تخطى إلى المحتوى

العائدون إلى الوراء و الراكضون خلف السراب 2024.

  • بواسطة

بسم الله الرحمن الرحيم

العائدون إلى الوراء و الراكضون خلف السراب

الحمد لله رب العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين .

الطريق إلى طلب العلم و الدعوة إلى الله – عزّ و جلّ – طويلة و شاقة , و لا تخلو مِن عثرات و زلاّت , و سواء قلّتْ أم كثرُت تكون صعبة لمن لم يستفد مِن عثراته و زلاّته , و ربما تكون فاتحة خير لمن تعلـّم

و استفاد للوصول إلى تحقيق مرضات الله عزّ و جلّ .

فالذين تنكّبوا طريق السلف , تراهم حيارى , لم يسلكوا طريق العلم و العلماء , فتراهم يقدّمون رِجْلاً

و يؤخّرون أخرى , و كلما ساروا قليلاً رجعوا إلى الوراء , فهؤلاء ضلوا الطريق , و عاشوا صراعاً مريراً مع أنفسهم لأنهم ظنّوا أنّ السراب ماء, فخابوا و خسروا و بِئس ما فعلوا .

فالخطأ صفة ملازمة للإنسان لا ينجو منها أحد إلا الأنبياء المعصومين , لقوله- صلى الله عليه و سلم- :" كلُّ ابن آدم خطّاء و خيرُ الخطائين التوابون "

(رواه الترمذي و إسناده صحيح)

و الخطأ في حد ذاته ليس عيباً , و لكن العيب أنْ تعرف الخطأ و تُصرُّ عليه عناداً و استكباراً , فلا ينظر المخطئ إلى المسائل العلمية إلا بمنظاره , فيدور في فلكه قبولاً و رداً , فلا يقبل قول غيره و لا يسمع بعد قوله قولاً مِن غير حجة و لا برهان , و الحق ما قاله شيخه و إن خالف الدليل , و الباطل ما خالف قول شيخه ولو دلَّ عليه الدليل , و هذا في حقيقة الأمر هو التعصب لآراء الرجال و أقوالهم , و هذا هو الذي أجمعتْ عليه الأمة على أنَّه محرم في دين الله , و هذا اضطراب في منهج التلقي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :" و ليس مما أمر اللهُ به و رسولُه , و لا مما يرتضيه عاقل , أنْ تقابل الحجج القوية بالمعاندة و الجحد , بل قول الصدق , و التزام العدل لازم عند جميع العقلاء "

( درء تعارض العقل و النقل 9/207 )

فعلى طالب العلم أنْ يتبع الدليل , و لا يلتفت إلى مخالفِهِ مهما كان , و كذا المخالف عليه أنْ يقبل النقد بدليله , و هذا يُعتبر ضرورة ملحة لا يُستغنى عنها , و هذا هو العدل و الإنصاف و التجرد لله , و هو مِن باب النصيحة و التواصي بالحق المأمور به شرعاً , و لا نتعصب لأحد على حساب أحد , و لا نترك العلم من أجل فلان , و لا نهجر أحداً من أجل فلان , و لا نرجع إلى الوراء من أجل فلان , و لا نركض خلف السراب مِن أجل فلان ,فالمقياس في هذا كله الإتباع,وليس الهوى والتقليد و التعصب,فالحق أحق أن يتبع .

و الطريق الوحيد للخروج من هذا التخبط المنهجي , هو طريق أهل السنة و الجماعة , طريق الطائفة المنصورة و الفرقة الناجية , أهل الحديث و الأثر , و التميُّز عن أهل الأهواء و البدع , و التحذير من الذين يدّعون كذباً و زوراً – وواقعهم يشهد بذلك – أنهم على منهج أهل السنة و الجماعة , و مفاصلتهم , و عدم الركون إليهم و الاغترار بهم .

و مِن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين يتبعون العلم و العلماء , حيث النور و الهداية , و بين الذين يركضون خلف السراب , لا حصّلوا علماً نافعاً , و لا نالوا بركته , إنما الغيبة و النميمة و الأكل من لحوم العلماء .

قال تعالى : " و لو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم و أشدَّ تثبيتاً " فلو ربطوا أنفسهم بالقرآن و السنة تلاوةً و حفظاً و تفسيراً و تدبراً , لانعكس ذلك على أخلاقهم و سلوكهم , و معاملاتهم , و لكن جعلوا القيل و القال جلَّ همهم و شُغلهم الشاغل .

فهل هذا المنهج يقوِّي الإيمان و يزكِّي النفوس بالصلة بالله ؟ أم هو الكذب و التتبع لعورات المسلمين , و الانتكاسات تلو الانتكاسات , و إثارة الفتن و القلاقل بين أصحاب المنهج الواحد لتفريق كلمتهم و صرفهم عن دروسهم العلمية , حسداً و غيرةً و حقداً و كرهاً , حتى تفرغ الساحة للجهلة أمثالهم , فويلٌ لهم عند ربهم .

