من محاسن الإسلام 2024.

لقد اعترف المحققون المنصفون، أن كل علم نافع ديني أو دنيوي أو سياسي قد دل عليه القرآن دلالة لا شك فيها، فليس

في شريعة الإسلام ما تحيله العقول، وإنما فيه ما تشهد العقول السليمة الزكية بصدقه ونفعه وصلاحه، وكذلك أوامره،
كلها عدل، لا حيف فيها ولا ظلم، فما أمر بشيء إلا وهو خير خالص، أو راجح، وما نهى عن شيء إلا وهو شر

خالص، أو ما تزيد مفسدته على مصلحته، وكلما تدبر العاقل اللبيب أحكام الإسلام قوي إيمانه وإخلاصه، وعندما

يتأمل ما يدعو إليه هذا الدين القويم، يجده يدعو إلى مكارم الأخلاق، يدعو إلى الصدق والعفاف والعدل، وحفظ

العهود، وأداء الأمانات، والإحسان إلى اليتيم والمسكين، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، والتحلي بمكارم الأخلاق.

يدعو إلى تحصيل التمتع بلذائذ الحياة في قصد واعتدال، يدعو إلى البر والتقوى، وينهى عن الفحشاء والمنكر، والإثم والعدوان، لا يأمر إلا بما يعود على العالم بالسعادة والفلاح، ولا ينهى إلا عما يجلب الشقاء والمضرة للعباد.

وتأمل محاسن شرائع الإسلام الكبار، التي هي: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، فعندما تأمل

الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين ربه، تجد فيها الإخلاص لله، والإقبال عليه، والأدب والاحترام، والثناء والدعاء،

والخضوع له، ومظهر الإجلال من العبد لربه، يؤدي واجب الإكبار والتعظيم والتقديس لسيده ومولاه، شأن العبد بين

يدي سيده، يقف المرء بين يدي ربه، فيبتدئ بالاعتراف لله بأنه أكبر من كل شيء، وأنه مستحق لأن يعظم ويجل ويقدر

(الله أكبر) ثم يأخذ في الثناء على الله بما هو أهله، ويخصه بالعبادة، وطلب المعونة ضارعًا إليه بأن يهديه الصراط

المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم بالتوفيق والهداية، وأن يجنبه عن طريق المغضوب عليهم، لانحرافهم عن سواء

السبيل، بعد أن عرفوه، وأن يبعده عن طريق الضالين المنحرفين الذين عبدوا أهواءهم وشياطينهم.

وعندئذ تمتلئ النفس من عظمة الله وهيبته وجلاله، فيخر المرء ساجدًا لله على أشرف أعضائه، مظهرًا للذلة والمسكنة إلى من بيده مقاليد السموات والأرض، فمزايا الصلاة من ناحية الدين، خضوع لرب العالمين، وخشوع واعتراف بعظمة القاهر القادر، ومتى استشعر القلب ذلك، وامتلأت النفس من هيبة الله، كف عن المحرمات، ولا عجب من ذلك، فإن الله يقول عن الصلاة: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: 45]، وهي أكبر عون للعبد على مصالح دينه ودنياه، قال الله تعالى:﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾[البقرة: 45].

أما عونها على مصالح دينه، فلأن العبد إذا داوم على الصلاة، وحافظ عليها، قويت رغبته في الخير، وسهلت عليه

الطاعات، وبذل الإحسان، بطمأنينة نفس واحتساب، ورجاء للثواب، وأما عونها على مصالح الدنيا، فإنها تهون المشاق،

وتسلي عن المصائب، والله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملا، فيجازيه بتيسير أموره، ويبارك في ماله وأعماله.

وفي تأديتها جماعة يحصل التعارف والتواصل، والتواد والتعاطف والتراحم، ويسود الوقار والمحبة بين الصغير والكبير،

ويحصل بذلك تعليم فعلي لصفة الصلاة.

وانظر إلى ما أوجبه الله من الزكاة، ترى محاسن جمة، منها إصلاح حال الفقراء، وسد حاجة المسكين، وقضاء دين المدين،

ومنها التخلق بأخلاق الكرام، من السخاء والجود، والبعد عن أخلاق اللئام، ومنها أنها تطهر القلب من حب الدنيا ببذل

اليسير، ومنها حفظ المال من المكدرات والمنغصات الحسية والمعنوية، ومنها الاستعانة بها على الجهاد في سبيل الله،

والمصالح الكلية، التي لا يستغني عنها المسلمون، ومنها دفع صولة الفقراء، ومنها أنها دواء للمجتمع، وطب للنفوس، بها

يطهر المرء من رذيلة الشح، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، ومنها أنها لو

أخرجها الأغنياء لانقطع دابر الاشتراكية المتطرفة، والشيوعية المسرفة، ومنها أنها لو أديت تمامًا لحصل بذلك راحة

الحكام، وصرف مجهوداتهم إلى ما يعود على الأمم بالفلاح ورغد العيش.

من كتاب محاسن الدين الإسلامي للشيخ عبد العزيز السلمان

بارك الله في مروركم الطيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.