—————— مطالعة مفيدة و ممتعة …..
نصوص فلسفية متنوعة حول الاخلاق..للاطلاع
الأساس الاجتماعي للأخلاق
ليس الإنسان كائنا أخلاقيا إلا لأنه يعيش في صلب مجتمعات قائمة، وليس ثمة أخلاق بدون انضباط ولا نفوذ.والنفوذ العقلي الوحيد هو السلطة التي بتقلدها المجتمع في علاقته بأعضائه.إن الأخلاق لا تبدو لتا إلزاما أي أنها لا تبدو لنا أخلاقا، وبالتالي لا يمكننا الإحساس بالواجب، ‘لا ‘ذا وجدت حولنا وفوقنا سلطة تقوم بالجزاء. ولا يعني ذلك أن الجزاء المادي هو كل الواجب، ولكنه العلامة الخارجية الدالة عليه، ‘نه الدليل المحسوس على أنه ثمة شيئا ما،يعلو علينا ونكون تابعين له.. وللمؤمن،بدون شك، الحرية في تمثل هذه القوة في شكل كائن فوق بشري لا يطاله العقل ولا العلم. ولكن لهذا السبب ذاته، ليس لنا أن نجادل هذه الفرضية ولا أن ننظر في ما هو مؤسس أو غير مؤسس في الرمز. إن ما يبين جيدا إلى أي حد يكون التنظيم الاجتماعي ضروريا للأخلاقية هو أن كل انخرام في التنظيم أو كل ميل إلى الفوضى السياسية مقترن بتنام في اللاأخلاقية (…) وعندما نعلم أن الأخلاق هي نتاج المجتمع وأنها تنفذ إلى الفرد من الخارج وتمارس العنف، من بعض الوجوه، على طبيعته الفيزيائية وتكوينه الطبيعي، نفهم عندئذ، زيادة على ذلك ‘ن الأخلاق هي ما هو المجتمع، وأنها لا تكون قوية إلا بقدر ما يكون المجتمع منظَما.
دوركايم
‹دروس في علم الاجتماع›
أصل الواجب
كلما أجلنا الفكر لنعرف كيف يجب علينا أن نفعل كلمنا صوت من داخلنا وقال: هذا واجبك. وإذا ما أخللنا بهذا الواجب الذي قدم لنا على ذلك الشكل ، قام نفس الصوت فكلمنا واحتج على ما فعلنا. ولما كان ذلك الصوت يكلمنا بلهجة الأمر والنهي ، فإننا نشعر شعورا عميقا بأنه لابد صادر عن كائن أرفع منا شأنا، ولكننا لا نستطيع أن نتبين بوضوح من يكون هذا الكائن ولا ما هو. ولذلك نسبه خيال الشعوب إلى شخصيات متعالية، أرفع شأنا من الإنسان ، أضحت موضع عبادة، إذ العبادة ما هي آخر الأمر، إلا الشهادة الظاهرة على النفوذ الذي نقر به لهم ، وبذلك استطاعت تلك الشعوب أن تجد تفسيرا لهذا الصوت العجيب الذي لا تشبه نبرته النبرة التي بها ينطق صوت البشر. وقد أصبح واجبا علينا نحن أن ننزع عن هذا التصور غلالة الأشكال الأسطورية التي تلفع بها خلال عصور التاريخ وأن ندرك الحقيقة وراء الرمز. وهذه الحقيقة هي المجتمع. إذ المجتمع هو الذي وضع فينا عند تربيتنا تربية أخلاقية هذه المشاعر التي تملي علينا سلوكنا إملاء أو التي ترد الفعل بقوة إذا ما رفضنا الانصياع لأوامرها. فضميرنا الأخلاقي صنعتها والمعبر عنها، فإذا ما تحدث ضميرنا كان المجتمع هو المتحدث فينا. غير أن اللهجة التي بها يكلمنا هي أحسن دليل على النفوذ المتميز الذي يتمتع به. فالواجب هو الأخلاق من حيث هي تأمر وتنهى، وهو الأخلاق وقد تمثلت سلطة علينا أن نطيعها لأنها سلطة ولأنها كذلك فحسب. أما الخير، فهو الأخلاق وقد تمثلت شيئا حسنا، يجتذب الإرادة، ويثير ما في الرّغبة من التلقائية. ولئن كان من اليسير أن نتبين أن الواجب هو المجتمع من حيث يفرض علينا قواعده ، ويضبط الحدود لطبيعتنا، فان الخير هو المجتمع ولكن من حيث هو حقيقة أثرى من حقيقتنا، ولا نستطيع التمسك به دون أن ينتج عن ذلك إغناء لكيّاننا.
