-الاستعداد النفسي للامتحان.
المصدر
https://www.jawahirberber.com/viewtopic.php?f=14&t=9185
تأطير مجزوءة السياسة
اجتماع بشري تنظمه دولة
تحتكر استعمال العنف
بإسم العدالة وصون الحق
الإنسان حيوان مدني، هكذا قال أرسطو. وحتى لو قبلنا مع هوبز ضد أرسطو بأن طبيعة البشر تزرع الشقاق بينهم وتدفعهم إلى المواجهة أكثر مما تحثهم على الاجتماع، فإن النتيجة في النهاية واحدة: ضرورة الاجتماع! إما استجابة للطبع المدني للإنسان أو للحد من الأضرار الناجمة عن عدوانيته إذا ماتركت عرضة للأهواء الفردية، إن الاجتماع يعني العيش داخل جماعات تتباين من حيث أحجامها وتركيبتها. وإذا كان من الصعب تصور وجود اجتماعي أو عيش مشترك دون آليات تنظيمية. فإننا ما إن نتجاوز مستوى الأسرة كجماعة طبيعية، حتى نلفي أنفسنا في قلب الظاهرة السياسية. والمقصود بالسياسية هنا كل ما يتعلق بتدبير الشأن العام لهذا الكيان المعنوي المسمى جماعة.
تعتبر من أهم آليات تدبير الشأن العام بما تملكه من أجهزة ومؤسسات وما تجنده من موارد مادية وبشرية، وبوصفها تجسيدا للسلطة العليا، فهي تتولى تنظيم الحياة المشتركة ضمن تراب إقليم معين.
تكاد الدولة أن تكون ظاهرة إنسانية بامتياز، فقد نشأت أشكال مختلفة من الدول في مناطق مختلفة منذ الثورة الزراعية.. رغم أن الجدال لايزال دائرا بين الأنثربلوجيين حول ضرورة الدولة وكونيتها: هل هي ضرورية؟ هل عرفت كل المجتمعات ظاهرة الدولة مهما كانت بساطتها؟ ألا يمكن للمجتمع أن يدبر نفسه بنفسه!؟ ويحاجج بعضهم أمثال بيار كلاستر بإمكانية وجود مجتمع دون دولة…
المشترك بين الدول أيضا، قديمها وحديثها، هو رفعها لشعار استتباب الأمن والنظام واتخادهاالعنف عدوها المعلن الذي تدعي محاربته وإلغاءه بمختلف أشكاله سواءا أكان اعتداء على النفس أو المال أو العرض…، لكنها تجد نفسها مضطرة إلى ممارسته من أجل محاربته. وهنا تكمن المفارقة! تدعي الدولة في الغالب أن ممارستها للعنف ممارسة مشروعة أي مسترشدة بمبادئ الحق والعدالة وضوابط القانون مكتوبا كان أو عرفيا. وهو ادعاء يظل عرضة للاحتجاج والمنازعة بسبب تعدد مرجعيات المشروعية والحق والعدالة ومبادئهما.
نلاحظ أن الخيط الناظم لمجزوءة السياسة هو مفهوم الدولة !! وليس ذلك بغريب، فلفظ السياسة في العربية من ساس يسوس أي قاد وحَكَم.. وحتى في درس الحق والعدالة، فإنما نتناول معايير الحق ومرجعياته وتأرجح العدالة بين المساواة والانصاف في إطار تشريعات ما داخل دولة ما، يفترض فيها صيانة حقوق الأفراد كما يخشى منها أن تنتهكها ! كذلك الشأن بالنسبة للعنف: هل لعنف الأفراد أو الجماعات مبرر ومشروعية في إطار دولة؟ وهل لعنف الدولة نفسها مشروعية ومبرر ما !؟
إن المفارقة التي تخترق مجزوءة السياسة كامنة -كما فطن إلى ذلك طوماس هوبز- في التقابل بين الفرد والجماعة/المؤسسة، بين الحرية التي يطالب بها الأول والأمن والنظام الذي تحرص عليه الثانية والذي هو مطب إنساني أيضا. ورغم وجود اتفاق ضمني على التدبير السلمي لهذه المفارقة، فقد يحدث أحيانا للأفراد أن يلجأوا إلى العنف للمطالبة بحرياتهم أو لإنقادها، مثلما تلجأ المؤسسة إلى نفس العنف دفاعا عن الأمن والنظام.