُّرُق، ورجمًا في ما أَتَتْهُ مِن «التَّخرُّصات» والأساليب. فهذا أحمدُ بن خالد النّاصريّ-أحد شيوخ السَّلفيّة المغربيّة مِن الجيلِ الأوّل في القرن التّاسع عشر-كتبَ يَصِفُ حالة انفلاتِ «العَقْلِ المبتدِع» مِن كلِّ عِقَالٍ دينيّ قائلاً: «قد ظهر ببلاد المغربِ منذُ أعصارٍ مُتطاولة-لا سيّما في المائة العاشرة وما بعدها…..-وساقَ الفقرةَ الّتي نقلناها آنفًا عن جريدةِ «الصّراط»، وتَتِمَّتُها:- وهذا لم يكن مَعروفًا في سلفِ الأُمّة الّذين هُمُ القُدوة لمن بعدهم؛ وغَرَضُ الشّارِع إنّما هو في الاجتماع وتمامِ الأُلْفة واتِّحاد الوِجهة… ثمّ اسْتَرْسَلَ هؤلاء الطَّغَام في ضلالهم، حتَّى صارت طائفةٌ تَجتمعُ في أوقاتٍ معلومةٍ في مكانٍ مخصوصٍ…على بِدعتهم الَّتي يُسَمُّونها الحَضْرَة! فمَا شِئْتَ مِنْ طَسْتٍ وطَارٍ! وطَبْلٍ ومِزمارٍ وغِناءٍ ورَقْصٍ وخَبْطٍ وفَحْصٍ! وربَّما أضافوا إلى ذلك نارًا أو غيرها، يَسْتَعْمِلُونَهُ على سبيلِ الكرامةِ بزعمهم! ويَسْتَغْرِقُونَ الزَّمَن الطَّويل… ولا تجدُ في هذه المجَامِع الشَّيطانيَّةِ غالبًا إلاَّ مَن بَلَغَ الغَايَةَ في الجَفَاءِ والجَهْل….».
ويُهاجِمُ النّاصريُّ البدعةَ في تَجَلِّيها الطُّرقيّ على جُمْلةِ مُستوياتٍ: على مُستوى الادِّعاءِ بوَلاَيةِ[11] شيوخِ الطُّرُق وخُصُوصيَّتِهِم؛ وعلى مُسْتَوى تَأْلِيهِهِمْ «الاستغاثة» هؤلاءِ الشُّيُوخ؛ وعلى مُسْتَوى إِجْرَائِهِم طُقُوسَ«التَّعبُّد» على مُقْتَضَى التَّبْدِيع التَّطْرِيبِيّ«الحَضْرَة»؛ وعلى مُسْتَوَى جَهْلِ المُنْخَرِطِين في الطَّرِيقة واسْتِلاَبِ وَعْيِهِم«الشَّيْطَانيّ»؛ ثمّ على مُستوى إِحْدَاثِهِم الثُّلَم والفُرْقَة في وحدةِ الجماعةِ الإسلاميّة بابْتِدَاعِهِم الوحدات الطَّائِفِيَّة بديلاً مِن التّوحيد المِلِّي للجماعة. وبالجُمْلَةِ، فهو يَصِمُهُم بالاِنْحِرَافِ عمَّا سَارَ عليهِ السَّلَفُ، والإِحْدَاث فيما لا يَجُوزُ فيه إِحْدَاث «العقيدة».
وإِذْ يَقِفُ المثقَّفُ السُّنِّيُّ المصلِحُ أَمَامَ هذه الظَّاهرة«الطُّرُقيّة» الّتي اجْتَاحَت الاِجْتَمَاعَ المغربيَّ وأَخَذَتْ بأَلْبَابِ النَّاس، يَسْتَطْرِدُ في إِحْصَاءِ مَظَاهِرِ وأَمَارَاتِ الاِنحرافِ فيها، النَّاجِمِ عن فِعْلِ الاِبتداع، فيَذْكُرُ أنَّ: «مِن بِدعهم الشَّنِيعة مُحُاكَاتُهُم أَضْرِحَةَ الشُّيُوخ لبيتِ اللهِ الحَرَام، مِنْ جَعْلِ الكِسْوَةِ لها وتَحْدِيدِ الحَرَم… واتِّخَاذِ المَوْسِمِ كلّ عامٍ! وهَذَا وأمثالُهُ لم يُشْرَع إلاَّ في حَقِّ الكعبة»، ثمّ يَذْكُرُ أنَّ:
«مِن جَهَالاتهم الفَظِيعة جَمْعُهُم بينَ اسمِ اللهِ تعالى واسمِ الوَلِيِّ في مَقَامَات التَّعْظِيم»، وأنَّ:
«مِن مَنَاكِرِهم الجَدِيرة بالتَّغْيِير: اجتماعُهُم كلَّ سنةٍ للوُقُوفِ يومَ عَرَفَةَ بضرِيحِ الشّيخ عبد السَّلام بن مشِيش…! ويُسَمُّونَ ذلكَ حجّ المسكين!». ثمّ إنَّ:
«مِن اخترَاعَاتهم: تَسْمِيَتُهُم لبِدْعَتِهِم بالحَضْرَة…أَخْذًا مِن اسْمِ حَضْرَةِ اللهِ تعالى…، فَأَوْهَمَ هؤلاءِ الشَّيَاطين بهذِهِ التَّسمية أنَّهُم يَكُونون في حالِ اشتغالِهِم بتلكَ البدعةِ في حَضْرَةِ اللهِ تعالى! ثمَّ يَذهبُون فيُسَمُّونَ جُنُونَهُم وتَخَبُّطَهُم عَلى تِلْكَ الطُّبُول والمزامِير بالحال!» [12].
ثمّ يقولُ الباحث:
«يُمثِّل النّاصريّ نموذجًا للمثقَّف السّلفيّ الَّذي لم يَحتفِل كبيرَ احتفال بما يُمكِنُ أن يَكونَ هُناك مِن تمييز أو تمايز بين الطّرقيّة والتّصوّف. ومع أنَّهُ لا يُصرِّح بموقفٍ سلبيٍّ خاصٍّ مِن التّصوّف، إلاَّ أنّه لم يَعِ ظاهرةَ الطُّرقيّة إلاَّ بما هي تمثُّلٌ للاعتقاداتِ الصّوفيّة الباطنيّة وتَعبيرٌ عنها. ذلك ما نقرأُهُ-مثلاً- في هذا النّصّ الّذي يقولُ فيهِ مُنْتَقِدًا ادِّعاءَ الطُّرُقيِّين للوَلاية، على شاكلةِ ما ادَّعَاه المتصوِّفةُ ممّن زَعَمُوا أنَّهم مِن أهلِها:
«….وكَثُرَ هذا وشَاعَ حتَّى ادَّعَاهُ مَن ليسَ مِن أهلِهِ. فلمَّا رأى الإِباحيَّة والملاحِدَة ذلك، انتهزُوا الفُرْصَةَ في تَرْوِيجِ بِدْعَتِهِم، وإِظهار ضلالتهم، فدَخَلُوا في غِمَارِ الصُّوفيّة وتَزَيَّوْا بِزِيِّهِم، وخَاضُوا في اصطلاحهم حتَّى عَرَفُوا بعضَ الشَّيء، ثمَّ فَاهُوا بالعَظَائِمِ وصَرَّحُوا بالحُلُول والاتِّحاد في حالِ حضورٍ وسُكُون، وقالُوا بإِسْقَاطِ التَّكاليف الشَّرعيّة، وزعموا أنَّ للشَّريعةِ ظاهرًا وباطنًا، وأنَّهُما مُتَغَايِرَانِ، وأنَّ الظَّاهِرَ منها للعامَّةِ والباطنَ للخَاصَّة، إلى غيرِ ذلك مِن أنواعِ كُفْرِهم وضلالتهم، ففَتَنُوا العامَّةَ وكثيرًا مِن الخاصَّة بذلك. فإذا أَنْكَرْتَ عليهِم شَيْئًا مِن ذلك، قالُوا: نحنُ أَرْبَابُ أحوالٍ وأَصحابُ أَذْوَاق، وسِرُّنَا لا يَطَّلِعُ عليهِ غيرُنا…» [13]..»اهـ.

