تخطى إلى المحتوى

الصبر مفتاح الفرج 2024.

الجيريا
[قالوا: في الصبر,]

ستكون هذه المساهمة بحول الله وقوته. فاتحة مساهمات أخرى في مكارم الأخلاق. استيناسا بقوله صلى الله عليه وسلمالجيريابعثت لأتمم مكارم الأخلاق) عسى أن تكون مفيدة وممتعة في آن واحد. وأن تكون خالصة لوجهه تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
ثم إن العاقل الصابر هو الذي يتلقى المكاره بالقبول ويراها من عند الله فيلتمس وجوه الخير فيما يبتليه الله به من الشدائد. والجاهل هو الذي يضجر ويحزن ويكتئب, ولولا الصبر لانهارت نفس الإنسان من البلايا التي تنزل عليه. ولا يخفى أن الله تعالى مدح الصبر في كتابه العزيز, وأمر به وجعل أكثر الخيرات منوطا به, فمن ذالك قوله تعالى:[يا أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين] فبدأ بالصبر قبل الصلاة ثم جعل نفسه مع الصابرين دون المصلين وقوله تعالى:[وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا] وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم به فقال تعالى:[فاصبر كما صبر ألوا العزم من الرسل] وقال:[ وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا] ومدح نبيه أيوب عليه السلام لاتصافه بالصبر بقوله: [إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب] ولقد أحب الله سبحانه وتعالى الصابرين وأخبر أنهم ينالون مزيدا من الفضل والرحمة في الدنيا والآخرة, قال تعالى: [إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب] وقال: [وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون] وقال:[وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا] وأخبر سبحانه وتعالى أن الصبر من الخصال العظيمة التي ينبغي أن يتصف بها المؤمنون فقال سبحانه وتعالى:[ وإن تصبروا وتتقوا فإن ذالك من عزم الأمور] والصبر الذي دعا إليه القرآن الكريم, هو ملكة الثبات والإحتمال, التي تهون علي صاحبها ما يلاقيه في سبيل تأييد الحق, وإزالة الباطل, أو احتمال أذى الناس, وما يلاقيه من مصاعب كالفقر والمرض, وفقد الحبيب.. الخ, فقد دعا سبحانه وتعالي إليه في كتابه العزيز في مواطن المثابرة علي العبادة, فقال جل شأنه: [فاعبده واصطبرلعبادته], وقال: [وأمر أهلك بالصلاة واصطبرعليها]ودعا إليه في موطن تحمل أذى الناس فقال تعالي [وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ماعوقبتم به ولئن صبرتم لهوخير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ]ودعا إليه في موطن البلاء الذي يمتحن الله به عباده, فقال: [ولنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم] وعدد أنواع البلاء بقوله:[ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والانفس والثمرات]
وبالجملة فقد ذكر الله سبحانه وتعالي الصبر في كتابه العزيز في نيف وسبعين موضعا. وهذا يدل علي عظم أمره لأنه أساس كثير من الفضائل بل هو أهمها فما من فضيلة إلا وهي محتاجة إليه.
كما بينت السنة المطهرة فضيلته ورغبت فيه, وحثت عليه. فمن ذالك ماورد في بعض الأحاديث أنه صلي الله عليه وسلم قال: (أفضل الإيمان الصبر والسماحة) وقالالجيرياالصبرستر من الكروب وعون علي الخطوب) وقال: (النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا)
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (افضل العدة الصبر علي الشدة), وقال:علي كرم الله وجهه: (الصبر مطية لاتكبو وسيف لاينبو), وقال للأشعب بن قيسالجيريا ان صبرت جري عليك القلم وأنت مأجور, وإن جزعت جري عليك وأنت مأزور), ومن كلام بعض الحكماء: ما جوهد الهوي بمثل العقل, ولا استنبط الرأي بمثل المشورة, ولاحفظت النعم بمثل المواساة, ولا اكتسبت البغضاء بمثل الكبر, ولا استنجحت الأمور بمثل الصبر, وقالوا: الصبر على المروئة صعب وتحملها عبء, ولولا أن المروئة اشتدت مؤنتها وثقل حملها ما ترك اللئام للكرام منها شيئا, ولكنه لما اشتدت مؤنتها وثقل حملها حاد عنها اللئام فاحتملها الكرام, وقالوا: من أراد طول البقاء فليوطن نفسه على المصائب, وقالوا: المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان, لأن احداهما المصيبة بعينها والثانية ذهاب أجر الصبر وهو أعظم المصيبة, وقال أكثم ابن صيفي: الصبر حيلة من لا حيلة له, وقال: من صبر ظفر, وقال بعض الصلحاء, اصبر لحكم من لا تجد معولا إلا عليه, ولا مفزعا إلا إليه. والصبر محمود العاقبة والمتحلي به سيظفر بمطلوبه.

