انتبه!!! . لحوم هؤلاء مسمومة 2024.

انتبه!!!… لحوم هؤلاء مسمومة

لقد نبغ في عصرنا جماعة من الغلمان؛ لا للإسلام نصروا، ولا للكفر كسروا، بل هم بأس وبلاء على الإسلام وأهله، قاموا بتجريح وتشريح علماء الأمة؛ فهتكوا أعراضهم وأدموا قلوبهم ورموهم بمنكر من القول عظيم.{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}
فهم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يطوف أحدهم على الشيخ فلان وينتقل إلى علان، يجلس عند هذا متسكعا وعند ذاك متسولا، ما حصل من العلم فقرة ولا ذاق من الأدب رتقة، ثم انطلق متبجحا أنه درس عند فلان وأجاز له علان، فبدأ جرحا بهؤلاء!! ثم انطلق يتطاول على أسياده من العلماء، ويناطح الجهابذة من الفقهاء، ويتمسح بقربه ودنوه من الأمراء.
فإن الخوف على الأمة من أولئك الذين لبسوا ثياب العلم الشرعي – وما هم من العلم الشرعي في شيء -، لهو الخوف الصادق على الأمة من الفساد والانحراف، ذلك بأن تصدُّر الجهال في حين فقد العلماء الصادقين المتمكنين بابٌ واسع للضلال والإضلال، وتزيي هؤلاء الأحداث بزي العلم الشرعي لهو من أخطر الأبواب.
وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله – كما في حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا)
قال زيد بن وهب: سمعت ابن مسعود يقول: إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ: كَثِيرٌ فُقَهَاؤه، قَلِيلٌ خُطَبَاؤه، قَلِيلٌ سُؤَّالُهُ، كَثِيرٌ مُعْطُوه، العَمَلُ فِيهِ قَائِدٌ للهوى. وَسَيأتي مِنْ بَعْدِكم زَمَانٌ: قَلِيلٌ فُقَهَاؤه، كَثِيرٌ خُطَبَاؤه، كَثِيرٌ سُؤَّالُهُ، قَلِيلٌ مُعْطُوه، الهوى فِيه قَائدٌ للعملِ، اعْلَمُوا أنَّ حُسْنَ الهدي، في آخِرِ الزَّمانِ، خَيْرٌ مِنْ بَعْضِ العَمَلِ.(1)
ولقد انتبه أهل العلم المخلصون لخطورة هذا الصنف من الناس على دين الأمة وعقيدتها ومصيرها، فقضوا بوجوب الحذر والتحذير منهم، وعدم الأخذ عنهم وإليك قول إمامين جليلين في هذا:
الأول: قول أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني -رحمه الله تعالى -: "اعلموا – رحمنا الله وإياكم – : أن أهل البدع والضلال من الخوارج والروافض والمعتزلة قد اجتهدوا أن يدخلوا على أهل السنة والجماعة شيئاً من بدعهم وضلالهم، فلم يقدروا على ذلك، لذب أهل العلم ودفع الباطل، حتى ظفروا بقوم في آخر الوقت ممن تصدى للعلم ولا علم له ولا فهم، ويستنكف ويتكبر أن يتفهّم وأن يتعلّم، لأنه قد صار متصدّراً معلماً بزعمه فيرى -بجهله- أن عليه في ذلك عارّا وغضاضة، وكان ذلك منه سببا -إلى ضلاله وضلال جماعته من الأمة" .اهـ. (2)
الثاني: قال الراغب الأصبهاني -رحمه الله تعالى- : لا شيء أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم، فمن الإخلال بها ينتشر الشر ويكثر الأشرار ويقع بين الناس التباغض والتنافر….. ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق، وأحدثوا بجهلهم بدعا استغنوا بها عامة، واستجلبوا بها منفعة ورياسة، فوجدوا من العامة مساعدة بمشاركتهم لهم، وقرب جوهرهم منهم، وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا به ستورا مسبلة، وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوها بالوقاحة وبما فيهم من الشره، فبدعوا العلماء وجهلوهم؛ اغتصابا لسلطانهم، ومنازعة لمكانهم، فأعزوا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم، فتولد بذلك البوار والجور العام والعار.أهـ(3)
وهذه فتنة هوجاء مطوية قد سبقهم إليها من طعن في أفاضل الأمة من الصحابة وأتباعهم من خير البرية، ولولا أني رأيت الطعن في كبار العلماء والعباد، ورؤوس الدعوة في هذه البلاد وغيرها من بلاد الإسلام على امتداد، ما طرقت هذا الباب، وخاصة أن التوجه لهذه الفتنة بدأ يزيد؛ وقد شارك فيها الأعمى والبليد، فأردت بيان خطرها وما ينجم في هذه الأمة من شررها.
