الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . وبعد:
أعضاء وزوّار مدونة الجيريا العامر … السلام عليكم ورحمة الله
ها نحن نلتقي في هذه الفسحة وفي هذه الرياض النظرة في ليالي مباركة من شهر الله المعظّم
شهر أنزل فيه القرآن شهر الصيام والقيام والعتق من النيران شهر الصدقة والبر والإحسان
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى ولا تُعد وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة فاللهم لك الحمد ولك الشكر
نلتقي في هذه الخيمة الرمضانية العامرة لنتبادل الفائدة والنصح والارشاد والتواصي بالحق والتواصي بالصبر
وإن شاء الله هذه العبقات والقطوف الرمضانية تكون سنة حسنة وللقائمين عليها أجرها وأجر من استفاد منها وعمل بها
فجزاك الله خيرا أخي فتحون والفريق العامل معك وجعل ماتبذلون من جهد ووقت في ميزان حسناتكم
فمرحبا بالجميع في هذه الخيمة ..
الصوم
لعلكم تتقون
مسألة علمية رمضانية
حال السلف في رمضان
أحاديث لا تصح متعلقة برمضان
عبارات عامية خاطئة لدى الجزائريين
رمضان وآفة الغضب
من نعم الله علينا
بعد رمضان … ولا تكونو كالتي نقضت غزلها
الصوم
لعلكم تتقون
——————-
{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
في التفسير الميسر:
أي لعلكم تتقون ربكم, فتجعلون بينكم وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته وحده.
وفي تفسير ابن كثير:
( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) لأَنَّ الصَّوْم فِيهِ تَزْكِيَةٌ لِلْبَدَنِ وَتَضْيِيق لِمَسَالِك الشَّيْطَان .
وفي تفسير الطبري:
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : لِتَتَّقُوا أَكْل الطَّعَام وَشُرْب الشَّرَاب وَجِمَاع النِّسَاء فِيهِ , يَقُول : فَرَضْت عَلَيْكُمْ الصَّوْم وَالْكَفّ عَمَّا تَكُونُونَ بِتَرْكِ الْكَفّ عَنْهُ مُفْطِرِينَ لِتَتَّقُوا مَا يُفْطِركُمْ فِي وَقْت صَوْمكُمْ . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2240 – حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يَقُول : فَتَتَّقُونَ مِنْ الطَّعَام وَالشُّرْب وَالنِّسَاء مِثْل مَا اتَّقَوْا , يَعْنِي مِثْل الَّذِي اتَّقَى النَّصَارَى قَبْلكُمْ .
وفي تفسير القرطبي:
" تَتَّقُونَ " قِيلَ : مَعْنَاهُ هُنَا تَضْعُفُونَ , فَإِنَّهُ كُلَّمَا قَلَّ الْأَكْل ضَعُفَتْ الشَّهْوَة , وَكُلَّمَا ضَعُفَتْ الشَّهْوَة قَلَّتْ الْمَعَاصِي وَهَذَا وَجْه مَجَازِيّ حَسَن .
وَقِيلَ : لِتَتَّقُوا الْمَعَاصِي , وَقِيلَ : هُوَ عَلَى الْعُمُوم , لِأَنَّ الصِّيَام كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( الصِّيَام جُنَّة وَوِجَاء ) وَسَبَب تَقْوَى ; لِأَنَّهُ يُمِيت الشَّهَوَات .
و لعل من معانيها – والله أعلم – أي لعلكم تتقون في سائر أموركم كما اتقيتم في صيامكم فإنكم استشعرتم اطلاع الله عليكم وعلمه بحالكم فامتنعتم عن الأكل والشرب ؛ فلو أنكم استصحبتم حال التقوى تلك التي منعتكم من الأكل والشرب في سائر أموركم وأيامكم لامتنعتم أيضا عن مقارفة الذنوب فإن الذي اتقيتم أن يراكم تأكلون وتشربون يراكم أيضا حين تقارفون الذنوب.
فالصوم إذاً مدرسة لتعليم التقوى ، فما أسعد من يتعلم من صيامه ، فيتقي اللهَ في سائر أيامه.
