لقد أمرنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بالسحور فقال: "تسحروا فإن في السحور بركة"، وعدَّ أكلة السحر هي الفاصل بين صيام أهل الإسلام وصيام أهل الكتاب، فقال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر".
وأمر أمته بتأخيره، فقال: "لا يزال الناس بخير ما عجِّلوا الفطر وأخروا السحور"، وبيَّن لنا وقت السحور، فعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قمنا إلى الصلاة قيل: كم كان بينهما؟ قال: قدر خمسين آية".
وعن أبي عطية قال: "دخلت أنا ومسروق على عائشة -رضي الله عنها-، فقال لها مسروق: رجلان من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، كلاهما لا يألو عن الخير، أحدهما يعجل المغرب والإفطار، والآخر يؤجل المغرب والإفطار؟ فقالت: من يعجل المغـرب والإفطـار؟ قـال: عبد الله يعني ابن مسعود فقالت: هكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع".
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان لرسـول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤذنان: بـلال، وابن أم مكتوم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن بلال يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"، قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا.
قلت: من الأسباب المعيقة لتأخير السحور ما يأتي:
1. ما يفعله بعض المؤذنين بما يعرف بالتنبيه والتسحير، وهو خلاف السنة.
2. تقديم الأذان الأول، والسنة أن يكون الفارق بين الأذان الأول والثاني مقدار أن يطلع هذا وينزل هذا، وإن زاد على ذلك فلا ينبغي أن يتجاوز ربع الساعة.
3. ما يقوم به بعض المسحرين في الأحياء من ضرب الطبول، وجوبان الشوارع، بعضهم من الساعة الثانية أوالثالثة، وفي هذا من الأضرار والإزعاج ما فيه، وإن لم يكن فيه إلا مخالفته للسنة لكفى، بجانب تقديم السحور، وربما كان ذلك سبباً في عدم قيام البعض لصلاة الصبح.
4. التقيد بالإمساكيات، حيث يؤمر فيها بالإمساك قبل نصف ساعة أو أكثر من طلوع الفجر، وهو خلاف السنة.
فالخير كل الخير في اتباع السنة، والشر كل الشر في مخالفتها، ولله در مالك فقد كان كثيراً ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر الأمور المحدثات البدائع
وكما قيل: عمل قليل في سنة، خير من كثير في بدعة.
وفق الله الجميع لاتباع سنته، والسير على طريقتها.
المصدر midad.com