فمن سمات أهل السنة والجماعة وعلامات أهل الأثر والإتباع؛ سلامة قلوبهم وألسنتهم للصحابة الأخيار، وحملة الشريعة الأتقياء الأبرار، والذب عن حرماتهم وأعراضهم من رموز الجراحين، وثلب العابثين، وألسنة الحاقدين، والزجر والتغليظ على من تعلق بخيوط الأوهام، وبات في أودية الظلام، فغمس لسانه في البهت والآثام، وسلب من الصحابة وأتباعهم العدالة، وجعلهم كسائر الأنام لهم مالهم وعليهم ما عليهم، فولغ في حرماتهم وأعراضهم وجمع مساويهم وعثراتهم.
وقد أنكر الإمام أحمد – رحمه الله – على من جمع الأخبار التي فيها طعن على بعض أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وغضب لذلك غضباً شديداً وقال: "لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته، فكيف في أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقال: أنا لم أكتب هذه الأحاديث، قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث الرديئة ويجمعها أيهجر؟ قال: نعـم، يستأهـل صاحب هـذه الأحـاديث الـرديئة الرجم" (4) (5).
وقد امتطى هذه الأخبار المروية في مساويهم دعاة الفتنة والضلالة، فاستخفوا بحرمات المؤمنين ووزراء رسول رب العالمين، فبسطوا ألسنتهم في تجريحهم والتشفي منهم بضروب من التطاول والقذف بالباطل، وهذا التربص منتهاه نزع الثقة عن خيار الأمة والتشكيك في أعمالهم وفتوحاتهم وعلومهم وعدالتهم، وقد مضت الأمة خياراً عن خيار على مدح الصحابة والثناء عليهم، وحسن الظن بهم والكف عن مساويهم وسوء الظن بهم.
فيا ويل من تعرض لهم بسوء وأوقد نار الفتنة وجرأ السفهاء والغوغاء على الوقيعة فيهم. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ)(6)
وقـال الإمام محمد بن صُبيح بن السماك (7): "علمت أن اليهود لا يسبون أصحاب موسى – عليه السلام – وأن النصارى لا يسبون أصحاب عيسى – صلى الله عليه وسلم – فما بالك يا جاهل سببت أصحـاب محمد – صلى الله عليه وسلم – وقد علمتُ من أين أُتيت، لم يشغلك ذنبك، أما لو شغلك ذنبك لخفتَ ربك، لقد كان في ذنبك شغل عن المسيئين فكيف لم يشغلك عن المحسنين، أما لو كنت من المحسنين لما تناولت المسيئين ولرجوت لهم رحمة أرحم الراحمين، ولكنك من المسيئين، فمن ثَّم عبت الشهداء والصالحين، أيها العائب لأصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – لو نمت ليلك وأفطرت نهارك؛ لكان خيرا لك من قيام ليلك وصوم نهارك مع سوء قولك في أصحاب محمد، فويحك! لا قيام ليلٍ ولا صوم نهار وأنت تتناول الأخيار، فأبشر بما ليس فيه البشرى إن لم تتب مما تسمع وترى ويـحك! هؤلاء شرفوا في أُحد وهؤلاء جاء العفو عن الله تعالى فيهم فقال: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ} فما تقول فيمن عفا الله عنه؟ وبمَ تحتج يا جاهل إلا بالجاهلين، شر الخلف خلفُُُُ شتم السلـف، والله لواحد من السلف خير من ألف من الخلف" (8).
