أبكى النبي وتنازعت عليه قريش وغيرت الخطايا لونه
عشّاق " الحجر الأسود ".. يروون قصة " ثاني القبلتين " !
هل غادر الكاتبون والعاشقون من شيء لم يكتبوه نثراً أو شعراً عن " وجنة الكعبة " ، التي ساوت بين عشاقها الفقراء والأغنياء والعبيد والأحرار؟ أم ينقص ياقوتة مكة والهون وضحايا عشق جدد، وقتلاها في الأرض هم الآلاف المؤلفة بحق حتى تحفل بفرد ينضم إلى طابور " الواصلين " ، أو تتطيب لمسكين أتى من الهند أو إفريقيا أو موزمبيق؟ تلك الأسئلة وأضعافها معها لا يجد المسلمون في كل أنحاء الدنيا بسائر طوائفهم وقتاً لتأملها أو إثارتها. إنهم يسرعون إلى "الوجنة" لإطفاء لظى أشواقهم على جيدها، وهي دوماً توزع مفاتنها بينهم بالقسطاس، كما فعلت مع آباء وأجداد، وأمم قد خلت.
لا جرم أن البنية الشريفة، ووجنتها الفاتنة، لو كان سيدها غير "رب العالمين" وهي بالغلاء المشهود، لكان حظ من لم يؤت بسطة في المال والجاه والحسن منها، أقل من نصيب شخص شاب أو قل ماله في بنات آدم. كما يؤكد الخبير بهن في عهد العرب البائدة. لكن قانون (إن أكرمكم عند* الله* أتقاكم*)،* جعل* في* حسناء* مكة* نصيباً* لكل* عاشق،* منذ* إبراهيم* الخليل،* حتى* اليوم*.
وإذا كان فتيان مكة وما جاورها قديماً، ومعظم المواطنين والمقيمين في السعودية حديثاً، يعتبرون "الظفر" بقبلة هنالك مسألة لا تستحق حفلة أو رواية، فإن المسلمين في أنحاء العالم كله، يعدون لحظات مثل تلك، "موقع السجدة" في عمرهم المليء كأعمارنا أجمعين، باللغو والفسوق* والرفث*.
بل إنك تجد في بعض البلدان أناساً ما هم بمنافقين ولا بأجراء، يشترون الشماغ السعودي بدراهم لا يملكون سواها، إذ يظنونه على صلة قرابة بالكعبة والمسجد النبوي! أما إذا ظفر أحدهم بشربة زمزم، فإن جنة الخلد في انتظاره بمجرد توديع هذه الحياة، بحسب اعتقاده.
وهنالك سائقو أجرة يعملون ليلا ونهار، ليس لأداء حج أو عمرة ليست مفروضة عليهم أصلاً، ولكن أملاً في مداواة جحيم الغرام الذي يستعر في صدورهم بـ "قبلة" على وجنة الكعبة المشرفة. ولكن هل غير النقل المباشر للصلاة في الحرمين شيئاً من ذلك الشغف والشوق؟ كلا.. بل زاده* وضاعفه*!
ويروي الرحالة السعودي الشيخ محمد العبودي، كيف أن كثيراً من المسلمين في أنحاء البلدان عندما يعلمون أن الوفد الذي يترأسه قادم من السعودية (أرض الحرمين) يقبلون عليهم بأعين دامعة، يتمسحون ويبكون. وقطعاً لكل سعودي خرج من بلاده قصة مع عاشقي الكعبة ومسجد النبي الأكرم*.
غير أن المثير ربما للحيرة، أن "الحياة" عندما سألت نحو 30 شخصاً من مثقفين ومفكرين وأساتذة جامعات سعوديين عما إن كانوا يتذكرون "قصة" قبلتهم الأولى للحجر الأسود، أجاب معظمهم بالنسيان، وطلب بعضهم (الستر) لأنه لم يجرب وصالاً من هذا النوع بعد! فيما أعربت قلة عن دهشتها،* ولا* تدري* بأي* شيء* تصف* شعورها* في* لحظات* اللثم* الأولى*. لكن* مصطفين* بين* هؤلاء* وأولئك* لم* تطمس* ذاكرتهم* غبرة* النسيان،* حاولوا* تذكر* شيء* من* خلجات* أنفسهم،* ساعة* احتضان* البنية* الشريفة*.