ومما قالوا فيه شعرا:

ماذا تكلفك الـــــروحــات والــــدلجـــــا***البر طــورا وطـورا تركب اللججا
كم من فتى قصرت فى الرزق خطوته***ألفيته بسهــــــــام الرزق قد فلجا
لا تيأسن وإن طـــــــــالت مطـــــــالبة***إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
إن الأمــــور إذا انسدت مسالكها***فالصبر يفتح منها كلما ارتتجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته***ومدمن القرع للأبــــواب أن يلجا
قدر لرجلك قبل الخطــــو موضعها***فمن عـــلا زلقا عن غرة زلجـــا
ولا يغرنك صفــــو أنت شــــــاربه***فربما كان بالتكديــر ممتزجــــــا

وقال آخر:
عليك إذا ضاقت أمورك والتوت***بصبر فإن الضيق مفتاحه الصبر
ولا تشكون إلا إلى الله وحــــــده***فمن عنده تــأتــي الشدائد والبشر
عــسى فـــرج يــــاتي به الله إنه***لــــه كــل يوم في خليقته أمــــر
إذا لاح عسر فــــارج يسرا فإنما***قضى الله أن العسر يتبعه اليسر
وقال آخر:
أما والذي لا يعلم الغيب غيره***ومن ليس في كل الأمور كفــؤ
لئن كان بدء الصبر مرا مذاقه***لقد يجتنى من بعده الثمر الحلو
وقال آخر:
اصبر على مضض الإدلاج فى السحر***وفى الرواح على الطاعات والبكر
لا تضجـــــرن ولا يعــجــــزك مطلبها***فالنـجــح يتلف بين العجز والقصر
إنــي رأيت وفي الأيـــــــــــام تجـــربة***للصبر عــــــاقبة محمــــودة الأثر
وقل من جــد في أمــر يــحـــــــاولــــه**واستع مل الصبر إلا فــــاز بالظفر
وقال آخر:
على قدر فضل الرء تاتي خطوبه***ويحمد منه الصبر فيما يصيبه
فمن قل فيما يلتقيه اصطبــــــــاره***فقد قل فيما يرتجيه نـصيــبــه
وقال آخر:
اصبر قليلا وكن بالله معتصما***لا تعجلن فإن العجز بالعجل
الصبر مثل اسمه في كل نائبة***لكن عواقبه أحلى من العسل
وقال آخر:
ويوم كـأن المصطلين بحــره***وإن لم تكن نار قيام على الجمر
صبرنا له حتى تقضى وإنما***تفرج أيــــام الكـــــريهة بالصبر
وقال آخر:
تصبر أيـــهـا العبد اللبيب***لعلك بعد صبرك ما تخيب
وكل الحادثات وإن تناهت***يكون وراءها فـرج قريب
وقال آخر:
بنى الله للأخيار بيتا سماؤه***هموم وأحزان وحيطانه الصبر
وأدخلهم فيه وأغلق بــــابه***وقال لهم مفــتــاح بابكم الصبر
وقال آخر:
اصبر على نوب الزمان***فهـكـذا مضت الدهــــور
فرح وحـــــزن تــــــارة***لا الحزن دام ولا السرور
وقال آخر:
قد خضت في الدهر أطوارا على طرق***شتى وقاسيت فيها اللين والفظعا
كــلا بلــــوت فـــــلا النعمـــاء تطربني***ولا تشكيت من لأوائـه جــزعــا
لا يمــــلأ الهـــــول صدري قبل موقعه***ولا أضـــيــق به ذرعا إذا وقعا
وقال آخر:
تصبر ففي اللأواء قد يحمد الصبر***ولولا صروف الدهر لم يعرف الحر
وإن الذي أبــلى هو العـون فانتدب***جميل الرضى يبقى لك الذكر والأجر
وثق بالذي أعطى ولا تك جــازعا***فليس بحـــزم أن يـــروعـــك الضــر
فــــــــلا نعم تـبــقى ولا نـقــم ولا***يـــدوم كــلا الحـــالين يسر ولا عسر
تقلب هــــــذا الأمـــر ليس بــدائم***مــــع الأيـــــــــــام حـــلـو ولا مـــــر
وقال آخر:
إذا ما رماك الدهر يوما بنكبة***فأفرغ لها صبرا وأوسع لها صدرا
فإن تصاريف الزمـان عجيبة***فيوما ترى يسرا ويوما ترى عسرا
وقال آخر:
ما عضني زمن إلا لبست له***ثوبا من الصبر لا يبلى مدى الزمن
إن الكــــريم إذا نــابته نـائبة***ألفيته وجــميــل الصبر في قــــرن

ولإبراهيم النبهاني:
تعــز فإن الصـبــــر بالحــــر أجمل***وليس على ريب الزمان معول
فلو كان يغني أن يرى المرء جازعا***لحــــــادثة أو كان يغني التذلل
لكــــان التعــــــزي عند كل مصيبة***ونـــائبة بالحــر أولــى وأجمل
فكيف وكل ليس يعــــدو حـمــامــه***وما لامرئ عما قضى الله مزحل
فــــإن تكن الأيـــــام فــيـنــا تبدلت***ببؤسى ونعمى والحــــوادث تفعل
فـمـــا لينت منـــــا قــنــــاة صليبة***ولا ذللتنا للـــــذي ليــــــس يجمل
وقينا بحسن الصبر منا نفـــــوسنا***فصحت لنا الأعراض والناس هزل

وفي الختام فإن الصبر لا يمكن أن يحيط بفضله كاتب مهما كانت مواهبه, ولا عالم مهما اتسعت معارفه, لكنها دردشة أرجو أن تكون مغرية بالأخلاق والفضائل, مانعة من الطيش والرذائل, والله من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.