مسألة علمية رمضانية
ولعلَّ إمامنا مالكًا – رحمه الله – قصد التزام الختم واشتراطه.
وقال الأبي: "الختم ليس بسنة ما لم يكن العرف الختم، كالعرف اليوم في مساجد تونس؛ فلا بد من الختم حتَّى لو كان الإمام لا يحفظ فيستأجر من يحفظ؛ لأنَّ العرف كالشَّرط".
نقلا عن "مواهب الجليل" للحطاب (2/ 71).
والمشهور من المذهب أنَّ الختم سنَّة، قال خليل في "المختصر" (ص 39): "والختم فيها، وسورة تجزئ"، "فالمستحب أن يسمع الناسَ جميع القرآن في صلاة التراويح إن رضوا بذلك"
"حاشية العدوي على الدردير" (1/ 462).
يستحب عند الحنفية الختم مرة في رمضان، وقيل ثلاث مرات؛ في كل عشر ختمة،
وقيل: يختم ليلة سبع وعشرين.
ونصوا على أنه لا يترك الختم لكسل القوم، كما هو حالنا اليوم، والله المستعان.
انظر: "فتح القدير" لابن الهمام (1/ 469)، و"حاشية ابن عابدين" (2/ 46).
ذهب الشافعية إلى استحباب ختم جميع القرآن في التراويح في الشَّهر كلِّه.
سئل ابن الصلاح عن رجلين صلَّى أحدهما التَّراويح في جميع شهر رمضان بالفاتحة وسورة الإخلاص ثلاث مرَّاتٍ في كلِّ ركعة، والآخر صلى التراويح في جميع الشهر بجميع القرآن العظيم فأيهما أفضل صلاة؟
فأجاب: "صلاة الثاني أفضل؛ فإنها أشبه بالسنة، وبفعل أئمَّة التراويح في عهد القدوة في التراويح عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، ومن بعده من أئمة السلف والخلف – رضي الله عنهم -".
"فتاوى ابن الصلاح" (ص 249).
ذهب الحنابلة أيضا إلى استحباب الختم في التراويح، وأن لا يزيد على ختمة حتى لا يشق على المصلين.
انظر: "الفروع" لابن مفلح (2/ 375)، و"الإنصاف" للمرداوي (2/ 184).
ولا شك أن قراءة القرآن من أفضل القربات إلى الله – عز وجل -، فلا أقل من أن يسمع المسلم كلام الله تعالى مرة في السنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "وأمَّا قراءة القرآن في التَّراويح فمستحبٌّ باتفاق أئمة المسلمين، بل من أجلِّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها ليسمع المسلمون كلام الله؛ فإنَّ شهر رمضان فيه نزل القرآن، وفيه كان جبريل يدارس النبي – صلى الله عليه وسلم – القرآن، وكان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن".
"المجموع" (23/ 122).
ثم إن الناس زهدوا في سماع كلام الله – عز وجل – كله في هذا الشهر المبارك، فآثروا الدعة والكسل على القيام، بحجة أن الإمام يطيل الصلاة! وأي إطالة في دقائق معدودة يزيدها المصلي في قيامه؟!
لهذا وجدنا ناسا تهجر المساجد القريبة، وبعضهم قد يسير مسافة قصر، ليحصل إماما يقرأ شيئا يسيرا من القرآن، أو له صوت حسن يعين على الخشوع، … وغفلوا عن مثل قول نبينا – صلى الله عليه وسلم -: "لِيُصَلِّ الرَّجُلُ فِي المَسْجِدِ الَّذِي يَلِيهِ، وَلا يَتَّبعِ المساجِدَ".