تَسْلِيَةٌ من «ابنِ الحاجّ المالكيّ» للمُصْلِحِين السَّلَفِيِّينَ:
ـ ونختمُ بهذه الكلمات؛ وهي تَسْلِيةٌ من ابنِ الحاجّ المالكيّ في أوائل القرن الثّامن، إلى كُلِّ مُصْلِحٍ سُنِّيٍّ سلَفِيٍّ، لا سيَّما في هذه الأيّام، الّتي تَكَالَبَ فيها أنصارُ الخُرافة، والمقَدِّسُونَ للقبور! وأَرَادُوهَا حَرْبًا على السُّنَّةِ وأهلِهَا:
قال في«المدخل»(3/211): «…مَن مَشَى على لِسَانِ العِلْمِ واتَّبَعَ الحَقَّ والسُّنَّةَ المحمَّديَّةَ واقْتَفَى آثَارَ السَّلَفِ الماضِين (رضي الله عنهم)، سِيَّمَا إِنْ أَنْكَرَ عليهم ما هُم فِيهِ مِن عَوَائِدِهم الذَّمِيمة المخالِفَةِ للسُّنَّةِ، فالغَالِبُ مِن حالِ هذا الزَّمَانِ النُّفُورُ مِنْهُ؛ لأنَّهم يَزعُمُون أنَّهُ قَدْ ضَيَّقَ علَيْهِم، وهُوَ إِنَّمَا تَرَكَ العَوَائِدَ والاِبْتِدَاعَ واتَّبَعَ السُّنَّةَ َالمحمَّديَّةَ وتَمَسَّكَ بها، وعَادَةُ النُّفُوسِ في الغَالِبِ النُّفُورُ مِن الحُكْمِ عَلَيْهَا. وقد قالَ عمرُ بن الخطّاب (رضي الله عنه): «يا حَقُّ! مَا أَبْقَيْتَ لي حَبِيبًا». وقد كانَ السَّلَفُ (رضي الله عنهم) على عَكْسِ هذا الحال، مَن اتَّبَعَ السُّنَّةَ أَحَبُّوهُ واعْتَقَدُوهُ وعَظَّمُوهُ ووَقَّرُوهُ واحْتَرَمُوهُ، ومَن كان على غَيْرِ ذلك، تَرَكُوهُ وأَهْمَلُوهُ ومَقَتُوهُ وأَبْغَضُوهُ، حتَّى مَن كان يُرِيدُ الرِّفْعَةَ عندهم والتَّعظيمَ ممَّن لا خَيْرَ فيهِ يُظْهِرُ الاِتِّبَاعَ، حتَّى يَعْتَقِدُوهُ على ذلك. وأمَّا اليومَ فيَعْتَقِدُونَ ويَحْتَرِمُونَ مَن يَفعلُ العَوَائِدَ المُحْدَثَةَ ويَمْشِي عليها، ولا يُنْكِرُ على أَحَدٍ ما هُوَ فِيهِ، فمَن أَرَادَ التَّخْرِيبَ في هَذا الزَّمَانِ فلْيَتَّبِعِ السُّنَّةَ المطهَّرَةَ، فإنَّهُم يَنْفِرُونَ عَنْهُ، ولا يَعْتَقِدُونَهُ غالبًا، لإِنْكَارِهِ ما هُم فيهِ، حتَّى قَدْ يَنْفِرُ عنهُ أَبَوَاهُ وأَهْلُهُ وأَقَارِبُهُ، لمُخَالَفَتِهِ ما هُمْ عليهِ…»اهـ، والحمدُ لله رب العالمين.

[1] – انظر: «تلبيس إبليس»(ذكر تلبيس إبليس على الباطنيَّة)، (ص:99 و104)، وفيه: «الباطنيَّةُ قومٌ تَسَتَّرُوا بالإسلام ومَالُوا إلى الرَّفْضِ وعقائدُهُم وأعمالُهُم تُبايِنُ الإسلامَ بالمرَّة…».
[2] – (ص:20)[عن مصدرٍ أجنبيٍّ: (doutte.e:notes sur l،islam maghrebin،les marabouts-extraits de la revue de l،histoire des religions-paris 1900.p.10-11.)].
[3] – ترجمة الباحثة: doutte.e.الجيرياp.cit.p/7-8..
[4] -e.dermenghem: le culte des saints dans l.islam maghrebin. gallimard-paris 4e edition،1945 p.255. /ترجمة الباحثة.
[5] – وهو على العقيدةِ الأشعريَّةِ الخَلَفيَّة.
[6] – المَغيليُّ يُقرٍّرُ هذا على العقيدةِ الأشعريَّةِ الخَلَفيَّة، وهي في بابِ الإيمانِ والتَّكفير مَبنيَّةٌ على: بدعةِ الإِرْجَاءِ.
[7] – قارِن هذا بما كانَ من الشّيخِ محمّد بنِ عبدِ الوهَّاب (رحمه الله تعالى)، في قتالِهِ المشركين والكُفَّارَ من أهلِ البَوَادي، وانظر -على سبيلِ المثال- ما قالَهُ بإيجازٍ في رسالته: «»شرح ستَّة مواضعِ من السَّيرَة».
[8] – e.doutte: op.cit.p.68-69.
[9] – التَّسْطِيرُ والتَّشديد الأخير مِن محرِّر «الصِّراط».
[10] – السَّلفيَّةُ لا تَنْسَاقُ وراءَ العقلِ المُجرَّدِ، بل هيَ دعوةُ اتِّباعٍ للوَحْيِ المُنزَّلِ المعصُوم، والعقلُ عاضِدٌ وتابِعٌ، وآلةٌ لتلقِّي الوَحْيِ، ووسيلةٌ للفَهْمِ والتَّمْيِيز.
[11] – الكلماتُ باللَّون الأزرق في هذا النّصّ، جعلَهَا المُؤلِّفُ باللَّونِ القاتِم.
[12] – «الاِستقصا… »، الجزء الأول، ص.ص:144-145.
[13] – النَّاصريّ: «تعظيم المنّة بنُصرةِ السّنّة». مخطوط مصوّر-الخزانة الصّبيحيّة-سلا، رقم5906، ص280.

وانتم الوهابية اصحاب فكر تكفيري ظلامي خطير يجب مكافحته والحمد للله ان النظام الجزائري بدء يحث الخطى لمكافحتكم بعد ما ان راى افعالكم وقلة وطنيتكم في سوريا وليبياو…و…

وهابية الشيعة العالمانية بودية كلهم اعداء اسلام

برك الله فيك

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jamchid الجيريا
وانتم الوهابية اصحاب فكر تكفيري ظلامي خطير يجب مكافحته والحمد للله ان النظام الجزائري بدء يحث الخطى لمكافحتكم بعد ما ان راى افعالكم وقلة وطنيتكم في سوريا وليبياو…و…

شنشنة نعرفها من أخزم

يا أخي ثبت العرش ثم انقش

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسمين20 الجيريا
وهابية الشيعة العالمانية بودية كلهم اعداء اسلام

برك الله فيك

يا حبذا لو استخرجت لنا من كتب القوم عداوتهم للاسلام !!!؟؟؟ , فان ارسال التهم هكذا جزافا دون دليل و تروي لا يشك فيه عاقل أنه من الظلم و البهتان -خاصة اذا كانت التهمة عداوة الاسلام ؟؟؟؟-

