الكلمة الشهرية للعلامة الفقيه أبي عبد المعز محمد على فركوس حفظه الله
زكاة الفطر
مَسائِلُ وأحكامٌ
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
[الحكمة مِنْ مشروعية زكاة الفطر]
فالعبادة ـ في الإسلام بعمومها سواءٌ كانَتْ بدنيةً أو ماليةً ـ تُنظِّمُ علاقةَ الفرد بربِّه وتَصِلُها، وتُقوِّي الإيمانَ وتُزكِّي النفس، وتملأ القلبَ بمَعاني العبودية لله تعالى، وتُظْهِرُها بمظهرٍ كريمٍ وعلى نهجٍ قويمٍ؛ فالعبادةُ ـ في عُمْقِها التشريعيِّ ـ حقٌّ خالصٌ لله تعالى على عباده.
ومِنَ العبادات المالية: الزكاةُ التي تُعَدُّ ـ في مُجْمَلها ـ نظامًا تكافليًّا ربَّانيًّا لا نظيرَ له في التنظيمات الأخرى؛ فهي تُزكِّي أخلاقَ المُزَكِّي وتُطهِّرُه مِنْ داء البخل والشحِّ وعبادةِ المال، وتنقله مِنْ زمرة البُخَلاءِ إلى زمرة الكُرَماء؛ فهي إيثارٌ لله على مَحَبَّةِ المال: تشرح صَدْرَه، وتُكفِّرُ خطاياه وذنوبَه، وتُنمِّي مالَه، وتفتح له أبوابَ الرزق؛ فهي الوسيلةُ الناجعةُ في سَدِّ حاجة المحتاج وعلاجِ مُشْكِلةِ الفقر في المجتمع المسلم، وهي إسهامٌ ـ أيضًا ـ في تحقيقِ التعاون المطلوب ـ شرعًا ـ بإعانةِ ذوي الحاجات؛ فيعطف بها الغنيُّ على الفقير ويَسُدُّ حاجتَه ويُغْنِيهِ عن ذُلِّ المسألة؛ فيحترمُ الفقيرُ الغنيَّ ويُقدِّرُ عَمَلَه وطاعتَه، وتسود بينهما الأُخُوَّةُ الإيمانيةُ القائمةُ على أساسِ المَوَدَّةِ والرحمة، بعيدًا عن مَرَضِ الحسدِ والبخل والشحِّ والبغض والكراهية وسوءِ الظنِّ، وشعورِ الفقير بالتهميش والانعزال، ونحوِ ذلك مِنَ الأمراض الفتَّاكة.
وزكاةُ الفطر ـ في حَدِّ ذاتها ـ لا تخرج عن المَعاني والحِكَمِ السابقة؛ فهي زكاةُ بَدَنٍ تحمل مَعْنَى مُواساةِ الأغنياء للفُقَراء والمساكينِ في يوم العيد، تُعلِّمُ الصائمَ أَنَّ عليه حقًّا مفروضًا يكفُّ فيه الفقيرَ عن المسألة بإغنائه بهذه الصدقةِ الواجبة بالفطر مِنْ رمضان؛ فتُدْخِلُ السرورَ عليه في يومٍ يُسَرُّ المسلمون بقدوم العيد عليهم(١)، كما تُطهِّرُ الصائمَ مِنْ ذَنْبِه الذي لَحِقَهُ خلال صومِه بسبب اللَّغْوِ والرَّفَثِ والفحش؛ فيُعوِّضُ ما فاتَ مِنْ أَجْرِه، ويُكمِّلُ ما نَقَصَ مِنْ عَمَلِه، وفوق هذا وذاك فهي دليلٌ على صِدْقِ إيمانِ المُزكِّي بامتثاله لأمرِ اللهِ وأَمْرِ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم في صيامِ شهرِ رمضان وقيامِ لَيَالِيه؛ طاعةً لله تعالى وشكرًا على نعمةِ التوفيقِ لها خاصَّةً، ولسائر النِّعَمِ الأخرى في شهر رمضان وغيرِه.
فزكاةُ الفطر ـ إذَنْ ـ هي: حِصَّةٌ ماليَّةٌ مفروضةٌ مُقدَّرةٌ شرعًا، يُخْرِجُها المسلمُ قبل صلاة عيد الفطر، يختم بها عَمَلَ رمضان؛ لتكون له طُهْرةً ممَّا قد لَحِقَهُ مِنَ الذنوب أثناءَ صيامه، وطُعْمةً للمساكين بإغنائهم بها عن المسألة يوم العيد، ويتجلَّى هذا المعنى ـ بوضوحٍ ـ في قولِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»(٢).
وبعد بيانِ الحكمةِ مِنْ مشروعية زكاة الفطر أَتناوَلُ بعضَ المَسائلِ المُخْتلَفِ فيها والمُفرَّعةِ عنها؛ لبيانِ الراجح مِنها ضِمْنَ مَسائِلَ وأحكامٍ على الوجه التالي:
المسألة الأولى: حكمُ زكاة الفطر وشرطُ وجوبها:
زكاة الفطر ـ مِنْ حيث حكمُها التكليفيُّ ـ فرضُ عينٍ على كُلِّ مَنْ تَوفَّرَتْ فيه شروطُ وجوبِها وهي:
• شرطُ الإسلام: فلا تجب زكاةُ الفطر على الكافر حُرًّا كان أو عبدًا عند الجمهور، خلافًا للشافعية(٣)؛ لأنَّ زكاة الفطر قُرْبةٌ مِنَ القُرَبِ وطُهْرةٌ للصائم مِنَ اللغو والرفث، والكافرُ ليس مِنْ أهل القُرَبِ فلا تُقْبَلُ منه؛ لذلك قيَّدَها حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما اللاحقُ: «مِنَ المسلمين»(٤).
• شرط القدرة لمَنْ يجب عليه إخراجُ زكاة الفطر: لأنَّ غيرَ القادرِ مرفوعٌ عنه الحَرَجُ لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقولِه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖ﴾ [الحج: ٧٨].
• أضافَ الجمهورُ شَرْطَ الحُرِّيَّةِ في وجوبِ زكاة الفطر؛ فلا تجب ـ عندهم ـ إلَّا على مَنْ كان حُرًّا مسلمًا؛ لأنَّ غيرَ الحُرِّ لا يَمْلِك ولا يُملَّكُ، وخالَفَ في ذلك الحنابلةُ فتجب زكاةُ الفطر ـ عندهم ـ على الرقيق سواءٌ كان صغيرًا أو كبيرًا كما تجب على الحُرِّ وهو الراجحُ، يشهد له عمومُ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، عَلَى الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، وَالحُرِّ وَالمَمْلُوكِ»، وفي لفظِ مسلمٍ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ، صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ»(٥)، ولأنَّ زكاة الفطر زكاةٌ على الأبدان؛ فوَجَبَ على السيِّدِ أَنْ يُخْرِجَها عن عبده؛ لأنه صاحِبُ ولايةٍ عليه؛ فأَشْبَهَ ابنَه الصغيرَ(٦).
ولا يُشْتَرَطُ مِلْكُ النِّصابِ في وجوب أداءِ زكاة الفطر، غيرَ أنه يُشْتَرَطُ له الغنى، وحَدُّه عند الجمهور: أَنْ يملك فَضْلَ قوتِه وقوتِ مَنْ في نفقته ليلةَ العيد ويومَه، وهو مَذْهَبُ المالكيةِ والشافعية والحنابلة على تفصيلٍ(٧)، وعُمْدَتُهم في ذلك قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ سَأَلَ ـ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ ـ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ» قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يُغْنِيهِ؟» قَالَ: «مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ»، وفي لفظِ أبي داود: «أَنْ يَكُونَ لَهُ شِبَعُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ»(٨).
