ان الاحساس بمراقبة الله اخي المسلم] رحلة واحدة تبدأ من الميلاد ، وتمر بالموت ، وتنتهي بالبعث والحساب . رحلة واحدة متصلة بلا توقف؛ ترسم للقلب البشري طريقه الوحيد الذي لا فكاك عنه ولا محيد؛ وهو من أول الطريق إلى آخره في قبضة الله لا يتملص ولا يتفلت ، وتحت رقابته التي لا تفتر ولا تغفل . وإنها لرحلة رهيبة تملأ الحس روعة ورهبة . وكيف بإنسان في قبضة الجبار ، المطلع على ذات الصدور؟ وكيف بإنسان طالبه هو الواحد الديان ، الذي لا ينسى ولا يغفل ولا ينام!
إنه ليرجف ويضطرب ويفقد توازنه وتماسكه ، حين يشعر أن السلطان في الأرض يتتبعه بجواسيسه وعيونه ، ويراقبه في حركته وسكونه . وسلطان الأرض مهما تكن عيونه لا يراقب إلا الحركة الظاهرة . وهو يحتمي منه إذا آوى إلى داره ، وإذا أغلق عليه بابه ، أو إذا أغلق فمه! أما قبضة الجبار فهي مسلطة عليه أينما حل وأينما سار . وأما رقابة الله فهي مسلطة على الضمائر والأسرار . . فكيف؟ كيف بهذا الإنسان في هذه القبضة وتحت هذه الرقابة؟!
{ ولقد خلقنا الإنسان ، ونعلم ما توسوس به نفسه ، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد . إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد . ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } . .
إن ابتداء الآية : { ولقد خلقنا الإنسان } . . يشير إلى المقتضى الضمني للعبارة . فصانع الآلة أدرى بتركيبها وأسرارها . وهو ليس بخالقها لأنه لم ينشئ مادتها ، ولم يزد على تشكيلها وتركيبها . فكيف بالمنشئ الموجد الخالق؟ إن الإنسان خارج من يد الله أصلاً؛ فهو مكشوف الكنه والوصف والسر لخالقه العليم بمصدره ومنشئه وحاله ومصيره . سيد قطب