تَسْلِيَةٌ من «ابنِ الحاجّ المالكيّ» للمُصْلِحِين السَّلَفِيِّينَ:
ـ ونختمُ بهذه الكلمات؛ وهي تَسْلِيةٌ من ابنِ الحاجّ المالكيّ في أوائل القرن الثّامن، إلى كُلِّ مُصْلِحٍ سُنِّيٍّ سلَفِيٍّ، لا سيَّما في هذه الأيّام، الّتي تَكَالَبَ فيها أنصارُ الخُرافة، والمقَدِّسُونَ للقبور! وأَرَادُوهَا حَرْبًا على السُّنَّةِ وأهلِهَا:
قال في«المدخل»(3/211): «…مَن مَشَى على لِسَانِ العِلْمِ واتَّبَعَ الحَقَّ والسُّنَّةَ المحمَّديَّةَ واقْتَفَى آثَارَ السَّلَفِ الماضِين (رضي الله عنهم)، سِيَّمَا إِنْ أَنْكَرَ عليهم ما هُم فِيهِ مِن عَوَائِدِهم الذَّمِيمة المخالِفَةِ للسُّنَّةِ، فالغَالِبُ مِن حالِ هذا الزَّمَانِ النُّفُورُ مِنْهُ؛ لأنَّهم يَزعُمُون أنَّهُ قَدْ ضَيَّقَ علَيْهِم، وهُوَ إِنَّمَا تَرَكَ العَوَائِدَ والاِبْتِدَاعَ واتَّبَعَ السُّنَّةَ َالمحمَّديَّةَ وتَمَسَّكَ بها، وعَادَةُ النُّفُوسِ في الغَالِبِ النُّفُورُ مِن الحُكْمِ عَلَيْهَا. وقد قالَ عمرُ بن الخطّاب (رضي الله عنه): «يا حَقُّ! مَا أَبْقَيْتَ لي حَبِيبًا». وقد كانَ السَّلَفُ (رضي الله عنهم) على عَكْسِ هذا الحال، مَن اتَّبَعَ السُّنَّةَ أَحَبُّوهُ واعْتَقَدُوهُ وعَظَّمُوهُ ووَقَّرُوهُ واحْتَرَمُوهُ، ومَن كان على غَيْرِ ذلك، تَرَكُوهُ وأَهْمَلُوهُ ومَقَتُوهُ وأَبْغَضُوهُ، حتَّى مَن كان يُرِيدُ الرِّفْعَةَ عندهم والتَّعظيمَ ممَّن لا خَيْرَ فيهِ يُظْهِرُ الاِتِّبَاعَ، حتَّى يَعْتَقِدُوهُ على ذلك. وأمَّا اليومَ فيَعْتَقِدُونَ ويَحْتَرِمُونَ مَن يَفعلُ العَوَائِدَ المُحْدَثَةَ ويَمْشِي عليها، ولا يُنْكِرُ على أَحَدٍ ما هُوَ فِيهِ، فمَن أَرَادَ التَّخْرِيبَ في هَذا الزَّمَانِ فلْيَتَّبِعِ السُّنَّةَ المطهَّرَةَ، فإنَّهُم يَنْفِرُونَ عَنْهُ، ولا يَعْتَقِدُونَهُ غالبًا، لإِنْكَارِهِ ما هُم فيهِ، حتَّى قَدْ يَنْفِرُ عنهُ أَبَوَاهُ وأَهْلُهُ وأَقَارِبُهُ، لمُخَالَفَتِهِ ما هُمْ عليهِ…»اهـ، والحمدُ لله رب العالمين.

رُعْبُ «الوَهَّابيَّة»؟! أَوْ: حوارٌ مع إعلاميٍّ الجزء الثالث 2024.

[size="4"][font="amiri"][right]رُعْبُ «الوَهَّابيَّة»؟! أَوْ: حوارٌ مع إعلاميٍّ«ناقمٍ»!(02): فيما كتبه بعنوان: «حتَّى لا يحْتَلَّنا الوَهَّابيُّون»! الجزء الثّالث

للشيخ سمر سمراد

الجيريا

تجدُ في الجزء الثّالث مِنْ هذا المَقال العناوينَ الآتية:

أصلُ البلاء: دَسائسُ الباطنيّة والرّافضة، وتَوَلَّى نشرَها وبثَّها الجهَّالُ من المتصوِّفة!:

مُحاربةُ بعضِ النُّوَّاب الجُهَّال، بل «النَّوائِب»:

الشّيخ زرُّوق المالكيّ: يَمنعُ التَّبرُّك بالقبر؛ لأنَّهُ أصلٌ في عبادةِ الجاهليَّة:

الغلُوُّ في تَعظِيم الأولياء أَصْلُ الضَّلال:

ما دعَا إليهِ ابنُ عبد الوَهَّاب مُتَّفِقٌ معَ أصُولِ مالكٍ:

أصلُ البلاء: دَسائسُ الباطنيّة والرّافضة، وتَوَلَّى نشرَها وبثَّها الجهَّالُ من المتصوِّفة!:
ـ يقولُ الزّواويُّ في أوّل مقالته: «وهّابيّ…»[«الصِّراط»، العدد(6)، 4رجب1352هـ/23أكتوبر1933م، (ص:4)]: «…إخوانُنا الحنابلة الّذين يُدْعَوْنَ بل يُنْبَزُونَ بالوهّابيِّين، منذُ قيام العلاّمة المرحوم الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب القائم بدعوة الإصلاح والدُّعاء إلى الكتاب والسّنّة، كما جاء عن الله وعن الرّسول، والرّجوع إلى ذلك، وطرح ما أَحْدَث المبتدعةُ الْمُسَمَّمِينَ-باسم المفعول-بالباطنيَّة المدسوسة والموروثة منذ القرن الرّابع عند قيام الدّولة الفاطميّة من مغربنا هذا بجَحافِلِها، واحتلَّت القاهرة وسمَّمت الأمّة كافّة، وبعض العلماء خاصّة كمحيي الدّين ابن العربيّ وابن الفارض والنّجم الإسرائيليّ وابن سبعين وابن سينا، الّذين أَحْدَثُوا قولةَ القُطب والغَوث والأبدال والسَّبعة والسَّبعين والأربعة والأربعين، إلى غير ذلك ممّا أبطله العلم الصَّحيح، ولم يعترف به، كالدِّيوان وتصرّف الأموات وبناء القبور وزخرفتها وإعلاء القبب والطَّواف بها -وهذه سَنَّهَا الرّافضة الباطنيّة، وتلقَّفها عنهم ونشرها المتصوِّفة!-، ولكنَّ أمثال الدَّجوي الأزهريّ يُجادلون بالباطل ليدحضوا به الحقَّ الّذي قُلنا به….»اهـ[1].
ـ وفي كلام «أبي يعلى الزّواويّ» أمورٌ:
1ـ أنَّ الحجّة في ما اتّضح دليلُهُ من كتاب أو سنّة، أو إجماع السَّلف، والعلماء حُجَّةٌ فيما يأثرون من ذلك، لا فيما يُؤثر عنهم، ثمّ الميزان عندنا، يقولُ الإبراهيميّ: «ونحنُ إِذْ نُنكِرُ إنّما نُنكِرُ الفاسدَ من الأعمال والباطل مِن العقائد، سواءٌ علينا أَصَدَرت مِن سابق أم مِن لاحق، ومِن حيّ أو مِن ميّت؛ لأنّ الحكم على الأعمال لا على العاملين، وليس صدور العمل الفاسد مِن سابقٍ بالّذي يُحدِثُ له حرمةً أو يُصيِّرُهُ حجّةً على اللاَّحقين، بل الحجّةُ لكتاب الله ولسنّة رسوله، فلا حَقَّ في الإسلام إلاَّ ما قام دليلُهُ منهما واتَّضح سبيلُهُ مِن عمل الصَّحابة والتَّابعين بهما، أو إجماع العلماء بشرطه على ما يَستنِدُ عليهما، وبهذا الميزان فأعمالُ النّاسِ إمّا حقٌّ فيُقبل أو باطلٌ فيُرَدّ»اهـ[2].
2 ـ أنّ أسلافَ المتصوّفة في تلكم البدع هم الرّافضةُ الباطنيَّة.
3 ـ أنَّ مَنْ يُنْسَبُونَ إلى العلم يُجَادِلُون عن هذه الأضاليل بالباطل، وبغير حُجَّةٍ مقبولةٍ!