دوركايم
‹ التربية الأخلاقية ›
في القانون الأخلاقي
عندما أتصور أمرا شرطيا على وجه الإجمال فإنني لا أعرف مقدما ما سوف ينطوي عليه حتى أعطى الشرط الذي يقوم عليه. أما إذا تصورت أمرا قطعيا، فإنني أعرف على الفور ما ينطوي عليه. ذلك لأنه لما كان الأمر لا يحتوي ، بالإضافة إلى القانون ، إلا على الضرورة التي تقضي بأن يكون المبدأ الذاتي مطابقا لهذا القانون ، وكان القانون لا يتضمن أي شرط يحده ، فلن يبقى شيء على الإطلاق سوى الجانب الكلي العام من القانون بوجه عام ، الذي يجب على المبدأ الذاتي للفعل أن يكون مطابقا له ، وهذه المطابقة هي وحدها التي تصور لنا وجه الضرورة في هذا الأمر.
إذن فليس ثمة غير أمر قطعي واحد، يمكن التعبير عنه على النحو التالي: افعل فقط طبقا للمبدأ الذاتي الذي يجعلك تقدر على أن تريد له في الوقت نفسه أن يصير قانونا كلبّا.
فإذا أمكن إذن أن تشتق جميع أوامر الواجب من هذا الأمر الواحد كما تشتق من مبدئها، فإننا سنستطيع عندئذ، وإن تركنا بغير حل مشكلة معرفة ما إذا كان ما نسميه بالواجب ليس في مجموعه إلا مفهوما أجوف ، أقول إننا سنستطيع عندئذ على أقل تقدير أن نبين ما نفهمه من ذلك وما يعنيه هذا المفهوم
ولما كانت كليّة القانون الذي تحدث بمقتضاه الآثار والنتائج المترتبة عليه هي التي تؤلف ما نسميه بوجه خاص بالطبيعة حسب المعنى الأعم لهذه الكلمة (من الناحية الصوريُة)، أو بتعبير آخر وجود الأشياء من حيث هو وجود تحده قوانين كلية، فان الأمر الكلي للواجب يمكن أيضا أن يعبر عنه في هذه الصيغة: " افعل كما لو كان يجب على المبدأ الذاتي لفعلك أن يُرفع عن طريق إرادتك إلى مرتبة قانون كلي للطبيعة ".
كانط
" أسس ميتافيزيقا الأخلاق "
الأخلاق والفطرة
وجودنا يعني إحساسنا فإحساسنا إذن سابق لفهمنا وعواطفنا سابقة لأفكارنا , مهما كانت علة وجودنا فقد منحتنا هذه العلة بغية حفظ كياننا عواطف معينة تلائم طبيعتنا ولا يمكن لأحد أن ينكر أن هذه العواطف ولدت معنا إنها بالنسبة للفرد حب النفس الشرعي والخوف من الألم والرغبة في الهناء ولكن إن كان الإنسان كائنا اجتماعيا من طبيعته أو على الأقل مؤهلا لأن يكونه فلا يمكنه ذلك إلا بواسطة عواطف أخرى أيضا غريزية بالنسبة للنوع البشري أما بالنسبة إلي الحاجة المادية فحسب فإنها جديرة بتفرقة الناس بدلا من جمعهم فالدافع الوجداني أو الضمير يتولد من الجهاز الأخلاقي الذي يتألف من هذه العلاقة المزدوجة علاقة الإنسان بنفسه وأبناء جنسه.
