اشترط في الإيمان بكلمة التقوى «لا إله إلا الله» الاعتقاد الجازم بالقلب والنطق باللسان … لذا قال علماء التوحيد: إن الإيمان تصديق بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح. والإيمان يزيد وينقص … فزيادته بالإحسان والتزام سنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم وبالجملة التحلي بالفضائل.
أما نقصان الإيمان فهو التقصير فيما أمر الله ورسوله به وهو ما يقرب العبد إلى ربه كأن يكون فاحش القول كذوب اللسان حقودًا أو حسودًا … وهذا كل ما يوصف بأنه رذيلة … وكلمة التوحيد تفصيلها أربعون عقيدة ([1]).
1- عشر يعتقد وجوبها:
أن تعتقد أن الله واحد غير منقسم في ذاته، وأنه ليس معه ثانٍ في إلهيته، وأنه حي قيوم … لا تأخذه سنة ولا نوم، وأنه إله كل شيء وخالقه، وأنه على كل شيء قدير، وأنه عالم بما ظهر وما بطن … قال تعالى: }لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ{ [سبأ: 3].
وأنه مريد لكل كائن من خير أو شر ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه سميع بصير متكلم بغير حاجه ولا آلة بل سمعه وبصره وكلامه صفات له، لا تشبه صفاته الصفات، كما لا تشبه ذاته الذوات، قال تعالى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الشورى: 11].
2- العشر المستحيلات:
أن تعتقد أن الله تعالى يستحيل عليه الحدوث والعدم بل هو تعالى بصفاته وأسمائه أول باق … دائم الوجود، قال تعالى: }قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ{ [الرعد: 33].
ليس له أول ولا آخر بل هو }الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ{ [الحديد: 3].
وأنه مُستغن عن جميع خلقه، غير محتاج إلى ظهير في ملكه، وأنه لا يشغله شأن عن شأن في قضائه وأمره، وأنه لا يحويه مكان في سماواته ولا أرضه، وأنه لا شبيه له ولا مثيل … بل هو الأحد الصمد، قال تعالى: }لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ [الإخلاص: 3-4].
وأنه تعالى لا يليق به الظلم … بل قضاؤه كله حكمة وعدل. وأنه ليس شيء من أفعال خليقته بغير قضائه وخلقه وإرادته، قال تعالى: }وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ{ [الأنعام: 115].
قال تعالى: }لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ{ [الأنبياء: 23].
3- العشر المتحقق وجودها:
أن تعتقد أن الله تعالى أرسل لعباده أنبياءه ورسله وأنه أنزل عليهم آياته وكتبه، وأنه ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه أنزل عليه القرآن، قال تعالى: }هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ{ [البقرة: 185]، وأنه كلام من ربنا ليس بمخلوق ولا خالق، وأنه عليه الصلاة والسلام فيما أخبر به صادق، وأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، وأن الجنة حق والنار حق، وأنهما موجودتان لأهل الشقاء والسعادة معدتان، وأن الملائكة حق، منهم حفظة يكتبون أعمال العباد، ومنهم رسل الله إلى أنبيائه، قال تعالى: }لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{ [التحريم: 6].
4- العشر المتيقن ورودها:
أن تعتقد أن الدنيا فانية، قال تعالى: }كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ{ [الرحمن: 26]، وأن الخلق يفتنون في قبورهم وينعمون أو يعذبون، وأن الله تعالى يحشرهم إليه يوم القيامة كما بدأهم يعودون، وأن الحساب حق، وأن الحوض حق، وأن الأبرار في الجنة في نعيم، والكفار في النار في جحيم، وأن المؤمنين يرون الله عز وجل بأبصارهم في الآخرة، وأن الله تعالى يعذب بالنار من يشاء من أهل الكبائر من المؤمنين ويغفر لمن يشاء ويخرجهم من النار إلى الجنة بفضل رحمته، وشفاعة الأنبياء والصالحين من عباده حتى لا يبقى في جهنم إلا الكافرون، قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ{ [النساء: 48].
([1]) الإعلام بحدود قواعد الإسلام، أبي الفيض عياض بن موسى السبتي، ت: 544هـ.
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل، ويقول في الدنيا بقول الزاهدين ويعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطى منها لم يشبع وإن منع لم يقنع ويأمر بما لا يأتي. يحب الصالحين ولا يعمل بأعمالهم ويبغض المسيئين وهو منهم. يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره الموت بسببه. إن سقم ظل نادمًا وإن صح أمن لاهيًا. يعجب من نفسه إذا عُوفي ويقنط إذا ابتلي، تقلبه نفسه على ما يظن ولا يقلبها على ما يستيقن.