مُحاربةُ بعضِ النُّوَّاب الجُهَّال، بل «النَّوائِب»:
ـ تحت هذا الفصل كتبَ الشّيخ تقيّ الدّين الهلاليّ المغربيّ، مِن بلاد الهند، وهو يُتابعُ أخبارَ المصلحين في الجزائر؛ ومِن ذلك تحرّش «ابن علال»، و«ابن غراب»، النَّائِبَين الماليَّيْن، بجمعيَّة العلماء!؛ [وهو خطابٌ لهم ولمن ورثهم وورِثَ صنائعهم الخاسرة! في تشويه المصلِحِين والتَّأْلِيب على السَّلَفِيِّينَ! فَلْيَسْمَعْهَا أصحابُ جريدة (….)، وكُتَّابُ جريدة (…)]؛ قالَ:
«أيُّها النَّائب الجَهُول! ما حَمَلَكَ على محاربة أولياء الله وأتباع نبيِّه وحزبه؟ أَلَمْ تَسمع ما جاء في الحديث القدسيّ: «مَن آذى لي وليًّا فقد آذَنْتُهُ بالمحاربة»؟ ألك يَدَان بمحاربة الواحد القهَّار؟ أما كان يجب عليك أن تنصر دينَ الله وسنَّةَ نبيِّه؟ أَخلقك اللهُ لأن تأكل وتشرب كالأنعام وتجلس على كرسيّ النِّيابة، فتكون نائبةً على ملَّة إبراهيم وأتباعها؟ أَأَنْتَ هتلر أم روزفيلت؟ إنّ كرسيَّكَ مع احترامه ليس بكرسيّ رئيس الجمهوريّة ولا صدر الوزراء! ألم يبلغك ما قاله هتلر في خطبته مِن نُصرة الدّين النّصرانيّ! أَتُريد أن يقلب اللهُ بك ذلك الكرسيّ الصّغير وينبذك بالعراء؟ ما حملك على الدُّخول فيما لا يعنيك مِن أمرِ الدّين؟ تقول: إنّ أهل الجزائر مالكيُّون وليسوا وهّابيِّين والمصلحون يَدعون النّاس إلى الكتاب والسّنّة وهما مِن حظّ الوهّابيِّين ولا حظَّ فيهما للمالكيِّين! أَتدري ما تقول، إنّ مالكًا وأتباعه يبرؤون إلى الله مِن قولِك، جعلتَ مالكًا والمالكيِّين ضدًّا للكتاب والسّنّة، وشتمتهم بجهلك خوفًا على كرسيّك….ومَن خاف مِن شيءٍ سلّط عليه. أمّا المصلحون إنّما يَدعون إلى مذهب مالك، وإلاّ فأخبرني أينَ يُوجد في «الموطّأ» و«المدوّنة» باب الرّقص، باب دعاء غير الله، باب النّذر لغير الله، باب الذّبح لغير الله، باب حلول الله في خلقه تعالى، باب القول على الله بلا علم، باب الشَّهيق والنَّهيق، باب تقبيل الأيدي، باب خداع الناس واستِتْبَاعِهِم وتوزيعهم كقطعان الغنم، كلّ ذئب بعث في قطعة، أَهذهِ البدائعُ المنكَرات هي مذهب مالك أم هيَ سبيلٌ هالكٌ؟….»اهـ[3].

ـ ويقول الأستاذ حمزة بكوشة (رحمه الله)، وهو يؤرِّخ لتأسيس الجمعية ، مشيرًا إلى وِشايات الطّرقيِّين والنُّوَّاب الجاهلين!: «…ولم تُلاَقِ الجمعيّة أيّام تأسيسها مقاومةً تُذْكَرُ من الحكومة، لأنَّ العُلَمَاءَ السَّلَفِيِّينَ فيها أقلّيّة غَمَرَتهم كثرةٌ جارفةٌ من الطّرقيِّين والعلماء المغفَّلِين ممّن لا يَقطعون أمرًا دون الحكومة، فظنَّت-وقد خاب ظنُّها- أنّها بالفئة الكثيرة تَقضي على الفئة القليلة، وأنَّى لها أن تدري: ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين﴾، وما كادت تَسلخُ جمعيّة العلماء سَنَتَها الأولى حتَّى حدثت مُشاغبات بين أعضائها، وحاولت تلك الفئة الكثيرة قَلْبَ نظمها أو حلّها، فاعتصمت الفئةُ القليلة بربِّها، وثبتت على خطّتها، واحتفظت بجمعيَّتها، بل افْتَكَّتْهَا مِن بين ذراعَيْ وجبهةِ الأسد، فكشّرت الحكومةُ عن نابها، وأسّست جمعيّات تحت أسماء مختلفة، الواحدة تلو الأخرى، لمحاربة جمعيّة العلماء وصدّ الأمّة عنها، فكان نصيب تلك الجمعيّات الإخفاق والخسران؛ وما أَغْنَت عنها كثرتها شيئًا، ومِن بين هذه الجمعيّات-الجمعيّة الّتي سمّوها إذ ذاك بجمعيّة السّنّة، وإليها يُشيرُ شاعرنا محمّد العيد بقوله:
وتنادوا فَبَدَّعُوا مصلحيهم ومتى كان مصلحٌ غيرٌ سُنِّيّ؟
ويُشيرُ في ذلك القصيد إلى نُوَّابِ ذلكَ الوقت، وما أَصدقَ ما يُشيرُ به حتَّى على كثيرٍ مِن نُوَّابِ اليوم بقولِهِ:
والنِّياباتُ أَسْفَرَتْ عن مآسٍ أو مواس مثل الحديد المسِنِّ
كاذِبَاتِ البُرُوقِ مِن كُلِّ خِبٍّ يَعِدُ النّاسَ باطلاً ويُمَنِّي….»اهـ[4].

ـ وقد قال الشّيخ عمر بن البسكريّ العُقبيّ «السَّلفيّ»[5]في مناظرته مع الطّرقيّ، بعنوان: «مناظرة المصلح والمحافظ! »(3)[«الشِّهاب»، جزء صفر1352هـ/جوان1933م]:
«المحافظ(يعني: الطرقيّ): نحن مالكيّةٌ لا نُريد إلاّ مذهب الإمام مالك بن أنس (رحمه الله).
المصلح: تُريدون مذهب مالك، فما أعظمها سعادةً لو تبعتم لنا مذهب مالك.
مالكٌ (رحمه الله) يقول: سَوْقُ الهَدَايا لغير مكَّةَ ضلالٌ.
وأنتم تَسُوقُونها وتَنحرونها عند قبور الصّالحين.
مالكٌ يقول: القراءة على القبور ليست من عمل السَّلَف.
وأنتم تقرؤون.
مالكٌ يُحرّم البناء على القبور، وأنتم تَبْنُون.
مالكٌ يَمنع القراءة بصوتٍ واحدٍ، وأنتم تُجِيزون.
مالكٌ يَمنع التّهليل، وسائر اللَّغو عند حمل الميِّت، وأنتم تُهلِّلون وتلغون وتترنَّمُون.
مالكٌ لا يُقسِّم البدعة إلى خمسةِ أقسام، وأنتم تُقسِّمون.
قل لي بربِّك: لأيِّ مذهبٍ تَنتسبون، وبأيِّ شريعةٍ تَدِينون.
قلنا لكم: الرُّجُوع إلى ما كان عليه السَّلف، قلتُم: نحنُ مالكيَّة. قلنا لكم: الرُّجُوع إلى مذهب مالك، قلتم: نحنُ خليلُون. قلنا لكم: الرُّجوع إلى ما كان عليه خَلِيل، قلتم: نحنُ على ما جَرَى به العُرْف، ومَضَى عليه العمل، ولِمَ ذَا مَن كان قبلَكُم مِن العلماء والصُّلحاء لا يَنهون….»اهـ.