ليس للإنسان علم غريزي بالخير ولكن حالما يكشفه عقلهله يدفعه ضميره إلى محبته…لقد تخلصنا من كل هذه الأداة الفلسفية الهائلة إننا نستطيع أن نكون بشرا من غير أن نكون علماء لقد أعفينا من هدر أيام حياتنا في درس الأخلاق لأن لنا دليل هادي يهدينا مجانا لكن لا يكفي أن يكون لنا دليلا بل علينا أن نعرفه ونتبعه
ج ج روسو
لنسر إلى الأمام في طريق الحكمة , بخطوة حازمة ,وبكامل الثقة في النفس. أيا تكن استغل منبع التجربة الذي تشكله أنت ذاتك ألق عنك عدم الرضا الذي يأتيك من كينونتك, اغفر لنفسك أناك , لأن فيك , في كل الحالات , سلما من مائة درجة يمكنك أن ترتقيه إلى المعرفة. القرن الذي تغتم فيه بشعورك أنك مرفوض يعلنك سعيدا أن يكون لك هذا الحظ… أليس بالضبط على هذه التربة التي تغيظك كثيرا بعض الأحيان , على أرض الفكر المدنس هذه ,نمت أجمل ثمار حضارتنا القديمة…؟ إنك تملك سلطة أن تجعل كل لحظات حياتك: من محاولات , أخطاء , زلات , أوهام , حبك , أملك أن تجعلها تنسجم تماما مع الهدف الذي رسمته لحياتك. هذا الهدف هو أن تصير هو نفسك… أتظن أن حياة ترمي إلى هدف كهذا ستكون شاقة جدا وعارية تماما من كل لذة؟ إنك إذا لازلت لم تعلم أنه ليس هناك عسل أشهى من عسل المعرفة وأنه سيشرق اليوم الذي تكون فيه السحب التي تجر الكدر ثديا ترضع منه حليب تسليتك، ستتقدم في السن وستدرك… أن نفس الحياة التي تنتهي بالشيخوخة تنتهي كذلك بالحكمة بالصفاء اللطيف لهذه الشمس التي هي فرحة العقل الدائمة. السن والحكمة ستلقاهما معا على ذروة واحدة من ذرى الحياة, كذلك شاءت الطبيعة. آنذاك سيكون الأوان قد حان كي يقترب ضباب الموت لكن ليس ليغيظك. قفزة واحدة إلى النور ستكون آخر حركاتك, هتاف حماسي بالمعرفة سيكون آخر أنفاسك.
نيتشه: إنسان مفرط في إنسانيتهص 159
فقدان اليقين
تطرح فلسفة الأخلاق مسألة مشروعية المصالح الماثلة في عالم الفرد المسائل ، غير أن هذه المصالح ، التي هي في ذاتها تاريخية، لا تبدو كذلك بالنسبة إليه ، إذ هي تتبدى في نظره في شكل أهداف يسعى إليها " بشكل طبيعي " وهي " بداهة " أهداف صحيحة، طيبة، لها معناها وتضمن المعنى. لكن قد تكون هذه الأهداف متعارضة بعضها مع بعض أيضا، إما لأنه لا يمكن للفرد نفسه أن يبلغها جميعا، وإما لأن بعضها يناقض بعضا، وتجبر الفرد على أن يختار، فيصبح المشكل عندئذ، غير محصور في كيف ينبغي أن نفعل ، بل أيضا: لأي هدف نفعل؟ (…)
وإذا قدرنا الأمر من وجهة نظر التفكير هذه ، تفكير الفلسفة في صيرورتها الخاصة- لأن الفلسفة عندنا حقيقة تاريخية ومعطى – فإن لكل إنسان أخلاقا. غير أن هذه الأخلاق لا تبدو له نسقا أخلاقيا من جملة أنساق أخرى من الأخلاق قد تساويها قيمة، يل إن هذه الأخلاق في صيغة الجمع لا تكتسب معناها إلا في فترة متأخرة، بعد طول اتصال بمجموعات أخرى لكل منها أخلاقها، وبعد صراعات مترددة أو هزائم. ففي البدء يكون اليقين الأخلاقي: نعرف ما يجب فعله وما يجب تجنبه ، ونعرف المرغوب فيه والمرغوب عنه ، والحسن والسيئ. ثم يفضي صراع أنساق الأخلاق ، واكتشاف تناقضات داخل نسق من الأخلاق (وهي تناقضات لا تبدو إلا إثر تلك الصراعات) إلى التفكير في الأخلاق ، أو لنقل ، بصفة أدق ، إن فقدان اليقين أو رفضه هو ما يؤدي إلى ذلك: لأن اليقين لا يدحضه مجرد النقد المنطقي ، ولأن ما قد يحمله في صلبه من التناقضات لا يسبب له البتة حرجا: فالتناقض الداخلي والتنافر لا يحرجان أحدا لأنه لا أحد يكتشفهما قبل أن يتحولا إلى تناقضات خارجية يعبر عنها أفراد آخرون أو تصبح محسوسة من جراء فشل مبادرات " كان ينبغي" أن تنجح.
