" مجموعة أهم الأحداث": "لا أخاف المرض، لكني أخاف الأطباء"، مقولة كان يرددها باستمرار أحد الأشخاص، زميل أحد أقاربي في العمل، كما أكدها لي هذا الأخير. ويبدو أن مناجاته ومخاوفه انتقلت بسرعة إلى السماء فتوفي هو وجميع أفراد عائلته بتمام و الكمال دفعة واحدة ،في حادث مروري أليم ( رحمهم الله) . لذالك لا يخاف زيارة الأطباء لا هو و لا أفراد عائلته إلى الأبد.
رغم هذه المخاوف وهذا الإحساس ليس حكرا على هذا الرجل بل هو يكاد يكون إحساس عام يتقاسمه جميع الناس . شخصيا أصاب بالهلع و الفزع قبل زيارة أي طبيب حتى ولو كان الأمر بسيط لا يستحق كل ذالك. السبب هو ما يسمعه المرء من قصص وكيف أن جسم الإنسان أصبح لا فرق بينه و بين أي مادة أو سلعة على "أرصفة الأسواق"…
تذكرت كل ذالك عندما التقيت أحد الأشخاص سألته عن شقيقه كان صديقا لي ولم أراه منذ زمن بعيد ، فقال لي "أنتقل إلى رحمة الله منذ مدة قصيرة. سألته عن سبب وفاته (وليس عن موته ،لأن كل نفس ذائقة الموت) ، فأجابني أنه ، أي شقيقه، زار طبيبا لفحص "البروستاتة" فأقترح عليه عملية جراحية مؤكدا له أنها مضمونة مائة في المائة ، وأنه بعد ثلاثة أيام بالضبط "سيكون كالفرس " في ميدان الخيول ، بالطبع مقابل مبلغ خيالي مدفوع مسبقا.
بعد ثلاثة أيام، بالتمام والكمال ، كما حددها ذالك الطبيب ، لم يكون فرسا في "ميدان سباق الخيول" وإنما جثة هامدة في إحدى المقابر. قد يقول القائل إن الأعمار بيد الله ، هذا صحيح لكن في الطب ليس هناك شيئا اسمه "مضمون مائة في المائة" ، هناك أشخاص توفوا بعد زيارة طبيب أسنان لقلع ضرس…
هذا من جانب ، من جانب آخر كيف أن 200 طبيب فرنسي يحذرون الناس ، خدمة للإنسانية واحتراما لهذا الجسم الذي أكرمه الله بروح بأمر منه آمر الملائكة بالسجود له ، دلالة عن قيمته . قلت كيف هؤلاء الأطباء تطوعوا بتنبيه الناس من مخاطر مثل هكذا فحوصات وعمليات جراحية "للبروستاتة" ، منبهين من مخاطر ذالك ، وأن "البروستاتة" خلايا سرطانية "نائمة" أو "شبه نائمة" عند كل إنسان يبلغ مرحلة من العمر ، فلا يحاول استيقاظها من نومها بمثل هكذا عمليات جراحية. هذا التنبيه الطبي المجاني للذين تحكمهم ضمائر وأخلاقيات المهنة يقابله من جانب آخر للذين يرون في هذه المهنة تجارة و مكسبا ليصبح لا فرق بينه و بين أي تاجر …
ليس هذا فقط ، قص علي مرة أحد الأشخاص أن رجلا فقيرا ، تحت الخط السفلي للفقر ، أولاده لا يشبعون خبزا "حافي" يمشون حفاة و شبه عراة . أصابه ( هذا الشخص) مرضا خبيثا فنقله أهله إلى طبيب ومن كثرة حالته المادية و المرضية رفض هذا الطبيب حتى قبض ثمن الفحص، طالبا من أهله أخذه إلى المنزل في انتظار أمر الله.
وبما أن المريض ، شأنه شأن الغريق، يبحث عن أي قشة للنجاة زار أحد الأطباء من الفئة الأخرى ، أي من يرون في الطب مكسبا و مغنما ، طمأنه أن حالته قابلة للشفاء بعد عملية جراحية مقابل ثمنا لا يستطيع جمعه حتى في أحلامه . لكن الرجل انتقل إلى رحمة الله قبل أن يتمكن من جمع ذالك المال ، حكمة من الله ،عز و جل، لكي لا يبقى ذالك المبلغ دينا على أولاده…
( نبش في ذاكرة)
22.11.2016