وقد اتفق أهل العلم على أنهم خير الناس بعد الأنبياء، فقد جاء في الصحيحين من طريق إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله – رضي الله عنه – أن النبي – صـلى الله عليـه وسلم – قال: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ… ) (9) وأفضل الصحابة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وأدلة هذا كثيرة وعامة أهل العلم على هذا، وقد جعل الله جل وعلا بقاء الصحابة أمنة للأمة فإذا ذهب قرنهم وانقرض جيلهم حلت بمن بعدهم الفتن وظهرت البدع وفشا الجور والفساد فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُلْنَا لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا فَخَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: (مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا) قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ ثُمَّ قُلْنَا نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ قَالَ: (أَحْسَنْتُمْ) أَوْ (أَصَبْتُمْ) قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) (10)
وهذا دليل على فضلهم وعظيم ما دفع الله بهم من البدع والفتن والجور والفساد، فلا جرم أن جعلهم الله وزراء نبيه وحزب خليله.
قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – : (إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ) (11)
عن عبد ربه قال: كنا عند الحسن في مجلس، فذكر كلاما، وذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم كانوا ورب الكعبة على الهدي المستقيم».(12)
وقال الإمام ابن أبي حاتم – رحمه الله – : فأما أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهم الذين شهدوا الوحي والتنـزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله – عز وجل – لصحبة نبيه – صلى الله عليه وسلم – ونصرته، وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه – صلى الله عليه وسلم – ما بلغهم عن الله – عز وجل – وما سن وما شرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وأدب، ووعوه وأتقنوه ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله – عز وجل – بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز وسماهم عدول الأمة، فقال – عز ذكره – في محكم كتابه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}
فـفسر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الله – عز ذكره – قوله: {وَسَطًا} قال: عدلاً، فكانوا عدول الأمة، وأئمة الهدى، وحجج الدين، ونقلة الكتاب والسنة. وندب الله -عز وجل – إلى التمسك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والإقتداء بهـم فقـال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى… }.
وقال الإمام أبو نعيم الأصبهاني – رحمه الله – عن الصحابة: "سمحت نفوسهم – رضي الله عنهم – بالنفس والمال والولد والأهل والدار، ففارقوا الأوطان وهاجروا الإخوان وقتلوا الآباء والإخوان وبذلوا النفوس صابرين وأنفقوا الأموال محتسبين وناصبوا من ناوأهم متوكلين، فآثروا رضاء الله على الغناء، والذل على العز، والغربة على الوطن، هم المهاجرون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون حقاً، ثم إخوانهم من الأنصار أهـل المواساة والإيثار، أعز قبائل العرب جاراً، واتخذ الرسول – عليه السلام – دارهم أمناً وقراراً، الأَعفّاء الصبر والأصدقـاء الزهر {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}
فمن انطوت سريرته على محبتهم، ودان الله تعالى بتفضيلهم ومودتهم، وتبرأ ممن أضمر بغضهم، فهو الفائز بالمدح الذي مدحهم الله تعـالى فـقـال: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
فالصحابة – رضي الله عنهم – هم الذين تولى الله شرح صدورهم، فأنزل السكينة على قلوبهم وبشرهم برضوانه ورحمته فقال: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ}
جعلهم خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويطيعون الله ورسوله، فجعلهم مثلاً للكتابين لأهل التوراة والإنجيل، خير الأمم أمته وخير القرون قرنه، يرفع الله من أقدارهم، إذ أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بمشاورتهم لما علم من صدقهم وصحة إيمانهم وخالص مودتهم ووفور عقلهم ونبالة رأيهم وكمال نصيحتهم وتبين أمانتهم رضي الله عنهم أجمعين (13).
