تخطى إلى المحتوى

من احكام يوم الجمعة 2024.

  • بواسطة

الجيريا لاتنسى لاتنسى لاتنسى

***
فضل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة
لحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين } [الحاكم والبيهقي وصححه الألباني
*****
الجمعة أحكام وآداب
عن أبي هريرة عن النبي قال: { إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المسجد، فيكتبون الأول فالأول، فمثل المهجر إلى الجمعة كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي كبشاً، ثم كالذي يهدي دجاجة، ثم كالذي يهدي بيضة، فإذا خرج الإمام وقعد على المنبر، طووا صحفهم وجلسوا يسمعون الذكر } [متفق عليه].

*****
اخرساعه من يوم الجمعه فهيه ساعة استجابه
أن فيه ساعة يستجاب فيها الدعاء، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه – وقال بيده يقللها } [متفق عليه

************************************
قال: قال رسول الله : { أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا
فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق } [مسلم].

******
من فضائل يوم الجمعة
1-أنه خير الأيام.فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة } [مسلم].
2- تضمنه لصلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الاسلام ومن أعظم مجامع المسلمين،
3- أن فيه ساعة يستجاب فيها الدعاء
4- أن الصدقة فيه خير من الصدقة في غيره من الأيام
5- أنه يوم يتجلى الله عز وجل فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة
6- أنه يوم عيد متكرر كل أسبوع،
7- أنه يوم تكفر فيه السيئات
8- أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها
9- أن جهنم تسجر – أي تحمى – كل يوم من أيام الأسبوع إلا يوم الجمعة، وذلك تشريفاً لهذا اليوم العظيم.
10- أن الوفاة يوم الجمعة أو ليلتها من علامات حسن الخاتمة حيث يأمن المتوفى فيها من فتنة القبر[/color]
الجمعة أحكام وآداب
أخي المسلم: يجب على كل مسلم أن يعظم هذا اليوم ويغتنم فضائله وذلك بالتقرب إلى الله تعالى فيه بأنواع القربات والعبادات، فإن للجمعة أحكاماً وآداباً ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم.
قال ابن القيم: ( وكان من هديه تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، وقد اختلف العلماء هل هو أفضل أم يوم عرفة ) [زاد المعاد:1/375].
1- يستحب أن يقرأ الأمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان كاملتين
2- ويستحب أن يكثر الإنسان في هذا اليوم من الصلاة على النبي
3- صلاة الجمعة فرض على كل ذكر حر مكلف مسلم مستوطن ببناء،
4- الاغتسال يوم الجمعة من هدي النبي
5- التطيب والتسوك ولبس أحسن الثياب من آداب المسلم في يوم الجمعة،
6- ويستحب التبكير إلى صلاة الجمعة،
7- ويستحب أن يشتغل المسلم بالصلاة والذكر وقراءة القرآن حتى يخرج الإمام،
8- ويجب الانصات للخطبة والاهتمام بما يقال فيها
9- ويستحب قرآءة سورة الكهف في يوم الجمعة لحديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : { من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين } [الحاكم والبيهقي وصححه الألباني].
10- ويكره إفراد يوم الجمعة بصيام وليلته بقيام لحديث أبي هريرة رضي الله عنه،
11- ويكره إفراد يوم الجمعة بصيام وليلته بقيام لحديث أبي هريرة رضي الله عنه،
12- أما سنة الجمعة فقد ورد أن النبي كان يصلي بعد الجمعة ركعتين
13- وإذا دخل المسلم المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين قبل أن يجلس.
14- ويستحب أن يقرأ الامام في صلاة الجمعة بسورتي: الجمعة والمنافقون
أخطاء المصلين
1-ترك بعض الناس لصلاة الجمعة أو التهاون بها،
2- عدم استحضار بعض الناس للنية في اتيان الجمعة، فتراه يذهب إلى المسجد على سبيل العادة،
3- السهر ليلة الجمعة إلى ساعات متأخرة من الليل مما يؤدي إلى النوم عن صلاة الفجر،
4- التهاون في حضور خطبة الجمعة،
5- ترك غسل الجمعة والتطيب والتسوك ولبس أحسن الثياب
6- البيع والشراء بعد آذان الجمعة والله تعالى يقول:
7- جلوس بعض الناس في مؤخرة المسجد قبل امتلاء الصفوف الأمامية
8- تخطي الرقاب والتفريق بين اثنين وايذاء الجالسين والتضي
9- الإنشغال عن الخطبة وعدم الإنصات إلى ما يقوله الخطيب.
10- الخروج من المسجد بعد الآذان لغير عذر.
11- كثرة الحركة أثناء الصلاة وسرعة الخروج من المسجد بعد تسليم الإمام والمرور بين يدي المصلين والتدافع على الأبواب دون الأتيان بالأذكار المشروعة بعد الصلاة.

هذا والله الموفق وأستغفر الله لي ولكم.

بارك الله فيك وجزاك خيرا وجعلها في ميزان حسناتك.

امييييييييييييييين يارك واياك

جازاك اللّه عنّا كلّ خير وجعلك من الصّالحين

امين واياك

الأجوبة النافعة

عن أسئلة

لجنة مسجد الجامعة

تأليف
الإمام محمد ناصر الدين الألباني
رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله تعالى على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبعد ، فقد سلمني أحد الاخوان غرة شهر رمضان سنة 1370 هـ ورقة قد طبع على صفحتها عدة أسئلة بالآلة الكاتبة ، وهي غير موقعة بتوقيع ينبىء عن مصدرها ، وإن كانت الأسئلة نفسها توحي بأن محررها من أعضاء لجنة مسجد الجامعة السورية .
ثم سألت أحدهم عنها فأخبرني : أنها من اللجنة ذاتها .
وقد علمت أنه قدم مثلها إلى كثير من المشايخ وأهل العلم بغية الجواب عنها ، ومن الظاهر أن القصد منذلك استنباط الحق ومعرفته من الأدلة التي سوف يوردها أهل العلم في أجوبتهم على تلك أقواها ، ثم يعملون بمقتضاها ، في مسجدهم الذي صاروا بحكم رعايتهم عليه مسؤولين عنه ،
ومكلفين بتنفيذ الحق فيه ، فيقضون بذلك على الاضطراب المتسمر فيه :
فإنه تارة يؤذن فيه بأذان واحد وعلى باب المسجد كما هو السنة ، وأحياناً يؤذن فيه بأذانين، ثم تارة يؤذن الأول منهما على باب المسجد ، وبالآخر بين يدي الخطيب والمنبر ، وتارة يؤذن بالأول داخل المسجد قريباً من الباب ، وتارة قريباً من المحراب ، وتارة تصلى فيه ما يسمى بـ " سنة الجمعة القبلية " وتارة لا تصلى ‍!
ذلك كان حال المسجد المذكور إبان ابتداء عمارته بالصلاة ، وهو مع ذلك يعتبر المسجد الوحيد في دمشق ، بل ربما في سائر البلاد السورية في كونه قائماً على السنة ، منزهاً عن البدعة إلى حد كبير، فلا ترفع فيه الأصوات ولا تقام فيه صلاة الظهر بعد الجمعة ، وغير ذلك من المحدثات التي تغص بها سائر المساجد . ويعود الفضل في ذلك إلى اللجنة القائمة عليه من الشباب المؤمن الحريص على اتباع السنة ، واجتناب البدعة ، في حدود ما يعلم ، وما يأتيه من علم ، وهذا هو الذي أهاب بهم على أن يوجهوا الأسئلة المشار إليها إلى أفاضل العلماء .
فلما قدمت إلى هذه الأسئلة رأيتني مندفعاً إلى الإجابة عنها ، محاولة مني ومشاركة في جعل مسجد الجامعة أقرب إلى السنة ، وأبعد عن البدعة . ولعله يزول منه الاضطراب المشار إليه ، بعد ورود الأجوبة إلى اللجنة ، ودراستهم إياها ، واستخلاصهم ما كان أقرب إلى الصواب منها ، غير متحيزين إلى فئة ، ولا متبعين لعادة .
فلما فرغت من كتابة الجواب المشار إليه قدمته إلى اللجنة ، ولا أدري إذا كان غيري ممن وجهت إليهم الأسئلة ، قد قدموا أجوبتهم عليها ؛ ولا ماكان موقف اللجنة العلمي من جوابنا .
كان ذلك منذ عشر سنين فبدا لي الآن أن أعود إلى الجواب المذكور فأضيف إليه بعض الفوائد الجديدة ، مما لا يخرج عن موضوع الأسئلة ، ففعلت فكان ذلك كله هذه الرسالة التي تراها بين يديك .
ولما كنت أعتقد أنها حققت القول في كثير من المسائل التي يراها الباحث منبثة في بطون طوال الكتب الفقهية ومبسوطاتها ، ولا يراها مجتمعة محققة في رسالة خاصة ، رأيت أن أقوم بنشرها على الناس ، تنويراً للأذهان ، وتوطئة لإصلاح قد يتولاه بعض الغُيُر من المسؤولين عن المساجد ، أسوة بمصر الشقيقة ، وما تقوم به من إصلاحات بإرشاد وزراة الأوقاف ( 1 ) .
ومما يشجعني على النشر أنه لا بد للقراء من رسالة في هذا الموضوع تعرض عليهم الأجوبة مقرونة بأدلتها من كتاب الله وسنة رسوله،مستشهداً عليها بآثار الصحابة ، وأقوال كبار الأئمة ،
ممن يفتي بقولهم ، ويقتدي بهديهم .
زد على ذلك أن كثيراً من القراء قد كثر سؤالهم عن المسائل التي وردت في هذه الرسالة ، فنشرها مما يوفر علينا كلاماً كثيراً ، ووقتاً طويلاً .
وأيضاً فأنا شخصياً بحاجة إلى من ينبهني إلى ما قد يبدو مني من خطأ أو وهم ، مما لا ينجو منه إنسان ، فإذا نشرت آرائي ، تمكن أهل العلم من الاطلاع عليها ، ومعرفة ما قد يكون من الوهم فيها ، وبينوا ذلك كتابة أو شفهياً فشكرت لهم غيرتهم ، وجزيتهم خيراً .
وسميت هذه الرسالة بـ :
" الأجوبة النافعة عن أسئلة لجنة مسجد الجامعة " .
أسأل الله تعالى أن ينفع بها ، ويثيبني عليها خيراً ، بفضله وكرمه .

دمشق جمادى الآخرة 1380 محمد ناصر الدين الألباني

وإليك نصّ ما في الصفحة :

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله .

وبعد ؛ فامتثالاً لقوله تعالى : ] فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [ ، وقوله : ] لتبيننه للناس و لا تكتمونه [ ( 1 )، وقوله r : (( … و عن علمه ماذا عمل به )) ( 2 ) ؛ أتينا نسألكم التكرم بتحقيق المسألة التالية ، ولكم الأجر :

هل ترون الاقتداء بما فعله عثمان رضي الله عنه يوم الجمعة من الأذان الثاني إطلاقاً ، أم فقط عندما يتوفر السبب الذي دعا سيدنا عثمان لذلك ، لما رأى الناس قد كثروا و انغمسوا في طلب المعاش ؟ أو بعبارة أخرى : إذا وجد مسجد لا حيٌ قريب منه و لا سوق و ليس له إمام راتب
ولا مئذنة ، كالمسجد الذي في داخل ثكنة الحميدية ( 3 )، فهل ترون أن يجرى فيه على سنة سيدنا عثمان ، أو يكتفى بأذان واحد كما هو الحال في عهد الرسول r وصاحبيه ؟
إذا أذيعت الخطبة والأذان من المسجد المذكور بالمذياع ، فهل ترون هذا يغير في الأمر شيئاً ؟
كأن يقال : إن أذان عثمان لا حاجة إليه في مثل هذا المسجد البعيد عن البيوت والأسواق ،
ولكن بما أن إذاعة الأذان تعيد إليه صفة الإعلام و تسمعه لجميع الأنحاء، فيجب العمل به ؟
أو يقال : بما أن الإذاعة تؤمن الإعلام بإذاعة أذان واحد ، فلا حاجة للآخر ؟
هل الأذان الثاني الذي شرعه الرسول r موضعه أمام المنبر أم على باب المسجد المواجه للمنبر؟ وإذا كان هناك أذان آخر : أذان عثمان ، فهل موضعه على الباب ؟
إذا كان هناك أذان واحد فقط ، فمتى وقته ؟ هل هو أول وقت الظهر ، أم ماذا ؟ وإذا كان كذلك ، وكان وقته عند صعود الخطيب ، فمتى تُصَلَّى السنة القبلية إذا ثبتت ، وهل تصلى السنة عقب دخول الوقت بلا أذان ، ثم يصعد الخطيب ويؤذن المؤذن ، أم ماذا ؟
نرجو في كل ما سبق إيراد النصوص التي استندتم إليها في تحقيقكم ولكم منا الشكر ، ومن الله الثواب والأجر ، وفقنا الله وإياكم إلى العلم والفهم والاتباع ، وهو الهادي إلى الرشاد .

