" وحدة الشعر "
يعتبر الدكتور مصطفى ناصف من أهم النقاد العرب الذين اشتغلوا على التراث العربي القديم و الحديث من زوايا منهجية مختلفة تتراوح بين الدراسة البلاغية و الأسلوبية و التفكيكية و التأويلية و الأسطورية و لقد كان الشعر العربي القديم أو حتى الحديث هدفا لكثير من دراساته و لاسيما كتابة القيم " دراسة الأدب العربي " و هو عبارة عن فصول نقدية متنوعة انكب فيها على الشعر بالفحص و التحليل و التقويم من خلال رؤية جديدة و هي الرؤية الانتروبولجية أو المنهج الأسطوري .
إذا ما هي القضايا النقدية التي يطرحها هذا الفصل ؟
و ما هي الملاحظات التقويمية التي يمكن أن نخرج بها بعد قراءتنا لهذا المتن النقدي ؟
يندرج هذا الفصل للدكتور مصطفى ناصف ضمن الدراسات النقدية الأدبية النصية التطبيقية التي حاول قراء الشعر الجاهلي من خلال التصور الانتروبولوجي أو المنهج الأسطوري فقد اعتماد على هذا المنهج من خلال تركيزه على الأساطير و النماذج العليا و استقراء الرموز النمطية في اللاشعور الجمعي لدى شعراء الجاهلية و تأويلها تاريخيا و ثقافيا
و حضاريا و أوركيولوجيا ، لكن هذه الدراسة يغلب عليها الطابع الانطباعي و نقص التوثيق في بعض الأحيان و هذا ما أدي إلى غموض الرئوية المنهجية ينطلق الدكتور مصطفى ناصف في بداية الفصل من فرضية أساسية و في أن الأدب قبل الإسلام لم يقرأ قرأت حسنة كما اثبت ذلك عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين تكرارا و ذلك لعدة موانع تحول دون قراءاته قراءة واعية ممتازة و تتمثل هذه إلى إعادة النظر في الشعر العربي القديم الذي اتهم بأنه نتاج عن عقل مادي قاس رتيب لا يتجاوز المحسوس و لا يعلوا على العلاقات الفردية .
فالشعر الجاهلي على حسب بعض النقاد المعاصرين هو شعر مادي خال من أي فلسفة لإن العقل الذي انتجه عقل مادي ، ليست له القدرة على التجريد و التفكير لهذا جاء ذلك الشعر مقسما إلى أغراض لا تتعدى حدود طبيعية الفكرية المحدودة و بيئية الصحراوية القاسية .
فقد رفض ناصف هذه الأفكار و رأى من الضرورة إعادة قراءة ثانية اعاد من خلالها بلورة الأخيرة و هي نقد جديد و في هذا يقول : " و قد صور العقل العربي في العصر الجاهلي تصويرا منفرا ، فقيل إنه عقل مادي قاس رتيب لا يتجاوز المحسوس و لا يعلو على العلاقات القريبة و لا يستطيع أن يحيط بالأشياء من حيث هي كل أهمه محصور في أن يتعلق بجزء من الأجزاء ينكب عليه دون ملل ، ثقافة محدودة ، و تطلعه فلسفي يسير كل أولائك طرحته وراء ظهري و أردت أن اكسر الحواجز أو لنقل أردت أن أحب الشعر الذي أقبل عليه "
و يقسم الشعر العربي عادة إلى موضوعات مثل الحماسة و الرثاء و النسب و الوصف و الهجاء و يختلف عدد هذه الموضوعات باختلاف الباحثين و هي تعبر – أي الموضوعات – عن وجهة نظر خاصة إلى الشعر فالشعر من وجهة نظر الموضوعات التقليدية هو ضرب من الحلي أو الجنس التصوير و هناك موضوعات غير منبثقة من الشعر نفسه و لكن من خارجه مثل المجتمع الذي يتطلب الحماسة و المدح و يتطلب كذلك ما يسمونه بالوصف و هناك موضوعات رديئة لا تقوم على التميز الحقيقي و يمكن أن يلاحظ الباحث ما فيها من تداخلات على نحو قدامة بن جعفر الذي يقسم الشعر العربي إلى موضوعات مثل الحماسة و الرثاء و النسب و الوصف و الهجاء و يختلف عدد هذه الموضوعات باختلاف الباحثين و هي تعتبر وجهة نظر خاصة إلى الشعر، فالشعر من وجهة نظر الموضوعات التقليدية هو ضرب أو الجنس من التصوير و هناك موضوعات غير منبثقة من الشعر نفسه و لكن من خارجه مثل المجتمع الذي يتطلب الحماسة و المدح و يتطلب كذلك ما يسمونه بالوصف، و هناك موضوعات ردئية لا تقوم على التمييز الحقيقي يمكن أن يلاحظ الباحث ما فيها من .
