الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك 2024.

الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك
( رد على فتوى للشيخ محمد علي فركوس بخصوص وقت الإفطار)
لأبي عبد الله مسعود مسعودي الجزائري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد:

فقد اطلعت على فتوى للشيخ محمد علي فركوس في وجوب الإفطار والصوم مع الجماعة ولو في غير عيد أو دخول شهر رمضان، وقد نقلها بعض إخواننا وبيّن أنها مخالفة للسنة، فإذا بي أجد من يتبنى هذه الفتوى ممن يناصر السنة، ويغار على الرجال ولا يغار على دين الله، وتذكرتُ حينها الصراع الذي بين أهل السنة من قديم وأهل التقليد.
وحتى يضيع الحق استوردوا من عند أهل التقليد من أنت، وينبغي الحفاظ على مكانة العالم ولو على حساب السنة.
فأقول: إن حفظ كرامة العالم حقيقة لا خلاف فيها، لكن هذا لا يجعل من المُحبّ لذلك العالم إذا وجد من تجاوز حدود الأدب معه أن يقع هو كذلك في الظلم والعدوان لأخيه المسلم.
فكما أن النصوص قد جاءت ببيان مكانة العالم فكذلك قد جاءت ببيان مكانة المسلم وخاصة السني منهم.
وإذا كان إخواننا قد عذروا الشيخ ربيع بن هادي في كلامه على أهل السنة، وشفعت له في نظرهم قيامه بواجب النصح والبيان، فكذلك ينبغي أن تشفع السنة لمن يغار عليها من أحاد الناس إذا هو قال كلمة ضد عالم ما من أجلها، وإلا كان مدعي التفريق متحكما من غير دليل.
والحق وإن كان مرا لابد من قبوله خاصة ممن يرفع لواء: الحق أحق أن يتبع، وبدلا من أن يُوصف من بيّن الحق: بكونه ليس في مقام فلان، بدلا من ذلك على الواصف أن يتبع الحق ويترك الباطلـ وليقتد بالنبي عليه السلام.
فعن الطفيل – أخي عائشة لأمها – قال : « رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود قلت : إنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون : عزير ابن الله قالوا : وإنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد ، ثم مررت بنفر من النصارى فقلت : إنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون : المسيح ابن الله قالوا : وإنكم لأنتم القوم ، لولا أنكم تقولون : ما شاء الله وشاء محمد ، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت ، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال : هل أخبرت بها أحدا قلت : نعم ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " أما بعد ، فإن طفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم ، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها ، فلا تقولوا : ما شاء الله وشاء محمد ، ولكن قولوا : ما شاء الله وحده »
يقول الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه لكتاب التوحيد: " هذا فيه أن صاحب الهوى أو صاحب الملة الباطلة قد يرد على صاحب الحق بأن عنده باطلا كما أن عند ذاك باطلا ، فإذا واجهه بذلك فالواجب عليه أن يتجرد للحق وأن لا يرد الحق لأجل أن من أتى به صاحب باطل ، فالقاعدة عند أهل السنة والإيمان أن البدعة لا ترد ببدعة والباطل لا يرد بباطل ".
فمن يقول من أنت، وهل أنت في مقام فلان، فهذا رد حقا ببدعة نسأل الله العافية والسلامة.
على كل هذه مقدمة أحببت الاستهلال بها عسى أن تجد من يصدق مع نفسه قبل أن ينظر إلى غيره.
ولما نظرت في الفتوى المشار إليها سابقا وجدت الشيخ غفر الله لي وله وللمسلمين قد جانب الصواب، وخالف السنة، وترك مذهب الجمهور. والواجب على من عرف ذلك بيانه، فأسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد.
وهذا أوان الشروع في المقصود:
أولا: من القواعد العلمية التي عليها المنهج السلفي أن لا يتكلم العالم فضلا عن غيره في مسألة ليس له فيها إمام، كما قال الإمام أحمد وغيره.
والشيخ محمد علي فركوس في فتواه هذه قد أتى بما لم يقل به أحد ممن سبق، فإن التفريق بين الفرض والنفل في هذا الباب لم يذكر، ولا ذكر أهل العلم الخلاف في جواز الأكل بغروب الشمس.