الجواب عن الأسئلة

أقول و بالله أستعين :

إني قبل الشروع في الإجابة أرى من المفيد ، بل الضروري أن أسوق هنا الحديث الوارد في أذان عثمان الأول ، لأنه سيكون محور الكلام في المسائل الآتية ؛ كما سترى ، ثم إنه لما كان الحديث المذكور فيه زيادات قد لا توجد عند بعض المخرجين للحديث ؛ رأيت تتميماً للفائدة أن أضيف كل زيادة وقفت عليها إلى أصل الحديث ، مشيراً إليها بجعلها بين قوسين [ ] ، ثم أبين من أخرج الحديث ، والزيادات من الأئمة في التعليق على الحديث ، وهاك نصه :
حديث أذان عثمان :
(( قال الإمام الزهري رحمه الله تعالى : أخبرني السائب بن يزيد أن الأذان [ الذي ذكره الله في القرآن ] كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر [ وإذا قامت الصلاة ] يوم الجمعة [ على باب المسجد ] في عهد النبي r وأبي بكر وعمر ، فلما كان خلافة عثمان ، وكثر الناس [ وتباعدت المنازل ] أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث ( وفي رواية : الأول ، وفي أخرى : بأذان ثان )
[ على دار [ له ] في السوق يقال لها : الزوراء ] ، فأذن به على الزوراء [ قبل خروجه ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت ] ، فثبت الأمر على ذلك ، [ فلم يعب الناس ذلك عليه ، وقد عابوا عليه حين أتم الصلاة بمنى ] ))([1]).
إذا علمت ما تقدم فلنشرع الآن في الجواب فنقول :