وخالَفَ الأحنافُ في حَدِّ الغنى، واعتبروه في مِلْكِ النِّصاب؛ فلا تجب زكاةُ الفطر ـ عندهم ـ إلَّا على مَنْ يملك نِصابًا مِنْ أيِّ مالٍ كان، فاضلًا عن الحوائج الأصلية، مُسْتدِلِّينَ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى»(٩)، والفقيرُ ليس بغنيٍّ، بل الصدقةُ تَحِلُّ له؛ فاستوى مع مَنْ لا يَقْدِرُ عليها ـ أصلًا ـ فلا تجب عليه(١٠).
ومذهبُ الجمهورِ أقوى؛ لأنَّ زكاة الفطرِ زكاةُ أبدانٍ لا تزيد بزيادةِ المال حتَّى يُعْتَبَرَ فيها وجوبُ النِّصاب؛ فهي أَشْبَهُ بالكفَّارات لا بزكاة الأموال؛ لذلك لم يُقيِّدْها الشارعُ بغِنًى أو فَقْرٍ كما قيَّد زكاةَ الأموال في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»(١١)؛ فوَرَدَ فرضُ زكاةِ الفطر مُطْلقًا عن تقييدٍ؛ فشَمِلَ الصغيرَ والكبير، والذَّكَرَ والأنثى، والحُرَّ والعبد.
أمَّا حديثُ: «لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» فجوابُه مِنْ وجوهٍ:
الأوَّل: أنَّ النفي في لفظِ الحديث يدلُّ على الكمال لا الصحَّة، أي: لا صدقةَ كاملةٌ إلَّا عن ظَهْرِ غِنًى، ويدلُّ عليه حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»(١٢)، وهذا لا يَلْزَمُ منه أَنْ لا تكون الصدقةُ مِنَ الفقير، غايةُ ما يدلُّ عليه هو تفضيلُ الغنى مع القيامِ بحقوقه على الفقر، وقد بيَّن ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ هذا المعنى بقوله: «والمختارُ أنَّ معنى الحديث: أَفْضَلُ الصدقةِ ما وَقَعَ بعد القيام بحقوقِ النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدِّقُ محتاجًا بعد صدقتِه إلى أحَدٍ؛ فمَعْنَى الغِنَى في هذا الحديثِ: حصولُ ما تُدْفَعُ به الحاجةُ الضروريةُ كالأكل عند الجوع المُشوِّشِ الذي لا صَبْرَ عليه، وسَتْرِ العورةِ، والحاجةِ إلى ما يَدْفَعُ به عن نَفْسِه الأذى»(١٣).
الثاني: أنه مُعارِضٌ لحديث الجمهور، ودليلُهم أَخَصُّ في بيانِ حَدِّ الغنى في زكاة الفطر.
الثالث: أنَّ قياسَ مَنْ يملك قوتَ يومِه وليلتِه على العاجز مُطْلَقًا في عدم وجوب زكاة الفطر عليه قياسٌ مع ظهور الفارق.
هذا، وقد ثَبَتَتْ فَرْضيةُ زكاة الفطر بحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ»(١٤)، وحديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما ـ أيضًا ـ قال: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ»، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ»(١٥)، وادَّعى ابنُ المنذر ـ رحمه الله ـ إجماعَ أهلِ العلم على فَرْضيتها(١٦)، وخالَفَ الأحنافُ في تسميتها فرضًا؛ لأنَّ الفرض ـ عندهم ـ لا يَثْبُتُ إلا بدليلٍ قطعيٍّ، وليس أمرُ زكاةِ الفطر كذلك؛ لذلك قالوا بوجوبها، وحَمَلُوا الفرضَ في الحديثِ على التقدير(١٧).
وقد رجَّحَ ابنُ قُدامةَ ـ رحمه الله ـ تسميتَها بالفرض بقوله: «وقال بعضُ أصحابنا: وهل تُسمَّى فرضًا مع القول بوجوبها؟ على روايتين، والصحيحُ أنها فرضٌ؛ لقولِ ابنِ عمر: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ»، ولإجماعِ العُلَماءِ على أنها فرضٌ، ولأنَّ الفرض إِنْ كان الواجبَ فهي واجبةٌ، وإِنْ كان الواجبَ المُتأكِّدَ فهي مُتأكِّدةٌ مُجْمَعٌ عليها»(١٨).
المسألة الثانية: المعنيُّون بزكاة الفطر وترتيبُهم:
زكاةُ الفطر تجب على المسلم المالكِ لمِقْدارِ الزكاة الذي يزيد عن قوتِه وقوتِ عِيالِه يومًا وليلةً؛ فهذا حَدُّ الغنى في زكاة الفطر ـ عند الجمهور ـ دون اعتبارٍ في وجوبها نِصابَ الزكاةِ ـ كما تقدَّم ـ.
وزكاةُ الفطر تجب عن المسلم في ذاته وعن كُلِّ مَنْ تجب عليه نفقتُه شرعًا مِنَ المسلمين(١٩) لقرابةٍ أو زوجيةٍ أو مِلْكٍ(٢٠). ويدلُّ على ذلك حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ»(٢١)، وحديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَيْسَ فِي الْعَبْدِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ»(٢٢)، ومفهومُ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما يدلُّ على أنَّ زكاة الفطر لا يجب إخراجُها عن الأصول والفروع إِنْ كانوا أَغْنِيَاءَ، ولا عن زوجةٍ لم يدخل بها؛ لأنه لا تَلْزَمُه نَفَقَتُها، وإنما تجب الفطرةُ عن زوجته أو مُطلَّقتِه طلاقًا غيرَ بائنٍ.
فالحاصل: أنَّ كُلَّ مَنْ لا تجب عليه نَفَقَتُه لا تَلْزَمُه زكاتُه إلَّا ما استثناهُ الدليلُ؛ فمِنْ ذلك: لا تَلْزَمُه زكاةُ البائنِ إلَّا إذا كانَتْ حاملًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِن كُنَّ أُوْلَٰتِ حَمۡلٖ فَأَنفِقُواْ عَلَيۡهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦]، وإِنْ كانَتْ ناشزةً فلا تجب عليه فطرتُها بلا خلافٍ(٢٣)، كما اتَّفقَ العُلَماءُ على أنه لا يُخْرِجُ عن زوجته الكافرةِ مع أنَّ نفقتها تَلْزَمُه(٢٤)، وإنما خرجَتْ هذه الصُّوَرُ عن القاعدة لوجودِ دليلِ النصِّ أو الإجماع.
