بعض عواقب اكل الحرام 2024.

يتميّز المسلم عن الكافر بأن حياته محكومة بالضوابط الشرعية في الحلال والحرام، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله وإن هوته نفسه.
ومن أهم المجالات التي يحرص المسلم على تحري الحلال فيها جانب المطعومات، فلا يأكل إلا حلالاً بمال حلال اكتسبه من طريق حلال، والسبب في هذا التخصيص أن للأكل أثرًا واضحًا في سلوك الإنسان وتعامله، وفي قلبه وعبادته، بل إن أثره متعدٍ إلى ذريته وأبنائه، ولذلك تكرر في القرآن الأمر بأكل الطيبات، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، وقال تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي [طه:81]، ولاحظ قوله: وَلا تَطْغَوْا فِيهِ، والطغيان: هو تجاوزُ الحد، وكل من تجاوز الحلالَ فقد طغى، ومن طغى فقد تعرض لغضب الله كما نصت الآية.
وجاء في وصف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل قوله تعالى في القرآن: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]. قال ابن كثير رحمه الله: "أي: يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم مما ضيقوا به على أنفسهم، ويحرم عليهم الخبائث كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى".
وللحث على تحري الحلال جاء في صحيح البخاري عن جندب: (إنّ أول ما ينتنُ من الإنسان بطنُه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبًا فليفعل).
والمحرمات في الأكل ثلاثة أنواع، وكلُ الصورِ تندرج تحتها، وهي:
1- أكلُ ما حرّمَ اللهُ؛ كالميتة والخنزير وشرب الخمر ونحوها.
2- أكلُ الحلالِ بمالِ حرام، كالسرقة والاختلاس والرشوة وأموال اليتامى وغيرها.
3- التكسّبُ بوسيلة محرّمة غيرِ مشروعة كالبيوع الفاسدة والربا وكسبِ البغي والمغنّي ونحوهم.
وأعظمُ آثارِ أكلِ الحرامِ استحقاقُ النارِ، ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((يا كعبَ بنَ عُجرةَ، إنه لا يربُو ـ أي لا ينمو ـ لحمٌ نبت من سُحت إلا كانت النارُ أولى به))، وفي رواية أحمد: ((لا يدخل الجنةَ لحمٌ نبت من السحت، وكل لحمٍ نبت من السحت كانت النار أولى به)).
وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أرقم قال: كنت عند أبي بكر الصديق فأتاه غلام له بطعام، فأهوى إلى لقمة فأكلها، ثم سأله: من أين اكتسبته؟ قال: كنت قينًا لقوم في الجاهلية فتكهنت لهم فأعطوني، فقال: أف لك؛ كدت أن تهلكني، فأدخل يده في فيه وجعل يتقيأ حتى رمى به، فقيل له: كل هذا من أجل لقمة! قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما لحم نبت من حرام فالنار أولى به)).
ومن آثار أكل الحرام خذلانُ الله لآكله؛ فلا يستجيب دعاءه مهما توفرت أسباب الاستجابة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172])) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذّي بالحرام: ((فأنّى يستجاب له؟!)).
لقد أشار هذا الحديث إلى ثلاث حالات هي مظنات لاستجابة الدعاء، بمعنى: كل حالة من هذه الثلاث هو موطن بذاته من مواطن استجابة الدعاء، وهي:
حالة السفر: وقد ورد ما يؤكّد ذلك، قال رسول الله: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهن: دعوةُ المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده)).
حالة الشعث والتبذل: في صحيح مسلم قال: ((ربَّ أشعث أغبر ذي طمرين ـ ملابس بالية ـ مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه))، ولذلك كان يخرج للاستسقاء متبذّلاً متواضعًا منكسرًا.
حالة رفع اليدين: في حديث سلمان قال: قال: ((إن الله تعالى حييٌّ كريمٌ يستحي إذا رفع الرجلُ إليه يديه أن يردّهما صفرًا خائبتين)).
فهذا الإنسان ـ آكلُ الحرامِ ـ قد اجتمعت له ثلاث مسوّغات لاستجابة دعائه، ومع ذلك يخذله الله فلا يستجب دعاءه؛ لأن تعاطيه الحرام أفسد كل هذه المسوّغات وألغاها، حيث قال باستفهام إنكاري تعجّبي: ((فأنّى يُستجابُ لذلك؟!)) أي: كيف يستجاب له؟!
ويؤيّد هذا أن سعد بن أبي وقاص قال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلَني مستجاب الدعوة، فقال له النبيّ: ((يا سعد، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)). وقد أخذ سعد بهذه الوصية الغالية، وأصبح من أكثر المتحرّين للحلال، فقد قيل له: يا سعد، تستجابُ دعوتك من بين أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم! فقال: ما رفعت إلى فمي لقمةً إلا وأنا عالمٌ من أين مجيؤها ومن أين خرجت.
وهناك آثار أخرى سيئة لأكل الحرام عُرفت بالاستقراء والاعتبار بأحوالهم، منها التكاسلُ عن العبادة؛ وأنّى لجسد غُذيّ بالحرام أن ينشط لطاعة الله؟!
ومنها الاستهانةُ بالمعاصي، والركونُ إلى الدنيا، والغفلةُ عن المصير، والدياثةُ وعدمُ المبالاة.
أيها الإخوة والأخوات، إن أكلَ الحرامِ من الكبائر، والكبائر كما هو معلوم لا تكفّرها الصلوات ولا رمضان ولا العمرة، بل تحتاج إلى توبة خاصة، وإذا مات متعاطي الحرامِ وتركه خلفه كان زادًا له إلى النار، ولم ينفعه التصدّق به. روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: ((لا يكسِبُ عبدٌ مالَ حرامٍ فيتصدقُ منه فيُقبلَ منه، ولا يُنفقُ منه فيُباركَ له فيه، ولا يتركه خلفَ ظهره إلا كان زادَه إلى النار. إن الله لا يمحو السيئَ بالسيئِ، ولكن يمحو السيئَ بالحسنِ، إن الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ)).
ولقد أخبر الذي لا ينطق عن الهوى عن زمن نعوذ بالله أن ندركه أو أن نكون فيه، ففي صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمانٌ لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمِنَ الحلال أم من الحرام)).
وتذكر ـ أيها الأخ المبارك ويا أيتها الأخت المباركة ـ دائمًا أن أحد الأسئلة الإجبارية يوم القيامة هو عن كسبك أمِن الحلال أم من الحرام، ففي الترمذي عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟)).
أسأل الله أن يعصمَني وإياكم من الحرام وطرقه ووسائله، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، اللهم إنا نسألك رزقًا واسعًا وحلالاً طيبًا، اللهم ارزقنا صحة لا تلهينا وغنىً لا يطغينا.
https://www.djelfa.info/watch?v=urWzAGSK95Q
https://www.djelfa.info/watch?v=OEACV…eature=related

بارك الله فيك على الموضوع القيم

حفظك الرحمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.