تخطى إلى المحتوى

ومن الناس اقوام! /لابن باديس 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

من الناس قوم ….!

ألحقت العظمة الموهومة بأنفسهم أن الفضل مقصور عليهم لا يتجاوزهم
فهم لذلك لا يرون لأحد فضلا و لا لغيرهم مقاما في الهيئة الاجتماعية
و لهذا لا يسمع في مجالس سمرهم إلا الخوض في أعراض الناس من ثلب و قذف و قدح و غير ذلك تبريدا لنار جسدهم الذي يتأجج لهيبها في صدورهم حتى تكاد تنفطر قلوبهم إذا سمعوا منك ثناء على فاضل أو ذكر محاسن كامل
لأن ذلك يعدونه استصغارا لمقامهم الوراثي الذي يخولهم إياه جدهم الأكبر
فلا ينبغي نسبة كل فضل إلا لهم و لا إسناد كمال إلا لحضرتهم
و ما علموا أن الفضل كل الفضل الذي يكسبه المرء بسعيه و جده لا الذي يورثه من أبيه و جده
ألا فليكرموا أنفسهم و ينتشلوها من هذا الحضيض الذي لا يرضى به عاقل
و ليحرصوا على تطييب أنفسهم من داء الحسد الفتاك و يعرفوا قدرها
فإن من أحسن ما يتصف به المرء أن يراقب عيوب نفسه ففي ذلك له مندوحة عن عيوب الناس
وليوطنوا نفوسهم على سماع ثناء أهل الفضل فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين (1)

من الناس قوم ….!

يريدون تكميل أنفسهم بتنقيص غيرهم
فيعربون بذلك أنهم شعروا بنقصهم أمام من يحسبوهم كاملين
أما الشعور بالنقص فضيلة و أي فضيلة
و أما محاولة إزالته بتنقيص الناس فرذيلة و أي رذيلة
و منقص الناس طبعا للكمال يزداد بذلك التنقيص نقصانا على نقصان
هكذا الحرص و الهوى لا ينتجان إلا خلاف المقصود (2)

من الناس قوم ….!

عريقون في التدجيل .
عريقون في التضليل .
رضعوا خسة الطبع , وأولعوا باستراق السمع , ليفرغوه في قالب التزوير
ويطلوه بطلاء التغرير .
لا يردعهم عن الافتراء ما يرونه في كتب اللغة من الحياء !!
وقد حجبتهم بطانتهم من الناس , ومااستولى على عقولهم من الوسواس , عن قراءة الحياء .
ورفع الهمة في صفحات أحرار الأمة
إن توجه عليهم اعتراض , أجابوا بأنه من قبيل الأغراض
و إن أخذوا بالحجة و البرهان , قابلوا بالزور و البهتان .
لا يعرفون من الانتقاد , إلا تلويث الأبرياء من العباد
ولا يعظمون من الأنام , غير من يسد فراغ لهاتهم بشيء من الحطام
تلك حثالة لا تجتمع إلا على إفساد سمعة الوطن
ولا تفترق إلا لجمع ما فيه فائدة خصوص البدن
لا تبالي بأي وسيلة تصل إلى مطلوبها
فكل حركاتها أضرار .
وكل أنفاسها إعصار
أصرت على الخبائث بكل وقاحة , بعدما أنذرها أهل الصراحة .
وكاثرت الجن في الاستراق , فاستحقت الخزي كل الاستحقاق .
وأرادت أن تسمع الملأ الأعلى , وتبث في الغفل ما فيه ضرب البلا .
و الحال أن لا سلم لها و لا منطاد , وبعد فإن ( الشهاب ) لها بالمرصاد . (3)

…………………..
الحاشية :

(1) – الشهاب : 2 / 9 – 10 العدد 62 بتاريخ 6 ربيع الثاني 1345
(2) – مجلة الشهاب ج : 2 صفحة : 458 العدد : 64 يوم الخميس 20 ربيع الثاني 1345 ه 28 أكتوبر 1926
(3) – مجلة الشهاب : العدد الثالث المجلد الأول صفحة 59 – 60 طبعة دار الغرب الإسلامي

جزاك الله خيرا…………………….

الجيريا

شكرا على الرد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.