ما تقدّمه تكنولوجيا الاتصالات الحديثة من خدمة التعليق على كلّ ما يُنشر، مرئيًا أو مسموعًا أو مكتوبًا، خدمة مهمّة، جعلت من المستخدم مشاركًا فعّالا مؤثّـرًا، بعد أن كان مجرّد متلقٍ متأثّـر في الغالب.
إنّ هذه النّعمة، كغيرها من النّعم، لا يحسن كثيرون الانتفاع بها، ولا يؤدّون شكرها؛ فتراهم يتجاوزون حدود الشَّرع فيها، بل يحوّلها بعضهم إلى باب من أبواب العصيان: فُحشًا في القول، وسَبًّا للدِّين، وشتمًا للنّاس، وسخرية بالخَلق، وفجورًا في الكلام، واستهزاءً بالمقدسات، واستطالة في الأعراض، وخوضًا في الباطل، ونشرًا للرّذيلة، ومحاربة للفضيلة، وحطًّا من أقدار أهل العلم والمروءة.. إلخ.
وربّما يكون من أهم أسباب انجراف النّاس نحو هذه الهاوية، وعدم تورّعهم أمران أساسيان: الأوّل استخدام الأسماء المستعارة، واعتبار الأمر لهوا ولعبا. والثاني الظّنّ بأنّنا لا نحاسب على ما نكتبه هناك؛ فالأوّل أسقط الحياء من الخَلق، والثاني أسقط الخوف من الخالِق، والّذي لا يخشى خالقًا، ولا يستحي من مخلوق يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء!
ألاَ فلنعلم أنّ كلّ كلمة نقولها أو نكتبها، على الأوراق أو على الهاتف أو الكمبيوتر أو على الصّخر أو على أيّ شيء يُكتب عليه، سنُحاسب عليه وهو مسجل علينا، لقوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق:81. بل أكثـر ما يدخل النّاس النّار كلامهم الّذي يقولونه أو يكتبونه، فعن معاذ بن جبل: قال قلت: يا نبي اللّه وإنّا لمؤاخذون ممّا نتكلّم به؟ فقال: ”ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلاّ حصائد ألسنتهم”، رواه الترمذي. وعن أبى هريرة قال: سُئِلَ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: مَا أَكْثَـرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ قال: ”التَّقْوَى وَحُسْنُ الْخُلُقِ”. وسُئل: مَا أَكْثَـرُ مَا يُدْخِلُ النّار قال: ”الأَجْوَفَانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ”، رواه الترمذي. وعنه عن رسول اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ”مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّه واليَومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللّه واليَوْمِ الآخِرِ فَليُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ واليَومِ الآخرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ”، رواه البخاري ومسلم.
ومن أشدّ الأحاديث الّتي يجب أن تذكّر ويذكر بها في هذا المقام، قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ”إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مِنْ رِضْوَانِ اللّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَرْفَعُ اللّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ”، رواه البخاري. وفي رواية أخرى: ”إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ”، رواه البخاري ومسلم.
فلا ريب أنّ من أصدق الصور الّتي يتناوله الحديث التّعليقات على الأنترنت، والفايسبوك وغيره من مواقع التواصل، حيث يكتب الواحد منّا كلمات، لا كلمة واحدة، لا يلقي لها بالاً، وقد تكون عاقبتها عليه وبالاً.
إنّنا لا نختلف في حرية المرء في التّعليق، برفض أو موافقة، وبقبول أو ردّ، وباستحسان أو استهجان ما يعرض عليه، ولكن هذه الحرية لابدّ أن تنضبط بالشّرع الكريم والأدب القويم، ومن المتفق عليه أنّه لا يوجد ناشر على مختلف الصفحات أسوأ من فرعون، ولا معلّق أكرم من موسى وهارون عليهما السّلام، ومع ذلك كان الأمر الربّاني لهما بالتزام القول اللين: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى × فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} طه:34-44. والمسلم في كلّ الأحوال مُلزَم بقول اللّه عزّ وجلّ {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا بِينًا}، الإسراء:35.
ويشمل الأمر الإلهي كلّ الحالات والظروف، كما يوضّحه قول الإمام ابن باديس عليه شآبيب الرّحمة: ”و(الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هي الكلمة الطيّبة، والمقالة الّتي هي أحسن من غيرها؛ فيعم ذلك ما يكون من الكلام في التخاطب العادي بين النّاس، حتّى ينادي بعضهم بعضًا بأحبّ الأسماء إليه. وما يكون من البيان العلمي فيختار أسهل العبارات وأقربها للفهم حتّى لا يحدث النّاس بما لا يفهمون، فيكون عليهم حديثه فتنة وبلاء. وما يكون من الكلام في مقام التنازع والخصام فيقتصر على ما يوصله إلى حقّه في حدود الموضوع المتنازع فيه، دون إذاية لخصمة، ولا تعرض لشأن من شؤونه الخاصة به. وما يكون من باب إقامة الحجّة وعرض الأدلة، فيسوقها بأجلى عبارة وأوقعها في النّفس، خالية من السبّ والقدح، ومن الغمز والتّعريض، ومن أدقّ تلميح إلى شيء قبيح. وهذا يطالب به المؤمنون سواء كان ذلك فيما بينهم، أو بينهم وبين غيرهم”.