قال تعالى : " و أنيبوا إلى ربكم و أسلموا له مِنْ قبل أنْ يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون "

ألا تتعظون بغيركم , ألا تتعظون بعيوبكم و أخطائكم , كفاكم رجوعاً إلى الوراء , كفاكم ركضاً خلف السراب , تركتم نعمة ربكم عليكم , و لم تحافظوا عليها , حرمتم أنفسكم من خير بقاع الأرض ( المساجد ) و هجرتم رياض الجنة ( مجالس العلم ) و ما زلتم تُصرّون على أنَّ السراب ماء , فالسراب هو السراب فلا تضيعوا أوقاتكم بالركض خلفه , تقدَّموا إلى الأمام , إلى العلم و العلماء , إلى الخُلُق و الأدب , إلى الاستفادة مِن أوقاتكم ,إلى طاعة ربكم , فلا خير فيكم إنْ لم تضعوا أيديكم في أيدي إخوانكم طلاب العلم السلفيين , و تشدّوا أزرهم , حتى لا تتخطفكم شياطين الإنس و الجن .

قال – صلى الله عليه و سلم – :" يد الله مع الجماعة و مِنْ شذَّ شذَّ إلى النار "

( رواه الترمذي و الحديث صحيح )

و أولى الناس بالموالاة و المحبة بعد موالاة الله ومحبة رسوله – صلى الله عليه و سلم – العلماء .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله :" فيجب على المسلمين بعد موالاة الله تعالى و رسوله – صلى الله عليه و سلم – موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن, خصوصاً العلماء الذين هم ورثة الأنبياء , الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يُهتدى بهم في ظلمات البر و البحر, و قد أجمع المسلمون على هدايتهم و درايتهم "

( رفع الملام عن الأئمة الأعلام ص 3 )

فطريق العلم و العلماء نور , و طريق حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام سراب , و من سلك هذا الطريق , عَلِم الفرق بينهما , فعوامُّ الناس يدركون هذه الفروقات و بكل سهولة فضلاً عن طلاب العلم .

فهؤلاء القوم حُرموا الرفق , و مِنْ ثَمَّ حُرموا الخير كله , كما قال – صلى الله عليه و سلم – :

" مَنْ يُحرم الرفق يُحرم الخير كله "( رواه مسلم)

و لم يقتصروا على هذا , بل سلكوا سبل التنفير , فتراهم يتفننون في ابتكار أساليب منفرة لصرف الناس عن هذه الدعوة المباركة , دعوة الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة , تارة بالكذب , و تارة بالتحذير

و التشهير , و تارة بالغمز و اللمز , و كل هذه الأساليب الشيطانية تحت شعار مصلحة الدعوة – زعموا – و لو نطقوا بالحق لقالوا كل هذه الأساليب انتصاراً للنفس و الهوى , فأين هم مِن منهج الأنبياء و الرسل في الدعوة إلى الله .

قال تعالى :" ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن "

و قال – صلى الله عليه و سلم – :" يسِّروا و لا تُعسِّروا و بشِّروا و لا تُنفِّروا "

( متفق عليه)

و أين هم مِن أخلاق الأنبياء و الرسل مِن الصدق و الأمانة و غيرهما مِن الأخلاق الحميدة التي تُقرِّب صاحبها مِن مجلس النبي صلى الله عليه و سلم – يوم القيامة .

قال- صلى الله عليه و سلم – :" إنَّ مِن أحبكم إليّ و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً , و إنّ أبغضكم إليّ و أبعدكم مني يوم القيامة , الثرثارون و المتشدقون و المتفيهقون " قالوا : يا رسول الله قد علمنا الثرثارون و المتشدقون , فما المتفيهقون ؟ قال : " المتكبرون "

(رواه الترمذي و الحديث صحيح)

و " الثرثار " :-هو كثير الكلام تكلفا ً, و" المتشدق " :-المتطاول على الناس بكلامه و يتكلم بملء فيه تفاصحاً و تعظيماً لكلامه , هذه هي أخلاقهم التي اكتسبوها مِن بعضهم البعض بلا ورع و لا تقوى و لا دين , فسيأتي اليوم الذي يُسقط فيه بعضُهم بعضاً , و ها هي سقطاتهم بدأت تظهر على حالهم .

قال تعالى :" و لا يحيقُ المكرُ السيئ إلا بأهله "

فندعو الله أن يجعل كيدهم في نحورهم و نعوذ به مِن شرورهم .

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه
سمير المبحوح
26/ محرم / 1445 هــ

منقول من منتديات البيضاء العلمية

الجيريا

بارك الله فيك أخي.
: إذا أردتَ الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردتَ الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معًا فعليك بالعلم

بارك الله فيك وجزاك خيرا

آمين وفيكم بارك الرحمن

الجيريا

بارك الله فيك اشكرك على موضوعك القيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.