الجواب عن الفقرة الأولى :
لا نرى الاقتداء بما فعله عثمان رضي الله عنه على الإطلاق ودون قيد ، فقد علمنا مما تقدم أنه إنما زاد الأذان الأول لعلة معقولة ، وهي كثرة الناس وتباعد منازلهم عن المسجد النبوي ، فمن صرف النظر عن هذه العلة ، وتمسك بأذان عثمان مطلقاً لا يكون مقتدياً به رضي الله عنه ، بل هو مخالف له ، حيث لم ينظر بعين الاعتبار إلى تلك العلة التي لولاها لما كان لعثمان أن يزيد على سنته عليه الصلاة والسلام وسنة الخليفتين من بعده .
فإذن ؛ إنما يكون الاقتداء به رضي الله عنه حقاً عندما يتحقق السبب الذين من أجله زاد عثمان الأذان الأول ، وهو : (( كثره الناس و تباعدهم عن المسجد )) كما تقدم .
وأما ما جاء في السؤال من إضافة علة أخرى إلى الكثرة ؛ وهي ما أفاده بقوله : (( وانغمسوا في طلب المعاش )) فهذه الزيادة لا أصل لها ، فلا يجوز أن يبنى عليها أي حكم إلا بعد إثباتـها ،
ودون ذلك خرط القتاد .
وهذا السبب لا يكاد يتحقق في عصرنا هذا إلا نادراً ، وذلك في مثل بلدة كبيرة تغص بالناس على رحبها ، كما كان الحال في المدينة المنورة ، ليس فيها إلا مسجد واحد ، يجمع الناس فيه ، وقد بعدت لكثرتـهم منازلهم عنه ، فلا يبلغهم صوت المؤذن الذي يؤذن على باب المسجد ،
وأما بلدة فيها جوامع كثيرة كمدينة دمشق مثلاً ، لا يكاد المرء يمشي فيها إلا خطوات حتى يسمع الأذان للجمعة من على المنارات ، وقد وضع على بعضها أو كثير منها الآلات المكبرة للصوت ، فحصل بذلك المقصود الذي من أجله زاد عثمان الأذان ؛ ألا وهو إعلام الناس أن صلاة الجمعة
قد حضرت كما نص عليه في الحديث المتقدم، وهو معنى ما نقله القرطبي في "تفسيره" (18/100)
عن الماوردي : (( فأما الأذان الأول فمُحدَث ، فعله عثمان ليتأهب الناس لحضور الخطبة عند اتساع المدينة ، وكثرة أهلها )) .
وإذا كان الأمر كذلك ، فالأخذ حينئذ بأذان عثمان من قبيل تحصيل الحاصل ، وهذا لا يجوز ، ولا سيما في مثل هذا الموضع الذي فيه التزيُّد على سنة رسول الله r دون سبب مسوغ ، وكأنه لذلك كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو بالكوفة يقتصر على السنة ، ولا يأخذ بزيادة عثمان ؛ كما في (( القرطبي )) .
وقال ابن عمر : (( إنما كان النبي r إذا صعد المنبر أذن بلال ، فإذا فرغ النبي r من خطبته أقام الصلاة ، والأذان الأول بدعة )) رواه أبو طاهر المخلص في "فوائده" (ورقة 229/ 1- 2).
والخلاصة ؛ أننا نرى أن يُكتفى بالأذان المحمدي ، وأن يكون عند خروج الإمام وصعوده على المنبر ؛ لزوال السبب المسوغ لزيادة عثمان ، واتباعاً لسنة النبي عليه الصلاة والسلام ، وهو القائل: (( فمن رغب عن سنتي فليس مني )) ، متفق عليه .([2])
وبنحو ما ذكرنا قال الإمام الشافعي ، ففي كتابه " الأم " (1/172–173) ما نصه : (( وأحب أن يكون الأذان يوم الجمعة حين يدخل الإمام المسجد ويجلس على المنبر ، فإذا فعل أخذ المؤذن في الأذان ، فإذا فرغ قام ، فخطب لا يزيد عليه )) .
ثم ذكر حديث السائب المتقدم ، ثم قال : (( وقد كان عطاء ينكر أن يكون عثمان أحدثه ، ويقول : أحدثه معاوية ([3]) ، و أيهما كان ؛ فالأمر الذي كان على عهد رسول الله r أحب إلي ، فإن أذن جماعة من المؤذنين والإمام على المنبر ، وأذن كما يؤذن اليوم أّذان قبل أذان المؤذنين إذا جلس الإمام على المنبر ؛ كرهت ذلك له ، ولا يفسد شيء من صلاته )) .
وكذلك نقول في المسجد الوارد ذكره في السؤال:إنه ينبغي أن يُجرى فيه على سنة النبي r
لا على سنة عثمان ، وذلك لأمرين :
الأمر الأول : أن الأذان فيه لا يسمع من سكان البيوت؛ لبعدها كما جاء في السؤال، بل ولايسمع حتى من المارة في الطريق الذي يلي الثكنة من الناحية الشرقية والجنوبية ، فالأخذ حينئذ بأذان عثمان لا يحصّل الغاية التي أرادها به عثمان ، فيكون عبثاً في الشرع ينزه عنه المسلم .
الأمر الآخر: أن الذين يأتون إلى هذا المسجد ، إنما يقصدونه قصداً ، ولو من مسافات شاسعة، فهؤلاء – و لو فرض أنـهم سمعوا الأذان – فليس هو الذي يجلبهم ويجعلهم يدركون الخطبة والصلاة ، فإنه – لبعد المسافة بينهم و بين المسجد – لا بد لهم من أن يخرجوا قبل الأذان بمدة تختلف باختلاف المسافة طولاً و قصراً ، حتى يدركوا الصلاة ، شأنـهم في ذلك شأنـهم في صلاة العيدين في المصلى أو المساجد التي لا يشرع لها أذان و لا إعلام بدخول الوقت .
نعم ؛ لا نرى مانعاً من هذا الأذان العثماني إذا جُعل عند باب الثكنة الخارجي ؛ لأنه يُسمع المارة على الجادة ، ويُعلِمهم أن في الثكنة مسجداً تقام فيه الصلاة ، فيؤمونه ، ويصلون فيه ،
كما قد يسمع من يكون في البيوت القريبة من الجادة([4]) ، ولكن ينبغي أن لا يُفصل بين الأذانين
إلا بوقت قليل ، لأن السنة الشروع في الخطبة أول الزوال بعد الأذان ، كما يشير إلى ذلك قوله في الحديث السابق : (( أن الأذان كان أوله حين يجلس الإمام على المنبر ، وإذا قامت الصلاة ))،
أي : قام سببها ، وهو الزوال ، وفي ذلك أحاديث أخرى أصرح من هذا ؛ سيأتي ذكرها عند الجواب عن الفقرة الرابعة إن شاء الله تعالى .
ولا يفوتني أن أقول : إن هذا الذي ذهبنا إليه إنما هو إذا لم يُذَع الأذان عند باب المسجد بالمذياع أو مكبر الصوت ، وإلا فلا نرى جوازه ؛ لأنه حينئذ تحصيل حاصل كما سبق بيانه .
الجواب عن الفقرة الثانية
إن إذاعة الأذان من المسجد المذكور بالمذياع لا يغير من حكم المسألة شيئاً؛ لما سبق بيانه قريباً، ونزيد هنا فنقول :
قد مضى أن عثمان رضي الله عنه إنما زاد الأذان الأول((ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت))، فإذا أذيع الأذان المحمدي بالمذياع ، فقد حصلت الغاية التي رمى إليها عثمان بأذانه ، وأعتقد أنه
لو كان المذياع في عهد عثمان ، وكان يرى جواز استعماله كما نعتقد ، لكان رضي الله عنه اكتفى بإذاعة الأذان المحمدي ، وأغناه ذلك عن زيادته .
الجواب عن الفقرة الثالثة
يفهم الجواب عن هذه الفقرة مما تقدم في الحديث : (( أن الأذان في عهد النبي r وأبي بكر وعمر كان على باب المسجد ، وأن أذان عثمان كان على الزوراء )) ، فإن وجد السبب المقتضي للأخذ بأذانه حسبما تقدم تفصيله ؛ وضع مكان الحاجة و المصلحة ، لا على الباب ، فإنه موضع الأذان النبوي ، ولا في المسجد عند المنبر ، فإنه بدعة أموية كما يأتي ، وهو غير محقق للمعنى المقصود من الأذان ، وهو الإعلام ، ونقل ابن عبد البر عن مالك : (( إن الأذان بين يدي الإمام ليس من الأمر القديم )) ، أي أنه بدعة .
وقد صرح بذلك ابن عابدين في "الحاشية" (1/362) ، وابن الحاج في "المدخل" (2/208) ،
وغيرهما ممن هو أقدم و أعلم منهما ، قال الشاطبي في "الاعتصام" (2/146– 147) ما ملخصه :
( قال ابن رشد : الأذان بين يدي الإمام في الجمعة مكروه ؛ لأنه محدث ، وأول من أحدثه هشام بن عبد الملك ، فإنه نقل الأذان الذي كان بالزوراء إلى المشرفة ، ونقل الأذان الذي كان بالمشرفة بين يديه ، وتلاه على ذلك من بعده من الخلفاء إلى زماننا هذا ، قال : وهو بدعة ، والذي فعله رسول الله r والخلفاء الراشدون بعده هو السنة ، وذكر ابن حبيب ما كان فعله r وفعل الخلفاء الراشدون بعده كما ذكر ابن رشد ، وذكر قصة هشام ، ثم قال : والذي كان فعل رسول الله r هو السنة ، وما قاله ابن حبيب أن الأذان عند صعود الإمام على المنبر كان باقياً في زمان عثمان رضي الله عنه ؛ موافق لما نقله أرباب النقل الصحيح ، وأن عثمان لم يزد على ما كان قبله
إلا الأذان على الزوراء ، فصار إذن نقل هشام الأذان المشروع في المنارة إلى ما بين يديه بدعة في ذلك المشروع )) .
وينبغي أن يعلم أنه لم ينقل البتة أن الأذان النبوي كان بين يدي المنبر قريباً منه ، قال العلامة الكشميري : (( ولم أجد على كون هذا الأذان داخل المسجد دليلاً عند المذاهب الأربعة ،
إلا ما قال صاحب "الهداية" : إنه جرى به التوارث ، ثم نقله الآخرون أيضاً ، ففهمت منه أنـهم ليس عندهم دليل غير ما قاله صاحب "الهداية" ، و لذا يلجؤون إلى التوارث )) ([5]) .
قلت : وليس يخفى على البصير أنه لا قيمة لمثل هذا التوارث ؛ لأمرين :
الأول : أنه مخالف لسنة النبي r والخلفاء الراشدين من بعده .
والآخر : أن ابتداءه من عهد هشام لا من عهد الصحابة كما عرفت ، وقد قال ابن عابدين في "الحاشية" (1/769) : (( ولا عبرة بالعرف الحادث إذا خالف النص ؛ لأن التعارف إنما يصلح دليلاً على الحل إذا كان عاماً من عهد الصحابة و المجتهدين كما صرحوا به )) .
فتبين مما سلف أن جعل الأذان العثماني على الباب ، و الأذان المحمدي في المسجد ؛ بدعة
لا يجوز اتباعها ، فيجب إزالتها من مسجد الجامعة ، إحياءً لسنة النبي r .
هذا وقد مضى في كلام الشاطبي ومن نقل عنهم أن الأذان النبوي كان يوم الجمعة على المنارة ،
وقد صرح بذلك ابن الحاج أيضاً في "المدخل" ، فقال ما مختصره : (( إن السنة في أذان الجمعة إذا صعد الإمام على المنبر أن يكون المؤذن على المنارة ، كذلك كان على عهد النبي r وأبي بكر
وعمر و صدراً من خلافة عثمان ، ثم زاد عثمان أذاناً آخر بالزوراء ؛ لما كثر الناس ، وأبقى الأذان الذي كان على عهد رسول الله r على المنارة و الخطيب على المنبر إذ ذاك )) ، ثم ذكر قصة نقل هشام للأذان نحو ما تقدم نقله عن الشاطبي .
قلت : ولم أقف على ما يدل صراحة أن الأذان النبوي كان على المنارة ؛ إلا ما تقدم في الحديث أنه كان على باب المسجد ، فإن ظاهره أنه على سطحه عند الباب ، ويؤيد هذا أن من المعروف أنه كان لبلال – وهو الذي يؤذن يوم الجمعة – شيء يرقى عليه ليؤذن ، ففي "صحيح البخاري"
(4/110) عن القاسم بن محمد عائشة رضي الله عنها : (( إن بلالاً كان يؤذن بليل ، فقال رسول الله r : (( كلوا و اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر )) ، قال القاسم : ولم يكن بين أذانـهما إلا أن يرقى هذا وينزل ذا )) .
فلعله كان هناك عند الباب على السطح شيء مرتفع ، يشبه المنارة ، وقد يشهد لهذا
ما أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (8/307) بإسناده عن أم زيد بن ثابت قالت : (( كان بيتي أطول بيت حول المسجد ، فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن ، إلى أن بنى رسول الله r مسجده ، فكان يؤذن بعدُ على ظهر المسجد ، وقد رفع له شيء فوق ظهره )) .
لكن إسناده ضعيف ، وقد رواه أبو داود بإسناد حسن دون قوله : (( وقد رفع له شيء فوق ظهره )) ، والله أعلم .
والذي تلخص عندي في هذا الموضوع ؛ أنه لم يثبت أن المنارة في المسجد كانت معروفة في عهده r ([6]) ، ولكن من المقطوع به أن الأذان كان حينذاك في مكان مرتفع على المسجد يرقى إليه كما تقدم ، ومن المحتمل أن الرقي المذكور إنما هو إلى ظهر المسجد فقط([7]) ، ومن المحتمل أنه إلى شيء كان فوق ظهره كما في حديث أم زيد ، وسواء كان الواقع هذا أو ذاك ، فالذي نجزم به أن المنارة المعروفة اليوم ليست من السنة في شيء ، غير أن المعنى المقصود منها – وهو التبليغ – أمر مشروع بلا ريب ، فإذا كان التبليغ لا يحصل إلا بـها ، فهي حينئذ مشروعة ؛ لما تقرر في علم الأصول : أن ما لا يقوم الواجب إلا به ؛ فهو واجب ، و لكن ترفع بقدر الحاجة .
غير أن من رأيي أن وجود الآلات المكبرة للصوت اليوم يغني عن اتخاذ المئذنة كأداة للتبليغ ،
ولا سيما أنـها تكلف أموالاً طائلة ، فبناؤها والحالة هذه – مع كونه بدعة ، ووجود ما يغني عنه– غير مشروع ؛ لما فيه من إسراف و تضييع للمال ، ومما يدل دلالة قاطعة على أنـها صارت اليوم عديمة الفائدة ؛ أن المؤذنين لا يصعدون إليها البتة ، مستغنين عنها بمكبرات الصوت .
لكننا نعتقد أن الأذان في المسجد أمام المكبر لا يشرع ؛ لأمور :
منها : التشويش على من فيه من التالين و المصلين والذاكرين .
ومنها: عدم ظهور المؤذن بجسمه ، فإن ذلك من تمام هذا الشعار الإسلامي العظيم ( الأذان ) .
لذلك نرى أنه لا بد للمؤذن من البروز على المسجد، والتأذين أمام المكبر، فيجمع بين المصلحتين، وهذا التحقيق يقتضي اتخاذ مكان خاص فوق المسجد يصعد إليه المؤذن ، ويوصل إليه مكبر الصوت ، فيؤذن أمامه ، وهو ظاهر للناس .
ومن فائدة ذلك أنه قد تنقطع القوة الكهربائية ( 1 )، ويستمر المؤذن على أذانه وتبليغه إياه إلى الناس من فوق المسجد ، بينما هذا لا يحصل – والحالة هذه – إذا كان يؤذن في المسجد ؛
كما هو ظاهر .
ولا بد من التذكير هنا بأنه لا بد للمؤذنين من المحافظة على سنة الالتفات يمنة ويسرة عند الحيعلتين ، فإنـهم كادوا أن يُطبِقوا على ترك هذه السنة ؛ تقيداً منهم باستقبال لاقط الصوت ،
ولذلك نقترح وضع لاقطين على اليمين واليسار قليلاً بحيث يجمع بين تحقيق السنة المشار إليها ،
والتبليغ الكامل .
ولا يقال : إن القصد من الالتفات هو التبليغ فقط ، وحينئذ فلا داعي إليه مع وجود المكبر ؛ لأننا نقول : إنه لا دليل على ذلك ، فيمكن أن يكون في الأمر مقاصد أخرى قد تخفى على الناس ، فالأولى المحافظة على هذه السنة على كل حال .
الجواب عن الفقرة الرابعة
للأذان المحمدي وقتان :
الأول : بعد الزوال مباشرة و عند صعود الخطيب .
والآخر: قبل الزوال عند صعود الخطيب أيضاً، وهذا مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله وغيره.
