تخطى إلى المحتوى

الشعور واللاشعور 2024.

هـــل يـعــي الإنـســان دومــا أسـبــاب سـلــوكـــه؟

طــرح الـمـشـــكــلـــــة:
تؤلف الذات الإنسانية من حيث هي مركب متفاعل مع مجموعة من الجوانب العضوية والنفسية والاجتماعية ، والواقع أن هذه النفس وبما تحتويه من أفعال وأحوال شغلت ولازالت تشغل حيزا كبيرا من التفكير الفلسفي وعلم النفس . وفي محاولة لتحديد ماهيتها وكذا الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذه الأفعال والأحوال. فإذا كانت التجربة اليومية تؤكد أننا على علم بجانب كبير من سلوكنا فالمشكلة المطروحة :هل يمكن اعتبار الأحوال النفسية أحوالا لاشعورية فحسب؟ هل كل ما هو نفسي شعوري ؟
مـحــاولــة حــل الـمـشــكــلــة:
الـمــــوقــف الأول(الأطـروحـة):الحياة النفسية شعورية يرى أنصار هذه النظرية الكلاسيكية وعلى رأسهم ديـكــارت أن الحياة النفسية شعورية خالصة ولا وجود لحياة أخرى وأن كل ما هو نفسي مساوي لما هو شعوري وأن علم نفس هو علم شعور الذي يجب اعتماده كأساس لدراسة أي حالـة نفسية.
البـــرهــنـــة:الإنسان يعرف كل ما يجري في حياة النفسية ويعرف دواعي سلوكه وأسبابها يقول ديكارت:"تستطيع الروح تأمل أشياء خارج الروح إلا الحياة الفيزيولوجية"وانطلاقا من هذا الطرح فإن الحياة النفسية مساوية للحياة الشعورية فنحن ندرك بهذا المعني كل دواعي سلوكنا. فأنصار هذه النظرية يذهبون إلى حد إنكار وجود حالات غير شعورية لتؤكد على فكرة أن الشعور أساس لأحوال النفسية وحجتهم في ذلك أن القول بوجود حالات غير شعورية قول يتناقض مع وجود النفس أو العقل القائم على إدراكه لذاته ، ويرى برغسون:"أن الشعور يتسع بأتساع الحياة النفسية" وذهب زعيم المدرسة الوجودية سـارتــر إلا أن "الوجود أسبق من الماهية" لأن الإنسان عبارة عن مشروع وهو يملك كامل الحرية في تجسيده ومن ثمة فالشعور بما يريده وهذا ما تجسده مقولته:"إن السلوك يجري دائما في مجرى شعوري" ومن الذي رفضوا وجود واللاشعورية ودافعو عن فكرة الشعور بقوة الطبيب النمساوي سـتيكال:"لا أومن بلاشعور،لقد أمنت به في مرحلتي الأولى لكني بعد تجربتي التي دامت ثلاثين سنة وجدت أن كل الأفكار المكبوتة إنما هي تحت الشعور، وأن المرضى يخافون دائما من رؤية الحقيقة ".
إذن الشعور هو المبدأ الوحيد للحياة النفسية.
الـنــقــــد: لا يمكن إن ننكر أو نقلل من دور الشعور في عملية فهم ما يجري في الحياة النفسية على أساس الإنسان كائن وعي بالدرجة الأولى ، لكن خطأ النظرية الكلاسيكية يكمن من جهة في عدم التميز ما بين الشعور الذي هو وظيفة النفس والذي وظيفته العقل ومن جهة أخرى لا يمكن القول بأن النفس تعي جميع أفعالها وأحوالها الباطنية لأن التجربة النفسية تكشف أننا نعيش الكثير من الحالات دون أن نعرف لها سببا كأحلام وفلتات اللسان.
الــمـــوقـف الـثـانـي(نـقـيـض الأطـروحـة):إن الحياة النفسية لاشعورية،يرى أنصار النظرية اللاشعورية الحديثة وعلى رأسهم فرويد و بروير وشاركو و برنهايم إلا وجود حياة نفسية لاشعورية .
