بسم الله الرحمان الرحيم.
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم .
أما بعد سأواصل في هذه الحلقة التاسعة بالحديث عن دروس رمضان والأخلاق التي نتحلى بها فيه.
ومن بين أهم الأخلاق خلق الإيثار و هو من أسمى الأخلاق التي على المسلم و المسلمة و المؤمن و المؤمنة إدراك قيمته والتحلي بهذا الخلق العظيم وهو خلق الإيثار فأهل الإيمان تجد فيهم مثل هذا الخلق النبيل حيث يؤثرون الآخرين على أنفسهم وشهر رمضان يعلمنا هذا لأننا نتعلم فيه الزهد و الصفاء بحيث نصوم على الشهوات فنترفع عن الدنايا و عن الشح و الأنانية.
كما أن تحمل الجوع يعلمنا درس الإيثار بحيث نصبح نقول في أنفسنا أنه بإمكان إعطاء طعامنا لمن هم في أمس الحاجة إليهم والذين من الممكن أنهم لم يجدون ما يأكلون لمدة أيام عكسنا تماما حيث أننا نتناول عدة وجبات في اليوم ومنها فطور الصباح و الغذاء و وجبة العصر و وجبة العشاء في الليل عكس المساكين الذين لا يجدون قوت يومهم وليس في بحبوحة العيش مثلنا حيث لنا أربعة وجبات في اليوم دون حساب ما قد نأكله بين هذه الوجبات وبدون رؤية ما يرمى في القمامة من مأكولات صالحة لإستهلاك الآدمي و الحيواني لهذا فعلينا فهم خلق الإيثار وأننا بإمكاننا كمسلمين من خلال مدرسة رمضان اقتسام لقمة العيش مع الآخرين وأن لا تكون رؤيتنا ضيقة حيث أن الطعام نخصصه لذواتنا فقط بل يجب أن نضع في الحسبان الآخرين وخاصة المحتاجين وأن تتسع رؤيتنا إلى من يحيط بنا حتى نتخلص من مساوئ الأنانية السلبية لهذا يقول رسول الله :
" طعام الواحد يكفي الإثنين وطعام الإثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية " رواه مسلم
فمن خلال الحديث يبدو جليا أن فيه الحث على الكرم والإيثار لأن كل مسلم يمكن أن يأكل طعامه كله لنفسه دون أن يقتسم مع إنسان آخر فإذا منح نصف ماكان سيأكله فهذا يعني أنه آثر الآخر فأعطاه نصف ما كان سيأكله رغم حاجته و حبه لطعام ورغم أنه كان مخصصا لنفسه فقط فقرر أن يجود بالنصف فهذا خلق كريم ونبيل و خلق يسمى الإيثار فالإيثار يعلمنا الكرم والجود و الرحمة و التضامن و الوحدة و يمتن الروابط الإجتماعية وينشر المودة و المحبة بين الناس و وقاية من إنتشار الغل و البخل و الشح وحتى لا يكون بين الخلائق البعض و الحسد والعياذ بالله .
ولهذا فالقرآن أيضا حث على الإيثار فقد قال الله عز وجل في سورة الحشر
الآية 09 : " والذين تبوءوا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم
ولايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسم ولوكان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون .
ومن خلال الآية الكريمة للقرآن العظيم يتبين أن أهل الفلاح هم أهل الإيثار
وأن المجتمع الإسلامي في وقت النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان فيه الصفاء و زينه الإيثار بين المهاجرين و الأنصار فكان هذا خلق كريم و هذا الذي جعل المسلمين أشداء و أقوياء و جعل روابطهم الإجتماعية قوية و متينة لا تتزعزع وجعل رسالة الإسلام تصل إلى أصقاع الدنيا .
فأهل الإيثار هم من أعطوا صورة مشرفة للإسلام فقد كانوا ينفقون رغم حبهم وحاجتهم لكل شيء ينفقونه لأنهم يطبقون القرآن بصدق وبدون نفاق وكان يطبقون الآية الكريمة رقم 92 التي يقول فيها الله عز وجل في سورة آل عمران " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم " كما أنهم كان يطبقون الآيات من 6 إلى 10 من سورة الإنسان التي يقول فيها الله عز وجل :
"عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا 6 يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا 7 ويطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا 8 إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لاشكورا 9 إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا 10
فمن خلال الآيات الكريمة يتضح أن أهل الإيثار لا يقصدون الأثرياء و الزعماء والأحرار ذوي النفوذ والقوة و الجاه بل الضعفاء والفقراء و المساكين الذين لايكسبون قوت يومهم والأيتام و السجناء و الأسرى وقد يكون هؤلاء الأسرى من المجرمين أو من الأعداء فسبحان الله إن أهل الإيثار يتعدى خيرهم إلى من لم نتصور أن يصل إليهم الإحسان.
لهذا في شهر رمضان علينا إدراك أنه مدرسة العظيمة علينا الأخذ بجد قيمة الإيثار وحفظ هذا درس من كل جوانبه وليس من الناحية النظرية بل الناحية التطبيقية ففيه فوائد جمة و وعزة لإسلام وأهله وفيه راحة للنفوس وصفاء للعقول خاصة إذا كان هذا الإيثار مرتبط بحب الله وكان عبادة لله الواحد الأحد الفرد الصمد .
هذا ما وقفني الله في كتابته عن الإيثار بكل إختصار فإن أصبت فمن الله و إن أخطأت فمن نفسي و الشيطان ونسال الله الهداية والتوفيق فيما نكتب وإلى اللقاء إن شاء الله في الحلقة القادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبراكاته واستودعكم الله أماناتكم ودينك وخواتيم أعمالكم و الرجاء تنبيهي إلى أي خطأ مهما كان نوعه إملائي أو ممن ناحية الفكرة أو الأسلوب و جزاكم الله خيرا مسبقا وأختم فأقول أللهم أرنا الحق حقا و أرزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و أرزقنا إجتنابه .