أما الأول : فدليله ما تقدم في حديث السائب : (( أن الأذان كان أوله حين يجلس على المنبر
وإذا قامت الصلاة )) .
فهذا صريح في أن الأذان كان حين قيام سبب الصلاة ، وهو زوال الشمس – كما تقدم – مع جلوس الإمام على المنبر في ذلك الوقت ، و يشهد لهذا أحاديث :
(( عن سعد القرظ مؤذن النبي r أنه كان يؤذن يوم الجمعة على عهد رسول الله r إذا كان الفيء مثل الشراك ))( 1 ) .أخرجه ابن ماجه (1/342) ، والحاكم (3/607) .
قال الحافظ ابن حجر : (( في النسائي : أن خروج الإمام بعد الساعة السادسة ، وهو أول
الزوال )) ( 2 ) .
وأما الوقت الآخر ؛ ففيه أحاديث :
عن سلمة بن الأكوع قال : (( كنا نجمع([8]) مع رسول الله r إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتتبع الفيء )) .أخرجه البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/207/1) .
عن أنس الجيريا( أن رسول الله r كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس )) ، رواه البخاري وغيره.
عن جابر رضي الله عنه : (( كان رسول الله r إذا زالت الشمس صلى الجمعة )) ، رواه الطبراني في "الأوسط" وإسناده حسن .
وهذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على ما ذكرنا ، وذلك أنه من المعلوم أنه r كان يخطب قبل الصلاة خطبتين يقرأ فيهما القرآن ويذكّر الناس ، حتى كان أحياناً يقرأ فيها ] ق.والقرآن المجيد[ ، ففي "صحيح مسلم" (3/13) عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت : (( ما أخذت ] ق . والقرآن المجيد[ إلا عن لسان رسول الله r، يقرأها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس )).
وصح عنه أنه قرأ فيها سورة براءة .رواه ابن خزيمة في "صحيحه" والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي وغيره .
فإذا تذكرنا هذا ؛ علمنا أن الأذان كان قبل الزوال حتماً ، وكذا الخطبة ، طالما أن الصلاة كانت حين الزوال ، وهذا بيّن لا يخفى والحمد لله .
وأصرح من هذه الأحاديث في الدلالة على المطلوب حديث جابر الآخر ، وهو :
وعنه قال : (( كان رسول الله r يصلي الجمعة ، ثم نذهب إلى جمالنا ، فنريحها حين تزول الشمس ، يعني : النواضح )) ، أخرجه مسلم (3/ 8 – 9) ، والنسائي (1/206) ، والبيهقي
(3/190) ، وأحمد (3/331) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/207/1) .
فهذا صريح في أن الصلاة كانت قبل الزوال ، فكيف بالخطبة ؟ فكيف بالأذان ؟ .
ويشهد لذلك آثار من عمل الصحابة ، نذكر بعضها للاستشهاد بـها .
عن عبد الله بن سيدان السلمي قال : (( شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق ، فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار ، ثم شهدنا مع عمر ، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول : انتصف النهار ، ثم شهدنا مع عثمان ، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول زال النهار ، فما رأيت أحداً عاب ذلك و لا أنكره )) ، رواه ابن أبي شيبة (1/206/2) ، والدارقطني (169) .
قلت : وإسناده محتمل للتحسين ، بل هو حسن على طريقة بعض العلماء كابن رجب وغيره ، فإن رجاله ثقات غير عبد الله بن سيدان ، قال الحافظ في "الفتح" (2/321) : (( تابعي كبير ، إلا أنه غير معروف العدالة )) .
قلت : قد روى عنه أربعة من الثقات ، وهم ثابت ابن الحجاج ، وجعفر بن برقان ؛ كما في "الجرح والتعديل" (2/2/68) ، وميمون بن مهران ، وحبيب ابن أبي مرزوق كما في "ثقات ابن حبان" (5/31 –32).
وقول الحافظ بعد أن ساق له هذا الأثر : (( وقال البخاري : لا يتابع على حديثه ، بل عارضه ما هو أقوى منه )) ، ثم ذكر آثاراً صحيحة عن أبي بكر و عمر في التجميع بعد الزوال .
فأقول : لا تعارض بينها وبين هذا الأثر كما لا تعارض بين الأحاديث الموافقة له ، وبين الأحاديث الموافقة لها ، فالصحابة تلقوا الأمرين عن رسول الله r ، فكانوا – مثله عليه السلام – يفعلون هذا تارة ، وتارة هذا .
عن عبد الله بن سلمة قال الجيريا( صلى بنا عبد الله الجمعة ضحى، وقال خشيت عليكم الحر )) أخرجه ابن أبي شيبة .
قلت : ورجاله ثقات غير عبد الله بن سلمة ، قال الحافظ في "الفتح" : (( صدوق ؛ إلا أنه ممن تغير لما كبر )) .
قلت : ومثله إنما يخشى منه الخطأ في رفع الحديث ، أو في روايته عن غيره ، مما لم يشاهد ،
وهو هنا يروي حادثة شاهدها بنفسه ، وهي في الواقع غريبة لمخالفتها للمعهود من الصلاة بعد الزوال ، فاجتماع هذه الأمور ؛ مما يرجح حفظه لما شاهد ، فالأرجح أن هذا الأثر صحيح ،
ولعله من أجل ما ذكرنا احتج به الإمام أحمد ، فقال ابنه عبد الله في "مسائله عنه" (ص112) :
(( سئل عن وقت صلاة الجمعة ؟ قال : إن صلى قبل الزوال فلا بأس ، حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة أن عبد الله صلى بـهم يوم الجمعة ضحى ، وحديث سهل بن سعد : كنا نصلي ونتغدى بعد الجمعة ، كأنه يدل على أنه قبل الزوال )) .
عن سعيد بن سويد قال : (( صلى بنا معاوية الجمعة ضحى )) ، رواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن مرة عنه .
قلت : وسعيد هذا لم يذكروا له راوياً غير عمرو هذا ، ومع ذلك ذكره ابن حبان في "الثقات"
(4/280) .
عن بلال العبسي : (( أن عماراً صلى بالناس الجمعة ، والناس فريقان : بعضهم يقول : زالت الشمس ، وبعضهم يقول : لم تزل )) ، رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح .
عن أبي رزين قال : (( كنا نصلي مع علي الجمعة ، فأحياناً نجد فيئاً ، وأحياناً لا نجده )) ، رواه ابن أبي شيبة وإسناده صحيح على شرط مسلم .
قلت : وهذا يدل لمشروعية الأمرين ، الصلاة قبل الزوال ، والصلاة بعده ، كما هو ظاهر([9]) .
ولهذه الأحاديث والآثار كان الإمام أحمد رحمه الله يذهب إلى جواز صلاة الجمعة قبل الزوال كما سبق ، وهو الحق كما قال الشوكاني وغيره ، وتفصيل القول في هذه المسألة لا تحتمله هذه العجالة ، فلتراجع في المطولات كـ "نيل الأوطار" ، و "السيل الجرار" (1/296–297) ، وغيره .
ومما سبق تعلم الجواب عن السؤال الثاني الوارد في الفقرة الرابعة : (( فمتى تصلى السنة القبلية إذا ثبتت ؟ )) .
وهو أنه لا أصل لهذه السنة في السنة الصحيحة ، ولا مكان لها فيها ، فقد عملت من الأحاديث المتقدمة أن الزوال فالأذان فالخطبة فالصلاة ؛ سلسلة متصلة آخذ بعضها برقاب بعض ، فأين وقت هذه السنة ؟! ولهذا المعنى يشير كلام الحافظ العراقي : (( لم ينقل عن النبي r أنه كان يصلي قبل الجمعة ؛ لأنه كان يخرج إليها ، فيؤذن بين يديه ، ثم يخطب ))([10]) .
وقد انتبه لهذا بعض علماء الحنفية ؛ حين ذهبوا إلى أنه إنما يجب السعي وترك البيع يوم الجمعة بالأذان الأول ، الذي يكون قبل صعود الخطيب ، وقالوا : إنه هو الصحيح في المذهب ، مع علمهم أنه لم يكن في زمن النبي r زمن نزول الآية : ] إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [ الآية ، و أنـها نزلت في الأذان الذي عند صعود الخطيب على المنبر كما تقدم ، علموا هذا كله لشهرته في كتب السنة ، ولم يكتفوا بذلك ، بل وضعفوا قول الطحاوي منهم الذي وافق ما في السنة بقوله : إن الأذان الذي يجب به ترك البيع إنما هو الذي عند صعود الخطيب ، فقالوا : (( لأنه لو اعتبر في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية … الخ ))([11]) !.
فهذا اعتراف ضمني بأن السنة القبلية المزعومة لم تكن معروفة في العهد النبوي ، وأن الصحابة كانوا لا يصلونـها ؛ لأنه لم يكن آنئذ الوقت الذي يتمكنون فيه من أدائها ، وهذا أمر صحيح ،
ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد في هدي خير العباد" : (( ومن ظن أنـهم كانوا إذا فرغ بلال من الأذان ، قاموا كلهم فركعوا ركعتين ؛ فهو أجهل الناس بالسنة )) .
وتعقبه الكمال ابن الهمام في "فتح القدير" (1/422) ، فقال بعد أن نقل معنى كلامه دون أن يعزوه إليه : (( وهذا مدفوع بأن خروجه r كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعد ما يصلي الأربع ، ويجب الحكم بوقوع هذا المجوز ؛ لما قدمنا في باب النوافل من عموم أنه كان يصلي إذا زالت الشمس أربعاً ، ويقول : (( هذه ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح )) ، وكذا يجب في حقهم ؛ لأنـهم أيضاً يعلمون الزوال )) .
قلت : وهذا التعقب لا طائل تحته ، وهو مردود من وجوه :
أولاً : أنه بناه على أن خروجه r كان بعد الزوال بالضرورة ، وليس كذلك على الإطلاق ،
بل كان يخرج أحياناً قبل الزوال كما تقدم .
ثانياً : تقدم أنه r كان يبادر إلى الصعود على المنبر عقب الزوال مباشرة ، فأين الوقت الذي يتسع لهذا الأمر المجوز ؟! .
ثالثاً : لو أن النبي r كان يصلي أربع ركعات بعد الزوال ، و قبل الأذان لنقل ذلك عنه ،
ولا سيما أن فيه أمراً غريباً غير معهود مثله في بقية الصلوات ، وهو الصلاة قبل الأذان ، ومثله صلاة الصحابة جميعاً لهذه السُنّة في وقت واحد في المسجد الجامع ، فإن هذا كله مما تتوافر الدواعي على نقله ، وتتضافر الروايات على حكايته ، فإذا لم ينقل شيء من ذلك ، دل على أنه
لم يقع ، وقد قال أبو شامة في كتابه : "الباعث على إنكار البدع والحوادث" : (( فإن قلت : لعله r صلى السُنّة في بيته بعد زوال الشمس ثم خرج ؟ ، قلت : لو جرى ذلك لنَقَلَه أزواجه رضي الله عنهن ، كما نقلن سائر صلواته في بيته ليلاً ونـهاراً ، وكيفية تـهجده وقيامه بالليل ، وحيث
لم ينقل شيء من ذلك فالأصل عدمه ، ودل على أنه لم يقع وأنه غير مشروع )) .
قلت : وأما الحديث الذي رواه أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن ياسر في (( حديث أبي القاسم علي بن يعقوب )) (108) ، عن إسحق بن إدريس : ثنا أبان : ثنا عاصم الأحول عن نافع عن عائشة مرفوعاً بلفظ : (( كان يصلي قبل الجمعة ركعتين في أهله )) ، فهو باطل موضوع ، وآفته إسحق هذا ؛ وهو الأسواري البصري ، قال ابن معين : (( كذاب يضع الحديث )) .
قلت : وتفرد هذا الكذاب برواية هذا الحديث من الأدلة الظاهرة على صدق قول أبي شامة : إنه لو جرى ذلك لنقله أزواجه ، وذلك لأنه لو وقع لنقله الثقات الذين تقوم بـهم الحجة ، ولا يعقل أن يصرفهم الله عن نقله ، ويخص به أمثال هذا الكذاب ، فذلك دليل على اختلاقه لهذا الحديث ،
وأنه لا أصل له .
رابعاً : أن العموم الذي ادعاه في الحديث الذي أشار إليه غير صحيح عند التأمل في نصه الوارد في كتب السنة المطهرة ، بل هو خاص بصلاة الظهر ، وإنما جره إلى هذا الخطأ خطأ آخر وقع له في نقل الحديث في المكان الذي أشار إليه وأحال عليه ، فقد قال فيه (1/317) : (( أخرج أبو داود في "سننه" ، والترمذي في "الشمائل" عن أبي أيوب الأنصاري عنه r قال : (( أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم ، تفتح لهن أبواب السماء )) ، وضعف بعبيدة من معتب الضبي .
وله طريق آخر ؛ قال محمد بن الحسن في "الموطأ" : حدثنا بكر بن عامر البجلي عن إبراهيم
والشعبي عن أبي أيوب الأنصاري أنه r كان يصلي أربعاً إذا زالت الشمس ، فسأله أبو أيوب عن ذلك ؟ فقال : إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة ، فأحب أن يصعد لي في تلك الساعة خير، قلت : أفي كلهن قراءة ؟ قال : نعم ، قلت : أيفصل بينهن بسلام ؟ قال : لا )) ، والعموم الذي سبق أن أشار إليه هو قوله : (( كان يصلي أربعاً إذا زالت الشمس )) ، وصحيح أن هذا عموم ، وأنه يشمل زوال الجمعة كما يشمل زوال الظهر ، ولكن ليس صحيحاً نقله بـهذا اللفظ الشامل ، فإن سياقه في "موطأ محمد"(ص158) هكذا: (( كان يصلي قبل الظهر أربعاً إذا زالت الشمس )) الحديث ، وهكذا نقله الزيلعي في "نصب الراية" (2/142) عن "الموطأ" ، فقد عاد الحديث إلى أنه خاص بصلاة الظهر وزواله ، كما رجع حجة عليه ، لا له .
ومثل هذا الحديث ، بل أصرح منه حديث عبد الله ابن السائب : (( أن رسول الله r كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر ، وقال : إنـها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ،
وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح )) .
أخرجه أحمد (3/411)، والترمذي (2/343) وحسنه ، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
فانظر إلى النكتة في قوله : (( قبل الظهر )) ، عقب قوله : (( بعد أن تزول الشمس )) ، فإن كل أحد يعلم أن الزوال إنما يكون قبل الظهر ، فإنما قيّده بذلك ليخرج من عموم : (( بعد أن تزول الشمس )) صلاة الجمعة ، فقد آب الحديث متفقاً مع الأحاديث المتقدمة النافية لسنة الجمعة القبلية .
خامساً : لو سلمنا بـ (( عمومية الحديث )) لقلنا بأنه من العام المخصوص بدليل النصوص المتقدمة ، ولهذا لا يقال : إن العلة المذكورة فيه : (( إنـها ساعة … الخ )) تقتضي أنه r كان يصلي قبل الجمعة أيضاً ؛ لأنا نقول : يمنع من ذلك الأدلة المشار إليها ، على أن غاية ما تفيده هذه العلة محبته r أن يصعد له في تلك الساعة عمل صالح ، ولا نشك في أن ذلك كان حاصلاً له r يوم الجمعة أكثر من غيره من الأيام ، ذلك لأنه في تلك الساعة كان يخطب خطبة الجمعة التي لا بد منها ، يعظ الناس ، ويذكرهم بربـهم ، ويعلمهم أمور دينهم ، فذلك أفضل له r من أربع ركعات فائدتـها خاصة به ، بينما تلك فائدتـها عائدة إلى المجموع ، فكانت أفضل .
