وجه من وجوه التراث الشعبي الذي يستغرق مظاهر الحياة الشعبية قديمها وحديثها ومستقبلها وهو أبقاها على الزمن لأن اللباس يتلف
والآلة الموسيقية تتحلل والصناعات الخشبية والفخارية وما إليهما تزول
والكلام يبقى طرياً ندياً لا يزيده الزمن إلا حياة وقيمة وأهمية ، إذ هو ثابت لا يحول ، تتناقله الألسنة وتحفظه الصدور وتتسلمه الأسماع والأفهام ، بوصفه أمانة عزيزة ، وإرثاً تسري فيه أرواح الأجداد .
وحيث أننا نعلم أن العرب كانوا أميين ، ينتشرون في هذه البقاع الفسيحة من الأرض بصحراواتها ووديانها ، بهضابها وسهولها ، بجبالها وجروفها بماشيتها ومصطافاتها ، بمدنا وقراها ، بخيلها ومضاربها ، فإن تعبيرهم عن أنفسهم وأوضاعهم وأحاسيسهم لابد أنه كان معاصراً لوجودهم . من هنا فإن المنطق يقضي بسبق الأدب الشعبي على هذا الأدب التقليدي المعروف ، إذ الأدب الشعبي ، الذي يقوله سواد الناس من رعاة وسقاة ، وزراع ، وصناع وغزاة وصعاليك وصبيان وشيوخ ورجال ونساء ، هو الذي يصور الحياة بتفصيلاتها ووقائعها لا الأدب التقليدي الخاص الذي تحكمه التقاليد والرسوم والآداب الاجتماعية ومجالس الشيوخ والملوك .
ولا عبرة هنا باللغة ، إذ كانت واحدة في كل الطبقات ولم يتخلخل بناؤها إلا بعد أن تسرب اللحن إليها في أواسط العهد الأموي وأوائل العهد العباسي بفعل الظروف المعروفة ، وأهمها الاختلاط الذي حدث بين شعوب الأرض تحت راية الإسلام العظيم ، مما أدى إلى اختلاط اللغات وبلبلة الألسن ، وحاجة المجتمع إلى التحكم في هذه الظاهرة وحفظ اللغة العربية من الضياع ، فجاءت قوانين النحو الصرف ، وجاءت ضوابط التعبير ، وجاءت أمور كونت حاجزاً بين عهد وعهد وسداً بين بيئة وبيئة ، فانكشف الأدب الشعبي في شكليه البدوي والحضري ، وارتفع الأدب التقليدي ، لوصفه الآخذ بالضوابط الجديدة ، فغطى بظله على ما عداه ، وعني به الناس ، وتسلمته المجتمعات وعنيت به الطبقات وسجله الرواة والمصنفون ، وظل الأدب الشعبي ، في حالة هذه ، منقطعاً مستوحشاً ، بالقياس بالتقليدي ، ينتظر العناية والرعاية ، والتسجيل ، وذلك ما فعل غيرنا في الماضي – وإن تأخروا – ونفعله اليوم في سرور وفخر وسعادة .
وعلى هذا ، فالرأي عندي أن الأدب الشعبي أقدم من أخيه التقليدي الذي صار يعرف ، بالفصيح . وغداً الشعبي بفعل التقصير في التعلم والطبقية المستجدة ، وسكنى المدن والخضوع لقوانينها ، والتحضر الذي طرأ على البيئة العربية بفعل ارتفاع مستوى المعيشة وزيادة الثروة القومية ، كما يقال الآن ، هو الأدب العامي الملحون – وإن كان البدوي منه أقرب ، من الحضري ، إلى صفاء التعبير وقلة الشوائب والحفاظ على التقاليد والسنن السابقة .
وفي محاولة لقص أثار البدايات الأدبية في اللغة العربية ، يبدو أن السجع كان الصورة الأولى من التعبير الفني ، ومن الطبيعي أن يظهر على أيدي الكهان في المعابد الكثيرة التي انتشرت هنا وهناك إرواءً لعطش الإنسان العربي إلى الاتصال بالسماء ونيل الأمان من القوة الرهيبة التي تغير الفصول وتحيي وتميت ، وتضر وتنفع .