لماذا خص الله سبحانه وتعالى الصيام بقوله الصوم لي وأنا أجزي به؟
هذا الحديث حديث قدسي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه قال الله فيه كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به وخصه الله تعالى بنفسه لأن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله فإن العبادات نوعان نوع يكون ظاهراً لكونه قولياً أو فعلياً ونوع يكون خفياً لكونه تركاً فإن الترك لا يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل فهذا الصائم يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله عز وجل في مكان لا يطلع عليه إلا ربه فاختص الله تعالى الصيام لنفسه لظهور الإخلاص التام فيه بما أشرنا إليه وقد اختلف العلماء في معنى هذه الإضافة فقال بعضهم إن معناها تشريف الصوم وبيان فضله وأنه ليس فيه مقاصه أي أن الإنسان إذا كان قد ظلم أحداً فإن هذا المظلوم يأخذ من حسناته يوم القيامة إلا الصوم فإن الله تعالى قد اختص به لنفسه فيتحمل الله عنه أي عن الظالم ما بقي من مظلمته ويبقى ثواب الصوم خالصاً له.
ويكفي في فضل الصيام عن سائر العبادات، أن الله عز وجل خصَّه بأنْ أضافه إليه في الأجر والثواب، فقد جاء في الحديث القدسي عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنَّ الله سبحانه وتعالى قال: "كل عمل ابن ادم له، الحسنة بعشر أمثالها" انتبهوا! لأن هذا الحديث بعض الناس لا يفهم معناه! هذه الرواية تفسر، قال الله عز وجل في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها"، إذاً هذا ميزان مـــاذا؟ الجزاء والثواب، أن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إذاً كل عمل ابن آدم له عندي أنا أجازيه عليها الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" ماذا يعني؟ يعني أنا يا عبادي أجازيكم على الصوم ليس بهذا الميزان! أجازيكم بأكثر منه، شيءٌ أنا أجازيكم به بفضلي وبرحمتي وبمغفرتي وبعظمتي وبكبريائي وبعزتي، أنا الذي أجازيكم به، هذا معناه، فالصوم ليس على هذا الميزان، ومادام أضاف الله الجزاء إليه ما معنى ذلك؟ معناه: هل هو شيء عادي أو شيء عظيم؟ شيء عظيم! ولذلك، ألم نقل إنَّ الصوم هو نصف الصبر، فماذا يقول الله عن الصبر؟ يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ما معنى بغير حساب؟ يعني بغير الحساب الذي هو "الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف"، يعني أجره غير محدود، أجر الصوم غير محدود، فيكفي هذا الحديث في الدلالة على عظمة هذه العبادة، كل العبادات: الصلاة، الزكاة، الحج، الصدق، أي عبادة، أي تعامل، أي أمر وافقتَ فيه شرع الله، أنت مجازى عليه، الجهاد أنت مجازى عليه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم! أنت مجازى به بغير حساب، ماذا يعني بغير حساب؟ يعني بغير حساب الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، على غير هذا الحساب…..
مقتبس من شرحه على موطأ الامام مالك، كتاب الصيام الدرس الاول
حال السلف في رمضان
حالة السلف كما هو مدون في الكتب المروية بأسانيد الثقات عنهم أنهم كانوا يسألون الله عز وجل أن يبلغهم رمضان قبل أن يدخل يسألون الله أن يبلغهم شهر رمضان لما يعلمون فيه من الخير العظيم والنفع العميم ثم إذا دخل رمضان يسألون الله أن يعينهم على العمل الصالح فيه ثم إذا انتهى رمضان يسألون الله أن يتقبله منهم كما قال الله جل وعلا (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
أُولَئِك يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) وكانوا يجتهدون في العمل ثم يصيبهم الهم بعد العمل هل يقبل أو لا يقبل وذلك لعلمهم بعظمة الله عز وجل و علمهم بأن الله لا يقبل إلا ما كان خالصا لوجهه وصوابا على سنة رسوله من الأعمال فكانوا لا يزكون أنفسهم ويخشون من أن تبطل أعمالهم فهم لها أن تقبل أشد منهم تعبا في أدائها لأن الله جل وعلا يقول (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وكانوا يتفرغون في هذا الشهر كما أسلفنا للعبادة ويتقللون من أعمال الدنيا وكانوا يوفرون الوقت للجلوس في بيوت الله عز وجل ويقولون نحفظ صومنا ولا نغتاب أحداً ويحضرون المصاحف ويتدارسون كتاب الله عز وجل كانوا يحفظون أوقاته من الضياع ما كانوا يهملون أو يفرطون كما عليه حال الكثير اليوم بل كانوا يحفظون أوقاته الليل في القيام والنهار بالصيام وتلاوة القرآن وذكر الله وأعمال الخير ما كانوا يفرطون في دقيقة منه أو في لحظة منه إلا ويقدمون فيها عملا صالحا.
