السلام عليكم
وسط زوجات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبدو الشفاء ليلى بنت عبد الله القرشية، زوجة أبي حثمة بن حذيفة بن غانم، مثل القمر المضيء. فهذه الزوجة الصالحة لعبت دوراً مهماً في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم. فقد أسلمت قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، ولذا فقد هاجرت إلى المدينة مع المهاجرين، وكانت امرأة قوية، لذا صارت درعاً متينةً للدفاع عن العقيدة الإسلامية الصافية توفيت الشفاء سنة 20 ه، وعرفت بإجادتها للقراءة والكتابة، لذا تتلمذ على يديها الكثير من نساء المسلمين، كما قرأت بتمعن تام إسهام الأطباء الأوائل في العلوم الطبية، لهذا السبب تمكنت من مزاولة مهنة الطب، وتميزت بمعالجاتها الناجحة، وبخاصة في الأمراض الجلدية، واشتهرت بآرائها الصائبة ليس فقط في ميدان العلوم الطبية ولكن أيضاً في الأمور الأخرى، فهي من الصحابيات اللاتي لهن مكان عال في المجتمع العربي والإسلامي.
يقول كمال السامرائي في كتابه مختصر تاريخ الطب العربي – الجزء الأول (هي الشفاء بنت عبدالله القرشية صحابية ذات عقل وفضل وعلم، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منها أن تعلم زوجته حفصة بنت عمر بن الخطاب القراءة والكتابة، ومعالجة رقية النملة (مرض جلدي من نوع الاكزيما وهو قروح تخرج في الجنبين، وقد سمي النملة لأن صاحبه يحس في مكانه كأن نملة تدب عليه وتعضه)، وكانت تحسن مداواة الأمراض الجلدية، وكان عمر بن الخطاب يحترمها ويقدرها،، وقد ولاها شيئاً من أمور السوق أي مراقبة ومحاسبة الباعة فيها والفصل بين المتخاصمين.
رفيدة الأسلمية
وعلى المنهج نفسه سارت الصحابية الجليلة كعيبة بنت سعد الأسلمية المعروفة باسم رفيدة الأسلمية، ورغم قلة المعلومات عن نشأتها، وعن تاريخ ولادتها ووفاتها، فإن الثابت أنها صحابية جليلة من بني أسلم اشتهرت رضي الله عنها في تضميد الجروح، لذا كانت تصحب جيوش المسلمين المقاتلين ضد المشركين، وذلك لكي تعالج الجرحى. كما تواتر أنه أقيم لها خيمة خاصة وبارزة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كمستشفى لعلاج المرضى والمصابين بجروح، لذا تعتبر خيمة رفيدة الأسلمية على الرغم من بدائيتها أول مستشفى في الإسلام، وإن كان بعض المؤرخين يرى أن المستشفى المتكامل الذي أقامه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك سنة 88 ه هو أول مستشفى في الإسلام، أما كونها أول ممرضة في الإسلام فليس في ذلك خلاف، وقد ذاع صيتها بين معاصريها في فن الجراحة لهذا السبب اختارها الرسول لعلاج سعد بن معاذ عندما أصيب برمية قوية في معركة الخندق.
وينقل أحمد شوكت في كتابه تاريخ الطب وآدابه وأعلامه أن رفيدة كانت طبية متميزة، ولذلك اختارها الرسول صلى الله عليه وسلم لتقوم بالعمل في خيمة متنقلة، وقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق، رماه رجل من قريش في الأكحل (كوع اليد أو الوريد المتوسط في اليد) فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم رفيدة أن تقيم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، قال ابن إسحاق في السيرة: كان رسول الله قد جعل ابن معاذ في خيمة لامرأة من اسلم يقال لها رفيدة في مجلسه. كانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضبعة (جرح أو مرض) من المسلمين. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال للقوم حين أصابه السهم بالخندق “اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب”.
وهكذا كانت الصحابية رفيدة الأسلمية صاحبة أول مستشفى ميداني وكانت معروفة بمهارتها في الطب والعقاقير والأدوية وتصنيعها، والجروح وتضميدها والكسور وتجبيرها.