أمَّا عن ترتيبِ المعنيِّينَ بزكاة الفطر مِنْ جهةِ الأولوية إذا لم يكن عنده ما يكفي الجميعَ فإنه يبدأ بنَفْسِه ـ أوَّلًا ـ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ»(٢٥)، ثمَّ بمَنْ يَعُولُ ـ ثانيًا ـ لقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»(٢٦)، ثمَّ اختلفوا في أولويةِ مَنْ يعول في الترتيب، فرجَّح ابنُ قُدامةَ ـ رحمه الله ـ زوجتَه فرَقيقَه ثمَّ أُمَّه ثمَّ أباهُ، ثمَّ الأَقْرَبَ فالأَقْرَبَ على ترتيبهم في الميراث، واستدلَّ على ترتيبه بما نصُّه: «لأنَّ الفطرة تنبني على النفقة، فكما يبدأ بنَفْسِه في النفقة فكذلك في الفطرة، فإِنْ فَضَلَ آخَرُ أَخْرَجَهُ عن امرأته؛ لأنَّ نَفَقَتَها آكَدُ؛ فإنَّ نَفَقَتَها تجب على سبيلِ المُعاوَضةِ مع اليسار والإعسار، ونفقة الأقارِبِ صِلَةٌ تجب مع اليسار دون الإعسار، فإِنْ فَضَلَ آخَرُ أخرجه عن رقيقه؛ لوجوبِ نفقتهم في الإعسار.. وتُقدَّمُ فطرةُ الأمِّ على فطرة الأب لأنها مُقدَّمةٌ في البرِّ؛ بدليلِ قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للأعرابيِّ لمَّا سأله: «مَنْ أَبَرُّ؟» قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثمَّ مَنْ؟» قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثُمَّ مَنْ»، قال: «أُمَّكَ»، قال: «ثمَّ مَنْ؟» قال: «ثُمَّ أَبَاكَ»(٢٧)، ولأنها ضعيفةٌ عن الكسب، ويحتمل تقديم فطرة الأب لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»(٢٨)، ثمَّ بالجدِّ، ثمَّ الأقرب فالأقرب، على ترتيبِ العَصَبات في الميراث»(٢٩) [بتصرُّف].
المسألة الثالثة: في وقت زكاة الفطر:
أُضيفَتِ الزكاةُ إلى الفطر وسُمِّيَتْ به؛ لأنَّ الفطر هو سببُ وجوبها مِنْ بابِ إضافةِ الشيءِ إلى سببه، مع اختلافِ أهل العلم في سبب الوجوب: أهو الفطرُ المعتادُ أَمِ الفطرُ الطارئُ؟ ـ كما سيأتي بيانُه ـ، كما أنه يُرادُ بالزكاة الصدقةُ عن البدن والنَّفْسِ لا الصدقةُ عن المال.
وقد اخْتَلَفَ العُلَماءُ في بدايةِ وقتِ وجوب زكاة الفطر، وفي وقتِ أدائها، وفي التعجيل بها قبل وجود سببها، وهذه المَسائلُ الثلاثُ نَتناوَلُها في الفروع التالية:
الفرع الأوَّل: في بدايةِ وقتِ وجوب زكاة الفطر:
اختلفَتْ أنظارُ العُلَماءِ في بداية وقت وجوب زكاة الفطر على مذهبين مشهورين:
• أنَّ بداية وقت الوجوب هو طلوعُ فجر يوم العيد، وبه قال الحنفيةُ والمالكيةُ في قولٍ ورواية عن الشافعيِّ في القديم.
• أنَّ بداية وقت الوجوب هو غروبُ شمسِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان، وبه قال الجمهورُ مِنَ الحنابلة والمالكية على القول الآخَر، وهو المشهورُ عند الشافعية(٣٠).
وسببُ الخلاف: يرجع إلى سبب الوجوب وهو الفطرُ؛ فمَنْ جَعَلَه الفِطْرَ المعتادَ في سائِرِ الشهرِ فيكونُ الوجوبُ بغروب الشمس وهو وقت الفطر مِنْ رمضان، ومَنْ جَعَلَه الفِطْرَ الطارئَ بعده قال بأنَّ طلوعَ فجرِ يوم العيد هو سببُ الوجوب، أو بعبارةٍ أخرى: هل زكاةُ الفطرِ عبادةٌ مُتعلِّقةٌ بيوم العيد أو بخروجِ شهر رمضان؟(٣١)
والظاهر أنَّ المذهبَ الأوَّلَ وهو الاعتدادُ بطلوع الفجر قويٌّ مُتَّجِهٌ، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «ويُقوِّيهِ قولُه في حديث الباب [حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما]: «وأَمَرَ بها أَنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناسِ إلى الصلاة»(٣٢)»(٣٣)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ»(٣٤)؛ فأضافَ الفطرَ على الإطلاق إلى اليوم، أي: الفطر بالنهار يومَ تُفْطِرون، ولأنَّ الزكاة أُضيفَتْ إلى الفطر إضافةَ وجوبٍ، والإضافةُ دليلُ الاختصاص، والسببُ أَخَصُّ بحُكْمِه مِنْ غيره، ولأنَّ الليلَ ليس مَحَلًّا للصوم، وإنما يَتبيَّنُ الفطرُ الحقيقيُّ بالأكل بعد طلوعِ فجرِ يوم الفطر.
وفائدةُ الخلافِ في هذه المسألة: تظهر فيمَنْ ماتَ أو وُلِدَ أو أَسْلَمَ بعد غروبِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان:
• فعلى مذهب الحنفية والمالكية على قولٍ، ورواية عن الشافعيِّ: أنَّ مَنْ ماتَ بعد غروب الشمس لا تجب عليه الزكاةُ؛ لأنه وقتَ وجوبها لم يكن موجودًا، أمَّا مَنْ وُلِدَ بعد غروب الشمس أو أَسْلَمَ أو بَنَى على زوجته أو أَيْسَرَ ماليًّا أو مَلَكَ عبدًا فتجب عليه الزكاةُ لأنه كان مِنْ أهلها وقتَ وجوبها.
• أمَّا مَنْ مات بعد غروبِ شمسِ آخِرِ يومٍ مِنْ رمضان ـ عند الجمهور ـ فتجب ـ في حقِّه ـ زكاةُ الفطر؛ لأنَّ وقتَ وجوبها في بداية الغروب، أمَّا مَنْ وُلِدَ بعد الغروب فلا تَلْزَمُه زكاةٌ لأنه كان جنينًا(٣٥) وقتَ وجوبها، وكذلك مَنْ أَسْلَمَ بعد الغروب أو بَنَى على زوجته أو مَلَكَ عبدًا أو أَيْسَرَ ماليًّا فلا تَلْزَمُه زكاةٌ؛ لأنه لم يكن مِنْ أهلها وقتَ وجوبها(٣٦).
الفرع الثاني: في وقت وجوب أداء زكاة الفطر:
يذهب الجمهورُ مِنَ المالكية والشافعية والحنابلة وبعضِ الحنفية إلى أنَّ وقتَ وجوبِ أداءِ زكاة الفطر مُتعيِّنٌ بيوم العيد كالأضحية؛ فيَحْرُمُ تأخيرُها عن ذلك اليومِ بدونِ عذرٍ، فإِنْ أخَّرَها وَجَبَ إخراجُه لها قضاءً لا أداءً، والمُسْتحَبُّ فيها أَنْ تُؤدَّى قبل خروجِ الناسِ إلى المصلَّى(٣٧).
وخالَفَ الحنفيةُ في ذلك فرأَوْا أنَّ وقتَ وجوبِ أدائها وقتٌ مُطْلَقٌ عن تعيينٍ؛ فيجوز له أَنْ يُؤدِّيَها في يوم العيد أو في يومٍ غيرِه، ولا يَترتَّبُ عليه إثمٌ في تأخيرِها عن يوم العيد، والمُسْتحَبُّ في إخراجِ زكاةِ الفطر ـ عندهم ـ هو أداؤُها يومَ العيد(٣٨).
