تخطى إلى المحتوى

تدبر القران مسائل مستخرجة من الكتاب والسنةوآثار السلف 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

فهذا بحث قيم قرأته ورغبتُ أن أنقله إليكم باختصار وتصرف يسير، عسى الله أن يفتح علينا وعليكم ويقربنا منه درجات. آمين.

(سيكون بإذن الله على أجزاء في نفس الموضوع)
*****

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
فإن هذا البحث يتحدث عن الوسائل العملية التي تمكِّن – بعون الله تعالى – من الانتفاع بالقرآن الكريم، وهذه القواعد هي التي كان يسلكها سلفنا الصالح في تعاملهم مع القرآن الكريم ، التي بسبب غفلة الكثيرين عنها أو بعضها أصبحوا لا يتأثرون ولا ينتفعون بما فيه من الآيات والعظات ، والأمثال والحكم.
ومن أخذ بهذه الوسائل فإنه سيجد بإذن الله تعالى أن معاني القرآن تتدفق عليه حتى ربما يمضى عليه وقت طويل لا يستطيع تجاوز آية واحدة بسبب كثرة المعاني التي تفتح عليه ، وقد حصل هذا للسلف من قبلنا والأخبار في هذا كثيرة مشهورة.
ولكن مما يتأكد التنبيه عليه هنا عدم قصر وحصر النجاح في تدبر القرآن على هذه المفاتيح ، فما هي إلا أسباب والنتائج بيد الله تعالى يعطيها من شاء ويمنعها من شاء،وما أقوله إن هي إلا وسائل بحسب الاستقراء من النصوص وحال السلف ، وهي أسباب يسلكها كل مريد للانتفاع بالقرآن بشكل أكبر وأعمق وأشمل ، وهي أسباب نذكِّر بها من حرم من تدبر القرآن وهو يريده ؛ نقول له اسلك هذه الأسباب لعل الله إذا رأى مجاهدتك في هذا الأمر وعلم منك صدقك أن يفتح لك خزائن كتابه تتنعم فيها في الدنيا قبل الآخرة.
قال ثابت البناني: "كابدت القرآن عشرين سنة ثم تنعمت به عشرين سنة "اهـ وما قاله ثابت البناني حق ، فقف عند الباب حتى يفتح لك ؛ إن كنت تدرك عظمة ما تطلب فإنه متى فتح لك ستلحق بالركب بفضل الله وكرمه.
أما إن استعجلت وانصرفت فستحرم نفسك من كنز عظيم وفرصة قد لا تدركها فيما تبقى من عمرك.
واعلم أن القرآن هو طوق النجاة في هذه الحياة ، وهو حبل طرفه بيد الله وطرفه بيدك كما جاء عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فخرج علينا فقال ( أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن القرآن جاء من عند الله ؟ ) قلنا نعم قال : ( فابشروا فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به ولا تهلكوا بعده أبد)) المعجم الكبير [ جزء 2 – صفحة 126 ]، والله تعالى يقول: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [ سورة النساء – الآية : 175 ] . فمتى أردت أن تدخل في رحمة الله وأن تهدى إلى الصراط المستقيم فجاهد نفسك في تدبر القرآن الكريم، وفرغ وقتك وجهدك، وركز اهتمامك على هذا الأمر العظيم .
كم من أشخاص لم يكن لهم شأن يذكر، وبعد اجتهادهم في تدبر القرآن صارت لهم مكانة ومنزلة رفيعة عند الله تعالى ، وصار لهم في الحياة أثر كبير وشأن عظيم

المصدر : شبكة الآجري

بارك الله فيك

مسائل في تدبر القرآن
المسألة الأولى: معنى تدبر القرآن

جاء في لسان العرب: (دَبَّرَ الأَمْرَ وتَدَبَّره: نظر في عاقبته… والتَّدَبُّر: التفكر فيه)، ومعنى تدبُّر القرآن: التأمُّل في معانيه وتحديق الفكر فيه وفي مبادئِهِ وعواقبه ولوازم ذلك [تفسير السعدي، آية: 82 من سورة النساء]
وقد يطلق التدبر على العمل لأنه ثمرته، وللتلازم القوي بينهما، كما يذكره كثير من المفسرين عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته﴾ .
قال الحسن البصري: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده ، حتى إن أحدهم ليقول : قرأت القرآن كله ما يرُى له القرآن في خلق ولا عمل .[رواه ابن أبي حاتم] .