إياك والعجلة فإنها تُكَنَّى أم الندامة لأن صاحبها يقول قبل أن يعلم ويجيب قبل أن يفهم ويعزم قبل أن يفكر ويقطع قبل أن يقدر ويحمد قبل أن يجرب ويذم قبل أن يخبر، ولن تصحب هذه الصفة أحدًا إلا صحب الندامة وجانب السلامة.
يا بُني إياك وقرين السوء فإنما صلاح أخلاق المرء بمقارنة الكريم وفسادها بمحادثة اللئيم وإنما يعرف المرء بقرينه.
قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه* * فكل قرين بالمقارن يقتدي
قال رجل للرقاشي: ما يجب على المؤمن في حق الله؟ قال: التعظيم له والشكر له على نعمته.
قال: فما يجب عليه في حق السلطان؟ قال: الطاعة والنصيحة.
قال: فما يجب عليه في حق نفسه؟ قال: الاجتهاد في العبادة واجتناب الذنوب.
قال: فما يجب عليه في حق العامة؟ قال: كف الأذى وحسن المعاشرة.
قال: فما يجب عليه في حق الخليط؟ قال: الوفاء بالمودة وحُسن المعرفة.
أوصى علي بن أبي طالب ابنه الحسن رضي الله عنه تعالى عنهما قائلاً:
يا بني احفظ عني أربعًا:
أغنى الغنى العقل.
وأكبر الفقر الحمق.
وأوحش الوحشة العجب.
وأكرم الحسب حسن الخلق.
قال الربيع بن خيثم لأصحابه:
أتدرون ما الداء والدواء والشفاء؟
قالوا: لا
قال: الداء الذنوب، والدواء الاستغفار، والشفاء أن تتوب ثم لا تعود.
حبس ملك الفرس أحد الحكماء، وأمر ألا يزيد طعامه اليومي على قرصين من شعير وقليل من الملح.
فأقام الحكيم على هذه الحالة أيام دون أن يتكلم فأمر الملك أصحابه أن يدخلوا على الحكيم ويسألوه عن ذلك، فقالوا: أيها الحكيم نراك في ضيق وشدة دون أن يؤثرا على صحتك فما السبب؟ فقال: إنني علمت دواء من ستة أخلاط آخذ منه كل يوم شيئًا وهو الذي حفظ توازن صحتي على ما ترون ولله الحمد…
فقالوا: صفهُ لنا!
فقال: الخلط الأول الثقة بالله عز وجل، والثاني علمي أن كل مقدور كائن، والثالث أن الصبر خير ما يستعمله الممتحن، والرابع أن أصبر، والخامس قد يمكن أن أكون في شر مما أنا فيه، والسادس من ساعة إلى ساعة فرج، فبلغ ذلك الملك فعفا عنه.
أول ما خلق الله القلم، وأول جبل وضع في الأرض أبي قبيس، وأول مسجد وضع المسجد الحرام، وأول ولد آدم قابيل، وأول من خط وخاط إدريس، وأول من اختتن وضاف إبراهيم عليه السلام، وأول من أسلم من الرجال أبو بكر رضي الله عنه، وأول من أسلم من الصبيان علي رضي الله عنه، وأول من أسلم من الموالي زيد بن الحارثة رضي الله عنه، وأول من أسلم من النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وأول من أسلم من الأنصار جابر بن عبد الله بن رياب، وأول من أذن بلال رضي الله عنه، وأول من بنى مسجدًا في الإسلام عمار رضي الله عنه، وأول من سلَّ سيفًا في الإسلام الزبير، وأول من جمع القرآن أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
حجَّ هشام بن عبد الملك أيام خلافته فدخل الكعبة فوجد فيها سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فقال الخليفة: يا سالم سلني حاجة، فقال له سالم: إني لأستحي من الله أن أسأل في بيته غيره.
فلما خرج سالم من الكعبة خرج هشام في أثره، وقال له: الآن خرجت من بيت الله فسلني حاجة، فقال سالم: من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟
قال هشام: من حوائج الدنيا.
فقال سالم: إني ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟!
جزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا
قال لقمان لابنه: يا بني إن الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير، فاجعل سفينتك فيها الإيمان بالله، واجعل شراعها التوكل على الله، واجعل زادك فيها تقوى الله، فإن فنجوت فبرحمة الله وإن هلكت فبذنوبك.
ذم الدنيا رجل بحضرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال: اسكت فإن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار غناء لمن تزود منها، ودار عافية لمن فهم عنها، مسجد أبينا آدم ومهبط وحيه ومتجر أوليائه فاكتسبوا منها الرحمة وادخروا منها الجنة.
قيل: إذا أبغض الله عبدًا أعطاه ثلاثًا:
يحبب إليه الصالحين ويمنعه الاقتداء بهم.
ويحبب إليه الأعمال ويمنعه الإخلاص فيها.
ويجري الحكمة على لسانه ويمنعه العمل بها.