ـ وأخيرًا: قد زعمَ «النَّاقِمُ» ومِن خلفِهِ وأَمَامَهُ «ناقِمُون»كُثُرٌ-لا كثَّرهمُ الله!-: أنَّ المالكيَّة سلفًا وخلفًا كانوا: «يُقَدِّسون القبور»، ويشدُّون الرِّحالَ إليها للتَّبرُّك بها، «إلاَّ مَن شَذَّ أو إلاَّ قليلاً»!، ودليله في هذا الزَّعم، هو نقلُ ابن الحاجِّ المالكيّ الفاسيّ ثمّ المصريّ -الّذي عاشَ في أواخر القرن السَّابع وأوائل القرن الثّامن-(توفِّي سنة:737هـ)؛ قالَ:
«ومن الأمثلة الصَّارخة على ذلك، أنَّ المالكيَّةَ يكادون يكونون مُجْمِعِين قديمًا وحديثًا، على جواز بل استحبابِ زيارة الأولياء والصَّالحين والتَّبرُّك بهم، ويَكفي في ذلك كلامُ ابن الحاجّ صاحب«المدخل» وهو بالمناسبة كتابٌ في الرّدّ على البدع، وصاحبُهُ مِن أساطينِ علماء وفقهاء المذهب المالكيّ، حيثُ يقولُ: «إذا نزلت نازلةٌ بالمسلمين، يذهبون إلى قبور الأولياء والصَّالحين ويدعون عندها لزوال الضّرّ…، يبدأ بالتّوسّل إلى الله تعالى بالنّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، إذْ هو العمدةُ في التّوسّل، والأصل في هذا كلّه… فإن كان الميِّت المزورُ ممّن تُرجَى بركتُهُ، فيتوسّل إلى الله تعالى به…؛ لأنّ الله تعالى اجتباهم وشرّفهم وكرّمهم، فكما نفع بهم في الدّنيا، ففي الآخرة أكثر…»، فإذا كان المالكيَّةُ هكذا، وهذا كلامُ أحدِ أعلامهم الكبار ينقل إجماعهم على ذلك كابرًا عن كابر، فلماذا يعمل القائمون على«الإرشاد» الدِّينيّ عندنا على تغطية الشَّمس بالغربال، ويُوهِمون النَّاسَ أنَّ زيارةَ الأولياء والصَّالحين والتَّبرُّك بهم والاستشفاع بهم، لا أساس لها في الدِّين، أو على الأقلّ في المذهب المالكيّ، وهو قائمٌ على الكتاب والسّنّة، شأنه في ذلك شأن غيره من المذاهب؟»اهـ.
والجواب:
ـ قد قدَّمنا قبلُ من النُّقول والعبارات، ما يُبطِلُ استدلاله هذا، ونزيدُ عليهِ:
1ـ ليس الحجَّةُ في عمل النَّاس ولو كانوا الأكثرين؛ ولطالما احتجَّ محسِّنُو البدع بأنَّ هذه البدعة أو تلك: لا زال النَّاسُ يَعملونها، وقد جرى العملُ عليها مِن قرون، وفيهم العلماء والأئمَّة والفقهاء، ولم يُنكِرُوها، ولو كانت لا تُشرع، لكانوا أَوْلَى النّاسِ بإنكارِها، إذْ إنَّهم لا يُقرُّون على مُنكَرٍ لو رَأَوهُ، فكيفَ بفعلِهِ!… وغيرِ ذلك مِن أمثال هذا الكلام، وما يُشْبِهُ الاستدلال…
ـ يقولُ الشّيخ الحافظ أبو العبّاس أحمد بن قاسم القَبَّاب من أئمَّة «فاس»، ردًّا على هذه الشُّبهة: «وأمَّا احتجاجُ منكِرِ تَرْكِ ذلكَ بأنَّ هذا لم يَزل النّاسُ يَعملونه فَلَمْ يَأْتِ بشيءٍ، لأنّ النَّاسَ الّذينَ يُقتدى بهم ثبتَ أنّهم لم يكونوا يفعلونهُ -أقولُ: وهُمُ الصّحابةُ والتَّابعون وأتباعُ التّابعين؛ أهلُ القرون الثّلاثة المشهود لهم بالخيريَّة على لسانِ خيرِ البريَّة، وهُم مَن نعنيهم بكلمةِ «السَّلَف الصَّالح»، فافهمْ تُرزَقْ عِلْمًا-، ولمّا كثرت البدعُ والمخالفاتُ وتَوَاطَأَ النّاسُ عليها، صارَ الجاهلُ يقولُ: لو كانَ هذا مُنكرًا لما فعله النّاس. وقد روى مالكٌ في «موطّئه» عن عمِّه أبي سهيل أنّه قال: «ما أعرفُ شيئًا ممّا أدركتُ عليهِ النّاسَ إلاّ النِّداء بالصَّلاة»، وإذا كان في عهدِ التَّابعين يقولُ إنّه كثُرت الأَحْدَاث فكيفَ بزماننا. وقد جاءَ مِن التَّشديدِ في إنكارِ البدع والمحدثات ما هو مشهورٌ عند العلماء….إلخ»اهـ[6].
2ـ ولْيُعْلَمْ أنَّ هذه الرُّسُوم، وشدّ الرِّحال إلى القبور، قد أنكرهُ الإمامُ مالكٌ؛ وقد قدَّمنا في كلامِ أبي يعلى الزّواويّ إنكارَ الإمامِ مالكٍ لقولِ القائلِ: زُرْنَا قبرَ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، سدًّا لذريعةِ الفتنةِ بالقبر؛ فَيُتَّخَذَ مَحَلاًّ للعبادة، أي: مسجدًا يُقصدُ للدُّعاء عنده! فكيفَ بدُعائه مِن دونِ الله أو مع الله!! ولأجلِ ذلك كذلك، لم يَرَ الإمامُ مالكٌ الوقوفَ عندَ القبرِ للدُّعاءِ مشروعًا ولا مُستحبًّا -فكيفَ لو رأى ما يصنعُ النّاسُ اليومَ وقبلَ اليوم بعدَ زمانه! ومنهم مَن يُنسبُ للعلم!-، وقالَ عندَ ذلك قولتهُ الشَّهيرة: «لا يصلحُ آخر هذه الأمّة إلاّ ما أصلح أوّلها».
وابنُ الحاجّ انطلقَ مِن هذهِ القاعدة المالكيَّة في ردِّ كثيرٍ من البدع! لكنّه قد أَثَّرَتْ عليه الأفكارُ الطُّرقيّة، والتَّهاويل الّتي بَثَّها أشياخُ المتصوِّفة منذُ قرون! فلم يَستطع التَّخلُّص منها، ولعلَّ ما نُسِجَ حولَ الأولياء والصَّالحين مِن تلكم التَّهاويل، وما رَاجَ في زمانهم مِن الأحاديثِ المختلَقَة والمكذوبة! الّتي وَضَعها المتصوِّفة أو وُضِعَت لهم -ونبَّهناك سابقًا على الدَّسائس الباطنيَّة والرَّافضيَّة!-، كان وراءَ وُقوعه في هذا الشَّرَكِ!! –كما وَقَعَ غيرُهُ-.
ثمَّ إنَّ عندَ ابنِ الحاجّ في «المدخل» كلماتٍ لو تمعَّنَ فيها المنصِفون، لاهتدَوا إلى الحقِّ الّذي يَدعُو إليهِ السَّلفيُّون، وإمامُهُم مالكٌ (رحمه الله)، ولأَدْرَكُوا خطأَ ابنِ الحاجّ وغيرِهِ فيمَا قرَّرُوه، أو أَقَرُّوهُ ممَّا جرى عليه عملُ النّاس ولَوْ مِن قرون!!:
3ـ يقولُ ابنُ الحاجّ في «المدخل»(1/75): «وقد قالَ بعضُ العلماء رحمةُ الله عليهم: يا هذا عليكَ باتِّباعِ السّنّة، وآكدُ مِن اتِّباع السّنّة، اتِّباعُ السَّلَف، فإنَّهم أعرفُ بالسّنّةِ منَّا، هكذا يَنبغي أن يكونَ الإنسانُ مع خيرِ القرونِ المشهودِ لهم بذلك»اهـ.
قلتُ:
وقد عرَّفْنَاكَ مَنْ هُم خيرُ القرون، ومَن هُم الَّذين شهدَ لهم(صلّى الله عليه وسلّم) بالخير!
هؤلاء هُم الَّذين يَلزم اتِّباعهم والاقتداء بهم، والوُقوف عندَ ما وقفوا عنده، وليسَ الَّذين يُقتدَى بهم، مَن جاء بعدهم من الخُلُوف، فمنهم مَن اتَّبعهم بإحسان وهُم قليل، وكثيرٌ منهم مَن ترك طريقتهم، وأَحْدَثَ المحدثات، برأيٍ واستحسان!
ـ وبعدَ أن نقلَ الإمامُ مالكٌ فعلَ السَّلَف في القراءة على صوتٍ واحدٍ[أو الحزب الرَّاتب!]، وأنَّهم ما كانوا يَصنعونه!، أَنكَرَ وعَابَ تلك الطَّريقة في القراءة! وعلَّقَ ابنُ الحاجّ فَذَكَرَ أنَّ فعلَ السَّلَف لا يُمكن مخالفتُهُ، وليس الإنسانُ مُخَيَّرًا في قبوله، ثمّ قال(1/72): «وأنَّ التَّقليد إنَّما يكونُ لخيرِ القرونِ الّذين شهد لهم صاحبُ العِصمةِ صلواتُ الله عليه وسلامُهُ بالخيرِ كما تقدَّم…».
ثمّ قال(1/74): «فكلُّ مَن أَتَى بشيءٍ مُخالفٍ لما كان عليهِ متقدِّمُو هذه الأمّة وسلفُهَا، فهُوَ مَردودٌ عليه مَحْجُوجٌ بفعلهم وبما نُقِلَ عنهم»اهـ.
قلتُ:
عرفتَ مَن هُم المتقدِّمون والسَّلَف! فهل تقديسُ القبور، وشَدُّ الرِّحال إليها للتَّبرّك والدُّعاء عندها، بَلْهَ دعائها مَعَ الله، مِن سُنَّةِ السلف؟ أم أنَّهم كانوا يَنهَون عن التّردّد على قبرِ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) للدُّعاء عندهُ!، وقد روى الشَّيخان في «صحيحيهما» -الّذين تلقّتهما الأمّة بالقبول- لعنَ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) لليهود والنّصارى؛ لأنّهم اتّخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد!، قال ابن عبّاس وعائشة: «ولولا ذلك أُبْرِزَ قبرُهُ، غير أنَّه خُشي أن يُتَّخَذَ مسجدًا»، وقالَ (صلّى الله عليه وسلّم)-كما روى الإمام مالكٌ في «موطّئه»-: «اللّهمّ لا تَجعل قبري وثنًا يُعْبَد، اشتدَّ غضبُ اللهِ على قومٍ اتّخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد»، وروى الضِّياء المقدسيّ في «الأحاديث المختارة»، عن عليّ بن الحسين (رضي الله عنه): أنّه رأى رجلاً عند فُرْجَةِ قبرِ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فيدخلُ فيها، فيدْعُو، فنَهَاهُ، وقال: ألا أُحدّثكم بحديثٍ سمعتُهُ مِن أبي عن جَدِّي[يعني: عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه)] عن رسولِ اللهِ (صلّى الله عليه وسلّم) قالَ: «لا تتّخذوا قبري عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا، وصلُّوا عليَّ فإنَّ تسليمكم ليبلغُني أين كنتم»، ومعلومٌ أنَّ قاعدةَ «سدّ الذَّرائع»، ممّا اشتهر بها مذهبُ مالك، وإن كان غيرُهُ مِن الأئمّة يقولُ بها!