قدامة ابن جعفر قال بأن هذه التقسيمات سطحية لا تتعمق في بحث المادة الحقيقية و قد تختلف وجهة النظر و لكن يجب أن نبحث على التيار الأساسي الذي يربط أشياء كثيرة واحدة بواحدة .
و من أهم ما ينبغي على الباحث مايلي :
أن يتبين بطريقة عملية وحدة الشعر.
فساد فكرة الموضوعات.
وجود أفكار و اتجاهات أعمق و أكثر دلالة.
إثبات هذه الملاحظات بطريقة تجريبية :
ابتداء من الشعر الجاهلي الذي يقسم إلى بكاء على الأطلال ووصف و مدائح واعتذارات.
بحث النقاد هذا النوع من الشعر من وجهة نظر البيئة، فمثلا البدوي الذي يرحل من مكان إلى آخر يترك بقايا ختامية و أن يترك المحب المحبة دراهما و يبكي الشاعر آثار محبوبته ووفقا لهذا الأسلوب بحث الناقد عن العواطف الشخصية للشاعر فرأو أحيانا الشاعر حزيناً و أحياناً أخرى لا يواجه تجربة حقيقية، فمثلا عند تشبيه الناقة بحيوان آخر و يصور ما يتعرض له هذا الحيوان تبدو القصيدة ممزّقة و يبدو عقل الشاعر مفكّكاً، لهذا صور العقل العربي في صورة ساذجة تخلو من الربط و الوحدة المنسجمة. هذه الفكرة عن قضايا أخرى مسرفة عن سطحية العقل العربي في العصر الجاهلي.
و لكن الشاعر أنذاك كان يصور قمّة التفكير العربي، و قد ظهر في نهاية هذا العصر القرآن الكريم الذي لا نكاد نلاحظ النقائص بين وصف الشعر الجاهلي و الكتاب الكريم و لقد حاول المرحوم الدكتور زكى مبارك أن يربط بين القرآن و البيئة العربية في كتابه" النثر الفني في القرآن الرابع" و قال إن القرآن يدل على وجود نثر جاهلي يؤدي اليه و لكن هذه الملاحظات ظلت مهملة .
الواقع أنه من الممكن دراسة الشعر الجاهلي بمعزل عن فكرة الموضوعات التقليدية أو بعبارة أخرى بمعزل عن فكرة السذاجة العقلية، فالشاعر ليس مرآة بيئته وعقله ليس سلبيا ولكنه قد يبدو أروع وأعمق مما نتصور، ولكن صعوبات كثيرة تقف دون جلاء هذا المستوى الخاص تتعلق باللغة والأساطير والمعاجم ، ولكن على الرغم من ذلك كله يبقى الأمل من أجل قراءة عقلية أنضج أو في ما رسخ في أذهاننا عن فكرة البداوة و ارتباطاتها.
فالشاعر لم يكن يبكي حباًّ شخصياً أو عاطفة ذاتية جعلتنا نقول أنه مشغول بنفسه وبذلك أقمنا فارقا وهميا بين الغنائي والدرامي، وبدلا من أن ينظر إلى الشعر على أنه ذو جوهر درامي نظر إليه في ضوء العاطفة الذاتية البسيطة ودائما يوجد حوار وتؤثر بين صوتين إثنين في كل قصيدة ناضجة والغنائي أدى دورا هائلا في تبسيط الشعر.