فالتفكير الفلسفي بشأن الأخلاق ينشأ من الأخلاق المحسوسة، ولكنه لا يخضع لحكم تلك الأخلاق. وتتمثل القضية عنده في استرجاع اليقين المفقود (أو ما يعادله) ولا تطرح القضية إلا حيث تمت زعزعة تلك الأخلاق ، فتطرق إليها الشك ولم تعد من قبيل ما هو مسلم به ولا قادرة على توفير الأساس المتين الذي يبحث عنه التفكير. وبذلك تجعل وجهة نظرها، وهي مختلفة بالضرورة عن وجهة نظر الأخلاق المحسوسة، من الفيلسوف خائنا لأخلاق مجموعته في نظر الذين يسلمون بتلك الأخلاق دون أن يخامرهم سؤال.
إيريك فايل
" فلسفة الأخلاق "
مساءلة القيم الأخلاقية
ما هي الظروف التي ابتدع فيها الإنسان أحكام القيمة، قيمة ما هو طيّب وقيمة ما هو خبيث؟ وما قيمة هذه الأحكام نفسها؟ أتراها – إلى حد الآن – عرقلت تطوَر الإنسان أم ساعدت عليه؟ أتراها علامة ضيق الحياة وافتقارها وتقهقرها؟ أم هي – على العكس من ذلك – تعبر عن امتلاء الحياة وقوتها وإرادتها وشجاعتها وأملها ومستقبلها؟
لا يبدو مشكل قيمة الشفقة ومشكل أخلاق الشفقة للوهلة الأولى (وأنا من أعداء تأنيث العواطف المخجل الذي نراه اليوم)، سوى مسألة معزولة، أو نقطة استفهام على حدة. غير أنّه سيحدث بالنسبة إلى من توقف هنا، وبالنسبة إلى من سيتعلم السؤال هنا، ما حدث لي: سينفتح أمامه أفق جديد رحب ، يتملكه كالدوار، وتنبعث أمامه أصناف شتى من الحذر والشك والخوف ، فيتزعزع إيمانه بالأخلاق ، بكل نسق من الأخلاق ، ويعلو – آخر الأمر – صوت مطلب جديد يفرض نفسه. ولنعين هذا المطلب الجديد:
إننا بحاجة إلى نقد القيم الأخلاقية، ويجب أن نبدأ بالتساؤل بشأن قيمة هذه القيم نفسها، ويفترض هذا معرفة ظروف نشأتها وملابساتها وظروف نموّها وملابساته ، وظروف تطوَرها وملابساته
(الأخلاق من حيث هي نتيجة، الأخلاق باعتبارها أعراضا ، وباعتبارها قناعا، وباعتبارها نفاقا، وباعتبارها مرضا وباعتبارها سوء تفاهم. ولكن أيضا: الأخلاق بما هي سبب. أو دواء، أو دوافع ، أو عراقيل أو باعتبارها سما)، وبإيجاز نقول: معرفة ليس لها نظير إلى الآن ، ومعرفة لم يخطر على البال أن نتمنّاها لأننا اعتبرنا قيمة هذه " القيم " معطى، واعتبرناها حقيقية، تتجاوز حدود كل ما يمكن التساؤل بشأنه. ولم يتردد الناس البتة – إلى الآن – في إعطاء الإنسان " الطيب " قيمة أرفع من القيمة التي يعطونها " الخبيث "، وهي قيمة أرفع في معنى رقي الإنسان ونفعيته وازدهاره بوجه عام (بما في ذلك مستقبل الإنسان) ولكن ما العمل لو كان العكس صحيحا؟ وما العمل لو كان في الإنسان " الطيب " أيضا أعراض النكوص أو كان فيه أيضا خطر أو إغراء أو سم أو مخدر يمكن الحاضر من أن بعيش بشكل ما على حساب المستقبل ، ولربما كان له ذلك بأكثر رفاهة، وبأقل مخاطر ولكن أيضا بطريقة أكثر سخفا وأشد وضاعة، وبذلك ، فقد يكون الخطأ خطا الأخلاق إذا لم يدرك الجنس البشري أبدا أعلى درجات القوة والبهجة التي يطمح إليها، وبذلك ، قد تكون الأخلاق أخطر الأخطار.
