تخطى إلى المحتوى

الأحداث بعد بلاط الشهداء وعودة المسلمين إلى الأندلس 2024.

بعد عودة المسلمين إلى الأندلس، قام فيهم عقبة بن الحجّاج السلولي رحمه الله وتولى الولاية من سنة ست عشرة ومائة من الهجرة إلى سنة ثلاث وعشرون ومائة من الهجرة، وهو يعد آخر المجاهدين بحق في فترة عهد الولاة الأول.

خُيّر هذا الرجل بين إمارة إفريقيا بكاملها ( كل الشمال الأفريقي) وبين إمارة الأندلس ففضل إمارة الأندلس؛ لأنّها أرض جهاد حيث ملاصقتها لبلاد النصارى، وقام رحمه الله خلال سنوات إمارته السبع بأكثر من سبع حملات داخل فرنسا، وكان ينزل إلى الأسرى بنفسه يعلمهم الإسلام، حتى إنه أسلم على يديه ألفان من الأسرى، لَأَنْ يَهْدِي اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ، فكيف بألفين!

ولقد استشهد عقبة بن الحجّاج رحمه الله سنة ثلاث وعشرين ومائة من الهجرة، وباستشهاده يكون قد انتهى عهد الولاة الأول أو الفترة الأولى من عهد الولاة.

الفترة الثانية من عهد الولاة وأهم سماتها

تبدأ هذه الفترة منذ انتهاء العهد الأول من عهد الولاة منذ سنة ثلاث وعشرين ومائة من الهجرة وحتى سنة ثمان وثلاثين ومائة من الهجرة، وترجع بذور هذا العهد إلى موقعة بلاط الشهداء، حيث حب الغنائم والنزعة العنصرية والقبلية أهم سماتها.

حب الدنيا

في أول هذا العهد كانت الأموال كثيرة والغنائم ضخمة، وفتحت الدنيا عليهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّ مِمَّا أَخَاُف عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا. وهكذا فتحت زهرة الدنيا على المسلمين فانخرطوا فيها؛ فتأثر بذلك إيمانهم.

تفاقم العنصرية والقبلية

وتبعا لتأثر الإيمان ظهرت العنصرية بصورة كبيرة، وحدثت انقسامات كثيرة جدا في صفوف المسلمين في الأندلس، فحدثت انقسامات بين العرب وبين البربر، وكانت جذور هذه الانقسامات منذ بلاط الشهداء، ثم حدثت انقسامات بين العرب أنفسهم، بين المضريين والحجازيين، وبين العدنانيين (أهل الحجاز) والقحطانيين (أهل اليمن)، حتى إنه كان هناك خلافات وحروب كثيرة بين أهل اليمن وأهل الحجاز.

ولقد وصل الأمر إلى حدوث انقسامات بين أهل الحجاز أنفسهم، بين الفهريين وبين الأمويين، بين بني قيس وبني ساعدة، وهكذا انقسم أهل الحجاز بعضهم على بعض.

ظلم الولاة

وإضافة إلى حب الغنائم وتفاقم القبلية والنزعة العنصرية، وكخطوة لاحقة لهذا ظهر ما يمكن أن نسميه ظلم الولاة، فقد تولى أمر المسلمين في الأندلس ولاة ظلموا الناس وألهبوا ظهورهم بالسياط، كان منهم – على سبيل المثال – عبد الملك بن قطن، ملأ هذا الوالي الأرض ظلما وجورا، قسم الناس بحسب العنصرية وبحسب القبلية، أعطى المضريين وحدهم من الغنائم ومنع البربر وغيرهم، فانقسم الناس عليه وانقلبوا.

وعلى دربه سار يوسف بن عبد الرحمن الفهري الذي تولى من سنة ثلاثين ومائة وحتى آخر هذه الفترة وآخر عهد الولاة كلية سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقد انفصل هذا الوالي بالحكم كلية عن الخلافة الأموية، وادعى أن إمارة الأندلس إمارة مستقلة، بالإضافة إلى إذاقة الناس من العذاب ألوانا، فحدثت انكسارات جديدة وثورات عديدة بلغت أكثر من ثلاثين ثورة داخل بلاد الأندلس.

ترك الجهاد

منذ قليل كنا نتحدث عن الانتصارات الإسلامية والتاريخ المجيد، وفتح الأندلس وفتح فرنسا، ثم ها هي الدنيا إذا تمكنت من القلوب، وها هي العنصرية، وها هو ظلم الولاة يسلم الناس إلى هذه الثورات، وكرد فعل طبيعي جدا لكل هذا، ترك الناس الجهاد، وتوقفت الفتوحات في فرنسا، وتوقفت الحروب ضد النصارى في الشمال الغربي في منطقة الصخرة، والتي كان يتمركز بها مجموعة لا بأس بها من النصارى منذ الفتح الأول لبلاد الأندلس، وكقاعدة ربانية وسنة إلهية فما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، يروي أبو داود عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ (نوع من الربا) وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ. وهكذا كان حين ترك المسلمون الجهاد في فرنسا وأرض الأندلس، فسلط الله عليهم الذل، وانقسموا على أنفسهم، وانشغلوا بدنياهم.

أهم أحداث الفترة الثانية من عهد الولاة

نظرا لتفاعل الأمور السابقة بعضها مع بعض نستطيع بإيجاز شديد أن نلخص أهم الأحداث التي تمخضت عنها الفترة الثانية والأخيرة من عهد الولاة فيما يلي

أولا فُقدت كل الأراضي الإسلامية في فرنسا باستثناء مقاطعة سبتمانيا، والتي كانت قد فتحت بسرية من سرايا موسى بن نصير، كما ذكرنا قبل ذلك.

ثانيا ظهرت مملكة نصرانية في المنطقة الشمالية الغربية عند منطقة الصخرة تسمى مملكة ليون.

ثالثا انفصل إقليم الأندلس عن الخلافة الإسلاميةالأموية في ذلك الوقت – وذلك على يد يوسف بن عبد الرحمن الفهري، كما ذكرنا قبل قليل.

رابعا انقسمت الأندلس إلى فرق عديدة متناحرة، وثورات لا نهائية، كلٌّ يريد التملك والتقسيم وفق عنصره وقبيلته.

خامسا أمر خطير جدا وهو ظهور فكر الخوارج الذين جاءوا من الشام واعتناق البربر له، وذلك أن البربر كانوا يعانون ظلما شديدا وعنصرية بغيضة من قِبل يوسف بن عبد الرحمن الفهري؛ فاضطروا إلى قبول هذا الفكر الخارج عن المنهج الإسلامي الصحيح واعتناقه؛ خلاصا مما يحدث لهم ممن ليسوا على فكر الخوارج.

سادسا زاد من خطورة هذا الموقف ذلك الحدث الجسيم الذي صدع الأمة الإسلامية في سنة اثنين وثلاثين ومائة من الهجرة، وهو سقوط الخلافة الأموية وقيام الخلافة العباسية، والذي كان قياما دمويا رهيبا، انشغل فيه العباسيون بحرب الأمويين، ومن ثم فقد ضاعت قضية الأندلس وغابت تماما عن الأذهان.

ونتيجة لهذه العوامل جميعها فقد أجمع المؤرخون على أن الإسلام كاد أن ينتهي من بلاد الأندلس، وذلك في عام ثمانية وثلاثين ومائة من الهجرة

الموضوع نوّر بك أخي الفضيل
تحياتي لك ولإخواني في المنتدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.