هذا، وذَهَبَ أهلُ التحقيق مِنْ أهل العلم إلى وجوبِ إخراجِ زكاة الفطر قبل صلاة العيد، ويَحْرُمُ تأخيرُها إلى ما بعد وقتها بدونِ عذرٍ شرعيٍّ، فإِنْ أخَّرَها بعد الصلاةِ فلا تكون زكاةً وإنما هي صدقةٌ مِنَ الصدقات، وهذا القولُ الأخيرُ هو الراجح، ويدلُّ عليه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ»(٣٩)، وحديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ»(٤٠). وانطلاقًا مِنْ دلالة هذين الحديثين بيَّن ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ هَدْيَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إخراجِ هذه الصدقةِ بقوله: «ومقتضى هذين الحديثَيْن أنه لا يجوز تأخيرُها عن صلاة العيد، وأنها تَفُوتُ بالفراغ مِنَ الصلاة، وهذا هو الصوابُ؛ فإنه لا مُعارِضَ لهذين الحديثين ولا ناسِخَ، ولا إجماعَ يدفع القولَ بهما، وكان شيخُنا [أي: ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ] يُقوِّي ذلك وينصره. ونظيرُه ترتيبُ الأضحيةِ على صلاة الإمامِ لا على وقتِها، وأنَّ مَنْ ذَبَحَ قبل صلاة الإمام لم تكن ذبيحتُه أضحيةً بل شاةَ لحمٍ، وهذا ـ أيضًا ـ هو الصوابُ في المسألة الأخرى، وهذا هَدْيُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الموضعين»(٤١)، ولأنَّ أداءها في ذلك الوقتِ أَوْلى في تحقيقِ الحكمة مِنْ مشروعيةِ زكاةِ الفطر مِنَ: الرفق بالفقير وإغنائه عن السؤال في يوم العيد وإدخالِ السرور عليه في يومٍ يُسَرُّ المسلمون بقدوم العيد عليهم.
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنَّ زكاة الفطر لا تسقط بفواتِ وقتِها على الصحيح(٤٢)؛ لأنها حقُّ العبدِ تَعَلَّقَ بذِمَّةِ مَنْ وجبَتْ عليه لمُسْتَحِقِّه؛ فهي دَيْنٌ لهم لا يسقط إلَّا بالوفاء به، أمَّا حَقُّ اللهِ في تحريمِ التأخير عن وقتِ أدائها فلا يُكفِّرُه إلَّا الندمُ والاستغفارُ والعملُ الصالح.
الفرع الثالث: في حكم تعجيل زكاة الفطر قبل وقت وجوبها:
يرى الأحنافُ ـ في المشهور ـ جوازَ تعجيلِ زكاة الفطر قبل وجودِ سببها وهو الفطرُ مِنْ رمضان السَّنَةَ والسنتين؛ لأنها زكاةٌ فأَشْبَهَتْ زكاةَ المالِ التي وَرَدَ فيها حديثُ أبي داود وغيرِه عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ؛ فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ»، قَالَ مَرَّةً: «فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ»(٤٣)، وفي روايةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ»(٤٤)، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم لعمر رضي الله عنه: «إِنَّا كُنَّا قَدْ تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ لِعَامِنَا هَذَا عَامَ أَوَّلَ»(٤٥).
وذهَبَتِ الشافعيةُ إلى جوازِ إخراجها مِنْ أوَّلِ شهرِ رمضان، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ مُعلِّلًا هذا الرأيَ بما نصُّه: «لأنها تجب بسببين: بصوم رمضان والفطرِ منه، فإذا وُجِدَ أحَدُهما جازَ تقديمُها على الآخَرِ كزكاة المال بعد مِلْكِ النِّصاب وقبل الحول، ولا يجوز تقديمُها على رمضان لأنه تقديمٌ على السببين؛ فهو كإخراجِ زكاةِ المال قبل الحول والنِّصاب»(٤٦).
وذهبَتِ المالكيةُ والحنابلةُ إلى جوازِ تقديمِها على سببِ وجوبها بيومٍ أو يومين، وفي المسألةِ أقوالٌ أخرى(٤٧).
والصحيحُ جوازُ تقديمِها للمُوكَّلِ بتوزيعها قبل الفطر بيومٍ أو يومين، ويدلُّ عليه حديثُ نافعٍ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللهِ كَانَ يُؤَدِّيهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»(٤٨)، وحديثِ نافعٍ عن ابنِ عمر رضي الله عنهما: «فَرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الفِطْرِ ـ أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ ـ .. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ»(٤٩)، وليس المرادُ مِنْ قوله: «الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا» الفُقَراءَ، وإنما هُمُ الجُبَاةُ الذين يُنصِّبُهم الإمامُ لجَمْعِ صدقةِ الفطر، بدليلِ ما رواهُ مالكٌ عن نافعٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ»(٥٠)، قال في «إرواء الغليل»: «ويُؤيِّدُ ذلك ما وَقَعَ في روايةِ ابنِ خُزَيْمةَ مِنْ طريق عبد الوارث عن أيُّوب: قلت: «متى كان ابنُ عمر يُعطي؟» قال: «إذا قَعَدَ العاملُ»، قلت: «متى يقعد العاملُ؟» قال: «قبل الفطر بيومٍ أو يومين»(٥١)»(٥٢).
المسألة الرابعة: في مقدار المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر وحُكْمِ إخراجه بالقيمة:
أَتناوَلُ ـ في هذه المسألة ـ مقدارَ المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر ونوعَه في الفرع الأوَّل، وأُخصِّصُ الفرعَ الثانيَ لمسألةِ إخراجِ زكاة الفطر بالقيمة.
الفرع الأوَّل: في مقدار المُخْرَجِ مِنْ زكاة الفطر ونوعِه:
المقدار الواجب في زكاة الفطر ـ عند الحنفية ـ هو نصفُ صاعٍ مِنْ بُرٍّ أو صاعٌ(٥٣) مِنْ شعيرٍ أو صاعٌ مِنْ تمرٍ، واستدلُّوا على هذا المقدارِ في هذه الأنواع الثلاثة وهي: الحنطةُ والشعيرُ والتمرُ بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ اثْنَيْنِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى»(٥٤)، وبقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ: صَاعِ تَمْرٍ أَوْ صَاعِ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ» ـ زَادَ عَلِيٌّ فِي حَدِيثِهِ: «أَوْ صَاعِ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ»، ثُمَّ اتَّفَقَا: «عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ»(٥٥).
وتُعَدُّ هذه الأنواعُ الثلاثةُ ـ عندهم ـ أصولًا لغيرها مِنَ الأجناس الأخرى، والاعتبارُ فيها بالقيمة لكونها منصوصًا عليها، أي: أنَّ هذه الأنواعَ الثلاثةَ تُقوَّمُ، ثمَّ بقيمةِ المُقوَّمِ منها يُشْتَرَى الجنسُ المُرادُ إخراجُه.
أمَّا المقدارُ الواجبُ في زكاة الفطر ـ عند الجمهور مِنَ المالكية والشافعية والحنابلة ـ فهو صاعٌ عن كُلِّ فردٍ مِنْ جميعِ الأجناس المُخْرَجِ منها ممَّا يُعَدُّ قوتًا؛ عملًا بحديثِ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه أنه قال: «كُنَّا نُخْرِجُ ـ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ(٥٦)، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: «إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»(٥٧)؛ فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ»(٥٨).
لذلك كان نوعُ المُخْرَجِ أو جنسُه الواجبُ عند المالكية والشافعية هو ما كان غالِبَ قوتِ البلد، أو قوت المُكلَّفِ إذا لم يَقْدِرْ على قوتِ البلد، بينما الحنابلةُ خَلَصُوا إلى القول بأنَّ الواجب يَتعيَّنُ عليه في أَحَدِ الأصناف الواردةِ في حديثِ أبي سعيدٍ المُتقدِّم، وهي: الحنطةُ والشعيرُ والتمرُ والأَقِطُ والزبيب.
وسببُ اختلافهم ـ إذَنْ ـ هو اختلافهم في مفهومِ حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه المُتقدِّم: فمَنْ فَهِمَ منه التخييرَ بين الأصناف المذكورة في الحديث قال: أيَّ صنفٍ أَخْرَجَ أَجْزَأَ عنه، ولا يَعْدِلُ عن هذه الأصنافِ إلَّا في حالةِ انعدامها فإنه ـ والحالُ هذه ـ يجزيه كُلُّ مُقْتاتٍ مِنَ الحبوب والثمار.