نيتشة
" جينيالوجيا الأخلاق "
تحصيل الفضيلة
مسكويه
إن الإنسان من بين جميع الحيوان، لا يكتفي بنفسه في تكميل ذاته، ولابد له من معاونة قوم كثيري العدد حتى يتمم به حياته طيبة، ويجري أمره على السداد، ولهذا قال الحكماء: إن "الإنسان مدني بالطبع" أي هو محتاج إلى "مدينة" فيها خلق كثير لتتم له السعادة الإنسانية، فكل إنسان بالطبع وبالضرورة يحتاج إلى غيره، فهو كذلك مضطر إلى مصافاة الناس ومعاشرتهم العشرة الجميلة ومحبتهم المحبة الصادقة، لأنهم يكملون ذاته ويتممون إنسانيته، وهو أيضا يفعل بهم مثل ذلك. فإذا كذلك بالضرورة فكيف يؤثر الإنسان العاقل العارف بنفسه التفرد والتخلي؟ (…).
فالقوم الذين رأوا الفضيلة في الزهد وترك مخالطة الناس وتفردوا عنهم إما بملازمة المغارات في الجبال، وإما ببناء الصوامع في المفاوز،(…) لا يحصل شيء من الفضائل الإنسانية، (…) وذلك أن من لم يخالط الناس ولم يساكنهم(…) لا تظهر في العفة (…) ولا العدالة، بل تصير قواه وملكاته التي ركبت فيه باطلة، لأنها لا تتوجه لا إلى الخير ولا إلى الشر. فإذا بطلت ولم تظهر أفعالها الخاصة بها صاروا بمنزلة الجمادات والموتى من الناس.
لذلك يظنون ويظن بهم أنهم أعفاء وليسوا بأعفاء، وأنهم عدول وليسوا بعدول، وكذلك في سائر الفضائل (…). والفضائل (…) هي أفعال وأعمال تظهر عند مشاركة الناس ومساكنتهم وفي المعاملات وضروب المجتمعات. ونحن نعلم ونتعلم الفضائل الإنسانية التي نساكن بها الناس ونخالطهم ونصبر على أذاهم، لنصل منها وبها إلى حال أخرى.
مكسويه
تهذيب الأخلاق
دراسة الأخلاق
إن طموح الفلاسفة كان يرمي غالبا إلى ابتكار أخلاق جديدة تختلف أكثر الأحيان في مواضع أساسية عن الأخلاق التي يسير على نهجها المعاصرون لهم أو للذين يسبقونهم فالفلاسفة خليقون بأن يكونوا ثوارا أو محطمي صور أما المشكلة التي أعرضها فهي تتطلب معرفة ما تتكون منه الأخلاق أو ما تكون قد تكونت منه لا الأخلاق على نحو ما يتصورها عليه التفكير الفردي الفلسفي ما هو قائم منه وما سلف.
فالأمر يقتضي دراسة للأخلاق كما مارستها الجماعات الإنسانية بالفعل ومن ثمة ترى المذاهب الفلسفية تفقد بناء على هذا الاتجاه قدرا كبيرا من قيمتها…
وقد يلتبس الأمر إذا ظن بي أني أرفض هذه النظريات تعسفا. فأنا لا يهمني من أمرها غير ما يضفى عليها أحيانا وعلى نحو مبالغ فيه من سمات الأولوية والامتياز. ولكن يبقى بعد أنها هي في حد ذاتها وقائع وأنها كذلك أمور مرشدة, تستطيع أن توقفنا على ما يمر بالشعور الأخلاقي في فترة ما فهي من هذه الجهة جديرة ولا شك بالعناية والاهتمام ولكني أرفض التسليم في ما يقال بعد ذلك من أن هذه النظريات تستطيع وذلك هو شأنها أن تفسر الحقيقة الأخلاقية تفسيرا دقيقا وممتازا على نحو ما يفسر به علم الطبيعة أو علم الكيمياء حقيقة الوقائع التي تتعلق بالمجال الفيزيوالكميائي.