والفرق بين دخول شهر رمضان وهكذا الإفطار برؤية الهلال وبين الإفطار بغروب الشمس، أن الأول مبني على الاجتهاد في رؤية ذلك، فهنا عارض خبر الواحد خبر الكافة فلم يقبل. ومع ذلك نجد أن الجمهور يجيز للواحد الفطر لأجل رؤية الهلال قال في تحفة الأحوذي: "وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لِلْجُمْهُورِ فَقَالُوا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حُكْمُ نَفْسِهِ فِيمَا تَيَقَّنَهُ". أي يفطر إذا رأى هلال شوال.
لكن غروب الشمس لا يخالف فيه أحد إذا اتضحت الرؤية، والكل يعترف به، فكيف يُترك العمل بسنة محققة لا يخالف فيها الناس لأجل أن المؤذن لم يؤذن اتباعا لبدعة العمل بالحساب الفلكي.
ثم إن إلزام الناس بحكم ليس في الشريعة حتى يعملوا به هذا من البدع، ومن المضاهات ومن الاستدراك على الله ورسوله، فالنبي عليه السلام علّق الحكم بالغروب والشيخ محمد علي فركوس يعلقه بالأذان والناس فمن السعيد يا ترى؟
ثم قال الشيخ محمد علي فركوس: "فيجب على الآحاد اتباع الإمام والجماعة فيها ولا يجوز لهم التفرد فيها جمعا للأمة وتوحيدا لصفوفها وإبعادا للآراء الفردية المفرقة لها فإن يد الله مع الجماعة"
قلت: مَن أوجب على الأمة العمل بذلك، إن جعل الأذان دليل على الفطر حكم لم يشرعه الله ولا رسوله.
وأما نسبة المخالف إلى أن له رأيا فرديا فقد تقدم أن مذهب الجمهور: الفطر لمن رأى هلال شوال، ولم يخالف أحد في الفطر بالغروب فمن هو المتفرد.
قال في تحفة الأحوذي: " وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنَّهُ إِخْبَارٌ بِأَنَّ النَّاسَ يَتَحَزَّبُونَ أَحْزَابًا وَيُخَالِفُونَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ ، فَطَائِفَةٌ تَعْمَلُ بِالْحِسَابِ وَعَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ النَّاسِ ، وَطَائِفَةٌ يُقَدِّمُونَ الصَّوْمَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ شِعَارًا وَهُمْ الْبَاطِنِيَّةُ ، وَبَقِيَ عَلَى الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ الْفِرْقَةُ الَّتِي لَا تَزَالُ ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ فَهِيَ الْمُرَادَةُ بِلَفْظِ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ وَهِيَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْعَدَدِ ، كَذَا فِي النَّيْلِ ."
فالشوكاني في النيل يحكم على من يعمل بالسنة بأنه هو السواد الأعظم ولو كانوا قلة.
بل إن الصحابة لم يكونوا ينتظرون الأذان، وهم أولى الناس بالاقتداء، فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد قال إن كنت لآتي ابن عمر بفطره فأغطيه استحياء من الناس أن يروه".
وهذا من حرصه رضي الله عنه على إصابة السنة، بل إن أنس بن مالك كان يصعد الجارية فوق البيت فيقول إذا استوى الافق فأذنيني". ولو كان الأمر معلقا بالناس لما فعل ذلك. وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فيكفي أن يفطر الصائم خفية كما فعل مجاهد مع ابن عمر رضي الله عنه إن ظن حصول مفسدة ولا يخالف السنة.
لقد وقع الشيخ محمد علي فركوس في فتواه هذه في جملة من البدع عليه أن يتوب منها قبل يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون منها:
1ـ إقرار الحساب الفلكي إذ هو لازم لقوله لا ينفك عنه وهذا من البدع كما هو معلوم.
2ـ إبطال حكم الشرع الذي هو الغروب وإلزام الناس بحكم آخر الذي هو الأذان، أو الناس، ولا يقال فإن الشيخ محمد علي فركوس لم يذكر الأذان وإنما ذكر الغروب، فإن السؤال كان على الأذان، وجاء الجواب بناء على ذلك، وإلا كان الجواب في جهة والسؤال في جهة أخرى.
3ـ تفريق محدث لم يتكلم به أحد.
5ـ التقول على أهل العلم ونسبة القول المخالف إلى التفرد مع أن هذا هو مذهب الجمهور في من رأى الهلال لوحده فما بالكم في من رأى الغروب وكذلك يراه الناس إلا أنهم لم يحرصوا على السنة وحرص هو على ذلك.
6ـ مخالفة الإجماع، لأن العلماء لم يخالفوا في جواز الفطر بغروب الشمس .
أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل بالحق والرجوع إلى السنة وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.