العلم والتراحم .
إن العلم بالوحي لا يورث الا خيرا , ولا يجني منه الناس إلا نفعا , لأنه يقود إلى
كل فضيلة , ويحجز عن كل رذيلة , فما من محل انتشر فيه العلم الا ونعم أهله
بالأمن والسعادة , وتواطأت نفوسهم على إيصال البر والخير والنفع إلى كافة
الناس عموما , وللمؤمني خصوصا , ذالك لأن هذا العلم مقترن بالرحمة إقترانا
وثيقا , فإنه كلما اتسع علم العبد , اتسعت رحمته , لذا لما كان الصحابة رضي
الله عنهم اسعد الناس بهذا العلم كانوا أكثرهم تراحما قال تعالى " محمد رسول
الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " . ولما كان الصديق رضي الله
عنه هو أعلم الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام باتفاق الأمة قال فيه عليه
الصلاة والسلام " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر " . وقبله نبينا عليه أفضل الصلاة
والسلام " الذي كان أعلم الناس بالله وبما جاءه من الوحي قال الله تعالى عنه "
بالمومنين رءوف رحيم " وقال عن نفسه " إنما أنا رحمة مهداة " عليه أفضل
الصلاة والسلام . ولما كان الله جل ذكره قد أحاط بكل شيئ علما وسعت رحمته
كل شيئ , وكان أرحم بعباده من الوالدة بولدها , ولما كان أهل السنة والجماعة
هم اعلم الناس بالحق كانوا ارحم بالخلق .
وقد جرت عادة كثير من أهل الحديث والأسناد أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام
" الراحمون يرحمهم الرحمن أرحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء " هو أول
حديث يسمعه الطالب من شيخه ليرسخ في قلبه أن العلم يورث الرحمة بالخلق
وأنهما امران متلازمان لا يفترقان , فإذا طلب العلم ولم يجد هذه الرحمة في قلبه ,
فأحد أمرين , إما أنه طلب علما غير نافع , وإما أنه سيئ الطوية , ولم ينتفع بالعلم
وفي الحديث " لا تنزع الرحمة الا من شقي "
إن هذه الغلظة والقسوة والشدة التي طغى ريحها في مجتمعات المسلمين اليوم , ولم
يسلم منها حتى بعض من ينتسب للعلم ويعد نفسه من طلابه , سببها قلة العلم الصحيح
وانحسار دائرته , ندرة العلماء قال الأمام مالك : " ما قلت الأثار في قوم إلا ظهرت
فيهم الأهواء , ولا قلت العلماء إلا ظهر في الناس الجفاء "
فلا أحسن من لزوم العلم وأهله والتزام أخلقه وآدابه , ونشره بين الناس ليبدلنا الله
بهذه الغلظة رقة , وبهذه الشدة رافة ولينا ,
نسال الله علما نافعا يجر إلى قلوبنا رحمة نرحم بها جميع الخلق فتكون موجبة وموصلة
لنا إلى رحمته .
مجلة الإصلاح .