لم يكن الشاعر يتحدث عن عاطفة شخصية ، وإنما كان يفكر بطريقة خاصة ، فقد كان الشاعر يحاور نفسه في معنى الحياة ، ويلتمس لها العون حين يخاطب الأطلال ، وكانت تجسد فكرة الحب الشخصي.
وكلما يذكر المرء هذه التجارب يقف ليبكيه أو ليبكي عمل ما ضاع من الحياة، وقد قال القدماء أن امرئ القيس أبكي واستبكى ووقف واستوقف ولا حظوا أن عظمة الشاعر ترتبط بأشياء من هذا البكاء والوقوف لكن هذا الأمر أحدث مشكلاً في العقل العربي وهي مشكلة الموت الذي يتجسد في الطلل.
وأصبح للطلل مكانة مهمة ، وخاصا عندما يبقى بها العظام وما يمكن أن يبق الصيحة والبكاء باتهام كل أسباب التأبيد ، فالطبيعة غالبا ما تقف موقفا غريبا مضادا للإنسان تعفى على وجوده وتذهب بشعوره و بذاته ، ولا يبقى من أثار الحياة إلاّ الحيوان و الظّباء و أولادها ، ولذلك يبدو الحيوان قوياًّ و يبدو وارثا لبقايا الإنسان.
ربط القرآن الكريم بين الشعر والسحر وتعاويذ الكهنة والموضوع الأساسي الذي يشغل الساحر والكاهن والشاعر هو الموت ، فالشاعر لا يملك إلا الكلمة.
فالشاعر بعد البكاء على الطلل يخرج في رحلة إلى الصّحراء رأى أنه يقلب المشكلة على وجودها ، وكلّها تعني له عادة باسم بكاء الأطلال وهي المضي أو المرحلة أو الموت.
فالشاعر الجاهلي لا يسبك خواطره في نار المنطق العقلي ، فهو يعتمد على حركة عقلية رائعة يسميها الباحثون في القسوة بما يسمى بالاستطراد : هو التفكك غير المشروع أو المناسبة الواهبة التي لا تقنع القارئ الذي يأخذ أمور الشعر مأخذ أعمق من المتعة، يعلمنا الشعر الجاهلي أن الإنسان قد يروعه التفكير في تغلل شعوره بالماضي الذي لا يتكرر لكنه لا يستطيع أن يرى شيئا آخر أكثر بهجنا وأقل إيلاما .
إن الرحلة غامضة المآل شاقة الملامح فاإلى اين ستقطع؟
فهذا هو السؤال الذي يجب أن يوجه قارئ الشعر الجاهلي فلا وجود العلاقة بين الانتقال في الواقع والإنتقال في القصيدة فالرحلة في القصيدة هي رحلة كل حياة بدوية وحضرية ، والشاعر يأخذ من الواقع ويضيف إليه ويحيله ويفسره ويكمله.
وهو ينتقل بطريقة حافلة بالدلالة أو المغزى
فليس هناك في الشعر ما هو أكثر شيوعا من الفرس والناقة.
جماليات التراث:
فكل عمل إبدعي أدبي يحتوي بطبعه نوعا من الأساطير التي تجعل منه عملا إبداعيا متميزا فمن الصعب فهم العمل الأدبي بمعزل عن فهم الأسطورة من خلال فك رموزها والإلمام بمعانيها وقد نشأ الشعر العربي –مثلا – في أحضان الأساطير ، ولا يمكن فهمه إلا إذا فهمت الاساطير التي تتعمق. وهذا ما يجعلها ذات دور فعال في فهم وتوضيح بنية العمل الأدبي .
فمصطفى ناصف يدعوا إلى إعادة قراءة الشعر العربي ، فأراد أن يسمو بالشعر حتى تفهم الحياة الحقيقية للشعر العربي قديما ، فدعا إلى إعادة النظر في الغزل والمرأة والناقة والفرس ، وغيرها من الأمور المتعلقة بحياة الغنسان العربي القديم ، فهي كلها عناصر وجودية يجب أن ينظر إليها على أنها عناصر رمزية تحيل إلى وعي الإنسان العربي ، فهو يدعوا إلى دراسة النص العربي القديم واعية تنظر خلف النقد.