فهاتان قاعدتان متظاهرتان، وهما صميمُ مذهبِ مالك:
ـ ليسَ إلى مخالفةِ أهلِ القرونِ الثّلاثة المفضَّلةِ مِنْ سبيل، بل اتِّباعُهُمْ لازِمٌ.
ـ سَدُّ الذَّرائع وحمايةُ جَنَاب التَّوحيد، ومَنْعُ كلّ الطُّرُق الّتي تُؤدِّي إلى عبادة الأصنام والأوثان!

4 ـ وكما قرَّرَ ابنُ الحاجّ القاعدةَ الأولى، فإنّهُ قرَّرَ القاعدة الثّانية، وهو يَذكرُ بدعةَ تقبيلِ القبرِ والطَّواف به -وهُمَا مِن أعمال الطّرقيِّين اليوم وقبل اليوم بعدَ زمانِ السَّلف، وإذا أنكرتَهُمَا قالوا: لا زال النّاسُ وفيهم العلماء يعملون ذلك، ولا يَرَوْن به بأسًا! ولعلَّ «النَّاقم» و«النَّاقمين» يقولون: المسألة خلافيّةٌ، ولكلٍّ وجهته! فهل يأخذُونَ بقولِ ابنِ الحاجّ وغيره ممّن عدَّها بدعةً؟!؛ ومسائلُ كثيرةٌ مِن هذا القبيل، لذلكَ وَجَبَ الرّدُّ إلى أصولِ مالكٍ وقواعِدِه؛ ومنها قولُهُ (رحمه الله): «ما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكونُ اليوم دينًا»-.
قال ابنّ الحاجّ[7]: «…فترى مَن لا علمَ عندَهُ يَطوفُ بالقبرِ الشَّريف؛ كما يطوفُ بالكعبة الحرام، ويَتمسَّحُ به ويُقبِّلُهُ، ويَلُفُّون عليه مناديلهم وثيابهم، يَقصدون به التّبرُّك، وذلك كلُّه مِن البدع، لأنَّ التَّبرُّك إنَّما يكونُ بالاتِّباع لهُ عليه الصَّلاة والسَّلام، وما كان سبب عبادة الجاهليَّةِ للأصنامِ إلاَّ مِن هذا الباب…»اهـ[8].
قلتُ:
إنَّ كلام ابنِ الحاجّ هنا، هو عينُ الحقّ، وهو الَّذي يجبُ الأخذُ به، وانطلاقًا منه، نأخذُ مِن قولِهِ ما وافقَ هذا التَّقرير، وما لاَ، نَرُدُّهُ، وإن كانَ صَدَرَ منهُ!، وليسَ هو مِن بابِ اتِّباع الهوى والتَّشهّي في أخذِ ما يُوافقُهُ مِن كلام العالم، وردِّ ما يُخالفه، كلاَّ! فإنّ هذا سبيل أهل البدع، ونحن منهم براءٌ!
وأقولُ:
فما عادت الجاهليّة والوَثنيّة وعبادة الأصنام -والأَوثان، هي اليومَ: القبورُ والأضرحة؛ فإنّها أوثانُ هذه الأمّة كما قال الإبراهيميّ-، ليس فقط بمثلِ هذه الأمور مِن التّمسّح والتّقبيل….الّتي عدَّها ابنُ الحاجّ من البدع، بل كذلك بما استحبَّهُ ابنُ الحاجّ -ولا دليلَ عليه مِن عملِ السَّلف المقتدَى بهم- مِن الدُّعاء عندها، وشَدّ الرَّحل إليها للتَّبرّك! بل قد استحبَّ –عفا اللهُ عنهُ- ما هو الوثنيّةُ بعينها، وهو دعاؤهم والاستغاثة بهم وطلب الحوائج منهم!! فهل هذه إلاّ عبادةُ الجاهليّة لأصنامها!! عفا اللهُ عن ابنِ الحاجّ!

