الأقصى
اليهود و تخاذل المستسلمين
قال تعالى :{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ
مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً}
[الإسراء: 4]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
لقد أثبت اليهود على مر الأزمان أنهم العدو الأول لأمة الإسلام والمسلمين، وجعلوا من جرائمهم بحق الإسلام وأهله خيرَ دليلٍ على استحالة الصلح أو المهادنة معهم، فالناظر إلى تاريخهم الأسود في العلاقة مع أمة الإسلام لا يكاد يجد موطنا للكيد بالمسلمين، أو التآمر على الموحدين؛ إلا ويجد لليهود دوراً بارزاً فيه، بدأ من خيانتهم ونقضهم مواثيقهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرورا بتآمرهم لإسقاط الخلافة الإسلامية، وانتهاء بمذابحهم ومجازرهم بحق المسلمين، فكانوا دائما يؤكدون أنهم أشد الناس عداوة للذين امنوا؛ قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.[المائدة: 82].
وعند الحديث عن فترة احتلالهم لأرض بيت المقدس، نجد أن أساليب الخيانة ولغة الإجرام واستباحة الدماء والأعراض، هي الأنسب للتعبير عن أفعالهم المشينة بحق سكان هذه البلاد، فقد عمدوا منذ احتلالهم لأرض فلسطين ارتكاب المذابح وانتهاك الأعراض ونهب الأرض والأموال, ولم يرعوا حرمة لشيخٍ ولا امرأةٍ ولا صغيرٍ ولا كبيرٍ، ولم يكن ذلك إلا امتدادًا لمسلسل إفسادهم الذي أخبرنا عنه الله سبحانه وتعالى في مستهل سورة الإسراء (سورة بني إسرائيل).
وها هم في هذه الأيام يحاولون اقتحام المسجد الأقصى جهاراً نهاراً، ساعين إلى تدنيسه، مؤذنين بقرب ارتكاب إفسادهم الأكبر بهدمه، وإقامة هيكلهم المزعوم على أنقاضه، كل هذا يأتي في إطار الحرب العقائدية التي يديرها هؤلاء اليهود، الذين ينطلقون في حربهم علينا وعلى مقدساتنا من معتقداتهم التلمودية المحرفة، وبفتاوى واضحةٍ وصريحةٍ من رجال دينهم المزعومين، بقتل كل من يحاول الوقوف في وجه مشاريعهم الآثمة.
لذلك كان لزامًا علينا أن نَفهم طبيعة الصراع الدائر بيننا وبينهم جيداً؛ لأن معظم من سبق وحمل أعباء هذه القضية كانوا ينحرفون عن جادة الصواب في هذا الأمر، فزعم البعض أن صراعنا معهم هو على الأرض، وزعم آخرون أنه على الآثار والمقدسات، وادّعى آخرون أن لا صراع بيننا إلا على إعطائنا حقوق العيش من طعام وشراب وتنقل في بعض فتات أرضنا، لكن المتمعن في هذا الصراع يجده صراعَ عقيدة، لا مجال فيه لأهل السياسة والتفاوض وأنصاف الحلول، ولا للاهثين وراء متاع الدنيا الزائل، ولا للمتشوقين لجني الثمار وإن لم تنضج بعد؛ بل إن هذا الصراع بأمس الحاجة لأن يتحمل أعباءه ثلةٌ من الموحدين المخلصين، الذين يعون تمامًا أسباب وأبعاد هذا الصراع، فيعرفون كيف يلبون حوائجه، و يحسنون التصرف في نوائبه.
ليس من العجيب أن تصدر هذه الأفعال عن هؤلاء اليهود فهي أفعال معتادة ومتوقعة؛ لأن عداءهم عداءٌ للدين، فهم قتلة أنبياء الله ورسله، ولكن الأمر المثير للعجب والاستهجان والحزن هو ما وصلت إليه أمور المنتسبين لأمة الإسلام، فقد أصبحت قضية الأقصى والمسلمين في أكنافه نسياً منسيًا، عند كثير من المسلمين، ولم يعد أحدٌ يكترث بنا أو بأقصانا إلا عندما يتوسع اليهود في إجرامهم، بأن يريقوا دماءَ المئاتِ منا، وعندها يلتفت إلينا العرب والمسلمون ببعض الشعارات، وقليل من الهتافات، التي ما تفتأ أن تخبو قبل أن تجف دمائنا المسفوكة في كل مكان.
كل هذا التراجع والانحطاط الذي وصلت إليه أمة الإسلام لم يأت من الفراغ، بل كانت له مسببات في نشأته، ودوافع لاستمراره، ولعل سقوط الخلافة وتشرذم المسلمين إلى دويلات يقوم الغرب بتولية الحكام عليها؛ كان بداية منطقية لهذه الحالة التي نعيشها، وما إن ارتضى المسلمون هؤلاء الحكام المرتدين, أو على الأقل أقروهم وثبتوهم على كراسيهم بالسكوت عنهم، ما إن كان ذلك حتى وجدَ الحكام المرتدون وأسيادهم طغاة الغرب الكافر المرتعَ الخصب ليسوموا أمة الإسلام أصناف الذلة والمهانة، وليجعلوا من شعوبنا متسولين، أكبر همهم ومبلغ علمهم هو الحصول على لقمة العيش، من خلال الراتب في آخر الشهر، أو المعونة التي يقدمها الحاكم أو أذناب الغرب للناس لعلهم يسدون بها رمقهم.