المسألة الثانية: مفهوم خاطئ لمعنى التدبر
إن مما يصرف كثيرا من المسلمين عن تدبر القرآن ، والتفكر فيه ، وتذكر ما فيه من المعاني العظيمة ؛ اعتقادهم صعوبة فهم القرآن ، وهذا خطأ في مفهوم تدبر القرآن ، وانصرافٌ عن الغاية التي من أجلها أنزل ، فالقرآن كتاب تربية وتعليم ، وكتاب هداية وبصائر لكل الناس ، كتاب هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين ، كتابٌ قد يسَّر الله تعالى فهمه وتدبره ،كما قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾[ (17) سورة القمر] .
قال ابن هبيرة : " ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن ، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر ، فيقول هذه مخاطرة ، حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعا "[ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 3-273].
وقال الشاطبي :" فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء ، وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله ، فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ، ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى" [الموافقات 3-805].
وقال ابن القيم : " من قال : إن له تأولاً لا نفهمه ، ولا نعلمه ، وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ، ففي قلبه منه حرج " [التبيان في أقسام القرآن : 144].
ويقول الصنعاني : " فإن من قرع سمعه قوله تعالى : ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [(20) سورة المزمل] يفهم معناه دون أن يعرف أن ( ما ) : كلمة شرط، و (تقدموا) : مجزوم بها لأنه شرطها، و (تجدوه) :مجزوم بها لأنه جزاؤها ، ومثلها كثير … فيا ليت شعري ! ما الذي خَصَّ الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها ، وفهم تراكيبها ، ومبانيها… حتى جعلت كالمقصورات في الخيام .. ولم يبق لنا إلا ترديد ألفاظها وحروفها…"[إرشاد النقاد إلى تيسير الاجتهاد ص 36].
فالحق في هذه المسألة: أن القرآن معظمه واضح ، وبيِّن وظاهر لكل الناس ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما : "التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله "[تفسير الطبري 1/75 ، مقدمة ابن تيمية 115 ]، ومعظم القرآن من القسمين الأولين.
إن عدد آيات الأحكام في القرآن 500 آية ، وعدد آيات القرآن 6236 آية.
وإن فهم الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، والعلم بالله واليوم الآخر ؛ لا يشترط له فهم المصطلحات العلمية الدقيقة ، من نحوية وبلاغية وأصولية وفقهية. فمعظم القرآن بيِّنٌ واضح ظاهر، يدرك معناه الصغير والكبير ، والعالم والأميّ .
فحينما سمع الأعرابي قول الله تعالى : ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ [(23) سورة الذاريات] قال : من ذا الذي أغضب الجليل حتى أقسم [التوابين لابن قدامة:279] .
وحينما أخطأ إمام في قراءة آية النحل ﴿ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [(26) سورة النحل ] قرأها: من تحتهم ، صوب له خطأه امرأة عجوز لا تقرأ ولا تكتب.
إن القرآن بيِّنٌ واضح ظاهر ، وفهمه وفقهه وتدبره ليس صعبا بحيث نغلق عقولنا ، ونعلق فهمه كله بالرجوع إلى كتب التفسير ، فنعمم حكم الأقل على الكل فهذا مفهوم خاطئ وهو نوع من التسويف في تدبر القرآن وفهمه.
فإغلاق عقولنا عن تدبر القرآن بحجة عدم معرفة تفسيره ، والاكتفاء بقراءة ألفاظه مدخل من مداخل الشيطان على العبد ليصرفه عن الاهتداء به .
وإذا سلمنا بهذه الحجة فإن العقل والحكمة أنك إذا أشكل عليك معنى آية أن تبادر وتسارع للبحث عن معناها والمراد بها، لا أن تغلق عقلك فتقرأ دون تدبر أو تترك القراءة.

وفقنا الله جميعا لما يحبه و يرضاه

المسألة الثالثة: علامات التدبر
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم علامات وصفات تصف حقيقة تدبر القرآن وتوضحه بجلاء من ذلك :
1- ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [(83) سورة المائدة]
2- ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [ (2) سورة الأنفال ]
3- ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [ (124) سورة التوبة]
4- ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [107-109 :سورة الإسراء]
5- ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [(5الجيريا سورة مريم]
6- ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ [(73) سورة الفرقان]
7- ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [(53) سورة القصص ]
8- ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [ (23) سورة الزمر] .
فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
1- اجتماع القلب والفكر حين القراءة ، ودليله التوقف تعجبا وتعظيما.
2- البكاء من خشية الله.
3- زيادة لخشوع.
4- زيادة الإيمان ، ودليله التكرار العفوي للآيات.
5- الفرح والاستبشار.
6-القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة .
7- السجود تعظيما لله عز وجل .
فمن وجد واحدة من هذه الصفات ، أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكـــر ، أما من لم يحصل أياً من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن ، ولم يصل بعد إلى شيء من كنوزه وذخائره
قال إبراهيم التيمي : "من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون أوتي علما لأن الله نعت العلماء فقال : ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ [(107-109) سورة الإسراء] "[الزهد لابن المبارك : 41، حلية الأولياء : 5-88].
وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم"[تفسيرالقرطبي: 15-149].
إن كل يوم يمر بك ولا يكون لك نصيب ورزق من هذه العلامات ، فقد فاتك فيه ربح عظيم ، وهو يوم حري أن يبكى على خسارته.