استحضر ناصف التراث القديم وحاول إعادة توظيفه بطريقة حديثة مخالفة للطريقة الكلاسيكية ، فمثلا أعاد النظر في الناقة والفرس على أنهما ليسا مجرد حيوان وحسب بل تجاوز ذلك الفهم الفيزيزلزجي إلى فهم رمزي ، فأضفى عليهما بعدا جماليا نقلها من معناها السطحي والمعجمي إلى معنا مجازيا ، وبالتالي يصبح النص مفتتحا قابلا للتأويل.
من بين الرموز التي تحيل إليها الناقة:
1-أنها امرؤ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدوله * * علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه * * وأرف أعجازا وناء بكلكل.
ألا أيها الليل ألا انجلي * * بصبح وما الإصباح منك بأمثل.
فالناقة ترمز هنا إلى الدهر الذي يحي ويميت ، فالليل الطويل فاتر بطيء كالبعير الجاثم الذي لا يريم ، فالناقة هي هذا الزمن المهلك.
2- أنها ترمز للحرب:
يقول زهير :
متى تبعثوها تبعثوها دميمة * * وتضر إذا ضريتمها فتضرم
فتعرككم عرك الرحى بثقالها * * وتلفح كشافا ثم تحمل فتتئم.
فتنتج لكم غلمان أشام كلهم * * كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم.
الموضوع هنا هو الحرب من حيث هي دمار وعدوان ، والشاعر حينما وصف الحرب لم يجد إلا فكرة الناقة عونا على استقصائها واختيارها ، وهو يشير هنا إلى (عاقر الناقة في ثمود) وكأن عقر الناقة إيذانا بالدمار والهلاك، وعقر الناقة عند الشاعر هو – إذن – نديم شؤم.
أنها ترمز إلى فكرة الموت والفناء الممثلة في (التابوت):
يقول الشاعر :
أمون كألواح الغران مسأتها * * على لا حب كأنه ظهر برجد.
فالناقة هنا تحمل صاحبها كما يستوعب التابوت الميت، وفي الصورة ما يؤكد الرحلة نحو الفناء.
أما الفرس فهو يمز إلى فكرة الجهد والقلق التوتر:
يقول امرؤا القيس في معلقته:
وقد أغتدي والطير في كناتها ** بمجرد قيد الأوابد هيكل.
مكر مفر مقبل مدبر معا ** كجلمود صخر حطه السيل من عل.
كميت يزل اللبد عن حال مثنه ** كما زلت الصفواء بالمتنزل.
فالفرس هنا يرمز إلى الإنسان الذي يجتهد بتحقيق ما يريد.
خــــــلاصــة:
من خلال قراءتنا لهذه الابيات نلاحظ أن وصف الشاعر لفرسه ، وناقته لم يكن وصفا حسيا ، سطحيا ، وإنما كان وصفا عميقا يعج بالرموز و الأساطير مما يدل على أن النقد استطاع أن يعيد قراءة هذا الشعر قراءة واعية للقراءة الكلاسيكية.
فكرة العرض إلى هذا الحد فإن لدينا صوتين تعطي الوحدة منها الآخرى ، ومن الممكن أن يقرأ المرء هذين البيتين فيجدهما حب الموت على نحوها يجد الفروسية النابعة من فكرة الظروف والملاسات ولقد ذكرتك والرماح نواهل لا من وبيض الهند تقطر من دى.
الفصل الساس
هل نبحث في الصدق.
الفصل السادس : هل نبحث في الصدق.
إن تميز العمل الادبي مما حوله يحتاج إلى كلمة أخرى عن مفهوم الصدق ويوشك هذا الصدق أن يكون مطلبا أساسيا يحاول الباحث تحقيقه كلما واجه عملا فنيا والمعنى الاساسي للفظ الصدق هو المطابقة وقد أخذت هذه المطابقة اهتماما غريبا في دراسات الأدب.