الشّيخ زرُّوق المالكيّ: يَمنعُ التَّبرُّك بالقبر؛ لأنَّهُ أصلٌ في عبادةِ الجاهليَّة:
ـ يقولُ الشّيخ زرُّوق(ت:899هـ) في كتابه: «عدّة المُريد» فصل: «في بعض ما يتعلّق بالتّبرّك والآثار من الآداب»:
«مِن ذلك أنّه لا يصلّى على المقابر ولا يُبنى عليها مسجد للتّبرّك، فقد قال(صلى الله عليه وسلم): «اللّهمّ لا تجعل قبري وثنًا يُعْبَد، اشتدّ غضب الله على قومٍ اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وفي رواية: «أولئك شرار الخلق، كانوا إذا مات فيهم الرّجل الصّالح بنوا عليه مسجدًا…» الحديث، قالوا: ولا يتمّسح بالقبر لأنّه من فعل النَّصارى، ولا يُدهن بالماء الّذي يكون عليه، ولا يُرفع منه تراب لأنّه حبس…»، إلى أن يقول: «..وقد قطع عمر (رضي الله عنه) شجرة الرِّضوان خوفًا من أن تُعْبَدَ أو تُجْعَلَ مثلَ ذاتِ أَنْوَاط-شجرة كانت الجاهلية يربطون فيها الخيوط وغيرها يَسْتَشْفُون بذلك-، فقال الصّحابة: يا رسول الله اتّخذ لنا ذات أنواط فقال (صلى الله عليه وسلّم): «ما هي إلاّ كما قال بنو إسرائيل: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة»، وقد يستدلُّ بهذين الخَبَرَين على المنع وليس كذلك، بل هما دليلٌ في مَنْعِ كُلِّ ما يُسْتَدَام، أو يكون له أصلٌ في عبادةِ الجاهليَّة مِن خشبةٍ أو حديدٍ أو حجرٍ أو بناءٍ ونحوه، لا ما يُمْتَهَنُ أو يكون مستهلَكًا، فاعرفْ ذلك»اهـ.

فهذا الشَّيخ زرُّوق مَنَعَ بناءَ مسجدٍ على القبرِ للتَّبرُّك! ومَنَعَ التَّمَسُّحَ بالقبر.

ـ وفي كلامِهِ هذا أمورٌ:
1ـ كلامُ الشّيخ زرُّوق الأخير، إنَّما هو في آثار الصَّالحين الممتهَنَة، كفَضْلَةِ الشَّراب أو اللِّباس أو ما انفصل مِن الجسد، وليس محلُّه التَّبرُّك بالتَّمسُّح والتَّقبيل لقبورهم، والأبنية والأحجار الّتي تُنسَبُ إليهم!
2 ـ المَنْعُ مِن التَّبرُّك بآثار الأولياء! الرَّاجحُ: أنه بدعةٌ، وهو المتَّفِقُ مع أصول الإمام مالك.
3 ـ لا وَجْهَ للتَّفريق في المنع بين الآثار غير المستهلكة – أي: الدَّائمة- وبين غيرها، إذ العلَّةُ واحدةٌ، والتَّعظيم والغلوّ فيه يحصل بهذه كما يحصلُ بالأخرى! ثمّ إنّ النّاس لا يقتصرون على هذا دون ذاك، ما دام أصلُ تعظيم الوليّ ورجاء بركته! قائمًا في نفوسهم! وقاعدة «سدّ الذّرائع» كما تكون فيما هو دائم، خشية الافتتان إلى حدِّ العبادة، فإنّها تكونُ كذلك فيما لا يُستدامُ، إذ الواقعُ يُثبتُ حصول الفتنة ووقوع العبادة وتجاوز الحدّ بالأمرين! «والتَّبرُّك-كما قال الشّاطبيّ- أصلُ العبادة»!
وبهذه القاعدة مَنَعَ الإمامُ مالكٌ مِن قولِ القائلِ: زُرنا قبرَ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، لأجلِ لفظةِ «القبر» عندَ مَن قالَ به، خشيةَ الافتتانِ بقبرِ النّبيِّ (صلّى الله عليه وسلّم)، فيَجُرَّ إلى عبادته!
وبالقاعدة نفسها مَنَعَ الوقوف عند القبرِ الشّريف لأجلِ الدُّعاء عندَهُ لنفسِهِ! حتَّى لا يجرّ إلى فعلِ ما يَحرُمُ عندَ قبرِهِ، ودُعائِهِ مِن دونِ الله! وحتَّى لا يَتجاوز النّاسُ الحدَّ في الزِّيارة المشروعة، هذا وقبرُ النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أفضل القبور، فكيفَ بقبرِ غيرِهِ.

ـ ثمّ قاعدةٌ أخرى مِن أصولِ مالكٍ والمالكيّةِ أتباعِهِ! وهيَ إِطْبَاقُ الصَّحابةِ على تَرْكِ ذلك، مع قيامِ الدَّواعي لعمله، يَدلُّ على عدم المشروعيَّة؛ أي: فيكونُ فعلُهُ بدعةً! فلم يكونوا يتردَّدُون على قبرِ النّبيِّ (صلّى الله عليه وسلّم)، ومَن أَتَاه سَلَّمَ وانصرف! فما كانوا يَقصدُونَهُ للدُّعاءِ عنده ولا لاِلتماسِ البركةِ! وهم أخصُّ الناس!! والحريصون أكثرَ مِن غيرِهم على التزام الآدابِ الشّرعيّة، لو كانت الزّيارةُ للتّبرُّك مُباحةً أو مشروعةً!!
وإلى هذا الأصل أشارَ الشّاطبيُّ في بعضِ المواضعِ مِن كتابه: «الموافقات»، فقالَ: «فكُلُّ مَن خالفَ السَّلَفَ الأوَّلين، فهو على خطأ…»، وقالَ: «الحذرَ الحذرَ مِن مُخالفةِ الأوَّلين! فلو كان ثَمَّ فَضْلٌ ما؛ لكان الأوَّلُون أَحَقَّ به، واللهُ المستعان»اهـ.

ولا يحتجُّ علينا محتجٌّ؛ بأنَّه لم يَرِدْ دليلٌ على المنع، ولا نصٌّ مِن الشَّارع على أنَّه حرام، مع توافرِ الدَّواعي لتبرُّك النّاس بالصَّالحين! لأنَّ إطباق السَّلف على التَّرك مُنَزَّلٌ منزلة الدَّليل في المنع، وقد قرَّر الشَّاطبيُّ المالكيُّ هذا الأصل في كتابيه «الاعتصام»، و«الموافقات»، وعَبَّرَ عنه الشّيخ العربيّ التّبسيّ (رحمه الله) بقوله: «..فالتَّرْكُ في مثلِ هذا -أي: مع توافر الدَّواعي لتبرُّكِ أهلِ القرونِ الثّلاثة بآثارِ خيارِ الصَّحابةِ كأبي بكرٍ وعمر!-كالنَّصِّ اللّفظيّ المحتَّم على أنَّه لا عملَ فيه، وأنَّ التَّرْكَ: هو حُكْمُ الله… »اهـ[9].