ومَنْ فَهِمَ مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنَّ اختلافَ المُخْرَجِ ليس سببُه الإباحةَ والتخيير، وإنما سببُه اعتبارُ قوتِ المُخْرِجِ أو قوتِ غالِبِ البلد قال بهذا الاعتبار(٥٩).
الفرع الثاني: في إخراج زكاة الفطر بالقيمة:
أمَّا إخراجُ زكاةِ الفطر بالقيمة فقَدْ مَنَعَ مِنْ ذلك الجمهورُ [المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ]، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ولم يُجِزْ عامَّةُ الفُقَهاءِ إخراجَ القيمةِ وأجازَهُ أبو حنيفة»(٦٠).
ويُفضِّلُ الحنفيةُ إخراجَ القيمةِ مِنَ النقود في زكاة الفطر على إخراجِ العين(٦١)، وعلَّلوا ذلك بأنَّ المقصود مِنْ أداءِ زكاة الفطر إغناءُ الفقيرِ الذي يَتحقَّقُ غِناهُ بالعين أو بالقيمة، وأنَّ سَدَّ الخَلَّةِ(٦٢) بأداءِ القيمة أَنْفَعُ للفقير وأَيْسَرُ له لدَفْعِ حاجته.
أمَّا مذهبُ الجمهور فقَدْ علَّلوا مَنْعَ إخراجِ القيمة في زكاة الفطر بورودِ النصِّ في الطعام دون التعرُّض للقيمة، فلو جازَتْ لَبيَّنَها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، مع أنَّ التعامل بالنقود كان قائمًا والحاجة تدعو إليها، والمعلومُ ـ تقعيدًا ـ أنَّ «تَأْخِيرَ البَيَانِ عَنْ وَقْتِ الحَاجَةِ لَا يَجُوزُ»، فضلًا عن أنَّ القيمةَ في حقوقِ الناسِ يَلْزَمُها التراضي، والزكاةُ ليس لها مالكٌ مُعيَّنٌ حتَّى يتمَّ التراضي معه أو إبراؤُه.
وسببُ الخلافِ في مسألةِ إخراجِ القيمة بدلًا مِنَ العين يرجع إلى المسألتين التاليتين:
• الأولى: هل الأصلُ في الأحكام والمعاني الشرعيةِ التعبُّدُ أو التعليل؟
• الثانية: هل زكاةُ الفطر تجري مجرى صدقةِ الأموال أم تجري مجرى صدقة الأبدان كالكفَّارات؟
وعليه، فمَنْ لاحَظَ التعليلَ والغرضَ الذي مِنْ أَجْلِه شُرِعَ حكمُ زكاة الفطر، وأجراها مجرى صدقة الأموال؛ قال بجوازِ إخراجِ القيمةِ لأنها تُحَقِّقُ قَصْدَ الشارعِ في شَرْعِه الحكمَ.
ومَنْ لاحَظَ التعبُّدَ والْتزامَ ظاهِرِ النصِّ وأَجْرَاها مجرى صدقةِ الأبدانِ كالكفَّارات والنذور والأضحية؛ قال: لا يجوز إخراجُ القيمةِ ويتعيَّنُ إخراجُ ما وَرَدَ به النصُّ مع مُراعاةِ مفهومه(٦٣).
والظاهرُ أنَّ الشرع إذا نصَّ على الواجبِ وعيَّنَ نوعَه وَجَبَ الْتزامُ ظاهِرِ النصِّ؛ احتياطًا للدِّينِ وعملًا بأنَّ الأصل في حكمِ زكاةِ الفطرِ التعبُّدُ، وأنها تجري مجرى صدقةِ البَدَنِ لا المال؛ لذلك لا يجوز العدولُ عن ظاهِرِ النصِّ إلى القيمة، كما لا يجوز ذلك في الأضحية والكفَّارات والنذور ونحوِها، وهذا هو مذهبُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمد رحمهم الله. قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ مُقرِّرًا هذا المعنى بقوله: «إنَّ صدقة الفطرِ تجري مجرى كفَّارةِ اليمين والظِّهارِ والقتل والجماع في رمضان ومجرى كفَّارة الحجِّ؛ فإنَّ سببها هو البَدَنُ، ليس هو المالَ، كما في السنن عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم «أنه فَرَضَ صدقةَ الفطر طُهْرةً للصائم مِنَ اللغو والرفث وطُعْمةً للمساكين. مَنْ أداها قبل الصلاة فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومَنْ أدَّاها بعد الصلاة فهي صدقةٌ مِنَ الصدقات»(٦٤)، وفي حديثٍ آخَرَ أنه قال: «أَغْنُوهُمْ في هذا اليومِ عن المسألة»(٦٥)؛ ولهذا أَوْجَبَها اللهُ طعامًا كما أَوْجَبَ الكفَّارةَ طعامًا، وعلى هذا القولِ فلا يُجْزِئُ إطعامُها إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ وهُمُ الآخذون لحاجةِ أَنْفُسِهم؛ فلا يعطي منها في المُؤلَّفةِ ولا الرِّقاب ولا غيرِ ذلك، وهذا القولُ أَقْوَى في الدليل»(٦٦).
هذا، وإِنْ كان الأصلُ الواجبُ إخراجَ زكاة الفطر عينًا على الوجه الذي نصَّ عليه الشرعُ إلَّا أنه يجوز ـ استثناءً مِنَ الأصل المُقرَّرِ ـ العدولُ عن ظاهِرِ النصِّ إلى القيمة في حالةِ حصولِ حاجةٍ ضروريةٍ أو مصلحةٍ راجحةٍ أو وضعيةٍ مُلِحَّةٍ؛ فيُجْزِئُ إخراجُ القيمة حالَتَئذٍ.
المسألة الخامسة: في مَصْرِف زكاة الفطر:
اختلف الفُقَهاءُ في مَصْرِف زكاة الفطر على قولين:
أحَدُهما: أنَّ مَصْرِفَ زكاةِ الفطر هو مَصْرِفُ زكاةِ المال الثمانية؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [التوبة: ٦٠]، وهذا هو مذهبُ جمهورِ العُلَماء مِنَ الحنفية والشافعية، والمشهورُ عن الحنابلة.
والثاني: أنَّ زكاةَ الفطرِ خاصَّةٌ بالفُقَراءِ والمساكينِ ولا تُصْرَفُ إلَّا إليهم، وهو مذهبُ المالكيةِ والحنابلةِ على قولٍ(٦٧)، واختارَهُ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ، وهو الراجحُ لمُناسَبتِه لمشروعيةِ زكاةِ الفطر، واختصاصِها بالفُقَراءِ والمساكينِ على وجه الحصر في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وفيه: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»(٦٨)، ولأنَّ آية التوبةِ المذكورةَ عامَّةٌ في جميعِ مَصارِفِ زكاة المال لا صدقةِ الفطر على ما جرَتْ به السنَّةُ العملية، أمَّا زكاةُ الفطر فهي مُتعلِّقةٌ بالأبدان فأَشْبَهَتِ الكفَّارةَ؛ فلا يُجْزِئُ إخراجُها إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «ولا يجوز دَفْعُ زكاةِ الفطر إلَّا لمَنْ يَسْتحِقُّ الكفَّارةَ، وهو مَنْ يأخذ لحاجته، لا في الرِّقابِ والمُؤلَّفةِ قلوبُهم وغيرِ ذلك»(٦٩).
