إطلاق صيغة الجمع وإرادة التثنية
من بلاغة القرآن الكريم وإعجازه إطلاق صيغة الجمع وإرادة التثنية في آيات كثيرة نحو قوله تعالى هذان خصمان اختصموا في ربهم )وقوله ( إذ دخلوا على داوود ففزع منهم ، قالوا: لاتخف خصمان ) ..
المثال الأشهر في هذا الباب قوله تعالى: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} (التحريم:4)، فقال: {قلوبكما}، ولم يقل: قلباكما، مع أن الخطاب للمثنى، بدليل قوله: {تتوبا}، قال ابن عاشور: "صيغة الجمع في (قلوب) مستعملة في الاثنين؛ طلباً لخفة اللفظ عند إضافته إلى ضمير المثنى، كراهية اجتماع مثنيين، فإن صيغة التثنية ثقيلة؛ لقلة دورانها في الكلام، فلما أُمن اللَّبس، ساغ التعبير بصيغة الجمع عن التثنية".
وقال الزجاج: "حقيقة هذا الباب، أن ما كان في الشيء منه واحد، لم يثنَّ، ولُفِظَ به على الجمع؛ لأن الإضافة تبينه، فإذا قلت: أشبعت بطونهما، عُلِمَ أن للاثنين بطنين فقط".
ومن هذا الباب قوله سبحانه: {اذهب أنت وأخوك بآياتي} (طه:42)، قالوا: المراد بـ (الآيات) هنا: إلقاء العصا، ونزع اليد، بدليل قوله تعالى: {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} (الشعراء:107-108)، وعلى هذا تكون الآية هنا من باب إطلاق الجمع وإرادة المثنى.
ونظير هذا قوله تعالى: {فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} (الشعراء:15)، فقال: {معكم}، مع أن المخاطب اثنان، قيل: هذا من وضع الجمع موضع المثنى، أي: معكما. والخطاب لموسى وهارون فحسب. وعلى أنه أريد بالجمع التثنية، حمله سيبويه رحمه الله، وكأنهما لشرفهما عند الله، عاملهما في الخطاب معاملة الجمع؛ إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته.
ونظير هذا قوله سبحانه: {ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار} (طه:130)، فقال: {أطراف}، والنهار له طرفان، بدليل قوله تعالى: {وأقم الصلاة طرفي النهار} (هود:114)؛ وعليه يكون الجمع في قوله: {وأطراف النهار} من إطلاق اسم الجمع على المثنى، قال ابن عاشور: "وهو متسع فيه في العربية عند أمن اللَّبس".
ومنه أيضاً قوله عز وجل: {فإذا هم فريقان يختصمون} (النمل:45)، قال: {يختصمون}، ولم يقل: (يختصمان) على المثنى، وهو {فريقان}، قالوا: ذلك باعتبار اشتمال الفريقين على عدد كثير.
ونحوه ما تقدم قوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} (الحجرات:9)، فقال: {اقتتلوا}، ولم يقل: اقتتلتا، مع أن الكلام عن طائفتين.
ومن هذا القبيل أيضاً، قوله سبحانه: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} (ص:21)، فقال: {تسوروا}، ولم يقل: (تسورا) على التثنية، كما قال بعدُ: {خصمان بغى بعضنا على بعض} (ص:22)؛ وعليه يكون ضمير الجمع {تسوروا} مراداً به المثنى، والمعنى: إذ تسورا المحراب.
أقوال بعض علماء اللغة في إطلاق صيغة الجمع وإرادة التثنية :
1- سيبويه : إطلاق الجمع وإرادة التثنية نحو " وَضَعا رحالهما " بدل : رحليهما
وقد استحسن العرب ذلك
2- الفرّاء : في تفسير ه لقوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ولم يقل يديهما ، والعرب توقع ضمير الجمع على المثنى . فقيل " قد هشمت رؤوسهما وملأت ظهورهم ضربا ".
3- أبو حيّن " أمّا عود الضمائر مثناة ومجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى ، والمجموع مسموع معروف في لسان العرب "
4- ابن عاشور : " وأكثر استعمال العرب وأفصحه في ذلك أن يعبّروا بلفظ الجمع "، وعلل ذلك بقوله :" والعرب يعدلون عن صيغة التثنية إلى صيغة الجمع .. "
5- حسّن هذا الأسلوب البصريون ،وعدّه الكوفيون من أصولهم اللغوية منقول
السلام عليييكم ~~•
..
مشكورين على الجهد المبذول ..