كما يقول أستاذنا الدكتور طه حسينأخبار وبشار تمثله منافقا في سيرته ، بداري الناس ويتقيهم ليعيش ثم ينذرهم ويخيفهم لينعم بعيشة ، هو إذن ليس بالشاعر المخلص ولا الصادق حين يمدح ولا حين يتغزل ولا حين يرشى، ويعترف له بالصدق في موضوعين اثنين هما الهجاء وشكوى سوء مكانه من الناس.
أما المازني يقول ، لم يكن بشار يعني بالصدق في الاعراب عن عاطفته وإنما كان معينا بسيرة الشعر وشهرته وفي غزله ليس هناك صدق ويعرف من كذب ، وهناك أمثلة كثيرة تدور على هذا المعنى فالباحث يعينه الصدق والكذب ، لأن منذ القدم كان الباحثون الأذان ، فإذا دخل الشعر قلوبنا فصاحبه صادق ، من أجل الصدق شغل الباحثون بالترجيح بين الأخبار ولاحظوا الفروق والمشابهة بينما وبين الشعر.
لكن شوقي عبر في شعره كما يشبه التشبيت بالموت على قوله :
ياطيب وادي العدم.
من منزل ينزل
لم تمش فيه قدم
للغزل واد خل.
وهنا يسأل الباحث نفسه ألحان شوقي في أعماقه يفزع من الموت إذا تركن إلى الشعراء كما نركن إلى الصادقين المخلصين ، واستنادا إلى مثال آخر من ديوان اسماعيل صبري نؤكد أن الشعراء قديما كانوا يبكون أطلالا حقيقية ووصلوا إلى خلاصة أنه الشعر صناعة ، وللصناعة أسس ينبغي أن تستقصى ، والمهم هو أن الصدق نا يزال محركا لأبحاثنا خلافا لما كان عليه قديما الذي يقول فيه الشاعر:
وان أجود بين أنت قائلة بيت يقال إذا انشدته صدقا.
لأنه كان خرفة يؤديها الشاعر من أجل غاية أو منفعة فالمازني تيمم كثيرا الشعر القديم بالكذب والتزوير والعقاد كذب شوقي.
بحيث هناك لأبي نواس بيت مشهور يقول فيه : عن الترادف ( الصدق والوجود)
د ع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء
فلقل أبرع في الغغراء ، وشمل جودة في وصفه للخمر وحبة لها، ولكن الناقد المشغوف بالصدق قد يأخذه الإشفاق عليك فيقول إقرأ هذه القطعة على أنها أوصاف تقريرية لشعور الشاعر الفعلي .
في حين نقرأ شعر ابن الرومي مثلا فنقول هذه عواطف ابن الرومي نحو ولده الذي مات ، ونقول على أنه تعبير صادقا وهو باعث جوهري يشكل الحزن بل يصنع حزنا جديدا ، ومن الغريب أن بحث الصدق خيل الينا أن أمور القصيدة واضحة ، الصدق في الحقيقة هون الصعب من الأمر ، حقا أن الباحث في يواجه تصورا خاصا يحتاج إلى بحث ملاء منه ومثال ذلك قول أبي ذؤيب الذلي في رثاء أولاده الخمسة الذين ماتوا واحد بعد الآخر.
سبقوا هواي واعنقوا لهو عمر فتخرموا ولكل جنب مصرع
قد نحتاج إلى ما يقول فرويد عن غريزة الموت ولكن الإهتمام بفكرة الصدق يقف عند هذا الحد لأنه صراع بين رغبة الأب في حياة ابناءه وهنا لدى فرق بين الهوى والاختيار ، فالهوى ليس مجرد رغبة صارئة ، الرغبة من الممكن أن تنفصل عن السقطة ، وقد اختلط في الشعر العربي باعث الجود وباعث الشجاعة كل فعل كما يقول فرويد يرتبط به أكثر من معنى وخيل إلينا أن الشاعر يكتب قصيدة لأنه يريد أن يطابق حالة معينة وهذا يسمى تطابق فالمطابقة أسلوب متبع فوصف الشعر حتى الآن ، فكرة المطابقة إذن تنتقل من داخل الذات إلى دخل المجتمع ، وتطبق في الشعر والقصة والمسرحية ، وكثير من وصف الأعمال القصصية يتلخص في الصدق.