وهذا محل اتفاق من أهل السنة فلا كان ولا يكون مثل الصحابة – رضي الله عنهم – في إمامتهم وفضلهم وسبقهم وعلو مقامهم بالأمر والنهي والعلم والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ولهذا قيل: "كل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام والقرآن والعلم والمعارف والعبادات ودخول الجنة والنجاة من النار وانتصارهم على الكفار وعلو كلمة الله فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة الذين بلغوا الدين وجاهدوا في سبيل الله، وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة – رضي الله عنهم – الفضل إلى يوم القيامة" (14).
وقد قال تعالى – في فضلهم ومآلهم – {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. والمراد بالذين اتبعوهم بإحسان: هم الذين تأخر إسلامهم من الصحابة – رضي الله عنهم – قاله جماعة من أهل العلم ويؤيده ما قاله الحافظ العلائي رحمه الله: بأن الآيات كلها فيما يتعلق بالمتخلفين عن النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين في غزوة تبوك، فأتبع الله ذلك بفضيلة الصحابة الذين غزوا معه صلى الله عليه وسلم وقسمهم إلى السابقين الأولين ومن بعدهم، ثم أتبع ذلك بذكر الأعراب وأهل البوادي الذين في قلوبهم نفاق أو لم يرسخوا في الإسلام فقال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ}
فدل على أن المراد بالذين اتبعوهم بإحسان هم بقية الذين تأخر إسلامهم، فشملت الآية جميع الصحابة (15).
فمن أعمل لسانه وسخر قلمه في الطعن فيهم أو رميهم بالنفاق أو شكك في إسلامهم وأورد الاحتمالات بدون بيان من الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – وبدون برهان قام عليه الدليل فقد ردَّ على الله خبره وافترى على هؤلاء الصحابة بهتاناً وإثماً مبيناً، ومثل هذا لا يصدر إلا ممن قلَّ دينه وعظم ظلمه واسودَّ قلبه وبلغ منه الجهل بالكتاب والسنة وسيرة القوم مبلغاً عظيماً، وقد قال شيخ الإسلام – رحمه الله- : "فالطلقاء الذين أسلموا عام الفتح مثل معاوية وأخيه يزيد وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو قد ثبت بالتواتر عند الخاصة إسلامهم وبقاؤهم على الإسلام إلى حين الموت" (16)
وقال – تعالى – في وصف المهاجـرين ومـدح الأنصار وذكـر مـن أسـلم بعدهم وسار على طريقتهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}
فاحفظ رعاك الله ثناء الله عليهم ورضاه عنهم، ولا يكن في قلبك غِل على أحد منهم فإن هذا من أعظم خبث القلوب، واستوص بهم خيراً ففي سبيل ذلك تهون الأرواح والدماء.
بخلاف محترف الطعن وسوء الظن، فقد اتعب نفسه وآذى غيره، فركض وراء السراب وطعن في بعضهم بشبهة أحاديث ضعيفة ومكذوبة وأخبار لها محامل حميدة فقلبها هفوات ومثالب، ونذر نفسه للوقيعة في هؤلاء الأجلاء.
وكذلك من تبعهم وسار على نهجهم من التابعين وتابعيهم ومن نحا نحوهم وسار على طريقتهم من علماء أهل السنة فهم خيرة أهل الأرض ومناراتها، فمن غمزهم وطعن فيهم وشوش عليهم له عظيم من الإثم وقسط من البغي.
ولقد دهش عقلي وتعطل فكري وأنا أرى هؤلاء أصحاب الفتنة الهوجاء بدءوا برؤوس السلف طعنا وهضما، وبأصول أهل السنة سلبا وهدما.
فهتك عرض المسلم والجناية عليه عظيم عند الله ورسوله والمؤمنين، وهو من كبائر الذنوب ومن التشبه بالمنافقين، وأعظم منه غمس الألسنة والأقلام في أهل العلم ومحاولة إسقاط قدرهم بأوهام من هنا وهناك، والإيغال بالدخول في نياتهم ومقاصدهم والصد عن سبيلهم والاستخفاف بحقوقهم.