* جئت بكل أركاني، وأقبلت على الحجر أحتضنه، بعد ساعة انتظار وتزاحم طويلة، ولكن ما إن بدأ الوصال الحميم، حتى أفسدت علي عجوز إيرانية متعتي، وجعلت تشدني بثيابي وتتوسل إلي أن أمنحها لحظة رشفة، فانتزعتُ من الموقع نفسي وأنا به شغوف، وسألت الله أن يمن علي بقبلة أخرى*!
محمدون* بن* بكرين / حاج* جزائري* – الجنوب
* استحضرت بكاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان، وأني سأضع شفتي موضوع شفته الشريفة! واستحضرت إشهاد ربي عز وجل أني من أهل التوحيد، وأني سأجادل بلا إله إلا الله يوم القيامة، فأسأل الله الممات عليها.
د*. حاتم* الشريف /أستاذ* السنة،* عضو* مجلس* الشورى
* أول* مرة* قبلت* فيها* *"الحجر* الأسود*"* عندما* حججت* مع* والدي* غفر* الله* له،* كنت* بحدود* الـ18،* ولا* أذكر* إحساسي* وقتها،* ولا* أذكر* أنني* تأثرت،* ربما* لصغر* سني*!
لكن بعد، عندما قبلته في المرة الثانية، شعرت بشعور عظيم عندما تذكرت أن سيدي رسول الله قبله، وأنني في مكان تسكب فيه العبرات، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لقد أحسست أن الذي أمامي كوكبٌ دري باهر البياض، مشرق بالنور، مفعم بعبق الجنة.
حمد* القاضي /أديب* سعودي،* عضو* مجلس* الشورى
* أحسست* بشعور* غريب،* ربما* كان* استغلالاً* من* الشيطان* للموقف،* طردته* بمقولة* عمر* بن* الخطاب* رضي* الله* عنه،* عندما* قبل* الحجر*.
د*. علي* النفيسة /مدير* التوجيه* في* وزارة* الداخلية
* سامحني،* نسيت* مع* الأيام*!
د*. عايض* القرني /داعية* سعودي
* لا أتذكر المرة الأولى، وإنما كنت أشعر بهيبة وحنين وأنا أمام "الحجر الأسود"، متذكراً أن النبي صلى الله عله وسلم قال إنه من أحجار الجنة ولكن سودته ذنوب بني أدم. مع يقيني أنه حجر لا ينفع ولا يضر.
د*. عمر* العتيبي /وزارة* الدفاع* والطيران
* كانت القبلة الأولى في المرحلة الثانوية، قبل ما يزيد عن ثلاثين سنة، ضمن رحلة مدرسية، أحسست حينها ببعد ما نتعلمه في مدارسنا عن واقعنا، فالتعليم في واد والحقائق في واد آخر، فأنا عندما رأيت الحجر الأسود زادت حيرتي، إذ معلوماتي عنه لا تؤهلني لأكثر من الحيرة.
أ*.د*. ظافر* بن* علي* القرني /جامعة* الملك* سعود
* لا* أذكر* متى* تحديداً،* ولكني* كنت* صغيراً،* والإحساس* كان* بأنني* عملت* شيئاً* مهماً* جداً*.
حسين* شبكشي /كاتب* سعودي
* أول مرة قبلت الحجر الأسود كان عمري 15 عاماً، وكان ذلك في شهر رمضان، حيث انتظرت من الفجر إلى الإشراق أملاً بأن يخف الزحام ولكن هيهات! تقدمت بثقة، وبمساعدة أحد الباكستانيين استطعت أن أقبل الحجر الأسود، حيث بكيت من الفرحة، وشعرت وقتها أني بدأت صفحة جديدة مع* خالقي* جل* في* علاه*.
إبراهيم* الشهري /أرامكو* السعودية
*شكراً* جزيلاً* على* بادرتك،* ولكن* للأسف* لم* أقبله،* الكذب* خيبة،* لا* سيما* في* رمضان*!
خالد* الغنام /مذيع* سعودي
* للأسف*..* ولا* مرة،* *"استر* علي* سترك* الله*"*. رسالة* ترددت* كثيراً*!