أما النفقات والمصروفات فقد كانت من مالها الخاص وجهدها الذاتي، لا تأخذ على ذلك أجراً أو عوضاً، بل كانت تنفق وتبتغي الأجر من الله تعالى.
أم ورقة الشهيدة
هي الشهيدة أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث.. صحابية كريمة كانت تلقب بالشهيدة، كما كان يسميها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت أنها ممرضة بارزة بين معاصراتها. كانت أم ورقة رضي الله عنها تتمنى الاستشهاد في غزوة بدر، لذا طلبت بإصرار من النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يأذن لها أن تساهم في غزوة بدر مساهمة فعلية، وذلك بأن تقوم بمداواة الجرحى والمرضى من جيوش المسلمين البواسل الذين قاتلوا تحت قيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل شجاعة وتفان، حتى هزموا المشركين هزيمة نكراء، ولقد تناقل المؤرخون أن الشهيدة أم ورقة عندما رغبت بالذهاب إلى بدر قالت لصفوة الخلق صلى الله عليه وسلم: أتأذن لي فأخرج معك أداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة قال: “إن الله مُهدٍ لك شهادة” وكان يسميها الشهيدة.
وكانت أم ورقة قد جمعت القرآن، ولعلمها وفقهها بالقرآن أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل دارها، وكان لها مؤذن. ولم تكن قد تزوجت ولا أنجبت، ولكنها لم تكن تعيش في دارها الفسيحة وحيدة، فقد كان معها غلام وجارية يقومان على خدمتها، رقيقين لها تعاملهما معاملة الأم لولديها عطفاً وحناناً وحباً.
وتجاوبت مع شرع الله تعالى في فتح باب الحرية للعبيد، فأعلمت الغلام والفتاة بأنهما حُران بعد وفاتها.
ولحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وقام بالأمر من بعده الخليفة الأول أبو بكر الصديق، ثم جاء دور عمر بن الخطاب.. ومازالت “أم ورقة” – رضي الله عنها – على قيد الحياة، وقد تقدمت بها السن، تدأب في الطاعة والعبادة، وتحرص على لقاء الله تعالى صفية نقية. كانت قليلاً من الليل ما تهجع، وبالأسفار تستغفر وتخشع، وتواصل الصلاة والقراءة فلا تقطع.
وفي ليلة تعجل الفتى والفتاة حريتهما.. فقاما إليها وخنقاها، ثم لفاها في قطيفة وجعلاها في جانب الدار، وانطلقا هاربين واستيقظ أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لصلاة الفجر، فلما قضيت الصلاة قال للناس: والله ما سمعت قراءة خالتي “أم ورقة” البارحة، قوموا بنا نزور الشهيدة.
وأتوا دارها فعثروا عليها ملفوفة في القطيفة وقد فارقت الحياة. فقال عمر ومن معه: صدق الله ورسوله لقد رزقت أم ورقة الشهادة.
ثم أُتي بالغلام والجارية فصلبا، فكانا أول مصلوبين بالمدينة.
أمينة الغفارية
هي أمينة بنت قيس الغفارية، عاشت في صدر الإسلام، وكانت من نوابغ طبيبات العرب والمسلمين، كما اشتهرت بقوة إرادتها وشخصيتها القيادية، لذا حازت زعامة أخواتها الممرضات والطبيبات المسلمات وهي في ريعان شبابها (أي لم تبلغ السابعة عشرة).
أما زينب طبيبة بني أود فهي تعتبر بحق من أعظم نساء بني أود، ورغم قلة المعلومات عنها فالثابت أنها عاشت في أواخر عهد دولة بني أمية، فقد عرفت باسم زينب الشامية طبيبة نساء خلفاء بني أمية، وقد اشتهرت بين معاصريها في علاجاتها في ميدان طب العيون، كما أن لها دوراً مرموقاً في الجراحة العامة بجميع المقاييس من رواد طب العيون في الحضارة العربية والإسلامية.
تحياتي