الـبــرهــنـة:إن الفضل في البرهنة تجربتنا في تبيان وجود حياة نفسية لاشعورية إلا علماء الأعصاب الذين كانوا بصدد معالجة مرض الهستريا من أمثال (بروير و شاركو)ففريق رأى بأن هذه الأعراض نفسية تعود إلى خلل في المخ وفريق أخرى رأى أن هذه الأعراض نفسية فلابد إذا أن يكون سببها نفسي وهذا ما أشار إليه برنهايم وكانت طريقة العلاج المتبعة في إعطاء المريض أدوية وتنويمه مغناطيسيا ومع ذلك كانت هذه الطريقة محدودة النتائج ، إلا أن ظهر فرويد الذي ارتبط اسمه بفكرة اللاشعور والتحليل النفسي ،رأى أن أحلام وزلات اللسان وهذه الأفكار التي لا تعرف في بعض الأحيان لا تتمتع بشهادة اللاشعور فلابد من ربطها باللاشعور ،وفي اعتقاد فرض اللاشعور في إدراك معنى فلتات اللسان وزلات القلم ونسيان المؤقت لأسماء بعض الأشخاص والمواعد قال فرويد:"إن تجربتنا اليومية الشخصية تواجهنا بأفكار تأتينا دون أن نعي مصدرها ونتائج فكرية لا نعرف كيف تم إعدادها"فالدوافع اللاشعورية المكبوتة والتي تعود إلى ماضي شخص هي سبب هذه الهفوات ومن أمثلة ما رواه فرويد عن فلتات اللسان "عند افتتاح رئيس مجلس نيابي جلسة بقوله أيها السادة أتشرف عن رفع الجلسة ". كما تبين له أعراض كالهستيريا والخوف تعود إلى رغبات مكبوتة في اللاشعور ومن الذين دافعو عن وجود حياة نفسية لاشعورية عالم النفس آدلــر صاحب فكرة "الشعور بالنقص "، رأى يـونـغ أن محتوى الشعور يمثل الجانب الجنسي أو الأزمات التي يعيشها الفرد أثناء الطفولة بل تمتد إلى جميع الأزمـات التي تعيشها البشرية جمعاء .
الـنـــقــد:على الرغم من أن فكرة اللاشعور ساهمت في فهم وتفسير السلوك البشري ورغم تمكن تحليل النفسي من تفسير الكثير من التصرفات الإنسان الغامضة فهذا لا يدل على سيطرة الحياة اللاشعورية على الحياة الإنسان ،ومعني هذا أن الأشياء المكبوتة ليست في الواقع غامض لدى المريض إطلاقا .إنه يشعر بها ولكنه إلى تجاهلها خشية تطلعه على الحقيقة.
الـتــركـيــب: أمام هذا التناقض القائم بين النظرية الكلاسيكية ومدرسة التحليل النفسي يمكن القول أن اكتشاف اللاشعور سلط الضوء على حالات نفسية كثيرة لم تكن مفهوم ومهما يكن فإن الحياة النفسية للإنسان تعترف بوجود اللاشعور لأن الحياة النفسية مركبة من الشعور واللاشعور. فهمناك حالات نفسية نفهمها بالشعور كما أن هناك حالات نفسية مردها إلى اللاشعور. ومن هذا المنطلق لا يمكن إهمال دور الشعور ولا يمكن التنكر للاشعور لأنه حقيقة علمية وواقعية دون المبالغة في تحديد دوره فالسلوك الإنساني منحصرة لعوامل شعورية ولاشعورية .
حــل الـمـشـكـــلــة: وهكذا يتضح، أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين: جانب شعوري يمكننا إداركه والاطلاع عليه من خلال الشعور، وجانب لاشعوري لا يمكن الكشف عنه إلا من خلال التحليل النفسي ، مما يجعلنا نقول أن الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حيتنا النفسية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.