( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64 ) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65 ) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66 ) – التوبة-
جاء في تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي في بيان سبب نزول هذه الآية:
كانت هذه السورة الكريمة تسمى "الفاضحة" لأنها بينت أسرار المنافقين، وهتكت أستارهم، فما زال اللّه يقول: ومنهم ومنهم، ويذكر أوصافهم، إلا أنه لم يعين أشخاصهم لفائدتين: إحداهما: أن اللّه سِتِّيرٌ يحب الستر على عباده.
والثانية: أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين، الذين توجه إليهم الخطاب وغيرهم إلى يوم القيامة، فكان ذكر الوصف أعم وأنسب، حتى خافوا غاية الخوف.
قال اللّه تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا )
وقال هنا ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ) أي تخبرهم وتفضحهم وتبين أسرارهم حتى تكون علانية لعباده ويكونوا عبرة للمعتبرين
( قُلِ اسْتَهْزِئُوا ) أي استمروا على ما أنتم عليه من الاستهزاء والسخرية ( إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ) وقد وفَّى تعالى بوعده فأنزل هذه السورة التي بينتهم وفضحتهم وهتكت أستارهم
( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ) عما قالوه من الطعن في المسلمين وفي دينهم يقول طائفة منهم في غزوة تبوك"ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه- أرغب بطونا وأكذب ألسنا وأجبن عند اللقاء"ونحو ذلك
ولما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بكلامهم جاءوا يعتذرون إليه ويقولون ( إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ) أي نتكلم بكلام لا قصد لنا به ولا قصدنا الطعن والعيب
قال اللّه تعالى -مبينا عدم عذرهم وكذبهم في ذلك- ( قُلْ ) لهم ( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) فإن الاستهزاء باللّه وآياته ورسوله كفر مخرج عن الدين لأن أصل الدين مبني على تعظيم اللّه وتعظيم < 1-343 > دينه ورسله والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة
ولهذا لما جاءوا إلى الرسول يعتذرون بهذه المقالة والرسول لا يزيدهم على قوله ( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )
وقوله ( إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ ) لتوبتهم واستغفارهم وندمهم ( نُعَذِّبْ طَائِفَةً ) منكم ( بِأَنَّهُمْ ) بسبب أنهم ( كَانُوا مُجْرِمِينَ ) مقيمين على كفرهم ونفاقهم
وفي هذه الآيات دليل على أن من أسر سريرة خصوصا السريرة التي يمكر فيها بدينه ويستهزئ به وبآياته ورسوله فإن اللّه تعالى يظهرها ويفضح صاحبها ويعاقبه أشد العقوبة
وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه أو سنة رسوله الثابتة عنه أو سخر بذلك أو تنقصه أو استهزأ بالرسول أو تنقصه فإنه كافر باللّه العظيم وأن التوبة مقبولة من كل ذنب وإن كان عظيما
*****************************
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
هل من يستهزئ بالدين بأن يسخر من اللحية أو من تقصير الثياب هل يعد ذلك من الكفر ؟ .
فأجاب :
"هذا يختلف ؛ إذا كان قصده الاستهزاء بالدِّين : فهي ردة ، كما قال تعالى : ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )
أما إذا كان يستهزئ من الشخص نفسه بأسباب أخرى من جهة اللحية أو من جهة تقصير الثياب ، ويعني بذلك أنه متزمت ، وأن يستهزئ بأمور أخرى يشدد في هذا أو يتساهل في أمور أخرى يعلم أنه جاء بها الدين ، وليس قصده الاستهزاء بالدين ، بل يقصد استهزاءه بالشخص بتقصيره لثوبه أو لأسباب أخرى .
أما إذا كان قصده الاستهزاء بالدين والتنقص للدين : فيكون ردة ، نسأل الله العافية .
وسئل – بعدها – :
إن كان يقول : أنا أقول ذلك للناس من باب الضحك والمزاح ؟ .
فأجاب :
هذا لا يجوز ، وهذا منكر وصاحبه على خطر ، وإن كان قصده الاستهزاء بالدين : يكون كفراً" انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 28 / 365 ، 366 ) .
فأجاب رحمه الله:
الاستهزاء بالله تعالى أو برسوله، صلى الله عليه وسلم أو بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كفر ورّدة يخرج به الإنسان من الإسلام لقول الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ( 65 ) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ ( سورة التوبة).
فكل من استهزأ بالله أو برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بدين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه كافر مرتد يجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى، وإذا تاب إلى الله فإن الله تعالى يقبل توبته لقوله تعالى في هؤلاء المستهزئين: ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( 66 ) ﴾ ( سورة التوبة)، فبين الله تعالى أنه قد يعفو عن طائفة منهم ولا يكون ذلك إلا بالتوبة إلى الله عز وجل من كفرهم الذي كان باستهزائهم بالله وآياته ورسوله.
وسُئل -رحمه الله -: عن حكم من يمزح بكلام فيه استهزاء بالله أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو الدين؟
فأجاب -رحمه الله -:
هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح، ولو كان على سبيل إضحاك القوم كفر ونفاق، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الذين قالوا : "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء". يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء فنزلت فيهم ﴿ َلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ ( سورة التوبة) لأنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: إنما كنا نتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهم ما أمره الله به:﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ( 65 ) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ ( سورة التوبة).
فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم، لا يجوز لأحد أن يعبث فيه لا باستهزاء بإضحاك، ولا بسخرية فإن فعل فإنه كافر ؛ لأنه يدل على استهانته بالله عز وجل ورسله وكتبه وشرعه وعلى من فعل هذا أن يتوب إلى الله عز وجل مما صنع، لأن هذا من النفاق فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر، ويصلح عمله، ويجعل في قلبه خشية الله عز وجل وتعظيمه وخوفه ومحبته. والله ولي التوفيق .
سئل فضيلة الشيخ – رحمه الله-: هل يجوز البقاء بين قوم يسبون الله عز وجل ؟
فأجاب – رحمه الله- :
لا يجوز البقاء بين قوم يسبون الله – عز وجل – لقوله تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ( 140 ) (سورة النساء)﴾ والله الموفق.
ـــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين – المجلد الثاني – باب الكفر والتكفير.
يرفع للتذكير………….
و جزاك خيرا
وثبتنا على المنهج حتى نلقاه
جزاك الله كل خير
و سدد خطاك لكل ما يرضاه
للتذكير………
جزاك الله كل خير
بارك الله فيك