فـي ضـوابط قــاعدة: «الضـرورات تبيـح المحظــورات» 2024.

في ضوابط قاعدة: «الضرورات تبيح المحظورات»
قال الشيخ أبو عبد المعز فركوس حفظه الله:
"… فالضرورةُ هي الحالةُ التي تَطْرَأُ على العبد من الخطر والمشقَّة الشديدةِ بحيث يخاف حدوثَ ضَرَرٍ أو أذًى بالنفس أو بعُضْوٍ من أعضائه أو بالعِرْض أو بالعقل أو بالمال، أي: إذا لم تُرَاعَ خِيفَ أن تضيع مصالِحُه الضروريةُ؛ لأنّ الضرورةَ ذاتُ صِلة مباشرةٍ بالضرر الذي الأصل فيه التحريم، فيجوز للمضطرِّ الإقدامُ على الممنوع شرعًا كارتكاب الحرام أو ترك واجب أو تأخيرِه عن وقته دفعًا للضرر عنه في غالب ظنِّه ضِمْنَ قُيُودِ الشرع وضوابطه الآتية البيان، ويسقط عنه الإثمُ في حقّ الله سبحانه دفعًا للحرج عنه، ولكن يبقى تعويض حقّ غيره على ما لحقهم من ضرر قائمًا رفعًا للحرج عنهم.
وقيـودُ الشرع وضوابطُهُ تتمثّل فيما يلي:
أولاً: أن تكون الضرورةُ قائمةً بالفعل لا مُتوهَّمةً ولا مُنتظَرةً ولا مُتوقّعةً؛ لأنّ التوقُّعَ والتوهُّمَ لا يجوز أن تُبنى عليهما أحكامُ التخفيف.
ثـانيًا: أن تكون الضرورةُ مُلْجِئَةً بحيث يُخشى تلفُ نَفْسٍِ أو تضييعُ المصالحِ الضروريةِ وهي حِفظ الضرورياتِ الخمسِ: الدِّين، النفس، المال، العقل، العِرْض.
ثـالثًا: أن لا تكون للمضطرِّ لدفع الضرر عنه وسيلةٌ أخرى من المباحات إلاّ المخالفات الشرعية من الأوامر والنواهي.
رابـعًا: أن يقتصر المضطرُّ فيما يُباح للضرورة على القدر اللازم لدفع الضرر، أي: الحدّ الأدنى فيه، لذلك قُيّدت قاعدة «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ» بقاعدةٍ متفرِّعةٍ: «تُقَدَّرُ الضُّرُورَاتُ بِقَدَرِهَا».
خـامسًا: أن يكون وقتُ الترخيصِ للمضطرِّ مقيَّدًا بزمنِ بقاءِ العُذر، فإذا زال العذرُ زَالَ الترخيصُ والإباحةُ، جريًا على قاعدة: «إِذَا زَالَ الخَطَرُ عَادَ الحَظْرُ» أو قاعدةِ: «إِذَا زَالَ المَانِعُ زَالَ المَمْنُوعُ» أو قاعدةِ: «مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ».
سـادسًا: أن يكون الضررُ في المحظور الذي يَحِلُّ الإقدامُ عليه أنقصَ من ضرر حالة الضرورة، فإن كان الضررُ في حالة الضرورة أنقصَ أو يساويه فلا يُباح له، كالإكراه على القتل أو الزِّنا فلا يباح واحد منهما لِمَا فيه من المفسدة الراجحة إذ ليس نفسُ القاتل وعِرضُه أولى من نفسِ المقتول وعِرضِه.
ومن ذلك لا يجوز نَبْشُ قبرِ الميِّت -الذي لم يُكفَّن- لغَرَض تكفينه؛ لأنّ مفسدةَ هَتْكِ حُرمته أشدُّ من مفسدةِ عدمِ تكفينه، الذي قام القبرُ مقامَه.
سـابعًا: أن لا يكون الاضطرارُ سببًا في إسقاطِ حقوق الآدميّين؛ لأنّ «الضَّرَرَ لاَ يُزَالُ بِمِثْلِهِ»، إذ «الضَّرَرُ يُزَالُ بِلاَ ضَرَرٍ» و«لاَ يَكُونُ الاِضْطِرَارُ مُبْطِلاً لِحَقِّ الغَيْرِ» فما لَحِقَ الغير من أضرارٍ يلزمه تعويضُها عنهم.
ثـامنًا: أن لا يخالفَ المضطرُّ مبادئَ الشريعةِ الإسلاميةِ وقواعدَها العامّةَ من الحِفاظ على أصولِ العقيدة وتحقيق العدل وأداء الأمانات، فكلُّ ما خالف قواعدَ الشرع لا أَثَرَ فيه للضرورة؛ لأنّ المضطرّ يُخالف بعضَ الأحكامِ الشرعيةِ لا قواعدَ الشريعةِ العامّةَ.
وحتى يصحّ الأخذ بقاعدة: «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ المَحْظُورَاتِ» فلا بدّ من مراعاة هذه الشروط والقيود لتخطّي أحكام التحريم والإيجاب بسببها."

موقع الشيخ حفظه الله