إميل دركهايم: علم الاجتماع والفلسفة ص 233 ترجمة حسن أنيس
و اخيرا اليكم تعريف لمذهب اللذةو المنفعة
التعريف:
اللذة: مذهب أخلاقي فلسفي، يرى أن اللذة هي الشيء الخيِّر الوحيد في الوجود.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
اللذة مذهب قديم جديد في نفس الوقت، فهو قد تأسس بالفعل في العهد اليوناني القديم، وظهر بثوبه الجديد في مذهب المنفعة الذي نادى به فلاسفة أوروبا في الوقت الحاضر.
ومن أبرز شخصياته القديمة والجديدة:
الفيلسوف أبيقور اليوناني 343 – 270 ق.م، ولد في أثينا في اليونان، وقد اختلف الكتَّاب في أفكاره وحياته الخاصة، فبعض الكتَّاب المتأخرين يصف حياته بالحياة المنعمة اللاأخلاقية، إلا أن البعض الآخر يقول بأن كل خطاباته تدل على أنه كان متواضعاً في طعامه، وأن مفهوم اللذة عنده لا يقصد به الإباحية الأخلاقية أو ما شابه ذلك من مفاهيم.
جيرمي بنتام 1748 – 1823م وهو أول فيلسوف إنكليزي أبرز مذهب اللذة في القرن التاسع الميلادي، وذلك في كتابه مقدمة لأصول الأخلاق والتشريع.
جون ستيوارت ميل 1806 – 1873م – وهو الفيلسوف الإنكليزي الذي نادى باللذة والمنفعة أيضاً.
جون لوك 1632 – 1704م وهو فيلسوف إنكليزي. قال بأن فكرة الخير: يجب أن تُعرّف بأنها هي نفسها كلمة اللذة أو على الأقل تعرف تعريفاً يردها إلى اللذة وعارض نظرية الحق الإلهي، وقال بأن الاختيار هو أساس المعرفة.
الأفكار والمعتقدات:
يمكن إجمال الأفكار الأساسية لأصحاب مذهب اللذة فيما يلي:
إن اللذة هي وحدها الخير، وهي خير الدوام، ولا توجد اللذة إلا من خلال إقصاء الألم وكل ما يعكر صفو العقل(*). ولا يقصد باللذة لذَّات أصحاب الشهوات الحسية ولا إدمان الشراب.
اللذة نوعان:
1- لذة جسمية تبلغ أوج صورها في الصحة الجسمية الكاملة.
2- لذة عقلية وتعني التحرر الكامل من الخوف والقلق.
إن آلام العقل أقسى من آلام البدن التي يمكن تحملها والتي تنتهي لا محالة بالموت، والموت أمر طبيعي لا يوصف بأنه شر ولا بأنه خير كذلك.
لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياة سعيدة ما لم يقض هذه الحياة في كل ما هو فاضل بالفعل، والحياة الفاضلة هي مصدر اللذة، لأن الإنسان يقضيها في تحصيل العلم أساساً.
اللذة هي الشيء الوحيد الذي "هو خير في ذاته". والألم هو الشيء الوحيد الذي هو "شر في ذاته"، والسعادة تشمل اللذة والتخلص من الألم، وإن رجحان كفة اللذة يعني صيرورة حياة الإنسان مصدراً للمزيد من اللذة.
الجذور الفكرية العقائدية:
إن كلمة Hedonism مشتقة من الكلمة اليونانية Hoedone ومعناها: "اللذة" الحسية الدنيوية، وهي وحدها أساس اهتمام الفلاسفة الذين نادوا بها.
فأبيقور كان فيلسوفاً علميًّا، إذ لم يهتم بالفلسفة النظرية التي كان معاصروه يهتمون بها.. فتوجه إلى البحث عن سر السعادة البشرية سيما وأن الحياة اليونانية الوثنية لا تهتم بالحياة الآخرة، وليس فيها أية قوانين خلقية روحية. وقد وجد أبيقور سر السعادة في اللذة، التي لا تعني إلا الخير.. ولذا فقد أساء البعض فهم اللذة عند أبيقور عندما تصوروا أنه لا يدعو إلا إلى اللذة الحسية.
