د يلجأ الكثير من النساء، بل وحتى الرجال، للحديث عن حياتهما الزوجية، والبوح بأسرار بيوتهم وكشف الغطاء عن خصوصياتهم للأقارب أو الأصدقاء بحجة الفضفضة تارة، وطلب النصيحة والاستشارة تارة أخرى، حتى تحولت الأسرار إلى نشرة أخبار، وتم انتهاك خصوصية العلاقة الزوجية على يد أحد طرفيها (الزوج أو الزوجة)، الأمر الذي قد يهدد كيان الأسرة، ويقوض أركانها وينذر بهدمها، في حال اكتشاف أحد الزوجين ما فعله الطرف الآخر، وحينها لن يجني من أفشى الأسرار إلا الحسرة والندم، ولكن بعد فوات الأوان،
راحة آنية
يؤكد علماء النفس أن ترويح الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها ونشر أسرار بيتها غالبًا ما يصنع من القلق أكثر مما يجلب من الراحة، فالراحة قد تكون آنية وعاجلة، لكن القلق حتمًا سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار وتجني الزوجة الندم والخسران، فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية.
وهو ما أكده حمد بن عبد الله القميزي – مستشار أسري – معرفا الأسرار الزوجية بأنها جميع الأحداث والمواقف والأحوال وما يصاحبها من أقوال وأفعال داخل عش الزوجية، ولا يرغب أحد من الزوجين أن يعرفها غير شريك حياته، مشيرا إلى أن هذه الأسرار الزوجية قد تكون أسرار حسنة أو سيئة، ونشر أي منهما سيجلب الشر لهما، فالأسرار الحسنة عند نشرها قد تولد في نفوس بعض السامعين ما لا تحمد عقباه من حسد أو حقد أو كره ومكر، وكذلك نشر الأسرار السيئة التي قد تكون خُلقية أو خَلقية، توقع المتحدث بها في الغيبة التي حرمها الله عز وجل في قوله تعال: }..ولا يغتب بعضكم بعضا..{ (الحجرات:12)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها" (رواه مسلم). بحسب جريدة الرياض.
وأرجع القميزي أسباب إفشاء الأسرار الزوجية إلى عدم قدرة أحد الزوجين على الصبر على المشكلات التي تعترض حياتهما، فيعتقدان أن البوح بها يخفف من الألم، وكذلك قلة العقل والدين، فالعقل السليم يمنع الإنسان من التحدث بأي حديث قد يجلب له ضرراً أو يدفع عنه خيراً، وأيضا كثرة الخلطة بالآخرين، حيث يكثر الكلام ليصل إلى الأسرار الخاصة، وعدم وجود حوار بين الزوجين، مما يجعل أحدهما يضطر للحديث عما في نفسه إلى الآخرين، والكبر والغرور، الذي يدفع الإنسان إلى التباهي بما يملك وما لا يملك والحديث به أمام الآخرين، ناصحا الزوجين بحفظ أسرارهما العائلية، وعدم نقلها خارج عش الزوجية، لأن حفظ أسرار الزوجية من أهم عوامل نجاحها واستمرارها.
سلوك مجتمعي
ورأت مروة كريدية – باحثة متخصصة في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا – أن عملية الثرثرة وإفشاء الأسرار بين الزوجين هو سلوك مجتمعي، يختلف باختلاف المجتمعات والحضارات، فالحديث في هذه الموضوعات يتنوع بتنوع الثقافات والحضارات، ويختلف باختلاف التربية الأسرية؛ لأنها مفاهيم نسبية تختلف باختلاف رؤية المجتمع لها، فما يراه البعض سراً، لا يراه البعض الآخر كذلك، مشيرة إلى أن البعض قد يلجأ لإفشاء الأسرار الزوجية الخاصة لأصدقائه من قبيل الاستعراض والمفاخرة بالرجولة، لكنه يحجم عن عرض مشكلته الزوجية إن وجدت حتى أمام مختص أو معالج نفسي، ويفضل أن يبقي هذا الأمر طي الكتمان، مما يؤدي إلى جرح نفسي عميق لا يندمل في معظم الأحيان، ويسبب اضطراباً في الشخصية. بحسب جريدة الاتحاد الإماراتية.