قال الإمـام عبـد الله بن المبارك رحمـه الله: "مـن استخف بالعلماء ذهبت آخرته" (17).
وقال الإمام الطحاوي في عقيدته: "وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثـر وأهـل الـفقه والنظر – لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل" (18) .
وقال الحافظ ابن عساكر: "واعلم يا أخي – وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته – أن لحوم العـلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم" (19).
قال الشيخ بكر أبو زيد-حفظه الله تعالى-في كتابه "تصنيف الناس بين الظن"(20): قال أبو زرعة الرازي – رحمه الله تعالى – : "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".
وقد أجرى العلماء هذا الحكم بمن قدح في أحد من حملة الشرع المطهر، علماء الأمة العاملين؛ لأن القدح بالحامل يفضي إلى القدح بما يحمله من رسالة البلاغ لدين الله وشرعه؛ ولهذا أطبق العلماء – رحمهم الله تعالى – على أن من أسباب الإلحاد: "القدح بالعلماء".
قال الدورقي – رحمه الله تعالى – : "من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهمه على الإسلام".
وقالها أحمد – رحمه الله تعالى – في حق يحيى بن معين، وقيلت في حق أبي زرعة، وعكرمة – رحم الله الجميع – .

فهتك عرض المسلم والجناية عليه عظيم عند الله ورسوله والمؤمنين، وهو من كبائر الذنوب ومن التشبه بالمنافقين، وأعظم منه غمس الألسنة والأقلام في أهل العلم ومحاولة إسقاط قدرهم بأوهام من هنا وهناك، والإيغال بالدخول في نياتهم ومقاصدهم والصد عن سبيلهم والاستخفاف بحقوقهم.
قال الإمـام عبـد الله بن المبارك رحمـه الله: "مـن استخف بالعلماء ذهبت آخرته" (17).
وقال الإمام الطحاوي في عقيدته: "وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثـر وأهـل الـفقه والنظر – لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل" (18) .
وقال الحافظ ابن عساكر: "واعلم يا أخي – وفقنا الله وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته – أن لحوم العـلماء – رحمة الله عليهم – مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة؛ لأن الوقيعة فيهم بما هم منه براء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتع وخيم، والاختلاق على من اختاره الله منهم لنعش العلم خلق ذميم" (19).
قال الشيخ بكر أبو زيد-حفظه الله تعالى-في كتابه "تصنيف الناس بين الظن"(20): قال أبو زرعة الرازي – رحمه الله تعالى – : "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – فاعلم أنه زنديق؛ وذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".
وقد أجرى العلماء هذا الحكم بمن قدح في أحد من حملة الشرع المطهر، علماء الأمة العاملين؛ لأن القدح بالحامل يفضي إلى القدح بما يحمله من رسالة البلاغ لدين الله وشرعه؛ ولهذا أطبق العلماء – رحمهم الله تعالى – على أن من أسباب الإلحاد: "القدح بالعلماء".
قال الدورقي – رحمه الله تعالى – : "من سمعته يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهمه على الإسلام".
وقالها أحمد – رحمه الله تعالى – في حق يحيى بن معين، وقيلت في حق أبي زرعة، وعكرمة – رحم الله الجميع – .

نعم القول و النصيحة..بارك الله فيك

وهذه فتنة هوجاء مطوية قد سبقهم إليها من طعن في أفاضل الأمة من الصحابة وأتباعهم من خير البرية، ولولا أني رأيت الطعن في كبار العلماء والعباد، ورؤوس الدعوة في هذه البلاد وغيرها من بلاد الإسلام على امتداد، ما طرقت هذا الباب، وخاصة أن التوجه لهذه الفتنة بدأ يزيد؛ وقد شارك فيها الأعمى والبليد، فأردت بيان خطرها وما ينجم في هذه الأمة من شررها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.