ننطلق من هنا إلى قول بعض النقاد ونماذج هذه المجموعة مقطوعة من لحم الناس ، طيبة خبرة لأن صدق الشخصية هام في رأي الباحثين لتييمها ، ومايشبه الحياة قد نسميه واقعيا، وتصبح كلمة واقعية مرادفة للصدق ،فقد نظر إلى تاريخ القصة المصرية على أساس مشابهة الحياة فإذا قرأ الباحث مثلا إبراهيم الكاتب سأل نفسه أتستطيع أن تلقى هذا الإنسان بسهولة في الحياة المصرية المعاصرة للمازني.
لأن المشكلات العقلية والوجدانية للرجل المتفق تهمل الحياة وننسى حق الخلق الأدبي في إعطائنا صورة أثرى، أي اننا نغفل الفرق بين الإنسان والبئة وننظر إلى الكائن الحي المستقل على أنه انطباع للظروف التي نشأ فيها.
والشخصية مصطلح نعبر به عن بعض التشكيلات اللغوية في النص المقرر أو القصة ، فالخطة والشخصية وما إلى ذلك جزء من هذا النشاط ولا وجود شيء بمعزل عنه .
وللشخصية عدة وجود فهنا للاشخصية منطوية على نفسها ، وهذه منبسطة نتيجة إلى خارج عالمها ، وهذه شخصية ضيقة الأفق محصورة في شؤون أسرة واحدة وهذه شخصية خالية تعيش على الأوهام ، نمضي إلى القصة فيخيل الينا أن الشخصية متميزة من مفهوم الإستعارة الكاملة في التعبير عن معنى آخر.
والمتأمل في حركة الأحياء الأولى يلاحظ ظاهرتين اثنين فالرواد يتحدثون عن الصدق والجوهري وكشف طبيعة الإنسان .
فالثورة العقلية الخاصة بالصدق لم تكن مصحوبة بثورة في فهم لغة الشعر وكيانه الشكلي الدقيق ، عناهم من الشعر ما فيه من رسالة ولذلك احتفوا بأبي العلاء وتحدثوا عن المتبني الذي كان شاعرا من الشعراء العظام والشاهر العظيم هو الذي في شعره صورة كاملة للطبيعة بجمالها وجلالها وعلانيتها وأسرارها ، فالشعر توضيحا للعام بمثل جزئي خاص وأصبح فهم الشعر كفهم الفروض والأفكار التي يزكيها فرع من فروع الفلسفة وهناك من يقول أن للصدق مفهوم أغمض وأن الشاعر بصيرة تتجلى من أن المنطق لا يستطيع أن يصل الصدق أما الشاعر فيقدر على ذلك فالفنان يستطيع أن يمزق حجب اللغة التي تفصلنا عن الأشياء ، وعلى هذا يعود للفنان أو الشاعر إنسانا باحثا عن الصدق من وراء اللغة على حسب رأي برجسون الذي يعتبر من أن الفنان بصلة مباشرة عن طريق الحدس ولكن بهذا نكون ربما قد أهملنا جانبا وهو مادة القصيدة الموضوعية باهتمامهم بالصدق والحدس، ويمكن أن نخلص من هذا كله إلى أن الحدس و يمكن أن نخلص من هذا كله إلى أن الحدس كغيره من نظريات الصدق أهمل دور اللغة ومظاهرها في الشعر.
وبعبارة أخرى أن نظريات الصدق صحبها تفرقة سيكولوجية بين الشعر والعلم وقد تركت المجال مفتوحا أمام حركة التحليل لكي تتم التمييز السعر من العلم على أساس المساف اللغوي.