وأكدت كريدية على أن الحل يكمن في التربية والبيئة المجتمعية، فينبغي على مؤسساتنا التربوية بما فيها الأسرة والمدرسة أن تتضمن في منهاجها محورين: الأول هو التربية والتثقيف لحفظ العلاقات الخاصه، والثاني يتعلق بالتثقيف الأسري والعلاقات الاجتماعية، أي ما ينبغي أن نطلع الآخرين عليه وما لا ينبغي، وحدود العلاقات الاجتماعية واحترام الخصوصيات والحرية الشخصية والفردية.
رؤية شرعية
وعن رأى الدين في إفشاء أحد الزوجين لأسرارهما الزوجية، يقول علي المرزوقي من وزارة الأوقاف القطرية: الإسلام نهى عن إفشاء الأسرار الزوجية، فنبينا الكريم شبه الزوجين اللذين يتحدثان عن أسرار الفراش كمثل شيطان وشيطانة تلاقيا في طريق ما، فجامعها بمرأى من الناس، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلي الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: "لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها"، فأرم القوم- يعني سكتوا ولم يجيبوا- فقلت أي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن قال: "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون" (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد).
وحذر المرزوقي من إفشاء الزوجين لأسرار الفراش أو حتي الأمور الحياتية الخاصة للزوجين، لأن هذا قد يسبب لهما المشاكل، فإطلاع طرف ثالث على بعض هذه الأسرار قد يمكنه من إساءة استخدامها فيما بعد للإيقاع بين الزوجين وإنهاء حياتهما، فلا يضمن أي من الزوجين أمانة من يحكي له.
وأشار المرزوقي إلى أن الحديث في وصف الأزواج خلقياً لا يجوز لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" (رواه البخاري)، وأن المحذور نفسه موجود عند النساء، فإذا استغرقت المرأة في وصف زوجها وجماله وبهائه قد يحدث في نفوس الحاضرات ما لا تحمد عقباه من الحسد ونحوه.
وفي السياق ذاته حذر الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ – مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء في إحدى خطب الجمعة – من إفشاء الزوج أو الزوجة أسرار خلافاتهما الزوجية، أو التحدث بها خارج المنزل، وأن عليهما حل هذه الخلافات بالتفاهم والتعاون، وعدم هتك أسرار البيوت لدى الآخرين؛ لأن ذلك يؤدي إلى اتساع هوة الخلافات، وقد يؤدي إلى أبغض الحلال عند الله وهو الطلاق.
وقال المفتي العام: إن أمن البيوت مطلب شرعي، وهذا أمر مهم في الإسلام، الذي حدد شروطا وضوابط لتحقيق هذا الأمن، تكون ملقاة على عاتق الزوجين ومسؤوليتهما الكبرى للحفاظ عليه. بحسب جريدة "المدينة".
وقال الشيخ عبد العزيز آل الشيخ: إن الدخول إلى البيوت لا يكون إلا بإذن، وأن يسمح أصحاب المنزل للقادم بالدخول، ولا يجوز التعدي على المنازل، والتعرف على أسرارها، والتطلع على أحوال أهل البيت، أما من داخل البيت، فيجب على أهل المنزل المحافظة على أسرارهم والتمسك بآداب الشريعة في ذلك، ورعاية مصالح الأبناء.
وشدد مفتي المملكة: إن أمن كل بيت مسئولية ملقاة على عاتق الزوج والزوجة، وأن أي قصور من جانب الزوج أو الزوجة في رعاية الأبناء والبنات، يلقي بظلاله السلبية على المنزل، وأن أي قصور من جانب الزوجة يجب أن يقومه الزوج، بمودة وحب وحكمة وحنكة ونصح وإرشاد وتوجيه، وأي تقصير من جانب الزوج يجب أن تعالجه الزوجة بمودة ورحمة.