سادساً : روى البخاري (1/394) عن ابن عمر قال : (( صليت مع رسول الله r ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعد الظهر ، وركعتين بعد الجمعة ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء )) ، ورواه مسلم (2/162) ، وزاد : (( فأما المغرب والعشاء والجمعة ، فصليت مع النبي r في بيته )) .
فهذا كالنص على أنه r كان لا يصلي قبل الجمعة شيئاً لا في البيت ولا في المسجد ، إذ لو كان شيء من ذلك ؛ لنقله لنا ابن عمر رضي الله عنه كما نقل سنتها البعدية ، وسنة الظهر القبلية ، فذكر هذه السنة للظهر دون الجمعة أكبر دليل على أنه ليس لها سنة قبلية ، فبطل بذلك دعوى وقوع (( هذا المجوز )) ! كما يبطل به دعوى قياس الجمعة على الظهر في السنة القبلية ! .
لم يقل أحد من الأئمة بالسنة القبلية :
فثبت مما تقدم أن لا دليل في حديث أبي أيوب على سنية أربع ركعات قبل الجمعة بعد الزوال ، (( ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة موقتة بوقت ، مقدرة بعدد ؛ لأن ذلك إنما يثبت بقول النبي r أو فعله ، وهو لم يسن في ذلك شيئاً ، لا بقوله ولا بفعله ، وهذا مذهب مالك و الشافعي وأكثر أصحابه ، وهو المشهور في مذهب أحمد ))([12]) .
وقال العراقي : (( ولم أر للأئمة الثلاثة ندب سنة قبلها ))([13]).
وأما الحديث الذي أخرجه ابن ماجه (1/347) عن ابن عباس قال : (( كان النبي r يركع قبل الجمعة أربعاً ، لا يفصل في شيء منهن )) .
فإسناده ضعيف جداً ؛ كما قال الزيلعي في "نصب الراية" (2/206) ، وابن حجر في "التلخيص" (4/626) ، وقال النووي في "الخلاصة" : (( إنه حديث باطل )) .
وتفصيل القول في ضعفه يراجع في "زاد المعاد" (1/170–171) ، و"الباعث" (ص75) ،
و"سلسلة الأحاديث الضعيفة" رقم (1001) من المجلد الثالث ، وقد صدر حديثاً ، و الحمد لله.
ولا يغيب عنا أن في الباب أحاديث أخرى عن ابن عباس ، ولكن أسانيدها ضعيفة أيضاً ، فإن مدارها على ضعفاء و مجاهيل ، و قد ضعفها كلها الحافظ في "الفتح" (2/341) ، فاقصده إن شئت .
ثم تكلمت بصورة خاصة مفصّلة على حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة في المجلد المذكور آنفاً برقم (1016 و1017) .
ولذلك رأيت ابن الهمام فيما سبق ينصرف عن الاحتجاج بشيء منها إلى الاحتجاج بما صح سنده ، ولكن ليس له علاقة بالباب ، وقد سبقه إلى نحو ذلك النووي رحمه الله ، فاحتج بحديث آخر صحيح ، لكنه غير صريح في دلالته ، وهو ما أخرجه أبو داود في "سننه" بإسناد صحيح على شرط البخاري عن أيوب عن نافع قال : (( كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ، و يصلي بعدها ركعتين في بيته ، ويحدث أن رسول الله r كان يفعل ذلك )) .
فهذا ظاهره أنه r كان يفعل كلاً من الأمرين : الصلاة قبل الجمعة ، والصلاة بعدها ، ولكن الأول غير مراد ؛ كما سبق في رواية البخاري عن ابن عمر (ص 54 – 55) ، وكما بيَّنَتْهُ رواية أخرى ؛ قال الحافظ في "الفتح" (2/341) : (( احتج به النووي في "الخلاصة" على إثبات سنة الجمعة التي قبلها ، وتعقب بأن قوله : (( كان يفعل ذلك )) عائد على قوله : (( ويصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته )) ، ويدل عليه رواية الليث عن نافع عن عبد الله أنه كان إذا صلى الجمعة ؛ انصرف فسجد سجدتين في بيته ، ثم قال : كان رسول الله r يصنع ذلك )) ، أخرجه مسلم .
قال الحافظ : (( وأما قوله : (( كان يطيل الصلاة قبل الجمعة )) ، فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعاً ؛ لأنه r كان يخرج إذا زالت الشمس ، فيشتغل بالخطبة ،
ثم بصلاة الجمعة ، وإن كان المراد قبل دخول الوقت فذلك مطلق نافلة ، لا صلاة راتبة ، فلا حجة فيه لسنة الجمعة التي قبلها ، بل هو نفل مطلق ، وقد ورد الترغيب فيه كما تقدم في حديث سلمان وغيره ، حيث قال فيه : ثم صلى ما كتب له )) .
وحديث سلمان المشار إليه آنفاً في كلام الحافظ لفظه عند البخاري: (( لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهن ، أو يمس من طيب بيته ، ثم يخرج ،
فلا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، ثم ينصت إذا تكلم الإمام ؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى )) ، وأخرجه النسائي والدارمي .
قلت : فهذا الحديث يبين بجلاء وظيفة الداخل إلى المسجد يوم الجمعة في أي وقت كان ، وهي أن يصلي ما قدر له ، ( و في حديث آخر : (( ما بدا له )) ) حتى يخرج الإمام ، فينصت له ، فهو دليل صريح أو كالصريح على جواز الصلاة قبل الزوال يوم الجمعة ، وذلك من خصوصيات هذا اليوم كما بين المحقق ابن القيم في "الزاد" (1/143) ، واحتج له بـهذا الحديث ، فقال عقبه :
(( فندبه إلى صلاة ما كتب له ، و لم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام ، لا انتصاف النهار )) .
ثم ذكر مذاهب العلماء في الصلاة قبل الزوال ، وهي ثلاثة : مباح مطلقاً يوم الجمعة وغيره ،
ومكروه مطلقاً ، والثالث أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة ، وهو مذهب الشافعي ، وهو الحق الذي اختاره جماعة من الحنفيين وغيرهم ، وهو قول الإمام أبي يوسف رحمه الله ، وهو المعتمد المصحح في المذهب كما في "الأشباه والنظائر"، وعليه الفتوى كما في الطحطاوي على "مراقي الفلاح" .([14])
وعلى هذا جرى عمل الصحابة رضي الله عنهم ، فروى ابن سعد في "الطبقات" (8/360) بإسناد صحيح على شرط مسلم عن صافية قالت : (( رأيت صفية بنت حيي ( وهي من أزواج النبي r ماتت في ولاية معاوية ) ، صلت أربعاً قبل خروج الإمام ، وصلت الجمعة مع الإمام ركعتين )) .
وفي "الزاد" قال ابن المنذر : روينا عن ابن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة ،
وعن ابن عباس أنه كان يصلي ثمان ركعات ، وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع المطلق ، ولذلك اختلف العدد المروي عنهم في ذلك ، وقال الترمذي : (( وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً ، وبعدها أربعاً ، وإليه ذهب ابن المبارك والثوري )) .
وقال أبو شامة (ص70) بعد أن نقل قول ابن المنذر المذكور : (( ولذلك اختلف العدد المروي عنهم ، وباب التطوع مفتوح ، ولعل ذلك كان يقع منهم أو معظمه قبل الأذان ودخول وقت الجمعة ؛ لأنـهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام ، وقد فعلوا مثل ذلك في صلاة العيد ، وقد علم قطعاً أن صلاة العيد لا سنة لها ، وكانوا يصلون بعد ارتفاع الشمس في المصلى ، وفي البيوت ، ثم يصلون العيد، روي ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين، وبوب له الحافظ البيهقي باباً في "سننه" ثم الدليل على صحة ذلك أن النبي r كان يخرج من بيته يوم الجمعة فيصعد منبره ، ثم يؤذن المؤذن فإذا فرغ ؛ أخذ النبي r في خطبته ، ولو كان للجمعة سنة قبلها لأمرهم بعد الأذان بصلاة السنة ، وفعلها هو r، ولم يكن في زمن النبي r غير هذا الأذان، وعلى ذلك مذهب المالكية إلى الآن)).
وقد يشير إلى أنه لا سنة للجمعة قبلها قوله r : (( إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً ))([15]).
فإنه لو كان قبلها سنة لذكرها في هذا الحديث مع السنة البعدية ، فهو أليق مكان لذكرها .
والخلاصة : إن المستحب لمن دخل المسجد يوم الجمعة في أي وقت أن يصلي قبل أن يجلس
ما شاء نفلاً مطلقاً غير مقيد بعدد ، ولا موقت بوقت ، حتى يخرج الإمام ، أما أن يجلس عند الدخول بعد صلاة التحية أو قبلها، فإذا أذن المؤذن بالأذان الأول ؛ قام الناس يصلون أربع ركعات ؛ فمما لا أصل له في السنة ، بل هو أمر محدث ، و حكمه معروف .
وقد يتوهم متوهم أن هذا القيام و الصلاة كان معروفاً على عهد عثمان ، وأن من أسباب أمره بالأذان الأول هو إيجاد فسحة من الوقت بينه وبين الأذان الثاني ؛ ليتمكنوا من السنة القبلية !
وهذا مع أنه مما لا دليل عليه وإنما هو مجرد ظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً – ومع أنه لم ينقل – فإن في حديث السائب السابق ما يبعد وقوعه ، ففيه : (( أن الأذان الأول كان في السوق )) ،
والسنة القبلية لا تكون في السوق عادة ، بل في المسجد ، ومن كان فيه لا يسمعه حتى يصلي حينئذ ! ثم إنه لم ينقل أيضاً أن هشاماً لما نقل الأذان العثماني من الزوراء إلى باب المسجد ، ونقل الأذان النبوي منه إلى داخل المسجد كما تقدم ، لم ينقل أنـهم كانوا يصلون بين الأذانين ، ولو فعلوا
لما كان في ذلك حجة ؛ لأنه بعد انقراض عهد الصحابة ، وما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ؛ كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى .
ولذلك قال ابن الحاج في "المدخل" (2/239) : (( وينهى الناس عما أحدثوه من الركوع بعد الأذان الأول للجمعة ؛ لأنه مخالف لما كان عليه السلف رضوان الله عليهم ؛ لأنـهم كانوا على قسمين : فمنهم من كان يركع حين دخوله المسجد ، ولا يزال كذلك حتى يصعد الإمام المنبر ، فإذا جلس عليه قطعوا تنفلهم ، ومنهم من كان يركع و يجلس حتى يصلي الجمعة ، ولم يحدثوا ركوعاً بعد الأذان الأول ولا غيره ، فلا المتنفل يعيب على الجالس ، ولا الجالس يعيب على المتنفل ،
وهذا بخلاف ما هم اليوم يفعلونه ، فإنـهم يجلسون حتى إذا أذن المؤذن قاموا للركوع ([16]) ! فإن قال قائل : هذا وقت يجوز فيه الركوع ، فقد روى الإمام البخاري عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : بين كل أذانين صلاة ، قالها ثلاثاً ، وقال في الثالثة : لمن شاء ، فالجواب أن السلف رضوان الله عليهم أفقه بالحال ، وأعرف بالمقال ، فما يسعنا إلا اتباعهم فيما فعلوه )).
قلت : وهذا الجواب غير كاف ولا شاف ؛ لأنـه أوهم التسليم بأن الحديث يدل على مشروعية قصد الصلاة بين أذان عثمان والأذان النبوي، وليس كذلك ، فلا بد إذن من توضيح ذلك، فأقول :
إن الحديث لا يدل على ذلك البتة ؛ لأن معنى قوله فيه : (( أذانين )) ، أي : أذان وإقامة ، قال الحافظ : (( وقد جرى الشراح على أن هذا من باب التغليب ، كقولهم : ( القمرين ) للشمس
والقمر ، ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان ؛ لأنـها إعلان بحضور فعل الصلاة ، كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت )) .
قلت : و سواء كان هذا أو ذاك ، فالمراد بالأذان الثاني فيه الإقامة قولاً واحداً ، فإذا كان الأمر كذلك فلا يصلح دليلاً لما ذهب إليه القائل المذكور .
ثم إننا لو فرضنا أن الحديث على ظاهره ، وأنه يشمل أذان عثمان ، مع أنه لم يكن في عهده r اتفاقاً ؛ لما دل إلا على استحباب صلاة مطلقة غير مقيدة بعدد ، وليس البحث في ذلك ، وإنما هو في كونـها سنة راتبة مؤكدة ، وفي كونـها أربع ركعات ، فهذا مما لا يقوم بصحته دليل ، لا هذا الحديث ولا غيره ؛ كما تقدم بيانه مفصلاً .
ويؤيد ما ذكرته أن أحداً من العلماء لم يستدل بالحديث المذكور على سنية صلاة معينة بركعات محدودة بين الأذانين ، وخاصة أذان المغرب وإقامته ، بل غاية ما قالوا : إنه يدل على الندب فقط ، وعلى صلاة مطلقة غير محدودة الركعات ، فليكن الأمر كذلك هنا على الفرض الذي ذكرنا ،
وهذا ظاهر لمن أنصف .
ولكن الحق أن الحديث لا يدل على مشروعية التنفل إطلاقاً بين أذاني الجمعة ؛ كما سبق بيانه في أول البحث ، فهو المعتمد .
هذا ؛ وأما قول السائل في هذه الفقرة : وهل تصلى السنة عقب دخول الوقت بلا أذان ؟ )).
فنقول : يجب أن يتولى الإجابة عن هذا الذين يذهبون إلى مشروعية هذه السنة ، وأما نحن الذين لا نرى مشروعيتها ؛ فالسؤال غير وارد علينا ، وإنما نقول كلمة موجزة ، وهي كالخلاصة لهذا البحث المتقدم :
إن الثابت في السنة ، والذي جرى عليه عمل الصحابة هو الصلاة قبل الأذان وقبل الوقت صلاة مطلقة غير مقيدة بوقت ولا بعدد ، فمن كان مقتدياً فبهداهم فليقتد ، فإن خير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتـها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
والخلاصة ؛ أن الذي ثبت في السنة و جرى عليه السلف الصالح رضي الله عنهم هو :
أولاً : الاكتفاء بالأذان الواحد ، عند صعود الخطيب على المنبر .
ثانياً : أن يكون خارج المسجد على مكان مرتفع .
ثالثاً : أنه إن احتيج إلى أذان عثمان ؛ فمحله خارج المسجد أيضاً في المكان الذي تقتضيه المصلحة ، ويحصل به التسميع أكثر .
رابعاً : إن الأذان في المسجد بدعة على كل حال ، وإن لصلاة الجمعة وقتين بعد الزوال
وقبله .
خامساً : إن من دخل المسجد قبل الأذان صلى نفلاً مطلقاً ما شاء من الركعات .
سادساً : إن قصد الصلاة بين الأذان المشروع والأذان المحدث – تلك التي يسمونـها سنة الجمعة القبلية – لا أصل لها في السنة ، ولم يقل بـها أحد من الصحابة والأئمة .
وهذا آخر ما تيسر تحريره من الإجابة على الأسئلة المقدمة ، أرجو من الله تعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وسبباً للفوز بالنعيم المقيم ، ونجاة من عذاب الجحيم ، إنه هو البر الرحيم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
دمشق : نـهار الخميس 24رمضان 1370هـ
28حزيران 1951م
كتبه
خادم السنة المطهرة
محمد ناصر الدين نوح الألباني
أبو عبد الرحمن