وفي حديث ابن عباس(أنّ المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً)متفق عليه
فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً فإنّ الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:6]، وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة:185] لطائف المعارف ص315
ولهذا حرص السلف رحمهم الله على الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان بين ذلك في سير أعلام النبلاء فمن ذلك …
كان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسه أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف
كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن
كان سعيد بن جبير يختم القرآن في كل ليلتين
كان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمه
كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلةٍ
كان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة
فإن قيام الليل هو دأب الصالحين وتجارة المؤمنين وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم فيشكون إليه أحوالهم ويسألونه من فضله فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها عاكفة على مناجاة بارئها،تتنسم من تلك النفحات وتقتبس من أنوار تلك القربات وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات
عن السائب بن يزيد قال: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبَي بن كعب وتميما الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان، فكان القاريء يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلاَّ في فروع الفجر . أخرجه البيهقي
وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر . أخرجه مالك في الموطأ
وعن نافع بن عمر بن عبد الله قال: سمعت ابن أبي ملكية يقول: كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها، وما يبلغني أنّ أحداً يسثقل ذلك . أخرجه ابن أبي شيبة
وعن عبد الصمد قال حدثنا أبو الأشهب قال: كان أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان لكل عشرة أيام
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إنّ جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة » متفق عليه
قال المهلب: وفيه بركة أعمال الخير، وأن بعضها يفتح بعضاً ويعين على بعض ألا ترى أن بركة الصيام ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي صلى الله عليه وسلم وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسلة
وقال الزين بن المنير: أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم
وقال ابن رجب: قال الشافعي رضي الله عنه: أحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصلاة عن مكاسبهم
كان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعشَّ تلك الليلة، وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام وقام فأعطاه السائل فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجِفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.
أحاديث لا تصح متعلقة برمضان
1* روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة لم يجزه صيام الدهر)
حديث ضعيف: انظر ضعيف أبي داود (413) وسنن ابن ماجه تخريج الألباني(1772)
والثابت عنه هو:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال : هلكت قال: وما أهلكك ؟قال وقعت على امرأتي في رمضان فقال النبي صلى الله عليه سلم أعتق رقبة، قال لا أجد قال :صم شهرين متتابعين، قال: لاأجد قال: أطعم ستين مسكينا، قال: لاأجد قال : اجلس، فبينما هو كذلك إذ أتي بمكتل يدعى العرق، فقال: اذهب فتصدق به، قال يارسول الله والذي بعثك بالحق، مابين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، قال: فانطلق فأطعمه عيالك)
البخاري ومسلم وانظر إرواء الغليل(939)
2* روي عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سئل النبي عن رجل قبّل امرأته وهما صائمان؟ قال: قد أفطرا)
حديث ضعيف جدا: انظر سنن ابن ماجه تخريج الألباني ( 1686)
والثابت عنه هو:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبّل ويباشر وهوصائم، وكان أملككم لأربه)
رواه البخاري ومسلم وانظر السلسلة الصحيحة (219-221)
3* روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)
حديث ضعيف: انظر سنن النسائي تخريج الألباني (2208) والتعليق الرغيب(2/73)
والثابت عنه هو:
(من قام شهر رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم.
4* روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال (اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا
فتقبل منا إنك أنت السميع العليم)
حديث ضعيف: انظر الكلم الطيب لإبن تيمية تحقيق الألباني ص(141) تخريج منار السبيل (931)
والثابت عنه هو:
قوله ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله )
حديث حسن: انظر صحيح سنن أبي داود(2066) وإرواء الغليل (920)
5* روي أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا ورجل يأكل، فلم يسم الله تعالى حتى لم يبق من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فيه، قال : بسم الله أوله وآخره، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ( ما زال الشيطان يأكل معه ، فلما ذكر الله استقاء ما في بطنه)
حديث ضعيف: انظر الكلم الطيب لابن تيمية تحقيق الألباني ص(150)
والثابت عنه هو:
عن عائشة رصي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله، فإن نسي أن يذكر الله تعالى في أوله ، فليقل: بسم الله أوله وآخره)
حديث صحيح: انظر السلسلة الصحيحة(197) والكلم الطيب لابن تيمية تحقيق الألباني ص (150)
عبارات عامية خاطئة لدى الجزائريين
إذا مدحت شخصا وقلتَ: فلان مليح يستدرك عليك بعض الناس ويقول لك: «لَملِيح رَبي»، والمليح هو البهيج الحسن المنظر، ويقصد الناس بقولهم: «فُلاَنْ مْلِيحْ»: أنه عاقل متخلق سمح سهل، والمليح ليس من أسمائه تعالى ولا صفاته، وإنما الله جميل، طيب، رفيق، قال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ»، وقال: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا»، وقال: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ».
وإذا قيل: «وِينْ لمَعَلَّمْ؟» كان الجواب عند بعض الناس: «لمَعَلَّمْ رَبِّي» يقصدون بذلك الحاكم المالك، ولكن لا يجوز تسميته بذلك لعدم ثبوته، والمعلم عند المتأخرين لقب لأرفع الدرجات في نظام الصناع، فقول القائل: «وِينْ لمعَلَّم؟» أي المسؤول الأول عن الشركة أو المصنع صحيح لا حرج فيه، أما الله عز وجل فهو الربّ الحَكَم الملِك المالك.
يطلقون هذه العبارة ويريدون بها أن الله لا يعجزه شيء، ولا يفلت من أخذه أحد، وربما يريدون بها سعة رزقه وعظم عطائه، ولكن هذه الصفة غير ثابتة، فالصواب أن نقول كما قال الله: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12]، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]،إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [إبراهيم:47].
ووصف يديه بالبسط في قوله: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء ُ[المائدة]، و«البسط»: سعة العطاء والكرم.
وهذه العبارة الشنيعة القبيحة فيها محظوران:
الأوَّل: وصفه – عزَّ وجلَّ – بالحيرة وهي الاضطراب.
الثَّاني: وصفه بالعجز والضعف وأنه غير قادر عليهم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرًا.
فالله – جلَّ وعلا – هو القوي المتين العلي العظيم العزيز الجبار، يمهل ولا يهمل ليس لعظمته حد ولا يعجزه أحد، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [فاطر:44].
وإذا كان الله – عزَّ وجلَّ – قد حفظ السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما أي لا يثقله – وهذا لكمال قدرته وعظمته وقوته وعزته، فكيف يعجزه عبده الضعيف الفقير العاجز الحقير، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، وقال: يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17].
تقال هذه الكلمة إذا نجَّى الله – عزَّ وجلَّ – عبده من هلاك مؤكد كالصبي مثلا: يهجم على النار أو الماء الحار فتلحق به أمه فتنقذه بإذن الله العزيز الغفار، أو يقوم الإنسان قبل سقوط الجدار الذي كان متكئا عليه، فيقولون: «رَبِّي مَا يحَبشْ الخَسَارَة».
ومفهوم الكلام أنه لو وقع مكروه لأحب الله الخسارة وهذا يتضمن اتهامه – عزَّ وجلَّ – بالظلم سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا، قال الله تعالى: وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، وفي الحديث القدسي قال الله – عزَّ وجلَّ -: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالمُوا»(4)، فالمصائب كلها بكسب الإنسان وإذن الملك الديان فالمرض والهلاك والموت بإذنه ومشيئته.
