إنّ آفة التردّد مُعضلة مُعقّدة، هادمة، مهدّدة، مُسقطة مُخيبة، تُحوّل الحياة إلى سواد، وتجعل الأيّام مشحونة بالقلق والاضطراب، منشؤها يقبع في بُقعة صغيرة في الدماغ، عند الشقّ المهيمن من الفص الجبهوي، حيث يحصل تحليل المعطيات الواردة إلى الدماغ، وهناك تُتّخذ القرارات بشأن طبيعة التصرّف عند المصاب بالتردّد، تتردّد المعلومات في التلافيف العصبية بين القبول والرفض، أو بين الأخذ والعطاء، أو بين الاعتماد والترك، أو بين المشاركة أو المقاطعة، أو بين البسط والقبض…
وقد يطال التردّد أمورا مصيرية، وقد يؤدي التأخّر في اتخاذ القرار إلى خسائر جسيمة، أشدّ من الخسائر الحاصلة فيما لو كان القرار المُتخذ هو الأسوأ، ممّا يورث النّدم.
ولهذه الآفة أسباب عديدة متباينة، فقد يكون الحرص الشديد على بلوغ الكمال، والخوف من غلبة النقصان، وقد يكون انعدام الثقة بالنفس، والشعور بالدُونِية والحاجة الدائمة إلى توجيه بأخذ القرار، وقد يكون مرض الوسواس القهري، في أحد وجوهه الفكرية، وقد يكون طبيعة التربية السلوكية من جهة الوالدين والتخويف من اتخاذ القرارات، وقد يكون طبيعة الشخصية وميلها إلى الدَعَة والركون..
ومهما كان السبب، وجب علينا أن نغلب هذه المشكلة، ونبدأ من اليوم بالتمرّن على تجاوزها، ثمّ إلغائها من سلوكنا، فنحسم أمرنا، ونغلب أحد الخيارين، ثمّ نعزم ونتوكل على الله تعالى.
وقد قال الله تعالى في مُحكم تنزيله: " فَإِذَ عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اَللَّهِ " ، ونعلم أنّ القرار المُتخذ هو أفضل بكثير من البقاء في الحالة التي تترك ذيولا عميقة في النفس يصعب التخلّص منها لاحقا.