أحكام الجمعة

ثم إنني بعد أن قدمت رسالة "الأجوبة النافعة" للطبع ، وقفت على كتاب "الموعظة الحسنة
بما يخطب في شهور السنة" ( 1 ) تأليف العلامة المحقق أبو الطيب صديق حسن خان ، فرأيت فيه فصلاً خاصاً في ( الكلام على صلاة الجمعة ) (ص7 – 35) ، تكلم فيه كما قال : " على أمهات مسائل ، ثبتت من السنة المطهرة ، وصح دليلها ، وغالبها مما حقق القول فيه في كتابه الآخر "الروضة الندية" ، بل هو أحياناً ينقل منها بعض المسائل بالحرف الواحد .
فرأيت أن ألخص جل تلك المسائل ، وأذيل بها هذه الرسالة لما فيها من التحقيق والتدقيق الذي عرف به المؤلف رحمه الله تعالى ، وكان لا بد من التعليق على بعضها ، حينما يقتضي ذلك التحقيق العلمي ، والنصح الديني ، وأعرضت عن ذكر بعضها ، إما لأنه مما لا ضرورة إلهيا ،
أو لم يقم الدليل العلمي على صحتها .
والله أسأل أن يجزي المؤلف ، والمنفق على طبعه والقائم عليه خير الجزاء ، وأن ينفع به القراء ، إنه خير مسؤول .

حكم صلاة الجمعة ( 1 ) :
1 – الجمعة حق على كل مكلف ، واجبة على كل محتلم ، بالأدلة المصرحة بأن الجمعة حق على كل مكلف ، وبالوعيد الشديد على تاركها ، وبهمه r بإحراق المتخلفين عنها( 2 ).
وليس بعد الأمر القرآني المتناول لكل فرد في قوله تعالى : ] يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [ ]الجمعة : 9 [حجة بينة واضحة . وقد أخرج أبو دواود من حديث طارق بن شهاب أن النبي r قال: (( الجمعة حق واجب على كل مسلم]في جماعة[إلا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض )) . وقد صححه غير واحد من الأئمة.

الإمام الأعظم ! :
2 – لا يشترط الإمام الأعظم للجمعة ، ولو كان مجرد إقامتها ـ r أو بمن هو من جهته ـ يستلزم اشتراط الإمام الأعظم فيها ، لكان الإمام الأعظم شرطاً في سائر الصلوات ، لأنها لم تقم إلا به في عصره r أو بمن يأمره بذلك ، واللازم باطل ، فالملزوم مثله .
والحاصل أنه ليس على هذا الاشتراط أثارة من علم ، بل لم يصح ما يروى في ذلك عن بعض السلف ، فضلاً عن أن يصح فيه شيء عن النبي r ومن طول المقال في هذا المقام فلم يأت بطائل قط ( 3 ) .
العدد في الجمعة :
3 – صلاة الجماعة قد صحت بواحد مع الإمام ، وصلاة الجمعة هي صلاة من الصلوات ، فمن اشترط فيها زيادة على ما تنعقد به الجماعة ، فعليه الدليل ، ولا دليل ، والعجب من كثرة الأقوال في تقدير العدد حتى بلغت إلى خمس عشر قولاً ، ليس على شيء منها دليل يستدل له قط ،
إلا قول من قال : إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعة ، كيف والشروط إنما تثبت بأدلة خاصة تدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه ، فإثبات مثل هذه الشروط بما ليس بدليل أصلاً ، فضلاً على أن يكون دليلاً على الشرطية مجازفة بالغة ، وجرأة على التقول على الله وعلى رسوله r وعلى شريعته .
لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين ، وتصديره في كتب الهداية ، وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به ، وهو على شفا جرف هاو ، ولم يختص هذه بمذهب من المذاهب، ولا بقطر من الأقطار ، ولا بعصر من العصور، بل تبع فيه الآخر الأول ، كأنه أخذه من أم الكتاب ! وهو حديث خرافة !
فيا ليت شعري ما بال هذه العبادة من بين سائر العبادات تثبت لها شروط وفروض وأركان بأمور لا يستحل العالم المحقق بكيفية الاستدلال أن يجعل أكثرها سنناً ومندوبات ؛ فضلاً عن فرائض وواجبات ، فضلاً عن شرائط ؟ !
والحق أن هذه الجمعة فريضة من فرائض الله سبحانه ، وشعار من شعائر الإسلام ، وصلاة
من الصلوات ، فمن زعم أنه يعتبر فيها ، ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات ، لم يسمع منه ذلك
إلا بدليل.
فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان ، قام أحدهما يخطب ، واستمع له الآخر ثم قاما فصليا
] فقد صليا [( 1 )صلاة الجمعة .
والحاصل أن جميع الأمكنة صالحة لتأدية هذه الفريضة ( 2 )، إذا سكن فيها رجلان مسلمان كسائر الجماعات ـ بل لو قال قائل : إن الأدلة الدالة على صحة صلاة المنفرد شاملة لصلاة الجمعة ـ لم يكن بعيداً عن الصواب ( 3 ) .

تعدد الجمعة في البلد الواحد :
4 – صلاة الجمعة صلاة من الصلوات ، يجوز أن تقام في وقت واحد جمع متعددة في مصر واحد ، كما تقام جماعات سائر الصلوات في المصر الواحد ، ومن زعم خلاف هذا ، كان مستند زعمه مجرد الرأي ، وليس ذلك بحجة على أحد ، وإن كان مستند زعمه الراوية ، فلا رواية .
والحاصل أن المنع من جمعتين في مصر واحد ، إن كان لكون من شرط صلاة الجمعة أن لا يقع مثلها في موضع واحد أو أكثر فمن أين هذا ؟! وما الذي دل عليه ؟! فإن كان مجرد أنه r
لم يأذن فإقامة جمعته في المدينة وما كان يتصل لها بها من القرى ، فهذا مع كونه لا يصح الاستدلال على الشرطية المقتضية للبطلان ، بل ولا على الوجوب الذي هو دونها ، يستلزم أن يكون الحكم هكذا في سائر الصلوات الخمس ( 1 ) فلا تصح الصلاة جماعة في موضع لم يأذن النبي r بإقامة الجماعة فيه ، وهذا من أبطل الباطلات . وإن كان الحكم ببطلان المتأخرة من الجمعتين ( 2 ) إن علمت ـ وكلتيهما مع اللبس ـ لأجل حدوث مانع فما هو ؟ فإن الأصل صحة الأحكام التعبدية في كل مكان وزمان إلا أن يدل الدليل على المنع ، وليس ههنا من ذلك شيء البتة ( 3 ) .
من فاتته الجمعة ماذا يصلي ؟
5 – الجمعة فريضة من الله عز وجل فرضها على عباده ، فإذا فأتت لعذر فلابد من دليل على وجوب صلاة الظهر ، وفي حديث ابن مسعود (( ومن فاتته الركعتان فليصل أربعاً )) ( 1 ). فهذا يدل على أن ما فاتته الجمعة صلىَّ ظهراً .
وأما ما ذكره أهل الفروع من فوائد الخلاف في هذه المسألة ، فلا أصل لشيء من ذلك .
بماذا تدرك الجمعة :
6 – أخرج النسائي من حديث أبي هريرة بلفظ : (( من أدرك ركعة من الجمعة ، فقد أدرك الجمعة )) .
ولهذا الحديث أثنا عشر طريقاً ، صحح الحاكم ثلاثاً منها . قال في "البدر المنير" : هذه الطرق الثلاث أحسن طرق هذا الحديث والباقي ضعاف .
وأخرجه النسائي وابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر ، وله طرق ، وقال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" : ( إسناده صحيح ] ولكن قوَّى [( 1 ) أبو حاتم إرساله ) . فهذه الأحاديث تقوم بها الحجة ) ( 2 ) .
حكم الجمعة في يوم العيد :
7 ـ ظاهر حديث زيد ابن أرقم عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ : (( أنه r صلىَّ العيد ، ثم رخص في الجمعة ، فقال : من شاء أن يصلي فليصل )) . يدل على أن الجمعة تصير بعد صلاة العيد رخصة لكل الناس ( 1 )، فإن تركها الناس جميعاً ، فقد عملوا بالرخصة ، وإن فعلها بعضهم فقد استحق الأجر ، وليست بواجبة عليه من غير فرق بين الإمام وغيره .
وهذا الحديث قد صححه ابن المديني ، وحسنه النووي . وقال ابن الجوزي : هو أصح ما في الباب( 2 ).
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم عن واهب بن كيسان قال : اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير ، فأخر الخروج حتى تعالى النهار ، ثم خرج فخطب ، فأطال الخطبة ، ثم نزل فصلى ،
ولم يصلِّ الناس يومئذ الجمعة ، فذكر ذلك لابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : أصاب السنة. ورجاله رجال الصحيح .

