خطة صهيونية لإغراق المجتمع وسط قناطير المخدرات
والمواطنين الأبرياء يزج بهم في السجن بدل البارونات
الجميع ينتظر : حملة مركزة على البارونات الكبار وعدم الإكتفاء على المروجين الصغار (!)
ما يزال حي المجاهدين الكائن بقلب مدينة غرداية، إضافة لأحياء أخرى، يشهد ظاهرة تطرح أكثر من نقطة استفهام وتعجب.. حيث يلاحظ المرء يوميا شبابا في مقتبل العمر وهم يتعاطون المخدرات في وضح النهار وفي مرأى الجميع، ما يؤكد أن هذه الظاهرة لا تزال بحاجة إلى استراتيجية جادة وفاعلة لتطهير المحيط من مخاطر هذه السموم التي أضحت وكأنها في حد ذاتها استراتيجية تنفذ بإحكام لإغراق المجتمع وسط المخدرات، وقبل كل ذلك فإن التساؤل الذي ما يزال مطروحا: لماذا لا يتم البحث عن "البارونات" الفعليين الذين ينقلون هذه المادة إلى هؤلاء الشباب بكل حرية وراحة؟
ويقول أحد المترددين على الحي المذكور، الذي صادف اتصاله بجريدة الواحة صبيحة زيارة الرئيس بوتفليقة لولاية غرداية، أن الظاهرة ما تزال تطفو على السطح. والأخطر من ذلك تأكيد نفس المتحدث أن الشباب الذين يتعاطون المخدرات معروفون لدى بعض عناصر الأمن، بل وتوجد أطراف تدعمهم وتسكت عنهم.
وأضاف نفس المتحدث أن المواطن يشاهد كل هذا لكن في المقابل ينتابه الخوف من التحدث عن هؤلاء مخافة الإنتقام، والدليل ما حدث في بريان الأسابيع الأخيرة، إذ أن الأبرياء فقط من يزج بهم في السجن عندما يحرك المخططون الإضطرابات لحماية أنفسهم وتحويل الأنظار عندما يشتد الأمر، وغالبا ما يكون التخطيط لتلك الإضطرابات من طرف بارونات هذه السموم وجماعات النفوذ والمصالح التي لها علاقة وتجد متنفسا لها في ذلك.
كما أن الظاهرة الجديدة التي بدأت تطفو على السطح الشهور الأخيرة تتمثل في سبل تسويق المخدرات، حيث تتم داخل سوق غرداية بعد غلق أسواق "الطراباندو"، وهذا من خلال باعة يتظاهرون ببيعهم للهواتف النقالة، ولكن في واقع الأمر مهمتهم بيع الكيف (!)
وقد علق العديد من المواطنين عن مثل هذا الخطر الذي حدث أمام أعين الأمن، حيث يقول مواطن أن لا أحد يستطيع أن يشتكي أو يتحدث مخافة الإنتقام منه أو اختياره من بين الرؤوس عند لحظة تحريك الشارع من طرف هؤلاء البارونات.
لهذا فظاهرة انتشار عشرات باعة الهواتف النقالة فجأة داخل سوق غرداية بعد القضاء على أسواق الطراباندو للألبسة القديمة تشكل نقطة استفهام عن سبب السكوت عنها، رغم أن الجميع يعلم وبما ليس فيه مجال للشك أن بين هؤلاء عدد كبير من السراق لا يمتهنون مهنة شريفة بل لهم أغراض أخرى كالترويج للمخدرات والنصب (!)
فرغم التأكيدات التي يلح عليها رئيس الجمهورية شخصيا وآخرها خلال افتتاح السنة القضائية لتتصدى الأجهزة المخولة قانونا إلى عملية حماية الأجيال والمجتمع من هذه السموم الوافدة، ورغم أن الأقطاب القضائية لمكافحة الفساد والجريمة المنظمة إلا أنه على أرض الواقع المواطن ما يزال يعيش واقعا مأساويا مرا لا يعكس إطلاقا تعليمات القاضي الأول في البلاد أمام قضاة الجمهورية أمام المحكمة العليا في كل مرة.
وكل المعطيات تؤكد أن الإضطرابات التي عاشتها ولاية غرداية المدة الأخيرة، وخاصة في بريان وغرداية هي من صنع وتحريك البارونات الذين كانوا يتحكمون في سوق المخدرات والدعارة وحتى الصفقات، وهي الظواهر التي لم تأخذها السلطات المحلية إلى حد اللحظة على محمل الجد والصرامة مع كل أسف.
وبالتالي فإن التهاون واللامبالاة في معالجة عاجلة لظواهر الفساد قد يصعب من مهمة القضاء عليها مستقبلا، ولعل هذا ما يجعل القلق يسيطر على المواطن الذي يجد نفسه هو فقط داخل الزنزانة إثر اضطرابات يحركها هؤلاء في كل مرة ويظهر بعد شهور في السجن أن هذا المواطن برئ وتم جرجرته إلى السجن بناء على أوامر فوقية وقد تكون لها علاقة بلوبي المخدرات وفساد الصفقات.