منقول عن الدكتور يوسف نواسة
أستاذ الشريعة بجامعة الجزائر
إنّ هذه النّعمة، كغيرها من النّعم، لا يحسن كثيرون الانتفاع بها، ولا يؤدّون شكرها؛ فتراهم يتجاوزون حدود الشَّرع فيها، بل يحوّلها بعضهم إلى باب من أبواب العصيان: فُحشًا في القول، وسَبًّا للدِّين، وشتمًا للنّاس، وسخرية بالخَلق، وفجورًا في الكلام، واستهزاءً بالمقدسات، واستطالة في الأعراض، وخوضًا في الباطل، ونشرًا للرّذيلة، ومحاربة للفضيلة، وحطًّا من أقدار أهل العلم والمروءة.. إلخ.
وربّما يكون من أهم أسباب انجراف النّاس نحو هذه الهاوية، وعدم تورّعهم أمران أساسيان: الأوّل استخدام الأسماء المستعارة، واعتبار الأمر لهوا ولعبا. والثاني الظّنّ بأنّنا لا نحاسب على ما نكتبه هناك؛ فالأوّل أسقط الحياء من الخَلق، والثاني أسقط الخوف من الخالِق، والّذي لا يخشى خالقًا، ولا يستحي من مخلوق يقول ما يشاء ويفعل ما يشاء!
ألاَ فلنعلم أنّ كلّ كلمة نقولها أو نكتبها، على الأوراق أو على الهاتف أو الكمبيوتر أو على الصّخر أو على أيّ شيء يُكتب عليه، سنُحاسب عليه وهو مسجل علينا، لقوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق:81. بل أكثـر ما يدخل النّاس النّار كلامهم الّذي يقولونه أو يكتبونه، فعن معاذ بن جبل: قال قلت: يا نبي اللّه وإنّا لمؤاخذون ممّا نتكلّم به؟ فقال: ”ثكلتك أمّك يا معاذ، وهل يكبّ النّاس في النّار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلاّ حصائد ألسنتهم”، رواه الترمذي. وعن أبى هريرة قال: سُئِلَ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: مَا أَكْثَـرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ قال: ”التَّقْوَى وَحُسْنُ الْخُلُقِ”. وسُئل: مَا أَكْثَـرُ مَا يُدْخِلُ النّار قال: ”الأَجْوَفَانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ”، رواه الترمذي. وعنه عن رسول اللّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ”مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللّه واليَومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللّه واليَوْمِ الآخِرِ فَليُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ واليَومِ الآخرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ”، رواه البخاري ومسلم.
ومن أشدّ الأحاديث الّتي يجب أن تذكّر ويذكر بها في هذا المقام، قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ”إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مِنْ رِضْوَانِ اللّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَرْفَعُ اللّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللّهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ”، رواه البخاري. وفي رواية أخرى: ”إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ”، رواه البخاري ومسلم.
فلا ريب أنّ من أصدق الصور الّتي يتناوله الحديث التّعليقات على الأنترنت، والفايسبوك وغيره من مواقع التواصل، حيث يكتب الواحد منّا كلمات، لا كلمة واحدة، لا يلقي لها بالاً، وقد تكون عاقبتها عليه وبالاً.
إنّنا لا نختلف في حرية المرء في التّعليق، برفض أو موافقة، وبقبول أو ردّ، وباستحسان أو استهجان ما يعرض عليه، ولكن هذه الحرية لابدّ أن تنضبط بالشّرع الكريم والأدب القويم، ومن المتفق عليه أنّه لا يوجد ناشر على مختلف الصفحات أسوأ من فرعون، ولا معلّق أكرم من موسى وهارون عليهما السّلام، ومع ذلك كان الأمر الربّاني لهما بالتزام القول اللين: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى × فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} طه:34-44. والمسلم في كلّ الأحوال مُلزَم بقول اللّه عزّ وجلّ {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا بِينًا}، الإسراء:35.
ويشمل الأمر الإلهي كلّ الحالات والظروف، كما يوضّحه قول الإمام ابن باديس عليه شآبيب الرّحمة: ”و(الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) هي الكلمة الطيّبة، والمقالة الّتي هي أحسن من غيرها؛ فيعم ذلك ما يكون من الكلام في التخاطب العادي بين النّاس، حتّى ينادي بعضهم بعضًا بأحبّ الأسماء إليه. وما يكون من البيان العلمي فيختار أسهل العبارات وأقربها للفهم حتّى لا يحدث النّاس بما لا يفهمون، فيكون عليهم حديثه فتنة وبلاء. وما يكون من الكلام في مقام التنازع والخصام فيقتصر على ما يوصله إلى حقّه في حدود الموضوع المتنازع فيه، دون إذاية لخصمة، ولا تعرض لشأن من شؤونه الخاصة به. وما يكون من باب إقامة الحجّة وعرض الأدلة، فيسوقها بأجلى عبارة وأوقعها في النّفس، خالية من السبّ والقدح، ومن الغمز والتّعريض، ومن أدقّ تلميح إلى شيء قبيح. وهذا يطالب به المؤمنون سواء كان ذلك فيما بينهم، أو بينهم وبين غيرهم”.
منقول عن الدكتور يوسف نواسة
أستاذ الشريعة بجامعة الجزائر
بارك الله فيك اخي على الموضوع القيم
شكرا لك اخي
للرفع والتذكير
بارك الله فيك ومشكور على الموضوع