هذا، ويجدر التنبيهُ إلى أنه لا يجوز دَفْعُ زكاةِ الفطر إلى الحربيِّ المستأمن بالإجماع(٧٠)، كما لا يجوز إعطاؤها لغير المسلمين(٧١) عند عامَّةِ الفُقَهاء، خلافًا لأبي حنيفة الذي أجازَ دَفْعَها إلى أهل الذمَّة.
وسببُ اختلافهم في سببِ جوازِها: أهو الفقرُ أم الفقرُ والإسلامُ معًا؟(٧٢) والجمهورُ على أنَّ سببَ جوازِها هو الفقرُ والإسلامُ معًا؛ لأنَّ سِياقَ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما المتقدِّمِ في قوله: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ»(٧٣) يُفيدُ بظاهِرِه أنَّ المُرادَ: مَساكينُ المسلمين لا غيرِهم، وهو المُتبادِرُ إلى الذهن، وصَرْفُه إلى غيرِه يحتاج إلى دليلٍ، ولأنَّ الأصل المُقرَّرَ في زكاة الأموال والمنصوصَ عليه في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم لمُعاذٍ رضي الله عنه عندما بَعَثَهُ إلى اليمن: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ .. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ»(٧٤).
أمَّا غيرُ المسلم فتجوز فيه الصدقةُ العامَّةُ غيرُ الواجبة كما نُقِلَ عن الحسن البصريِّ أنه قال: «لَيْسَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْوَاجِبِ حَقٌّ، وَلَكِنْ إِنْ شَاءَ الرَّجُلُ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ»(٧٥)، وعلى هذا تُحْمَلُ الآيةُ التي استدلَّ بها الأحنافُ على الجواز في قوله تعالى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ٨﴾ [الممتحنة].
والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٣ شعبان ١٤٣٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٠ جــوان ٢٠١٥م
(١) انظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٥٦).
(٢) أخرجه أبو داود في «الزكاة» باب زكاة الفطر (١٦٠٩)، وابنُ ماجه في «الزكاة» باب صدقة الفطر (١٨٢٧)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٥٧٠).
(٣) والأَصَحُّ ـ عند الشافعية ـ وجوبُ زكاةِ الفطر على الكافر، ويُؤدِّيها عن أَقارِبِه المسلمين، [انظر: «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٢)].
(٤) سيأتي تخريجه، انظر: (الهامش ١٤).
(٥) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» باب: صدقة الفطر على الصغير والكبير (١٥١٢)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٦) انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١١)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٥٦)، «الاختيار» لابن مودود (١/ ١٢٣)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦)، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٢).
(٧) فمِنْ تفصيلِ ذلك: ما يشترطه الشافعيةُ والحنابلةُ أَنْ يكون المقدارُ فاضلًا عن مَسْكَنِه وخادِمِه وما يحتاج إليه، بخلافِ المالكية فيكفي المقدارُ الذي عنده حتَّى ولو كان أَقَلَّ مِنَ الصاع؛ فإنه يجب عليه دَفْعُه، بل ذَهَبَ بعضُهم إلى أنه إذا كان بقدرته الاقتراضُ مع رجاءِ القضاءِ لَوَجَبَ عليه أَنْ يَقْترِضَ دون مَنْ لا يرجو القضاءَ فلا يجب، [انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١١)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٧٩)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٧٢)، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٣)].
(٨) أخرجه أحمد (١٧٦٢٥)، وأبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ يعطي مِنَ الصدقة وحَدِّ الغنى (١٦٢٩)، وابنُ حبَّان (٥٤٥)، مِنْ حديثِ سهل بنِ الحنظلية الأنصاريِّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «التعليقات الحسان» (٥٤٦).
(٩) أخرجه البخاريُّ مُعلَّقًا في «الوصايا» بابُ تأويلِ قول الله تعالى: ﴿مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِي بِهَآ أَوۡ دَيۡنٍ﴾ [النساء: ١١] (٥/ ٣٧٧)، وأخرجه أحمدُ موصولًا (٧١٥٥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وسيأتي عند البخاريِّ بلفظِ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»، انظر: (الهامش ١٢)، وانظر: «نصب الراية» للزيلعي (٢/ ٤١٢).
(١٠) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٤)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦)، «الاختيار» لابن مودود (١/ ١٢٣).
(١١) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ وجوبِ الزكاة (١٣٩٥)، ومسلمٌ في «الإيمان» (١٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(١٢) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» باب: لا صدقةَ إلَّا عن ظَهْرِ غِنًى (١٤٢٦) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (١٠٣٤) بلفظِ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» مِنْ حديثِ حكيمِ بنِ حِزامٍ رضي الله عنه.
(١٣) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٢٩٦).
(١٤) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ فَرْضِ صدقة الفطر (١٥٠٣)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤، ٩٨٦)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١٥) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» بابُ صدقة الفطر صاعًا مِنْ تمرٍ (١٥٠٧)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٤)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١٦) انظر: «الإجماع» لابن المنذر (٣٥). ودَعْوَى الإجماع غيرُ مُسلَّمةٍ؛ فقَدْ قال بعضُهم: إنها سنَّةٌ مُؤكَّدةٌ، وبهذا قال أهلُ الظاهر، وذَهَبَ مُتأخِّرُو المالكيةِ إلى أنها سنَّةٌ، وقال آخَرون: إنها منسوخةٌ بزكاة الأموال؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يأمر بها قبل نزول الزكاة، فلمَّا نزلَتْ آيةُ الزكاة لم يُؤْمَرُوا بها ولم يُنْهَوْا عنها، [انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١٣)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٧٨)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٥٥)].
(١٧) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٣)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦).
(١٨) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٥٥).
(١٩) اتَّفَقَ المالكيةُ والشافعيةُ والحنابلةُ على وجوبِ إخراج زكاة الفطر عن نَفْسِه وعن كُلِّ مَنْ تجب عليه نَفَقَتُه شرعًا، مع اختلافٍ يسيرٍ في التفاصيل، وخالَفَتْهم الحنفيةُ في ذلك، فيرى هؤلاء أنه يجب إخراجُ زكاةِ الفطر إذا كان غنيًّا مالكًا للنِّصاب عن نَفْسه، وعن كُلِّ مَنْ له ولايةٌ عليه، وهُمُ: ابنُه الصغيرُ وابنتُه الصغيرةُ، وابنُه الكبيرُ إِنْ كان مجنونًا، وهذا في حالةِ كونهم فُقَراءَ، أمَّا إِنْ كانوا أَغْنِيَاءَ فإنه يُخْرِجُها مِنْ أموالهم؛ وبناءً عليه فالحنفيةُ لا ترى أَنْ يُخْرِجَ الفطرةَ عن بَنِيهِ الكِبارِ ووالدَيْه وأقارِبِه وزوجتِه، سواءٌ كانوا أغنياءَ أو فُقَراءَ؛ لأنه وإِنْ كانَتْ تَلْزَمُه نَفَقَتُهم إذا كانوا فُقَراءَ إلَّا أنَّ ولايتَه عليهم قاصرةٌ، [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٧٩)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٩)، «المجموع» للنووي (٦/ ١١٣)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (١١٤)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٦)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٦)].
(٢٠) تقدَّم بيانُ الراجحِ في عدم اشتراط الحُرِّيَّةِ في وجوب زكاة الفطر، وأنها تجب عن الرقيق على سيِّده كما تجب على الحرِّ، انظر: المسألةَ الأولى: حكم زكاة الفطر وشرطُ وجوبها.
(٢١) أخرجه الدارقطنيُّ (٢٠٧٨)، والبيهقيُّ (٧٦٨٥)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وحسَّنه الألبانيُّ في «إرواء الغليل» (٨٣٥).
