ثورة أولاد سيدي الشيخ
بعد احتلال الشمال الجزائري من طرف القوات الفرنسية الغازية، و عند وصول هذه القوات إلى مشارف الجنوب الجزائري، و في أثناء المقاومة التي كان يقودها الأمير عبد القادر بن محي الدين، ظهرت حركة مقاومة أولاد سيدي الشيخ للمد الاستعماري الفرنسي، في أول معركة بالمكان المسمى الشريعة بنواحي البَيَض، بقيادة سيدي الشيخ بن الطيب زعيم أولاد سيدي الشيخ الغرابة في 2 ماي 1845م(1).
ومعلوم أن معاهدة لالة مغنية الموقعة بين فرنسا والمغرب في 18 مارس 1845م، قسمت قبيلة أولاد سيدي الشيخ إلى فرقتين :
– أولاد سيدي الشيخ "الشراقة" أو الشرقيين و أصبحوا بموجب الاتفاقية جزائريين.
– أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" أو الغربيين و أصبحوا بموجب نفس المعاهدة مغاربة
و كرست المعاهدة انقساما سابقا كان بين الفريقين جراء خلافهما حول زعامة القبيلة، وصراعهما حول تسيير زاوية جدهما الشيخ سيدي عبد القادر بن محمدالسماحي المتوفى سنة 1616م.
وقد عرفت هذه الزاوية في حياة مؤسسها و بعده إشعاعا غطى الجنوب الغربي الجزائري، والجنوب الشرقي المغربي، و هي طريقة تتفرع عن الشاذلية اليوسفية.
بعد صدور معاهدة لالة مغنية الموقعة بين المغرب و فرنسا، لاحظ سيدي الشيخ بن الطيب زعيم أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" الحيف الذي الحقه الفرنسيون بقبيلة أولاد سيدي الشيخ عموما و "الغرابة" خصوصا، حيث اقتطعت سلطات الاحتلال منهم أراضيهم و قراهم و مجال تنقلاتهم الرعوية، و أرغمتهم على النزوح، و الهجرة القسرية.(4)
في يناير 1849م بعث سيدي الشيخ بن الطيب ( زعيم "الغرابة" ) بوفد إلى السلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام ملك المغرب يطلعه على الوضع الراهن إذاك في حدود المملكة، فراسل السلطان السفارة الفرنسية بطنجة يطالبها بمراجعة الحدود بعد تشكي المتضررين من تبعات المعاهدة الموقعة بين فرنسا و المغرب، و لكن سلطات الاحتلال ضربت بعرض الحائط إلحاح السلطان عليها، في هذا الشأن.(5)
في أوائل سنة 1849م عين السلطان سيدي الشيخ بن الطيب خليفة له على التخوم الجنوبية الشرقية المغربية، و كأنه بهذا التعيين يضفي الشرعية على الجهاد الذي أعلنه زعيم الغرابة ضد الاحتلال الفرنسي منذ 1845م.
كما أن هذا التعيين كان بمثابة تبني المقاومة من طرف السلطان الذي لم يكن له جيش نظامي يوازي قوة الجيوش الفرنسية و عدتها و عتادها.(6)
و استمرت مقاومة سيدي الشيخ بن الطيب إلى حين وفاته في 15/7/1870م. فَقَدَ- قبل وفاته- أحد أبنائه " مولى الفرعة " في معركة " معذرالمصارين " التي تصدت فيها قبيلة أولاد سيدي الشيخ "الغرابة " وقبيلة " بني كيل " لقوات الاحتلال الفرنسي في 31/3/1870م، بالقرب من مدينة "بوعرفة" شمال فجيج بالجنوب الشرقي المغربي (7).
وبعد وفاته أخذ مشعل المقاومة ابنه البكر الحاج العربي بن الشيخ، الذي ما لبث أن استشهد مع أخيه سليمان بن الشيخ في معركة "عقلة السدرة" التي نشبت بين أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" و " الشراقة " في 8/8/1871م، و التي خطط لهاالاحتلال الفرنسي للإيقاع بين الفريقين، و تسهيل القضاء – في النهاية -عليهماجميعا.(8)
و تزعم ابنه الثالث " معمر بن الشيخ " قبيلة أولاد سيـدي الشيخ " الغرابة "، و أقره السلطان مولاي الحسن ملك المملكة المغربية على زعامة هذه القبيلة (9)، إلا أن سلطات الاحتلال نغصت صفو العلاقة بينهما، فقلب السلطان ظهر المجن لأولاد سيدي الشيخ "الغرابة"، و تنكر لهم خصوصا بعد استشهاد معمر بن الشيخ السابق الذكر في معركة " نفيش" ضد القوات الفرنسية و أتباعها في 13/6/1874م.(10)
و بعد استشهاد معمر بن الشيخ، تولى زعامة قبيلة أولاد سيدي الشيخ "الغرابة" علال بن الشيخ بن الطيب ( و هو الابن الرابع لسيدي الشيخ بن الطيب )، و رغم استماتتهم في المقاومة و تضحياتهم الجسام في سبيل الدفاع عن حوزة الوطن، و ولائهم للسلطان الذي كان يختصهم بظهائر التوقير والاحترام، و كانوا قُوَادَهٌ في المناطق الجنوبية، فإن سلطات الاحتلال الفرنسية لم تدخر وسعا في السعي لبث الخلاف بينهما، و أوغر العُمَلاءُ المدسوسون في دوائر المخزن صدر السلطان عليهم، فصُنفوا في خانة المخربين و أهل الفتن، و تعرضوا بذلك للسجون و التنكيل و التهجير، و بانتهاء مقاومتهم وجد الاحتلال الفرنسي الطريق معبدة أمامه لاحتلال المغرب ابتداء من 1904م. و بناء على ما سبق ذكره، فإن سيدي الشيخ بن الطيب كان مفجر ثورة أولاد سيدي الشيخ التي دامت خمسة عقود من 1845م إلى 1903م.
فبعد عشرين سنة على انطلاق ثورة سيدي الشيخ بن الطيب اندلعت ثورة أولاد سيدي الشيخ "الشراقة" بزعامة سيدي سليمان بن حمزة في 8/4/1864م ثم بعد ست و ثلاثين سنة انطلقت ثورة سيدي بوعمامة في 1881م، لتكمل المسيرة التي بدأها سيدي الشيخ بن الطيب.(11)
جزاك الله 100 خير يا محترم