إن الله – جلَّ وعلا – خالق الخير والشر، قال الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2]، وله عز وجل في كل ذلك الحجة الدامغة والحكمة البالغة، بيد أن الشر لا يضاف إليه لأنه يكون في بعض مخلوقاته لا في فعله وخلقه ولهذا كان النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول في دعاء الاستفتاح: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالخَيْرُ كُلُّه في يَدَيْكَ والشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»(5).
إن خلقه وفعله فيه الخير والرحمة والعدل والحكمة، وقد تقع أمورٌ لا يحبُّها لكنَّه خلَقها وأرادها قَدَرًا لحِكَمٍ عظيمةٍ وفوائد جليلةٍ.
رمضان وآفة الغضب
إلى درجة أن بعض الناس جعل رمضان أو الصيام مبررا لأفعال مشينة غير مرضية في غير رمضان فضلا عن شهر الصيام والتوبة والغفران .. نذكر من هذه الأفعال أمر عُرف به الإنسان الجزائري وهو سرعة الغضب ولأتفه الأسباب .. لا سيما وأن يتوافق مع الصيام ..وإن سألته عن فعلته المشينة آتاك بعذر أقبح من ذنب وهو إني صائم (وكأن الصيام هو سبب غضبه)… والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن من سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرئ صائم .. نعم نحن نقول اني صائم ونسمعها كثيرا في رمضان لكن للأسف يُقصد بها غير مقصدها الشرعي ..الكثير من الحوادث والجرائم تكثر في شهر رمضان بسبب هذا الغضب .. فمثلا خلال الأسبوع الأول فقط من شهر رمضان شهدت مدينتي التي كانت هادئة حالتي قتل وحالة لجرح متعمد .. فالحالة الأولى راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر لم يبلغ بعد سن الثامنة عشرة ووحيد أمه وأبيه بين عدة أخوات اناث, الذي انتظره والداه ردحا من الزمن ليقوم الجاني في لحظة غضب بقتل فلذة كبد أبوين .. حلم سنوات ذهب في دقائق والسبب مناوشة بسيطة عن مكان لبيع البطيخ في السوق ليتوّجه الجاني مسرعا ليحضر خنجرا ويغدر بالشاب على حين غرة ويغرز خنجر طابع البطيخ غرزتين بجانب القلب ويفر هاربا تاركا الشاب يتخبّط في بركة من الدماء ولا حول ولا قوة إلا بالله….ومن يكون الجاني يا ترى؟ انه صديقه الحميم ومن نفس العائلة وسبق أن افطر عند الضحية مرة أو اثنتين وقد تم القبض عليه بعد ساعات من ارتكاب الجريمة … لا شك أنه نادم أشد الندم لكن لا ينفع الندم وقد قال صلى الله عليه وسلم " لا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا "
هذا مثال فقط عما يحدث في مجتمعنا اليوم .. وقد حذرنا الشرع الحكيم من هذا الامر الخطير وهو الغضب
وهاهنا نذكر أمور معينة على ترك الغضب من الشرع الحكيم وأقوال علماء الدين
فعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)) وقال ابن مفلح: (ويستحب لمن غضب أن يغير حاله، فإن كان جالسًا قام واضجع، وإن كان قائمًا مشى)
.
2- الالتزام بوصية النَّبي صلى الله عليه وسلم في عدم الغضب.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، دلَّني على عمل يدخلني الجنَّة. قال: لا تغضب)) .
3- ضبط النَّفس عن الاندفاع بعوامل الغَضَب.
4- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: ((كنتُ جالسًا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجلانِ يَستَبَّانِ، فأحدُهما احمَرَّ وجهُه وانتفخَتْ أوداجُه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إني لأَعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ، ذهَب عنه ما يَجِدُ)) .
وقال ابن القيِّم: (ولـمَّا كان الغَضَب والشهوة جمرتين من نار في قلب ابن آدم، أمر أن يطفئهما بالوضوء، والصلاة، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [البقرة: 44-45] الآية. وهذا إنما يحمل عليه شدة الشهوة، فأمرهم بما يطفئون بها جمرتها، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة، وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغاته، ولـمَّا كانت المعاصي كلها تتولد من الغَضَب والشهوة، وكان نهاية قوة الغَضَب القتل، ونهاية قوة الشهوة الزنى، جمع الله تعالى بين القتل والزنى، وجعلهما قرينين في سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة.