موضوع* إضافي* عن* الفكرة*:
أبكى* النبي* تقبيله* وتنازعت* قريش* فيه*..* وعاد* بعد* غربة* طويلة* من* أيدي* *"القرامطة*"
"الحجر* الأسود*"* *..* ذرّة* من* الفردوس* غيرت* لونه* *"الخطايا*"
الحجر الأسود، هو حجر بيضاوي الشكل، لونه أسود ضارب للحمرة، وبه نقط حمر وتعاريج صفر، وقطره نحو ثلاثين سنتيمترا، ويحيط به إطار من الفضة عرضه عشرة سنتيمترات، يقع في حائط الكعبة في الركن الجنوبي الشرقي من بناء الكعبة على ارتفاع متر ونصف المتر من سطح الأرش وعنده يبدأ الطواف، وللحجز الأسود كساء وأحزمة من فضة تحيط به حماية له من التشقق، وهناك روايات غير مؤكدة تقول إن جبريل – عليه السلام – نزل به من السماء، أو إن هذا الحجر مما كشف عنه طوفان نوح، والمؤكد أن إبراهيم – عليه السلام – وضعه في هذا المكان علامة على بدء الطواف*. ويُسنّ* تقبيله* عند* الطواف* إذا* تيسر* ذلك،* فإذا* لم* يتيسر* اكتُفي* بالإشارة* إليه*.
وردت في فضله أحاديث عدة، منها ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضاً من اللبن، فسوّدته خطايا بني آدم". رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وعن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: "نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس (جبل) كأنه مهاة بيضاء – أي بلورة – فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد ابراهيم". رواه الطبراني موقوفاً على عبدالله بن عمرو بإسناد صحيح، أي ليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى الحاكم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قبّل الحجر الأسود وبكى طويلاً، ورآه عمر فبكى لما بكى، وقال: "يا عمر هنا تُسكب العبرات". وثبت أن عمر – رضي الله عنه – قال وهو يُقبّله: "والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله – صلى الله* عليه* وسلم* – يقبلك* ما* قبلتك*"،* رواه* البخاري* ومسلم،* وقال* النبي* – صلى* الله* عليه* وسلم* -*:* *"إن* مسح* الحجر* الأسود* والركن* اليماني* يحطان* الخطايا* حطاً*"*. رواه* أحمد* في* مسنده* عن* ابن* عمر*.
أحداث* تاريخية* عصفت* باللؤلؤة* الشريفة
بقيت الكعبة على هيئتها من عمارة إبراهيم – عليه السلام – حتى أتى عليها سيل عظيم انحدر من الجبال، فصدع جدرانها بعد توهينها، ثم بدأت تنهدم، فاجتمع كبراء قريش، وقرروا اعادة بنائها.. وراحت قريش تنفذ ما قررته حتى ارتفع البناء إلى قامة الرجل، وآن لها أن تضع الحجر الأسود في مكانه من الركن، لكنها اختلفت حول من منها يضع الحجر في مكانه، وأخذت كل قبيلة تطالب بأن يكون لها ذلك الحق دون غيرها، وتحالف بنو عبدالدار وبنو عدي على أن يحولوا بين أية قبيلة وهذا الشرف العظيم، وأقسموا على ذلك جهد أيمانهم، حتى قرّب بنو عبدالدار جفنة مملوءة دماً، وأدخلوا أيديهم فيها توكيداً لأيمانهم، ولذلك سُمّوا "لعقة الدم". وعظم النزاع حتى كادت الحرب تنشب بينهم، لولا أن تدخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي بعد أن رأى ما صار إليه أمر القوم، وهو أسنّهم، وكان فيهم شريفاً مطاعاً، فقال لهم: "يا قوم، إنما أردنا البرّ، ولم نرد الشر، فلا تحاسدوا، ولا تنافسوا، فإنكم إذا اختلفتم تشتّت أمركم، وطمع فيكم غيركم، ولكن حكّموا بينكم أول من يطلع عليكم من هذا الفج (أو اجعلوا الحكم بينكم أول من يدخل من باب الصفا)" قالوا: رضينا وسلمنا.