وأخرجه أيضاً أبو داود عن عطاء بنحو ما قال وهب بن كيسان.ورجاله رجال الصحيح ( 1 ).
وجميع ما ذكرناه يدل على أن الجمعة بعد العيد رخصة لكل أحد ، وقد تركها ابن الزبير في أيام خلافته كما تقدم ؛ ولم ينكر عليه الصحابة ذلك .
حكم غسل الجمعة :
8 ـ الأحاديث الصحيحة الثابتة في "الصحيحين" وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة قاضية بوجوب الغسل للجمعة ، ولكنه ورد ما يدل على عدم الوجوب أيضاً عند أصحاب "السنن" ، يقوي بعضه بعضاً ، فوجب تأويله على أن المراد بـ ( الوجوب ) تأكيد المشروعية جمعاً بين الأحاديث ، وإن كان لفظ " واجب " لا يصرف عن معناه ، إلا إذا ورد ما يدل على صرفه
كما نحن بصدده ، لكن الجمع مقدم على الترجيح ، ولو كان بوجه بعيد ( 2 ) .
واعلم أن حديث (( إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل )) يدل على أن الغسل لصلاة الجمعة؛ وأن من فعله لغيرها لم يظفر بالمشروعية ، سواء فعله في أول اليوم أو في وسطه أو في آخره .
ويؤيد هذا ما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان مرفوعاً : (( من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل )) زاد ابن خزيمة : (( ومن لم يأتها فليس عليها غسل )) .
حكم خطبة الجمعة :
9 ـ قد ثبت ثبوتاً يفيد القطع أن النبي r ما ترك الخطبة في صلاة الجمعة التي شرعها الله سبحانه وتعالى . وقد أمر الله سبحانه في كتابه العزيز بالسعي إلى ذكر الله عز وجل ، والخطبة من ذكر الله ، إذا لم تكن هي المرادة بالذكر ، فالخطبة سنة ، لا فريضة .
وأما كونها شرطاً من شروط الصلاة فلا ؛ فإنا لم نجد حرفاً من هذا في السنة المطهرة ، بل لم نجد فيها قولاً يشتمل على الأمر بها الذي يستفاد منه الوجوب فضلاً عن الشرطية ؛ وليس هناك إلا مجرد أفعال محكية عن رسول الله r أنه خطب ، وقال في خطبته كذا ؛ وقرأ كذا . وهذا غاية ما فيه أن تكون الخطبة قبل صلاة الجمعة سنة من السنن المؤكدة ، لا واجبة ، فضلاً عن أن تكون شرطاً للصلاة . والفعل الذي وقعت المداومة عليه ، لا يستفاد منه الوجوب ، بل يستفاد منه أنه سنة من السنن المؤكدة . فالخطبة في الجمعة سنة من السنن المؤكدة ، وشعار من شعائر الإسلام لم تترك منذ شرعت إلى موته r ( 1 ).
صفة الخطبة وما يعلم فيها :
10 ـ اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده r من ترغيب الناس وترهيبهم ، فهذا في الحقيقة هو روح الخطبة الذي لأجله شرعت .
وأما اشتراط الحمد لله ، أو الصلاة على رسول الله r ، أو قراءة شيء القرآن فجميعه خارج عن معظم المقصود ، من شرعية الخطبة ، واتفاق مثل ذلك في خطبه r ، لا يدل على أنه مقصود متحتم ، وشرط لازم ، ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد والصلاة عليه r . وقد كان عرف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقاماً ويقول مقالاً، شرع بالثناء على الله والصلاة على رسوله ، وما أحسن هذا وأولاه ! ولكن ليس هو المقصود ، بل المقصود ما بعده .
والوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث ، فإذا فعله الخطيب فقد فعل الفعل المشروع ، إلا أنه إذا قدم الثناء على الله ، ] والصلاة [على رسوله ، أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان اتم وأحسن ، وأما قصر الوجوب بل الشرطية على الحمد والصلاة ، وجعل الوعظ من الأمور المندوبة فقط ، فمن قلب الكلام ، وإخراجه عن الأسلوب الذي تقبله الاعلام .
والحاصل : أن روج الخطبة هو الموعظة الحسنة ، من قرآن أو غيره . وكان رسول الله r يأتي في خطبته بالحمد لله تعالى والصلاة على رسوله r ( 1 ) ، وبالشهادتين ، وبسورة كاملة ، والمقصود الموعظة بالقرآن ، وإيراد ما يمكن من زواجره ؛ وذلك لا يختص بسورة كاملة .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : (( كان رسول الله r إذا خطب ، احمرت عيناه، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم ، ويقول :
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )) أخرجه مسلم .
( وفي رواية له ) : " كانت خطبة النبي r يوم الجمعة يحمد الله ، ويثني عليه ، ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته " .
( وفي آخرى له ) : (( من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له )) ( 1 ). وللنسائي عن جابر : (( وكل ضلالة في النار )) ( 2 ) أي بعد قوله : (( كل بدعة ضلالة )) . والمراد بقوله: (( وكل بدعة ضلالة )) صاحبها .
والبدعة لغة ما عمل على غير مثال ، والمراد هنا ما عمل من دون أن سبق له شرعية من كتاب أو سنة .
وفي الحديث دلالة على ضلالة كل بدعة ، وعلى أن قوله هذا ليس عاماً مخصوصاً كما زعم بعضهم .
وفيه دليل على أنه يستحب للخطيب أن يرفع بالخطبة صوته ، ويجزل كلامه ، ويأتي بجوامع الكلم من الترغيب والترهيب . ويأتي بقوله : ( أما بعد ) .
وظاهره أنه كان r يلازمها في جميع خطبه . وذلك بعد الحمد والثناء والتشهد ، كما تفيدها الرواية المشار إليها بقوله : ( وفي رواية له ) الخ. وفيه إشارة إلى أنه كان r يلازم قوله : (( أما بعد فإن خير الحديث )) الخ ، في جميع خطبه( 1 ).
وثبت أنه r قال : " كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء " ( 2 ) .
وكان r يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض أمر أو نهي ، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين ؛ ويذكر معالم الشرائع في الخطبة؛ والجنة والنار والمعاد ، فيأمر بتقوى الله ، ويحذر من غضبه ، ويرغب في موجبات رضاه ، وقد ورد قراءة آية ، ففي حديث مسلم : (( كان لرسول الله r خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن، ويذكر الناس ويحذر )) .
وظاهر محافظته على ما ذكر في الخطبة وجوب ذلك ، لأن فعله بيان لما أجمل في آية الجمعة، وقد قال r : (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) ( 3 ). وقد ذهب إلى هذا الشافعي . وقال بعضهم : مواظبته r دليل على الوجوب . قال في "البدر التمام"الجيريا وهو الأظهر ). والله أعلم.( 4 )
قصر الخطبة واطالة الصلاة :
11 ـ وعن عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله r يقول : (( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه )) . رواه مسلم أي مما يعرف به فقه الرجل . وكل شيء دل على شيء فهو مئنة له . وإنما كان قصر الخطبة علامة على ذلك ، لأن الفقيه هو المطلع على حقائق المعاني وجوامع الألفاظ ، فيتمكن من التعبير بالعبارة الجزلة المفيدة ، ولذلك كان من تمام رواية هذا الحديث : (( فأطيلوا الصلاة ، واقصروا الخطبة ، وإن من البيان لسحرا )) .
والمراد من طول الصلاة الطول الذي لا يدخل فاعله تحت النهي ، وقد كان r يصلي الجمعة
بـ ( الجمعة ) و ( المنافقون ) ، كما عند مسلم عن ابن عباس وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه : (( كان r يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) )) ( 1 ).
وذلك طول بالنسبة إلى خطبته ، وليس بالطول المنهي عنه . وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت : " ما أخذت ( ق والقرآن المجيد ) إلا من لسان رسول الله r ؛ يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس ) رواه مسلم . وفيه دليل على مشروعية قراءة سورة أو بعضها في الخطبة كل جمعة . وكان محافظته r على هذه السورة اختياراً منه لما هو أحسن في الوعظ والتذكير ، وفيه دلالة على ترديد الوعظ في الخطبة .

أحكام متفرقة :
12 ـ وكان إذا عرضت له حاجة أو سأله سائل ، قطع خطبته وقضى الحاجة ، وأجاب السائل، ثم أتمها ، وكان إذا رأى في الجماعة فقيراً أو ذا حاجة أمر بالتصدق وحرض على ذلك.
وكان إذا ذكر الله تعالى أشار بالسبابة .
وكان إذا اجتمعت الجماعة خرج للخطبة وحده ، ولم يكن بين يديه حاجب ولا خادم ، ولم يكن من عادته لبس الطرحة ولا الطيلسان ، ولا الثوب الأسود المعتاد .
وكان إذا دخل المسجد سلم على الحاضرين لديه ، وإذا صعد المنبر أدار وجهه إلى الجماعة وسلم ثانياً ثم قعد( 1 ) .
تحية المسجد أثناء الخطبة :
13 ـ حاصل ما يستفاد من الأدلة أن الكلام منهي عنه حال الخطبة نهياً عاماً وقد خصص هذا بما يقع من الكلام في صلاة التحية من قراءة وتسبيح وتشهد ودعاء ، والأحاديث المخصصة لمثل ذلك صحيحة ؛ فلا محيص لمن دخل المسجد حال الخطبة من صلاة ركعتي التحية إن أراد القيام بهذه السنة الموكدة والوفاء بما دلت عليه الأدلة ، فإنه r سليكاً الغطفاني لما وصل إلى المسجد حال الخطبة فقعد ولم يصل التحية ، بأن يقوم فيصلي ، فدل هذا على كون ذلك من المشروعات المؤكدة ، بل من الواجبات .
ومن جملة مخصصات التحية حديث : (( إذا جاء أحدكم ]يوم الجمعة [والإمام يخطب فليصلِّ ركعتين )) ( 1 )، وهو حديث صحيح ، متضمن للنص في محل النزاع . وأما ما عدا صلاة التحية من الأذكار والأدعية والمتابعة للخطيب في الصلاة على النبي r وإن وردت بها أدلة قاضية بمشروعيتها فهي أعم من أحاديث منع الكلام حال الخطبة من وجه ، وأخص منها من وجه ، فيتعارض العمومان ، وينظر في الراجح منهما ، وهذا إذا كان اللغو المذكور في حديث: ( ( ومن لغا فلا جمعة له ))( 2 ) يشمل جميع أنواع الكلام ، وأما إذا كان مختصاً بنوع منه ، وهو ما لا فائدة فيه، فليس مما يدل على منع الذكر والدعاء والمتابعة في الصلاة عليه r .
يقول ملخصه محمد ناصر الدين :
والأرجح من الإحتمالين الأول،بدليل قوله r الجيريا( إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة : أنصت فقد لغوت )) أخرجه الشيخان وغيرهما .
فإن قول القائل : أنصت ، لا يعد لغة من اللغو ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومع ذلك فقد سماه عليه الصلاة والسلام : لغواً لا يجوز ، وذلك من باب ترجيح الأهم ، وهو الإنصات لموعظة الخطيب ، على المهم ، وهو الأمر بالمعروف في أثناء الخطبة ، وإذا كان الأمر كذلك ، فكل ما كان في مرتبة الأمر بالمعروف ، فحكمة حكم الأمر بالمعروف ، فكيف إذا كان دونه في الرتبة ، فلا شك أنه حينئذ بالمنع أولى وأحرى ، وهي من اللغو شرعاً . وأما قول المصنف ( ص27 ) وفي "الروضة" ( 140 ) :
" ويمكن أن يقال : إن ذلك الذي قال : ( أنصت ) لم يؤمر في ذلك الوقت بأن يقول هذه المقالة . فكان كلامه لغواً حقيقة من هذه الحيثية " .
فأقول : وكذلك شأن الأذكار التي تررد المؤلف في حكمها هي مما لم يؤمر بها في ذلك الوقت فكانت لغواً أيضاً . والله أعلم .
وبهذا ينتهي تلخيص هذه المسائل من "الموعظة الحسنة" مع ما تيسر من التعليق عليها ، وكان الفراغ من ذلك مساء السبت ، الثاني عشر من شهر صفر سنة 1382 هـ .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين .
محمد ناصر الدين الألباني

الجيريا

تاريخ التسجيل: Sep 2024
الدولة: مدينة بلعباس بالغرب
المشاركات: 4,001

الجيريا اللمعة في فضل وآداب الاغتسال ليوم الجمعة

اللمعة في فضل وآداب الاغتسال ليوم الجمعة
هذه مباحث مختصرة في فضل الاغتسال ليوم الجمعة وحكمه وآدابه جمعتها من الشبكة وألفت بينها راجيا من الله التوفيق والسداد.

أبو أسامة سمير الجزائري

وردت السنة بآثار كثيرة صحيحة تدل على مشروعية الغسل لصلاة الجمعة وتبين فضله منها:
1- ما رواه أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه » [متفق عليه].
2- وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر » [رواه البخاري ومسلم].
3- وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى » [رواه البخاري].
4- وعن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها » [غسل واغتسل: قيل بمعنى واحد وكرر للتأكيد، وقيل: غسل أي غسل رأسه لأن العرب كان لهم شعور فيحتاج إلى عناية غسل. واغتسل: أي غسل سائر جسده. وبكر وابتكر: قيل للتأكيد وقيل بكر: أدرك باكورة الخطبة: وابتكر: قدم في الوقت: انظر معالم السنن على مختصر أبي داود (1/213) [رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم].
5- وعن سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « من توضأ للجمعة فبها ونعمة ومن اغتسل فالغسل أفضل » [رواه أبو داود والترمذي وحسنه].
6- وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اغتسلوا يوم الجمعة فإن من اغتسل يوم الجمعة فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام » [رواه الطبراني في الكبير وحسن العراقي إسناده].
فالمتأمل لهذه الآثار النبوية يدرك مدى فضل غسل الجمعة وتأكد مشروعيته فمن عمل بما وردت به الأحاديث استحق ذلك الثواب العظيم، بل إن من العلماء من ذهب إلى وجوب الغسل لصلاة الجمعة .
قال ابن القيم رحمه الله ( الأمر بالاغتسال في يومها- يوم الجمعة- أمر مؤكد جداً) [زاد المعاد 1/ 377] وقال النووي رحمه الله (بل هو مستحب لكل من أراد حضور مجمع من مجامع الناس نص عليه الشافعي) [المجموع 1/ 459].
سئل العلامة ابن باز رحمه الله
هل غسل الجمعة واجب على المرأة التي تصلي في المنزل، وهل إذا اغتسل الرجل قبل الفجر ونام هل يجب عليه أن يغتسل عند قيامه لصلاة الجمعة؟
الجواب: غسل الجمعة في حق الرجال متأكد؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- قـال: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" [صحيح البخاري الأذان (858)، صحيح مسلم الجمعة (846)]، لكن صرفه عن ظاهره حديث: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" [(سنن الترمذي الجمعة (497)، سنن النسائي الجمعة (1380)، سنن أبي داود الطهارة (354)، مسند أحمد (5/22)، سنن الدارمي الصلاة (1540)]، أما المرأة فلا غسل عليها يوم الجمعة؛ لأنها ليست كالرجل في هذا الأمر؛ فـإن الرجل يجب عليه حضور الجمعة وفيها مجمـع من الناس، وعليه فلا غسل عليها. والحكمة من مشروعية الغسل على الرجال أنهم أهل مهنة وعمل فربما يبقى فيهم آثار تلك المهنة والأعمال؛ فأرشدوا إلى الزينة ومن الزينة الاغتسال في يوم الجمعة ومن اغتسل يوم الجمعة قبل الفجر ونام فمن الأولى أن يعيد ذلك الغسل؛ لأن النص جاء بالغسل في يوم الجمعة "من اغتسل يوم الجمعة" وما قبل الفجر يعتبر ليلة الجمعة، وليس يوم الجمعة، واليوم يطلق على ما بعد طلوع الفجر.
مجلة البحوث الإسلامية / العدد الخامس والسبعون – الإصدار: من ربيع الأول إلى جمادى الآخرة لسنة 1445هـ / فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

فحري بالمرء المسلم أن يغتنم هذه السنن وأن لا يفوت شيئاً منها ليدرك هذا الفضل ويكتب من العاملين بسنته صلى الله عليه وسلم.