الغلُوُّ في تَعظِيم الأولياء أَصْلُ الضَّلال:
ذكرَ المؤرِّخُ أحمد النَّاصريُّ المالكيُّ (رحمه الله) في كتابه «الاستقصا… » عن سلطان المغرب المولى سليمان؛ أنَّهُ: «كتبَ رسالته المشهورة الّتي تكلَّم فيها على حال مُتَفَقِّرَةِ الوقت، وحَذَّرَ فيها (رضي الله عنه) مِن الخروج عن السُّنَّة والتَّغَالي في البدعة، وبيَّن فيها بعضَ آداب زيارة الأولياء، وحَذَّرَ مِن تغالي العوامّ في ذلك، وأَغْلَظَ فيها مبالغةً في النُّصح للمسلمين جزاه الله خيرًا، ومِن كلامه فيها ما نصُّه:
«تنبيهٌ:
مِن الغُلُوّ البعيد ابتهالُ أهلِ «مرّاكش» بهذه الكلمة: سبعة رجال، فهو كان لسبعةِ رجالٍ شيعة يطوفون عليهم، إلى أن قالَ: فعَلَينا أن نَقتديَ بسبعةِ رجال، ولا نتَّخذهم آلهةً لئلاَّ يؤُولَ الحالُ فيهم إلى مَا آلَ إليهِ في يغوث ويَعوق ونسر…»إلخ كلامِهِ، وصَدَقَ (رحمه الله) فَكَم مِن ضلالةٍ وكفرٍ أصلُها الغُلُوّ في التَّعظيم، إلى أن قالَ-صاحبُ «الاستقصا»-:
«وحكى ابن إسحاق في «السِّيرة» أن أصل حدوث عبادة الحجر في بلاد العرب أن آل إسماعيل عليه السّلام لمّا كثروا حول الحَرَم وضاقت بهم فِجَاجُ مكّة، تفرّقُوا في النَّواحي أخذوا معهم أحجارًا من الحَرَم تبرُّكًا بها، فكان أحدُهم يضع الحَجَر في بيته فيطوف ويتمسَّحُ به ويُعظِّمه، ثمّ توالت السِّنون وخَلَفَتِ الخُلُوفُ فعَبَدُوا تلك الأحجار، ثمّ عَبَدُوا غيرها، وذهبت منهم ديانة إبراهيم وإسماعيل عليهما السَّلام إلاّ يسيرًا جدًّا بقي فيهم إلى أن صَبَّحَهُم الإسلام. هذا معنى ما ذكره ابن إسحاق، وقد تكلَّم الشّاطبيّ وغيرُهُ مِن العلماء فيما يَقرُبُ من هذا، وذكروا أنَّ الغُلُوَّ في التَّعظيم أصلٌ مِن أُصُول الضّلال، ولو لم يكن في ذلك إلاَّ قضيَّةُ الشِّيعة لكان كافيًا.»اهـ ما أخذناه مِن تاريخِ «الاِستقصاء»»[10].
قلتُ:
ما دعَا إليهِ ابنُ عبد الوَهَّاب مُتَّفِقٌ معَ أصُولِ مالكٍ:
يقولُ الشّيخُ محمّد بن عبد الوهَّاب في إحدى رسائله، مُفْصِحًا عن عقيدته ودينه: «…بَيَّنْتُ لهم أنَّ أوَّلَ مَن أَدْخَلَ الشِّرك في هذه الأُمّة، هم الرَّافضةُ[11] الَّذين يَدْعُون عليًّا وغيرَه، ويطلبون منهم قضاء الحاجات، وتفريج الكُرُبات»[12].
قال الشّيخ السّعيد الزّاهريّ في مقالته «الوهّابيُّون سُنِّيُّون حنابلة: إيضاحٌ وتعليق»: «…وحَسْبُنَا أنَّ مولانا سليمان سلطان المغرب الأقصى قد قَبِلَ الدَّعوةَ الوهَّابيَّة وارتضاها-وهو صوفيٌّ تجانيّ- ولم يَقْبَلْهَا إلاَّ بعدَ أن أَرسلَ نَجْلَهُ المولى إبراهيم في وفدٍ مِن العلماء الأعلام إلى الحَرَمين الشّريفين، وتباحث الوفدُ المغربيّ مع بعضِ علماء نجد الوهّابيِّين فلمّا تَحَقَّقَ علماءُ المغاربة أنَّ الوهّابيّة ما هي إلاَّ التّمسّك بالقرآن الكريم وبالسّنّة النّبويّة الصّحيحة وافقوا عليها ووافق عليها كلِّها المولى سليمان»اهـ[13].

وذكر صاحبُ «الخطاب الإصلاحي…»(ص:52) بعد أن أشار إلى ما ساقهُ النَّاصريّ عن المحاورة بين ابن السّلطان سليمان ومُرافِقِيه وبين ابن سعود، «..فقد جرى حوارٌ –في اللِّقاء بين المولى إبراهيم وسُعُود بن عبد العزيز-دار بين هذا الأخير وبين الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم الزداغي، يُستفادُ منهُ أَنْ لاَ تَنَافُرَ بَيْنَ ما تَدْعُو إليهِ الوَهَّابيّة ومَا تُقَرِّرُهُ الأُصُولُ المالكِيَّة. في هذا الحوار الَّذي عَرَضَ النّاصريُّ مُعْطَيَاتٍ عنه…»اهـ.

ـ أقول: فما على «النّاقِم» و«النّاقِمِين»، إلاَّ أن يُذْعِنُوا لمذهب مالك، وأصوله، وما زعموهُ من إجماعِ المالكيّة، أو إطباقهم: لا حقيقةَ لهُ! وإذا كانوا معنا في أنَّ مذهبَ المالكيَّة هو الكتاب والسّنّة، وأنَّ الإمامَ مالكٌ إمامٌ مِن أئمّة السّنّة، فلْيَرْجِعُوا إلى مذهبِهِ في الوقوف عند عمل أهل القرون الثّلاثة، ولْيَعْمَلُوا بمقولته الأثريّة: «كلٌّ يُؤخذُ مِن قولِهِ ويُرَدّ، إلاّ صاحب هذا القبر؛ يعني النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) »، ولا عَلَيْنا أن نَتْرُكَ اختيارَ مالكٍ إذا كانَ الدَّليلُ بخلافه، ولكن لا خِيَارَ لنا-كما قال ابنُ الحاجّ- في أن نَدَعَ نقلَ مالكٍ عنِ السَّلَف، قال أبو إسحاق الشّاطبيّ المالكيّ في«الموافقات»: «فكلُّ مَن خَالَفَ السَّلَفَ الأَوَّلِين، فهُوَ على خَطَأٍ…»اهـ.
ـ ولنعتبرْ كذلك بما قال ابنُ الحاجّ في«المدخل»(1/74): «وهذا المعنى…هو الَّذي أَفْسَدَ اليومَ كثيرًا مِن أحوالِ بعضِ أهلِ الوقت، تجدُ أحدَهُم يَعْمَلُ البدعةَ ويَتهاونُ بها، فتَنْهَاهُ عن ذلك أو تُرْشِدُهُ إلى التَّرك، فيستدلّ على أنَّ ذلك هو السّنّة وأنّ ذلك ليسَ بمكروهٍ، لكونِ رَأَى شيخَهُ ومن يَعْتِقُدُهُ يَفعلُ ذلك، فيقول: كيفَ يكونُ مكروهًا أو بدعةً وقد كان سِيدِي فلان يَعملها؟! فيستدلُّ بِفِعْلِ سَلَفِهِ وخَلَفِهِ وشيوخه على جوازِ تلك البدعة وأنّها مشروعةٌ، فصارَ فعلُ المشايِخِ حجّةً على ما تَقَرَّرَ بأيدينا مِن أمرِ الشّريعة[14]، وليسوا بمعصومين، ولا مِمَّنْ شَهِدَ لهم صاحبُ الc