والمقصود: أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قُوتَي الغَضَب والشهوة من الصلاة والاستعاذة) .
5- السكوت:
قال ابن رجب عن السكوت: (وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغَضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيرًا من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُه، فإذا سكت زال هذا الشرُّ كلُّه عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي رحمه الله: ما امتلأتُ غيظًا قَطُّ، ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليه إذا رضيتُ) .
6-أن يذكر الله عزَّ وجلَّ فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه:
قال الله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: 24] قال عكرمة: يعني إذا غضبت. وقال سبحانه: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200]، ومعنى قوله ينزغنك أي: يغضبنك، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 36]، يعني أنَّه سميع بجهل من جهل، عليمٌ بما يُذهب عنك الغَضَب…
7- أن يتذكر ما يؤول إليه الغَضَب من الندم ومذمة الانتقام.
8 – أن يذكر انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتغير الناس عنه، فيرغب في التألف وجميل الثناء .
9- أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف في الآخرة.
10- أن يتفكَّر في قبح صورته عند الغَضَب.
11- أن يتفكَّر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيرًا في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك! وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين!
12- أن يعلم أن غضبه إنَّما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى .
13- أن يذكر ثواب من كظم غيظه:
قال سبحانه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134].
(قوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37].
(أي: قد تخلَّقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة، حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغَضَب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح، فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير).
وقال ابن كثير في تفسيره للآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم، تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس) (11) .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف: 201].
قال سعيد بن جبير: (هو الرجل يغضب الغَضَبة، فيذكر الله تعالى، فيكظم الغيظ)
من نعم الله علينا
وأعظم النعم بعد الإيمان العافية والأمن، فالأمن ضد الخوف، الأمن طمأنينة القلب وسكينته وراحته وهدوؤه، فلا يخاف الإنسان مع الأمن على الدين، ولا على النفس، ولا على العرض، ولا على المال، ولا على الحقوق.
فالأمن أصل من أصول الحياة البشرية، لا تزدهر الحياة ولا تنمو ولا تخلو بغير الأمن.
ما قيمة المال إذا فقد الأمن؟! ما طيب العيش إذا انعدم الأمن ؟! كيف تنتعش مناشط الحياة بدون الأمن؟!.
الأمن تنبسط معه الآمال، وتطمئن معه النفوس على عواقب السعي والعمل، وتتعدد أنشطة البشر النافعة مع الأمن، ويتبادلون المصالح والمنافع، وتكثر الأعمال المتنوعة التي يحتاج إليها الناس في حياتهم مع الأمن، وتدر الخيرات والبركات مع الأمن، وتأمن السبل، وتتسع التجارات، وتُشيد المصانع، ويزيد الحرث والنسل، وتحقن الدماء، وتحفظ الأموال والحقوق، وتتيسر الأرزاق، ويعظم العمران، وتسعد وتبتهج الحياة في جميع مجالاتها مع الأمن.
وقد امتنّ الله على الخلق بنعمة الأمن، وذكّرهم بهذه المنّة، ليشكروا الله عليها، وليعبدوه في ظلالها، قال الله تعالى: أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً ءامِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء رّزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ[القصص:57]. وقال تعالى: فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـذَا لْبَيْتِ لَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ[قريش3-4].
وعن عبيد الله بن محسن الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) [رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن"].
والإسلام عني أشد العناية باستتباب الأمن في مجتمعه، فشرع الأوامر، ونهى عن الفساد والشرور، وشرع الحدود والزواجر الرادعة، قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى لْبرِ وَلتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَلْعُدْوَانِ [المائدة:2].
وأخبرنا الله تعالى أن الأمن لمن عمل الصالحات، واستقام على سنن الهدى، وابتعد عن سبل الفساد والردى، قال تعالى: لَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ لاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: ((اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، هلال خير ورشد، ربي وربك الله))
بعد رمضان … ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها
وإذا كان المسلمون قد ودَّعوا شهر رمضان موسم الغفران والعتق من النيران وموسم التنافس في طاعة الرحمن فإنهم لم يودِّعوا بتوديعه أبواب الخيرات ، فلا تزال مواسم الخيرات متجددة وأبواب الخيرات متتالية ، وينبغي على عبد الله المؤمن أن يغنم حياته وأن يستغل وجوده في هذه الحياة لاغتنام كل مناسبة كريمة ووقت فاضل متسابقاً مع المتسابقين في الطاعات مسارعاً لنيل رضا رب البريات سبحانه وتعالى .
وإن من علامات قبول الطاعة الطاعةَ بعدها ، والحسنة تنادي أختها ، وقد قال أهل العلم رحمهم الله تعالى : إن من علامة قبول طاعة الصيام والقيام في شهر رمضان أن تكون حال العبد بعد رمضان حال سكينةٍ ووقار وشكرٍ لله تبارك وتعالى وإحسانٍ في الإقبال على الله عز وجل ، فإذا كان العبد كذلك فإن ذلك من أمارات القبول وعلامات الخيرية . أما إذا كانت حالُ العبد بعد رمضان تحوُّلا من الطاعة إلى الإضاعة وإقبالا على المعاصي والآثام فليس ذلكم من أمارات الخير ، ولقد قال أحد السلف قديماً عندما حُدِّث بحال بعض الناس يجتهدون في شهر رمضان وإذا انقضى فرطوا قال : " بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان " .
وهاهنا مثلٌ عظيم يجدر الإشارة إليه والتنبيه عليه ؛ أرأيتم لو أن امرأةً كانت تُحسن الغزل وتتقنه فأخذت شهراً كاملا تُبرم غزلها وتحكِمه وتتقنه فلما أكملت شهراً نصباً وتعباً وجِدّا عادت إلى غزلها تنقضه بعد إحكامه كيف يقول القائلون عنها ؟! وماذا يتحدَّث الناس عن حالها ؟! فإنها حالٌ بئيسةٌ مفارقةٌ للعقل والحكمة ، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى منبهاً لهذا الأمر عباده : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}[النحل:92] . نعم إذا وُفِق العبد لطاعة الله جل وعلا وأقبلت نفسه على الطاعة وتمرَّنت على العبادة وراضت للطاعة ولانت بعد انفلاتها لا يليق بحال عبد وفَّقه الله لذلك أن ينقض هذا المحكَم المبرَم وأن يتحول إلى حالة يعلم من نفسه أنها لا ترضي ربه تبارك وتعالى .
خاتمة.. نسأل الله حسنها
كانت هذه عبقات وقطوف من هنا وهناك متعلقة بالشهر المبارك
نسأل الله تعالى أن ينفع بها ويكتب بها لنا ولكم الأجر ويحط بها عنا وعنكم الوزر
وتقبل الله منا ومنك صالح العمل
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد ان لا إله إلا أنت أستغفر وأتوب إليك
ربي يبارك
ممتاز يا أستاذ
وجازاك الله خير الجزاء
مجهود طيب
تقبل الله منا ومنك
بالتوفيق
ماشاء الله انتقيت أنفع المواضيع ، حتّى أنك تطرقت لنقاط جديدة لم يسبقك لها أحد ، جعل الله عملك في موازين حسناتك .
تقبّل الله منّا ومنكم صالح الأعمال .
فمرحبا بالجميع في هذه الخيمة ..
خيمتنا هذه فيها من الابواب:
الصوم لعلكم تتقون مسألة علمية رمضانية حال السلف في رمضان أحاديث لا تصح متعلقة برمضان عبارات عامية خاطئة لدى الجزائريين رمضان وآفة الغضب من نعم الله علينا بعد رمضان … ولا تكونو كالتي نقضت غزلها خاتمة.. نسأل الله حسنها
|