فعبر السنين؛ تم فصل المسلمين عن قضاياهم شيئًا فشيئًا، فبعد أن تخلى المسلمون في بلدانهم عن حقوقهم الخاصة، وجعلوها مطيةً للحاكم وزمرته الفاسدة، إما جهلا بالواقع، أو تجنبًا لبطش الطواغيت، الذين لا يرقبوا في المسلمين إلاّ ولا ذمة، بعدها استمر تمريغ أنوف المسلمين بالتراب وإرهابهم وتجويعهم، إلى أن انسلخوا من انتسابهم لأمة الإسلام، وانفرد كلُّ شعبٍ بل وكل فردٍ بالهموم الملقاة على كاهله، والتي لا تنفك عنه أبدًا إلا أن يشاء الله، فصار ذلُّنا ظاهرًا، وهواننا حاصلا، وبلاؤنا واقعًا.
ولعل الأجدر بنا هو توصيف حالتنا جيدًا لنعلم الداء، فيسهل معه علم الدواء، فليس من الحكمة أن نبكي على الأطلال، ونتباكى على الأمجاد، ونرثي الآباء والأجداد، بينما نحن غارقون فيما نحن فيه من ذلٍّ وهوانٍ، يتسلط على رقابنا طغاةُ العرب والعجم، ويسومنا اليهود الملاعين سوءَ العذاب، بقتل أبنائنا، وانتهاك حرماتنا، وتهويد مقدساتنا وأراضينا، ولذلك نقول والله المستعان وعليه التكلان:
1. إن اليهودَ هم اليهودُ، قتلة الأنبياء والمرسلين، وأعداء الشريعة والدين، لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة، هذا دينهم في كل مكان، وديدنهم على مر الأزمان، فلا يَنتظر منهم مودةً وسلامًا، أو صلحًا وإخاءً، إلا جاهلٌ بعدوه، بعيدٌ عن شرع ربه، أو خائنٌ يحاول تلبيس الحق علينا.
2. إن ما وصلنا إليه من ذلةٍ ومهانةٍ، لم يكن ليحل بنا لولا أننا غادرنا سبيل الحق إلى سبل الضلال، فتفرقت بنا السبل عن معية الله ونصره، وانحدرت بنا إلى هذه المخازي، ولن تنقشع الغمةُ ولن تزول الملمةُ إلا بعودةٍ صادقةٍ جادةٍ لله تعالى، يرفقها توبةٌ نصوحٌ، ويتبعها تمسكٌ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مقدمين للجهاد في سبيل الله على سائر الحلول.
3. لتعلم أمتُنا الجريحة، أن ليس لها بعد الله إلا أبناؤها المجاهدون، الذين هم الدرع المتين، والحصن الحصين، فهم أمل الأمة الوحيد بإذن الله تعالى في التصدي للهجمة الصهيوصليبية الداهمة، والذود عن حرمات ومقدرات الأمة، وكان لزامًا علينا أن نعلم الصديق من العدو، والصادق من المخادع، فوالله إن دعاة الوطنية والقومية، وأصحاب الأفكار العلمانية، والمتشدقين بالديمقراطية، لن يزيدونا إلا تراجعًا وانتكاسًا، وذلا وهوانًا.
4. من المؤسف انضمام أدعياء الجهاد والمنتسبين زورًا للإسلام إلى ركب التخاذل والتآمر على قضايانا، فبعد أن كانوا يخونون من سبقهم بسبب اكتفائهم بعبارات الاستنكار والشجب في مواجهة بغي اليهود وولوغهم في دمائنا، نجدهم اليوم يقتفون أثرهم، وينهجون نهجهم، ويشكلون الدرع الواقي والحصن الحامي لليهود، مكتفين بإطلاق بعض الشجب والإدانة، ليتلاعبوا بمشاعر المسلمين، وليكملوا عليهم خدعتهم الكبرى، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
5. إن لم تكن غضبةٌ فمتى، لقد أظلنا زمن الجهاد، ولعل بشائر الجهاد في بقاع الأرض تدق فينا ناقوس الخطر، بأن علينا أن نلحق بركب الأطهار، ونمضي إلى ما مضوا إليه، فهذا زمن التمايز، وزمن وضوح الرايات، فعلينا أن نعلنها واضحة، بأننا نقاتل اليهود بسبب كفرهم، وبسبب أمر الله تعالى لنا بقتالهم، فقد ولى زمن القومية والوطنية، وهذا زمن الجهاد في سبيل الله، زمن {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: 39]، وأننا لا نريد من وراء قتالنا أن نستعيد الأرض بدون أن نطبق الفرض، بتطبيق الشريعة وتمكين دين الله في الأرض، عندها ستنقلب المعادلات الأرضية، وستنطبق علينا وعلى أعدائنا السنن الإلهية، الماضية في خلقه سبحانه وتعالى.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: 55]
اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أوليائك، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، اللهم أصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وأوزعهم أن يشكروا نعمتك التي أنعمت عليهم، وأن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وتوفهم على ملة رسولك، وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل التوحيد ويذل فيه كل كفار عنيد.
وصلي اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
بارك الله فيك
بارك الله فيك شكرا لك
بارك الله فيك
جزاك الله كل خير
بالتوفيق ان شاء الله تعالى