(٢٢) أخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٢) مِنْ حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢٣) انظر: «المجموع» للنووي (٦/ ١١٦).
(٢٤) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٦٩).
(٢٥) أخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (٩٩٧) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما.
(٢٦) سبق تخريجه، انظر: (هامش ١٢).
(٢٧) أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في بِرِّ الوالدَيْن (٥١٣٩)، والترمذيُّ في «البرِّ والصلة» بابُ ما جاء في بِرِّ الوالدين (١٨٩٧)، مِنْ حديثِ بَهْزِ بنِ حكيم بنِ مُعاوِيةَ بنِ حَيْدةَ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه. وهو عند البخاريِّ في «الأدب» باب: مَنْ أَحَقُّ الناسِ بحُسْنِ الصحبة (٥٩٧١)، ومسلمٌ في «البرِّ والصلة» (٢٥٤٨)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظِ: «مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي..».
(٢٨) أخرجه ابنُ ماجه في «التجارات» بابُ ما للرَّجُلِ مِنْ مالِ ولَدِه (٢٢٩١) مِنْ حديثِ جابر بنِ عبد الله رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (١٤٨٦).
(٢٩) «المغني» لابن قدامة (٣/ ٧٤).
(٣٠) انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١١)، «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٧)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٢٦)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (١١٥)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١٠)، «شرح الزركشي على مختصر الخِرَقي» (٢/ ٥٣٩).
(٣١) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢)، «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٦٨).
(٣٢) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ١٤).
(٣٣) «فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٦٨).
(٣٤) أخرجه أبو داود في «الصوم» باب: إذا أَخْطَأَ القومُ الهلالَ (٢٣٢٤)، والترمذيُّ في «الصوم» بابُ ما جاء في أنَّ الفطرَ يوم تُفْطرون، والأضحى يوم تُضَحُّون (٦٩٧)، وابنُ ماجه في «الصيام» بابُ ما جاء في شهرَيِ العيد (١٦٦٠)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٣٨٦٩).
(٣٥) نَقَلَ ابنُ المنذرِ الإجماعَ على أنْ لا زكاةَ على الجنين في بطنِ أمِّه، قال: فكان أحمدُ بنُ حنبلٍ يُحِبُّه ولا يُوجِبُه، [انظر: «الإجماع» لابن المنذر (٣٦)]. ونَقَلَ بعضُ الحنابلةِ روايةً عنه بالإيجاب، وبه قال ابنُ حزمٍ، لكِنْ قيَّده بمائةٍ وعشرين يومًا مِنْ يومِ حَمْلِ أُمِّه به، قال ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ: «وتُعُقِّبَ بأنَّ الحَمْلَ غيرُ مُحَقَّقٍ، وبأنه لا يُسَمَّى صغيرًا لغةً ولا عُرْفًا» [«فتح الباري» لابن حجر (٣/ ٣٦٩)، وانظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٨٠)].
(٣٦) انظر: المَصادِرَ الفقهية السابقة.
(٣٧) انظر: «الكافيَ» لابن عبد البرِّ (١١١)، «المغنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٦)، «شرح الزركشي على مختصر الخِرَقي» (٢/ ٥٣٦)، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٢).
(٣٨) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣١١).
(٣٩) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(٤٠) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ١٤).
(٤١) «زاد المَعاد» لابن القيِّم (٢/ ٢١ ـ ٢٢).
(٤٢) وخالَفَ في ذلك الحسنُ بنُ زيادٍ مِنَ الحنفية وبعضُ الشافعية، [انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٢٦)].
(٤٣) أخرجه أبو داود في «الزكاة» (١٦٢٤) بابٌ في تعجيل الزكاة، والترمذيُّ في «الزكاة» (٦٧٨) بابُ ما جاء في تعجيل الزكاة، وابنُ ماجه في «الزكاة» (١٧٩٥) بابُ تعجيل الزكاة قبل مَحِلِّها، مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. وصحَّحه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد» (٢/ ١٤١)، وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ٣٤٧) وفي «صحيح أبي داود» (١٤٣٦).
(٤٤) أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» (١٨٨٦) مِن حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ في «الإرواء» (٣/ ٣٤٦).
(٤٥) أخرجه البيهقيُّ (٧٣٦٦) مِنْ حديثِ الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ عن الحسن بنِ مسلمٍ مُرْسَلًا، ورواهُ الدارقطنيُّ (٢٠١١) مِنْ حديثِ الحَكَمِ عن موسى بنِ طلحة عن طلحة رضي الله عنه بلفظِ: «إِنَّا كُنَّا احْتَجْنَا إِلَى مَالٍ فَتَعَجَّلْنَا مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ مَالِهِ لِسَنَتَيْنِ»، ويشهد له حديثَا عليٍّ السابقان.
(٤٦) «المجموع» للنووي (٦/ ١٢٦).
(٤٧) فمِنْ ذلك ما ذَهَبَ إليه الحسنُ بنُ زيادٍ مِنَ الحنفيةِ مِنَ القول بعدم جوازِ التعجيل مُطْلَقا؛ لأنه أداءٌ لواجبٍ قبل وجوبه؛ فيَمْتنِعُ ذلك، كالتعجيل بالأضحية قبلَ يومِ النحر، ويرى خَلَفُ بنُ أيُّوبَ مِنَ الأحناف ـ أيضًا ـ جوازَ إخراجها مِنْ بداية رمضان، [انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١١)]. وذَهَبَ بعضُ الحنابلة إلى جوازِ تعجيلها مِنْ بعدِ نصفِ الشهر كما يجوز تعجيلُ الفجر في أوَّلِ وقتِها، والدفعُ مِنْ مُزْدلِفَةَ بعد نصف الليل، [انظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٨)].
(٤٨) أخرجه ابنُ حبَّان (٣٢٩٩)، والبيهقيُّ (٧٧٣٨). وانظر: «إرواء الغليل» للألباني (٨٤٦).
(٤٩) أخرجه البخاريُّ في «الزكاة» باب: صدقة الفطر على الحرِّ والمملوك (١٥١١) مِنْ حديث ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(٥٠) أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (١/ ٢٨٥)، والبيهقيُّ (٧٣٦٩). وانظر: «إرواء الغليل» للألباني (٨٤٦).
(٥١) أخرجه ابنُ خزيمة (٢٣٩٧). قال الألبانيُّ: «إسنادُه صحيحٌ، رجالُه كُلُّهم ثِقاتٌ رجالُ الشيخين غيرَ القزَّاز، وقد وثَّقَهُ النسائيُّ والدارقطنيُّ وغيرُهما».
(٥٢) «إرواء الغليل» للألباني (٣/ ٣٣٥).
(٥٣) الصاع: مكيالُ أهلِ المدينة، يَسَعُ أربعةَ أمدادٍ، والمُدُّ: حفنةُ الرجلِ المُعْتدِلِ باليدين، وسُمِّيَ مُدًّا لأنَّ اليدين تُمَدَّان، والمُدُّ مُخْتلَفٌ في تقديره بين أهل الحجاز والعراق، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٣/ ٦٠، ٤/ ٣٠٨، ٥/ ١٨٥)، «لسان العرب» لابن منظور (٣/ ٩٢٦)، «التعريفات» للبركتي (١٩٩)].
(٥٤) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ روى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قمحٍ (١٦١٩) مِنْ حديثِ عبد الله بنِ ثعلبة بنِ صُعَيْرٍ عن أبيه رضي الله عنهما. وصحَّح الألبانيُّ هذا الشطر مِنَ الحديثِ لشواهده، انظر: «صحيح أبي داود» (١٤٣٤) و«صحيح الترغيب» (١٠٨٦). وأمَّا الزيادةُ في الشطر الثاني منه وهي: «أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيَرُدُّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى» فضعيفةُ الإسناد، انظر: «المشكاة» (١٨٢٠) و«ضعيف الترغيب» (٦٦٣).