المصادر الرسمية تؤكد أن مجمل الكميات المحجوزة من أصناف المخدرات، من قبل مختلف المصالح المعنية، جمارك وشرطة ودرك وشرطة حدود، بلغت سنة 2024 مستوى قياسيا، مقارنة بالسنوات الماضية، حيث فاقت الكميات المحجوزة 25 طنا، مقابل حوالي 16 طنا السنة المنصرمة على المستوى الوطني، والنسبة الكبرى التي تجاوزت 90 بالمائة من الحشيش المعالج. وتبقى الحدود الغربية وكذا الجنوبية أكبر مناطق النفوذ والعبور باتجاه الجزائر بالنسبة للمخدرات، وعلى رأسها الحشيش المعالج.ولا ندري إلى حد الآن لماذا لم تستجب أي جهة لدعوات الواحة من وضع استراتيجة لتحقيق نموذج غرداية مدينة بلا مخدرات قصد حماية الجتمع من مخاطر هذه السموم الفتاكة التي بدأت تصل حتى إلى قلب الإقامة الجامعية حسب تصريحات العديد من الطلبة.
ودون الدخول في خبايا الظاهرة وسر السكوت عنها رغم تأكيدات رئيس الدولة، فإن موضوع تشكيل هيئة على مستوى الولاية أو كل ولاية لتقييم مدى جدية التصدي لهذا الأخطبوط الذي يمس باستقرار المواطن ويلوث البيئة المحيطة به، بات أمر ملحا ويتطلب التعجيل به، إذا كان موضوع حماية كرامة المواطن من أولويات الحكومة.
خاصة إذا علمنا انه من خلال الإحصائيات الأخيرة المعلن عنها، أن كميات المخدرات المحجوزة ارتفعت بصورة كبيرة، وقاربت ضعف ما تم حجزه السنة قبل الماضية، مما يبين ضعف فعالية المصالح المختصة من جهة، وتضاعف نشاط شبكات تهريب المخدرات من جهة أخرى. والأخطر من ذلك أن الهيئات الدولية، على غرار المرصد الدولي لمكافحة المخدرات، نبهت إلى أن عددا من الدول منها الجزائر، تجاوزت مرحلة كونها بلد عبور إلى بلد استهلاك وإنتاج، مع تنامي نشاط بارونات المخدرات. كما يلاحظ بداية دخول ما يعرف بـ"المخدرات الصلبة" وإن كان ذلك بكميات قليلة لغلائها، أو ما يعرف بالمخدرات البيضاء والمركبة، مثل الكوكايين، وهو مؤشر خطير ينبئ بعواقب وخيمة على المجتمع. وتمكنت مصالح الأمن المختلفة من حجز كميات كبيرة أيضا من المهلوسات، فاقت هذه السنة سقف 1.2 مليون قرص، مما يكشف أيضا ارتفاع استهلاك مثل هذه الحبوب، خاصة في أوساط الشباب والقصر. ومما يظهر تنامي مثل هذه الظواهر سواء في مجال الإتجار بها أو استهلاكها وتطور شبكات تجارة المخدرات والمهلوسات، عدد الموقوفين من قبل مصالح الأمن خلال سنة 2024، إذ بلغ العدد الإجمالي وطنيا نحو 30 ألف شخص منهم أكثر من 6 آلاف مروج و24 ألف مستهلك، حوالي 85 بالمائة منهم تتراوح أعمارهم ما بين 16 سنة و35 سنة.
وقد سبق للمصالح المختصة أن قدرت، خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2024، عدد الموقوفين بحوالي 23 ألفا منهم 5 آلاف مروج و17 ألف مستهلك، نسبة 80 بالمائة منهم لا يتجاوز سنهم 35 سنة، مقابل حجز كميات بلغت 18 طنا من المخدرات. وإذا كانت المخدرات، لا سيما الحشيش، تأتي غالبا من الجهة الغربية والجنوبية بالدرجة الثانية، فإن المهلوسات تأتي من كافة الجهات الحدودية، لسهولة إيجاد مخابئ لها، وصعوبة تحديدها. وقد تفنن المهربون في تقنيات تمرير مثل هذه السموم التي توجه للسوق الداخلي بالدرجة الأولى، ولكن أيضا تحول إلى الدول الأوروبية، عبر عدة معابر، خاصة جنوب أوروبا؛ إيطاليا، فرنسا، إسبانيا والبرتغال. أما تجارة المخدرات الصلبة، فلا تزال في غالبيتها موجهة إلى الخارج لغلائها، وتصل غالبا من أمريكا اللاتينية مرورا بدول الساحل الإفريقي، لتعبر الجزائر، ثم إلى أوروبا من خلال الموانئ بالخصوص. وقد تجاوزت كمية الكوكايين المحجوزة من قبل المصالح المختصة 1.2 كليوغرام، وهي كمية متواضعة مقارنة بسنة 2024 التي سجلت حجزا ما كميته 22 كيلوغراما. وتبقى الشبكات الغربية الأكثر نشاطا في الجزائر، لارتباطها بالشبكات الأوروبية المختصة ولكن الأخطر في الأمر هو تحول الجزائر إلى منطقة إنتاج لا سيما للحشيش، كما تم الكشف عنه خلال سنة 2024 من خلال حجز كميات من الحشيش المنتج محليا، وهو مؤشر خطير على تنامي دور شبكات المخدرات داخل الجزائر واستخدام الجزائر كنقطة انطلاق لنشاط كبير للشبكات باتجاه أوروبا خصوصا.