فالصدق يحتاج إلى تضحية يراها الفنان ضاره يفنه ، فعندما نهتف لقد صدق الشاعر
-نكون غالبا- قد تجاوز وزنا عن جوانب غير قليلة من نشاطه اللغوي فلا وجود لفرق حاديين الزوايا المتناقضة فالشاعر يثبت وينفي يسأل ويقرر في وقت واحد ، الشعر تعبير مركب كثيف.
من العبارات التي تستعمل لمفهوم الصدق العام والخاص وقال كولردج إن الشاعر يؤلف تأليفا خياليا بين الخاص والعام ، والعالمي والمتفرد وما إلى ذلك ، فربما لا تكشف شؤون العمل الادبي بدرجة كافية ، فما هو خاص عند الواقعين يمكن أن يكون عاما عند الرومنين.
فالناقد من فصلته التسامح ، والأفصاء عن الأراء التي لا يواقف عليها فلهذا يقول : أن غير المؤمن يستطيع أن يستمع بقراءة الكتاب المقدس أو بعبارة أخرى على القارئ أن ستخرج المدلولات الكامنة في العمل الأدبي وليس عليك أن تعطف على العمل فقد لا يعطيك نخاتره ونأخذ على سبيل المثال قول أبي علاء:
قضي الله أن الأدبي محذب * إلى أن يقول العالمون به قضي
فهنئ ولان الميت يوم رحيله * اصاب تراث واستراح الذي مضى
من الممكن أن يقول القارئ من أنها نظرة سوداء إلى الحياة ، وأن ينتذها بما سمية الصدق والكذب ولكن يمكن أن ………… بنفس صافية فمن هنا يتعاطف مع الشاعر ، وحينئد يقف وقفة طويلة عند الرابطة المتوترة بين القضاء والموت والعلم.
فينبغي ألا نهون من الاهتمام أو التعاطف الواجب مع العمل الفني فلا يمكن أن يصبح هذا العمل الفني ذا أهمية أو قدرة تعبيرية إلا إذا تجاوز الناقد هذا المقف السلبي إلى التسليم له بقدر من الكمال.
فلا يجب على الشاعران أن يبقى محجوزا في أفكاره بل عليه المشاركة ، فلا يكفي من أجل فهم موقف إنساني أن يقف منه على بعد أو تنظر من أعلى
بل عليك أن تعيش هذه الأنماط وأن أنجز بها ، وأن تتخلى عن الكراهة والترفع ، والمثل الصونى يقول : من ذاق عرف.
فلا يجب علينا أن لا نقرء موضوعا ما لمجرانه يتناقض مع تصور أننا وراء إن
بل علينا المجاهدة حتى وإذا لم يكن على المناهج المفضلة لدينا في التمثل الأسناطيقي.
وقد يبد هذا غير صحيح ، فهناك نوع من الاعتقاد الاستاطيقي يلزم لحدوث الاستجابة ونعنى بها ضربا من الإحساس بالأسلوب والتقاليد الفنية المنترة في فترة معينة.
ورغم ذلك وذاك فإننا مستعدون لاسياغ المناصب على أي عمل ، فلا يزال السؤال مطروحا عن نضوج الشاعر أو الكاتب في داخل الإطار الفكري و الاستطاقي ويمكن أن نسأل :
هل وضح آراءه بتبسيط النفس البشرية؟ هل استطاع أن يظف بقدر من المرونة في داخل نظام معين؟
أما يبدأ الكاتب بحث عمل معين من وجهة نظر مخالفة تماما إن من الناحية الفكرية أو الشكلية ، فمعنى ذلك أنه يصرح على فكرة الحدود النهائية فإننا نتحرك في مبادئ ، ولكن في وسعنا أن نجعل المبادئ أدوات للتجربة لا املاءات تعبر عما ينبغي أن يكون المبادئ اشياء تقبل ، ولكنها تتطلب على الدوام المراجعة والتوسع.
فالنص الأدبي – كما قلنا – يختبر مدى صلاحيتها وفي كل مبدأ مجال هائل للتنوع.