من هنا تقرب الكهان إلى عالم الجبروت والملكوت بجمل نمقوها إجلالاً له وهيبة وخوفاً وطمعاً كما يلبس الإنسان أحسن ما عنده عند لقاء السلطان أو عند زيارة الأخذان ليعبر عن الاحترام والتقدير والمحبة أو المهابة وما إلى ذلك ..
وهكذا سمعنا واحداً من كهان العرب يسجع ويقول :
( إذا طلع السرطان استوى الزمان وحضرت الأوطان وتهات الجيران )
وقال آخر : إذا طلع الدبران توقدت الحزان وكرهت النيران يبست الغدران
ورمت بأنفسها ، حيث شاءت ، الصبيان )
ثم تطور هذا السجع ، ذو الجمل القصيرة ، التي لا تعنى بالوزن ولا الإيقاع ، إلى جمل متساوية ذات أوزان متماثلة أطلق على وحداتها كلمة ( شطر ) ، نسبة إلى ضرع الناقة – فيما يبدو – وتشبهاً به ، وعلى مجموعها مصطلح ( رجز ) .
وقد استمد العربي رجزه هذا من ناقته أيضاً تشبهاً بها – بحالها ( إذا أصابها داء في أعجازها فتضطرب رجل البعير أو فخذاه ، إذا أراد القيام )
ولهذا فالناقة الرجزاء هي : المريضة بداء الرجز عندهم ، وقد وصفت بأنها ( إذا نهضت من مبركها لم تستقل إلى بعد نهضين أو ثلاث ) كما في لسان العرب لابن منظور ( مادة رجز ) . وهكذا فالجهد الذي تبذله الناقة المريضة في النهوض مرتين وثلاثاً ، حتى تقوم ، هو الإيقاع الذي نسج على منواله أول شكل من أشكال الشعر العربي الذي قام على أساس من الشطر الواحد لا البيت ذي الشطرين كما تطور الأمر فيما بعد .
بارك الله فيك
وشكرا لك على المجهود
شكرا على المرور أخي فريدرامي
بارك الله فيك على المجهود
شكرا على المرور أخي لوز رشيد
هل يقصد كاتب الموضوع أن الشعر الملحون أقدم في الوجود من الشعر الفصيح ،أو أنه مستمد منه ،أو انه أصل للفصيح وبسبب التمدن والثروة استحال إليه….أم أنني لم أفهم كلامه ؟
يا مول الموضوع ، ويا عباد الله وين راكم ؟!!
سامحني لم أطلع على ردك
قيل عن الأدب الشعبي أنّه أدب النّاس للنّاس . فلا نستطيع معرفة شخصيّة أيّ شعب إلاّ من خلال درس شخصيّته القرويّة .
إنّ عامّة النّاس يستعملون في أحاديثهم غير الّذي يستعمله الخاصّة من رجال العلم و الفكر و السياسة .
و كما يوجد عند الخاصّة أدباء و علماء ورجال فكر ، كذلك يوجد عند العامّة محدّثون و رواة و أصحاب كلمة تعبق أقوالهم بجمال الفكر و الأدب .
الأدب الشعبي
|
ما "حمّرتُه" هو أصل استشكالي وتحته فروع أخرى يستتبعها السؤال والمساءلة،وهو في نظري إمّا نص مبتور وإمّا نظر قاصر لم يستكمل الصورة ولم يستجمعها؛إذ رتّب نتائج على غير مقدماتها،فللشعر العربي تاريخُ تطوّر معروف مدوّن بخلاف الملحون (وهو كاسمه) الذي عُدِل به عن سنن اللغة العربية لأسباب -ذاتية- و أخرى خارجة عنه -موضوعية -فصاحب المقال بنى على أن الشعر الملحون"لميوعته" وتسيبه، أصلٌ للعربية وشعرها الفصيح على انضباطه وتعصّبه !! وهذا غير مستقيم.
شكرا لك و بارك الله فيك