أما الفلاسفة المحدثون أمثال بنتام ولوك وميل الذين قالوا بالمنفعة، فهم من الفلاسفة الماديين الحسيين.. ولذا فإن قولهم بمذهب المنفعة، لا يعني سوى المنفعة المادية الحسية.
نجد أن "استيوارت ميل" يتفق مع "بانتام" في القول بأنّ الفارق بين الصواب الخلقي والخطأ الخلقي رهين بنتائج أفعالنا وأنه يتوقف بالتالي على مدى قدرة تلك النتائج على إشباع رغباتها، بحيث تحقق لنا وللآخرين ما نهدف إليه مكن سعادة ولكن "استيوارت ميل" يحاول أن يقيم فلسفته النفعية على أسس تجريبية متينة فيقرر المبادئ التالية: 1) اللذة هي الشيء الوحيد الذي يعدّ مرغوبا فيه DESIRABLE .
2) الدليل الوحيد على أن شيئا ما "مرغوب" فيه هو كون الناس يرغبون فيه بالفعل.
3) سعادة كلّ شخص تمثل "خيرا" بالقياس إلى هذا الشخص، وعلى ذلك فإن السعادة العامة "خير" بالنسبة إلى الجميع.
2) إذا لقيت لذة ما من بين لذتين مختلفتين تفضيلا من جانب أولئك الذي هم على دراية بكلتا اللذتين، فإنه من حقنا أن نقول إن هذه اللذة المفضلة أسمى كيفيا من اللذة الأخرى.
Ü ولو أننا نظرنا إلى هذه المبادئ الخمسة بشيء من الإمعان والتمحيص، لوجدنا أنها تتفق مع الروح العامة للفلسفة النفعية فستيوارت ميل يعتبر أن الفعل الخلقي لا يكون خيرا إلا متى حقق أعظم قدر ممكن من اللذة لأكبر عدد ممكن من الناس ولكن "استيوارت ميل" قد ذهب إلى أنه لا بدّ من مراعاة نوع اللذات بدلا من مراعاة نوع اللذات بدلا من الاقتصاد على مراعاة كمّها.
¬ يعتبر استيوارت ميل أن هناك لذات نبيلة رفيعة وأخرى دنيئة حقيرة فلا يمكن مثلا أن توضع لذات الحس في مستوى واحد مع لذات العقل بل ربما كان من الأفضل للفرد أن يكون إنسانا شقيا من يكون خنزيرا متلذذا.
¬ يرى "استيوارت ميل" أنه لابدّ من خدمة المصلحة العامة قبل المصالح الشخصية مادامت قواعد السلوك الأخلاقي هي بالضرورة "أن نفعل نحو الآخرين ما نحب أن يفعلوه نحونا" لأن المجموع اسبق على الفرد من الناحية الخلقية فمبدأ "التضحية" يعود بالنفع على أكبر عدد ممكن من الأفراد، وذهب "ستيوارت ميل" إلى أن معيار الخير ليس هو تحقيق سعادة الفاعل بل ضمان أكبر سعادة تعود على المجموع وهو ما جعل بعض النقاد يطلقون على مذهب ستيوارت مل تسمية "مذهب السعادة الجمعية".
الجانب النقدي:
1- إذا نظرنا إلى المآخذ العديدة التي تعرضت لها نظرية "استيوارت ميل" في المنفعة فسنجد أوّلا أن مبدأه القائل بأنّ "الخير هو ما يرغب فيه الناس بالفعل" يقع تحت طائلة ما اسماه "مور MOORE" بـ: المغالطة الطبيعية لأنه يفترض أن في الإمكان تعريف الخير بالاستناد إلى ما يرغب فيه الناس بالفعل.
2- إن القول بأن اللذات تختلف كليا لا كميا فقط يدفعنا إلى التساؤل ما هو المعيار الدقيق الذي نستطيع عن طريقه التمييز بين اللذات من حيث الكيف؟ فلسنا ندري كيف يتسنى للمرء أن يقارن لذة الاستماع إلى الموسيقى بلذة تناول الطعام مثلا.
……منقول للاستفادة