متى يبدأ وقت الاغتسال
اختلف العلماء في ابتداء وقت غسل الجمعة ، فذهب جمهورهم (منهم الشافعية والحنابلة والظاهرية) إلى أنه من فجر يوم الجمعة ، وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما .
قال الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله عن وقت غسل الجمعة :
" ووقته من الفجر الصادق ؛ لأن الأخبار علَّقته باليوم , كقوله صلى الله عليه وسلم : (من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى ) الحديث , فلا يجزئ قبله .
وقيل : وقته من نصف الليل كالعيد ….
وتقريبه من ذهابه إلى الجمعة أفضل ؛ لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة , ولو تعارض الغسل والتبكير فمراعاة الغسل أولى ، كما قاله الزركشي ; لأنه مختلف في وجوبه " انتهى باختصار.
" مغني المحتاج " (1/558) .
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" وأوله : من طلوع الفجر , فلا يجزئ الاغتسال قبله …. والأفضل أن يغتسل عند مضيه إلى الجمعة ؛ لأنه أبلغ في المقصود " انتهى باختصار .
" كشاف القناع " (1/150) .
وقال ابن حزم رحمه الله :
" أول أوقات الغسل المذكور إثر طلوع الفجر من يوم الجمعة …وروينا عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة فيجتزئ به من غسل الجمعة . وعن مجاهد والحسن وإبراهيم النخعي أنهم قالوا : إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر أجزأه " انتهى باختصار.
" المحلى " (1/266) .
قال النووي رحمه الله :
" لو اغتسل للجمعة قبل الفجر لم تجزئه على الصحيح من مذهبنا , وبه قال جماهير العلماء .
ولو اغتسل لها بعد طلوع الفجر أجزأه عندنا وعند الجمهور ، حكاه ابن المنذر عن الحسن ومجاهد والنخعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور .
…" انتهى.
" المجموع " (4/408)، وانظر : " حاشية العدوي " (1/379)، " التاج والإكليل " (2/543).
وقد اختار القول الأول (أن أول وقته يبدأ من طلوع الفجر) الشيخ ابن باز رحمه الله حيث سئل:
هل يكتفى بالغسل الواجب قبل صلاة الفجر للجمعة أم لا ؟
الحمد لله
السنة غسل يوم الجمعة عند التهيؤ لصلاة الجمعة ، والأفضل أن يكون ذلك عند التوجه إلى المسجد ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل ) رواه البخاري (الجمعة/882) واللفظ له ، ومسلم (الجمعة/845) .
وإذا كان اغتسل في أول النهار أجزأه ، لأن غسل يوم الجمعة سنة مؤكدة ، وقال بعض أهل العلم بالوجوب ، فينبغي المحافظة على هذا الغسل يوم الجمعة والأفضل أن يكون عند توجهه إلى الجمعة كما تقدم ، لأن هذا أبلغ في النظافة ، وأبلغ في قطع الروائح الكريهة ، مع العناية بالطيب واللباس الحسن ، وكذلك ينبغي له إذا خرج إليها أن يعتني بالخشوع وأن يقارب بين خطاه ، لأن الخطا تحط بها السيئات ويرفع الله بها الدرجات فينبغي أن يكون له خشوع وعناية ، وإذا وصل إلى المسجد قدم رجله اليمنى ، وصلى على رسول الله عليه الصلاة والسلام وسمى الله وقال : أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، ثم يصلي ما قدر الله له ، ولا يفرق بين اثنين ، وبعد ذلك يجلس ينتظر إما في قراءة وإما في ذكر واستغفار أو سكوت حتى يأتي الإمام ، ويكون منصتاً إذا خطب الإمام ، ثم يصلي معه ، فإذا فعل ذلك فقد أتى خيراً عظيماً .
وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت للخطيب حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غُفِر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام ) رواه مسلم (الجمعة/1418) واللفظ له .
وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها .

كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله – ج/12 ص/404.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"غسل الجمعة يبدأ من طلوع الفجر، لكن الأفضل أن لا يغتسل إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن النهار المتيقن من طلوع الشمس، لأن ما قبل طلوع الشمس من وقت صلاة الفجر، فوقت صلاة الفجر لم ينقطع بعد، فالأفضل أن لا يغتسل إلا إذا طلعت الشمس، ثم الأفضل أن لا يغتسل إلا عند الذهاب إلى الجمعة فيكون ذهابه إلى الجمعة بعد الطهارة مباشرة" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/142) .

أما وقت استحباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
فهو من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة ، لأن الأحاديث جاءت بالترغيب في قراءتها (يوم الجمعة) و (ليلة الجمعة) ،
فقد ورد في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها :
أ. عن أبي سعيد الخدري قال : " من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق " . رواه الدارمي ( 3407 ) . والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 6471 ) .
ب. " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين " .
رواه الحاكم ( 2 / 399 ) والبيهقي ( 3 / 249 ) . والحديث : قال ابن حجر في " تخريج الأذكار " : حديث حسن ، وقال : وهو أقوى ما ورد في قراءة سورة الكهف .
انظر : " فيض القدير " ( 6 / 198 ) .
وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 6470 ) .
وتقرأ السورة في ليلة الجمعة أو في يومها ، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس ، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس ، وعليه : فيكون وقت قراءتها من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة .
قال المناوي :
قال الحافظ ابن حجر في " أماليه " : كذا وقع في روايات " يوم الجمعة " وفي روايات " ليلة الجمعة " ، ويجمع بأن المراد اليوم بليلته والليلة بيومها .
" فيض القدير " ( 6 / 199 ) .
وقال المناوي أيضاً :
فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي رضي اللّه عنه .
" فيض القدير " ( 6 / 198 ) .
ولم ترد أحاديث صحيحة في قراءة سورة " آل عمران " يوم الجمعة ، وكل ما ورد في ذلك ، فهو ضعيف جدّاً أو موضوع .
عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى الله عليه و ملائكته حتى تحجب الشمس " .
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 6 / 191 ) ، و" الكبير " ( 11 / 48 ) .
والحديث : ضعيف جدّاً أو موضوع .
قال الهيثمي : رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " ، وفيه طلحة بن زيد الرقي وهو ضعيف [ جدّاً ] .
" مجمع الزوائد " ( 2 / 168 ) .
وقال ابن حجر : طلحة ضعيف جداً ونسبه أحمد وأبو داود إلى الوضع .
انظر : " فيض القدير " ( 6 / 199 ) .
وقال الشيخ الألباني : موضوع ، انظر حديث رقم : ( 5759 ) في " ضعيف الجامع " .
ومنها ما رواه التيمي في " الترغيب : " من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة كان له من الأجر كما بين البيداء أي الأرض السابعة وعروباً أي السماء السابعة " .
قال المناوي : وهو غريب ضعيف جداً . " فيض القدير " ( 6 / 199 ) .

جمعها ورتبها
أبو أسامة سمير الجزائري
بلعباس
9 شوال 1445
الموافق: 9 سبتمبر 2024

وهذه نسخة وورد الجيريا فضل الاغتسال ليوم الجمعة.doc (47كيلو)

الجيريا

بارك الله فيك

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كنزة دزيري الجيريا
بارك الله فيك

وفيك بارك الله

صدقت على هذا القول

بارك الله فيك على المرور

April 2024 – 03:46 PM بسم الله الرحمن الرحيم

سؤال الفتوى: هذا سائل يقول : نرجو من فضيلة الشيخ بيان فضيلة يوم الجمعة والدعاء فيه .

< جواب الفتوى >

نعم . يوم الجمعة يوم فاضل وهو أفضل الأيام أيام الأسبوع ، وهو عيد الأسبوع يجتمع فيه المسلمون في البلد في مسجد واحد إذا امكن وإذا كثروا وشق عليهم يصلون في مساجد على حسب الحاجه يصلون الجمعه في المساجد على حسب الحاجه ولا شك ان إجتماعهم يحرصون على الإجتماع مهما أمكن في مسجد واحد أو في مساجد قليلة لا يكثرون من المساجد ، لأن المقصود في هذا اليوم إجتماع المسلمين بصلاة الجمعة ولسماع الخطبة و ذكر الله ولصلاة الجمعة ، فهو يوم عظيم فيه فضائل عظيمة كثيرة ذكر ابن القيم منها ما يزيد على اربعين فضيلة في كتابه زاد المعاد لهدي خير العباد ، منها انه يوم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم : فيه خلق آدم وفيه اخرج من الجنة وفيه تقوم الساعه وفيه ساعة في هذا اليوم ساعة ليوفقها عبد مسلم وهو قائم يصلي : يعني يدعوا الله يطلب من الله شيء يسأل من الله شيء ً إلا أعطاه إياه وتسمى ساعة الإجابة وهي في هذا اليوم ، وهي قلية ساعة وقتها قليل ، لكن من صادفها ووفقه الله للدعاء فيها تقبل الله منه ، والله أخفاها في هذا اليوم فلا يدرى هل في أوله أو في وسطه أو في آخره من أجل أن يجتهد المسلم بالدعاء في كل اليوم ، لأنه كله يوم فاضل وهو يوم عظيم ويوم فيه فضل ولذلك شرع الله فيه من ما يشرعه في غيره من صلاة الجمعة والخطبة والإجتماع وحث النبي صلى الله عليه وسلم على التبكير له قال صلى الله عليه وسلم : (( من أتى في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا ومن جاء في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن جاء في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ))(1) ثم بعد ذلك يحظر الإمام وتحصل الخطبة ، والملائكة تكتب القادمين على حسب تبكيرهم فإذا إنتهة الساعة الخامسة وجاء الإمام ، الملائكه يحضرون يسمعون الخطبة و يمسكون عن الكتابه ، كتابة القادمين وما لهم من الفضل . نعم .

—————————————

(1) أخرجه البخاري ومسلم والألباني وقالوا حديث صحيح

—————————————
الفتوى من المحاضرة: وقفة مع قوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب)
https://majalis-aldik…/play-5677.html

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(خطبة الجمعة)
:: فضل صلاة الجماعة ::
للشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ -حفظه الله تعالى-
………
تم إلقاء هذه الخطبة: الجمعة 21 من جمادى الأولى 1445هـ الموافق 13-4-2016م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتحميل بصيغة mp3 (الحجم = 5 mb): هنــــــا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
.
سبل السلام للصوتيات: www.subulsalam.com

موقع يحتوي على عدة شروحات، سلاسل، دروس، محاضرات، خطب، و متون صوتية بصيغة mp3 للعلماء، المشايخ، وطلبة العلم الثقات فقط
أرجو المساهمة بنشره جزاكم الله خيرا
فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: (من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.