مفاتيح تدبر القرآن
المفتاح الأول: حب القرآن
المسألة الأولى: القلب آلة الفهم والعقل
قد دل على ذلك نصوص كثيرة ، الآيات القرآنية منها تزيد على مائة آية، وسأكتفي في هذه المسألة بذكر ثلاث منها مما هي صريحة الدلالة، وهي:
1-قول الله تعالى:﴿ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ [(57) سورة الكهف].
2-وقوله تعالى : ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [(46) سورة الحـج ].
3-وقوله تعالى: ﴿مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾[(4) سورة الأحزاب] .
وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها ، وإنما المقصود التذكير بأن القلب آلة الفهم والعقل والإدراك ، ومن ذلك فهم القرآن وتدبره.

المسألة الثانية : أن القلب بيد الله وحده
القلب بيد الله وحده لا شريك له ، يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء ، بحكمته وعلمه سبحانه :
1-قال الله تعالى : ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهَِ﴾[(24) سورة الأنفال]
2-وقال تعالى :﴿ إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه ﴾[ (57) سورة الكهف ]
3-وقال تعالى :﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون ﴾ [ (146) سورة الأعراف ]
وقد جعل لذلك أسبابا ووسائل ، من سلكها وفق ، ومن تخلف عنها خذل ويأتي بيان ذلك في المسائل التالية .
فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله تعالى ، وأن الله يحول بين المرء وقلبه ، فليست العبرة بالطريقة والكيفية ؛ بل الفتح من الله وحده ، وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله تعالى تستوجب الشكر لا الفخر ، فمتى أعطاك الله فهم القرآن ، وفتح لك معانيه ، فاحمد الله تعالى واسأله المزيد ، وانسب هذه النعمة إليه وحده ، واعترف بها ظاهرا وباطنا .

المسألة الثالثة: علاقة حب القرآن بالتدبر
من المعلوم أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به ، واشتاق إليه ، وشغف به ، وانقطع عما سواه ، والقلب إذا أحب القرآن تلذذ بقراءته ، واجتمع على فهمه ووعيه فيحصل بذلك التدبر المكين ، والفهم العميق ، وبالعكس إذا لم يوجد الحب فإن إقبال القلب على القرآن يكون صعبا ، وانقياده إليه يكون شاقا لا يحصل إلا بمجاهدة ومغالبة ، وعليه فتحصيل حب القرآن من أنفع الأسباب لحصول أقوى وأعلى مستويات التدبر .

المسألة الرابعة: علامات حب القلب للقرآن
حب القلب للقرآن له علامات منها :
1-الفرح بلقائه .
2-الجلوس معه أوقاتا طويلة دون ملل .
3- الشوق إليه متى بعد العهد عنه وحال دون ذلك بعض الموانع ، وتمني لقاءه والتطلع إليه ومحاولة إزالة العقبات التي تحول دونه.
4- اتباع ما فيه من أوامر ونواهٍ.
هذه أهم علامات حب القرآن وصحبته، فمتى وُجدت فإن الحب موجود ، ومتى تخلفت فحب القرآن مفقود ، ومتى تخلف شيء منها نقص حب القرآن بقدر ذلك التخلف .
إنه ينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه هذا السؤال: هل أنا أحب القرآن؟
إنه سؤال مهم وخطير ، وإجابته أشد خطرا ،إنها إجابة تحمل معان كثيرة.
وقبل أن تجيب على هذا السؤال ارجع إلى العلامات التي سبق ذكرها لتقيس بها إجابتك وتعرف بها الصواب من الخطأ .
إن بعض المسلمين لو سئل هل تحب القرآن ؟ يجيب : نعم أحب القرآن ، وكيف لا أحبه ؟ لكن هل هو صادق في هذا الجواب ؟
كيف يحب القرآن وهو لا يستطيع الجلوس معه دقائق ، بينما تراه يجلس الساعات مع ما تهواه نفسه وتحبه من متع الحياة.
قال أبو عبيد : "لا يسأل عبد عن نفسه إلا بالقرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله"[مصنف ابن أبي شيبة 10-485]
إننا ينبغي أن نعترف بالتقصير إذا لم توجد فينا العلامات السابقة ، ثم نسعى في التغيير ، وهو ما سيتم بيانه في المسألة التالية .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.