(٥٥) أخرجه أبو داود في «الزكاة» بابُ مَنْ روى نِصْفَ صاعٍ مِنْ قمحٍ (١٦٢٠) مِنْ حديث عبد الله بنِ ثعلبة بنِ صُعَيْرٍ عن أبيه رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» (١٤٣٤).
(٥٦) الأَقِط: هو لبنٌ مُجفَّفٌ يابسٌ مُسْتحجِرٌ يُطْبَخُ به، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (١/ ٥٧)].
(٥٧) اختلف العُلَماءُ في قَدْرِ البُرِّ الواجبِ في زكاة الفطر: أهو نصفُ الصاعِ أم الصاعُ؟ فالجمهور على أنَّ القَدْرَ الواجبَ هو الصاعُ مِنْ بُرٍّ؛ عملًا بحديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه، وظاهِرُه أنه أراد بالطعام القمحَ، [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨١)، «المغنيَ» لابن قدامة (٣/ ٥٧)].
أمَّا مذهب أبي حنيفة فنصفُ صاعٍ مِنَ البُرِّ وهو قياسُ أحمد ـ رحمه الله ـ في بقيَّةِ الكفَّارات، وبه قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ [انظر: «الاختيارات الفقهية» للبعلي (٩١ ـ ٩٢)].
وأيَّدُوا ذلك بقولِ مُعاوِيةَ رضي الله عنه في حديثِ أبي سعيدٍ رضي الله عنه، وبقولِ عُرْوةَ بنِ الزبير ـ رحمه الله ـ عن أَسْمَاءَ بنتِ أبي بكرٍ رضي الله عنهما: «أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَهْلِهَا الْحُرِّ مِنْهُمْ وَالْمَمْلُوكِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُونَ بِهِ» [أخرجه أحمد (٢٦٩٣٦)، والطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (٢٤/ ٨٢)، والطحاويُّ في «شرح مُشْكِل الآثار» (٣٤٠٨). وقال الألبانيُّ في «تمام المِنَّة» (٣٨٧): «وسندُه صحيحٌ على شرط الشيخين»]، وبما تقدَّم ذِكْرُه مِنْ حُجَجِ الأحناف، [انظر: «تمام المنَّة» (٣٨٧)].
وسببُ اختلافهم تعارُضُ الآثارِ المُتقدِّمة، فمَنْ أَخَذَ بظاهِرِ حديثِ أبي سعيدٍ وقاسَ البُرَّ في ذلك على الشعير سوَّى بينهما في الوجوب، ومَنْ أَخَذَ بالأحاديث المنصوصِ فيها على قَدْرِه بنصف صاعٍ مِنْ بُرٍّ فرَّق بينه وبين سائِرِ الأنواع الأخرى، [انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨١)].
هذا، وجديرٌ بالتنبيه أنَّ الزيادة على المقدار الشرعيِّ الواجبِ لمَنْ عَلِمَها لا حَرَجَ فيها، بل تدخل في بابِ التطوُّع والنافلة، ولا يُعَدُّ خروجًا عن النصِّ، وإنما النقصُ عن المقدار الواجبِ إذا الْتزمَهُ المُكلَّفُ يُعَدُّ تجاوُزًا عن النصِّ؛ فلا يجوز ذلك قولًا واحدًا، ويُوضِّحُ ذلك ما جاء في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٠) أنه: «سُئِلَ ـ رحمه الله ـ عمَّنْ عليه زكاةُ الفطر ويعلم أنها صاعٌ ويزيد عليه ويقول هو نافلةٌ: هل يُكْرَهُ؟ فأجاب: الحمد لله، نعم يجوز بلا كراهيةٍ عند أَكْثَرِ العُلَماء كالشافعيِّ وأحمد وغيرِهما، وإنما تُنْقَلُ كراهيتُه عن مالكٍ، وأمَّا النقصُ عن الواجب فلا يجوز باتِّفاقِ العُلَماء».
(٥٨) أخرجه البخاريُّ مختصرًا في «الزكاة» بابُ صاعٍ مِنْ زبيبٍ (١٥٠٨)، ومسلمٌ في «الزكاة» (٩٨٥)، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه. ولفظُ البخاريِّ: «كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ: «أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ»»
(٥٩) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨١)، «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٥)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٢٩)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (١١٥)، «مُغْنيَ المحتاج» للشربيني (١/ ٤٠٦).
(٦٠) «شرح مسلم» للنووي (٧/ ٦٠)، وانظر: «المُغْنيَ» لابن قدامة (٣/ ٦٥)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٤٤).
(٦١) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١٠٨)، «الاختيار» لابن مودود (١/ ١٢٣)، «تبيين الحقائق» للزيلعي (١/ ٣٠٨).
(٦٢) الخَلَّة ـبالفتحـ: الحاجة والفقر، [انظر: «النهاية» لابن الأثير (٢/ ٧٢)].
(٦٣) انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٢)، «أسباب اختلاف الفقهاء» لعبد الله التركي (٦١).
(٦٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(٦٥) أخرجه الدارقطنيُّ (٢١٣٣) بلفظِ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ»، والبيهقيُّ (٧٧٣٩) بلفظِ: «أَغْنُوهُمْ عَنْ طَوَافِ هَذَا الْيَوْمِ»، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وفيه أبو مَعْشَرٍ: أشارَ البيهقيُّ إلى تضعيفه. قال الألبانيُّ في «تمام المنَّة» (٣٨٨): «ولذلك جَزَمَ الحافظُ بضَعْفِ الحديث في «بلوغ المَرام»، وسَبَقهُ النوويُّ في «المجموع» (٦/ ١٢٦)». وأخرجه أبو القاسمِ الشريفُ الحُسَيْنيُّ في «الفوائد المُنْتَخَبَةِ» (١٣/ ١٤٧/ ٢) بلفظِ: «أَغْنوهم عن السؤال» وفيه القاسمُ بنُ عبد الله وهو العُمَريُّ المدنيُّ، قال الحافظ: «متروكٌ رَمَاهُ أحمدُ بالكذب»، [انظر: «إرواء الغليل» (٣/ ٣٣٤)].
(٦٦) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٣).
(٦٧) انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١٢)، «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢)، «المغنيَ» لابن قدامة (٣/ ٧٨)، «المجموع» للنووي (٦/ ١٤٤، ١٨٦).
(٦٨) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(٦٩) «اختيارات ابنِ تيمية» للبعلي (٩١)، وانظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (٢٥/ ٧٣).
(٧٠) «بدائع الصنائع» للكاساني (٢/ ١١٢).
(٧١) نَقَلَ ابنُ المنذر في «الإجماع» (٣٦) الإجماعَ على أنَّ زكاةَ الأموالِ لا تُعْطَى لكافرٍ بقوله: «وأجمعوا على أنه لا يُعْطَى مِنْ زكاةِ المالِ أَحَدٌ مِنْ أهل الذِّمَّة».
(٧٢) انظر: «بداية المجتهد» لابن رشد (١/ ٢٨٢).
(٧٣) سبق تخريجه، انظر: (الهامش ٢).
(٧٤) تقدَّم تخريجه، انظر: (الهامش ١١).
(٧٥) أخرجه أبو عُبَيْدٍ في «الأموال» (١٩٩٠)، وانظر: «تمام المنَّة» (٣٨٩).
المصدر :موقع الشيخ حفظه الله
جزاكم الله خيرا