فلما قبلوا هذا الرأي أخذوا ينظرون إلى باب الصفا منتظرين صاحب الحظ العظيم، والشرف الرفيع الذي سيكون على يديه حقن دمائهم، وحفظ أنفسهم.. فإذا بالطلعة البهية، والنور الساطع، انظروا.. إنه محمد بن عبدالله.. إنه الصادق الأمين.. وبصوت واحد: هذا الأمين قبلناه حكماً بيننا.. هذا الصادق رضينا بحكمه.. ثم تقدم نحوه كبراؤهم وزعماؤهم: يا محمد، احكم بيننا في ما نحن فيه مختلفون! نظر إليهم رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – فرأى العداوة تبدو في عيونهم.. والغضب يعلو وجوههم.. والبغضاء تملأ صدورهم.. أية قبيلة سيكون لها هذا الشرف* العظيم،* والفخر* الكبير،* إن* حكم* لقبيلة* دون* أخرى،* وهل* سيرضون* بحكم* كهذا* وقد* مُلئت* قلوبهم* بغضاً،* ونفوسهم* حقداً،* ووضعوا* أيديهم* على* مقابض* سيوفهم،* وعلت* الرماح* فوق* رؤوسهم؟
في هذا الجو المرعب المخيف المحاط بالشر، كل الشر، يقف الصادق الأمين ليعلن حكماً ينال رضاهم جميعاً، ويعيد السيوف إلى أغمادها.. الجميع سكوت ينتظر ما يقوله فتى قريش وأمينها، وهو في هذا العمر (35 سنة) أمام شيوخ قريش وساداتها.. قال رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم -: هلّم (هلموا) إليّ بثوب، الكل ينظر إليه، ماذا يريد محمد بهذا؟ فيقول آخرون: انتظروا لنرى. أُتي بالثوب، نشره بيديه المباركتين، رفع الحجر ووضعه وسط الثوب، ثم نظر إليهم وقال: ليأخذ كبير كل قبيلة بناحية من الثوب، فتقدم كبراؤهم وأخذ كل واحد منهم بطرف من أطراف الثوب، ثم أمرهم جميعاً بحمله إلى ما يحاذي موضع الحجر من بناء الكعبة حيث محمد بانتظارهم عند الركن.. تناول الحجر من الثوب ووضعه في موضعه، فانحسم الخلاف، وانفض النزاع بفضل حكمة الصادق الأمين، التي منعت الفتن أن تقع، وحفظت النفوس أن تُزهق، والدماء أن تراق*.
– أزال القرامطة الحجر الأسود عام 317هـ، وقلعوه من مكانه، وقتلوا حجاج بيت الله، ودفنوا الناس أحياء في بئر زمزم الطاهرة، وذهبوا بالحجر إلى البحرين، فبقي إلى عام 339هـ، حيث أعاده الخليفة العباسي المطيع لله إلى مكانه، وصنع له طوقين من فضة، فطوقوا الحجر بهما وأحكموا* بناءه*.
– في* عام* 363هـ* دخل* الحرم* وقت* القيلولة* رجل* رومي* متنكراً،* فحاول* قلع* الحجر،* فابتدره* رجل* يمني،* وطعنه* بخنجره* فألقاه* ميتاً*.
– في عام 414هـ تقدم بعض الباطنية فطعن الحجر بدبوس، فقتلوه في الحال. وفي أواخر القرن العاشر جاء رجل أعجمي بدبوس في يده فضرب به الحجر الأسود، وكان الأمير "ناصر جاوس" حاضراً فوجأ (ضرب) ذلك الأعجمي بالخنجر فقتله.
– في آخر شهر محرم من عام 1351هـ جاء أفغاني، فسرق قطعة من الحجر الأسود، وسرق أيضاً قطعة من أستار الكعبة، وقطعتي فضة من المدرج الفضي، فأُعدم عقوبة له وردعاً لأمثاله، ثم أعيدت القطعة المسروقة يوم 28 من ربيع الثاني من العام المذكور إلى مكانها، فوضعها الملك عبدالعزيز* آل* سعود* بعد* أن* وضع* لها* المختصون* المواد* التي* تمسكها* والممزوجة* بالمسك* والعنبر*. وأول* من* ربط* الركن* الأسود* بالفضة* هو* ابن* الزبير* لما* أصاب* الكعبة* الحريق،* وتصدع* ثلاث* قطع*.
وكان ابن الزبير أول من ربط الركن الأسود بالفضة لما أصابه الحريق، ثم رقت الفضة وتزعزعت حول الحجر حتى خافوا على الركن أن ينقضّ، فلما اعتمر هارون الرشيد سنة 189هـ أمر بالجارة وبينها الحجر الأسود فثبت بالماس من فوقها وتحتها، ثم رفع منها الفضة، وكان الذي عمل ذلك* ابن* الطحان* مولى* ابن* المشعل
بارك الله فيك على الموضوع