مقالة فلسفية حول الأخلاق النسبية والمطلقة
يقال " إن القيم الأخلاقية نسبية في طبيعتها "
أبطل بالبرهان هذه الأطروحة
الطريقة استقصاء بالرفع :
مقدمة : ( طرح المشكلة )
من الشائع عند الكثير من الفلاسفة بان الأخلاق التي تمثل مجموعة المبادئ والقيم لكل إنسان قيمتها ثابتة في كل زمان ومكان أي أنها مطلقة ، لكن هناك فكرة أخرى تختلف عن سابقتها اختلافا جوهريا وقد اعتبرت القيم الأخلاقية نسبية ومتغيرة باختلاف الزمان والمكان والأفراد
فإذا كانت الأطروحة التي تقول أن الأخلاق في طبيعتها نسبية أطروحة باطلة وغير صحيحة فكيف يمكننا دحضها وتفنيدها بالأدلة والبراهين ؟
العرض : ( محاولة حل المشكلة )
الأخلاق في مجموعة المبادئ والقيم التي يستوجب على الإنسان العمل وفقها وبمقتضاها وهي في أساسها وقيمتها نسبية على حسب رأي أصحاب المذهب البرغماتي " النفعي " وكذلك أنصار المذهب الاجتماعي ، فهي نسبية ومتغيرة باعتبار المنفعة متغيرة على حسب الأفراد واختلاف منافعهم وعلى حسب الظروف وكذلك المجتمع بطبعه الذي لا يبقى على حاله وبما أنهما أساسان للأخلاق وطبيعتهما نسبية فانه بموجب هذا تكون الأخلاق نسبية ومتغيرة لا محالة وهذه النقطة هي التي اشترك فيها كل من المذهبين "الاجتماعي والنفعي " ومن زعماء المذهب النفعي الفيلسوف اليوناني أبيقور الذي يرى أن اللذة والسعادة هي الخير الأعظم ومن ابرز زعماء المذهب الاجتماعي عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم الذي اشتهر بمقولته " إذا تكلم الضمير فينا فان المجتمع هو الذي تكلم "ويستدل أنصار هذا الاتجاه على الكثير من الأدلة التي تبدو في مجملها أدلة واقعية فنجد مثلا الإنسان في حياته دائما ينشد المنافع ويتبعها ويعتبر الفعل الذي تنجر من وراءه منفعة فعلا اخلاقيا والعكس صحيح أي أن الفعل الذي لا يجلب منفعة لصاحبه يعده فعلا لا أخلاقيا أما بالنسبة للمجتمع فنلاحظ غالبا أن قيم الأفراد مستمدة بصورة مباشرة من المجتمعات التي يعيشون في وسطها ، كلا هذان الجانبان يشتركان في نقطة أساسية وجوهرية ألا وهي اعتبار القيم الأخلاقية مبادئ نسبية ومتغيرة
غير أن الأدلة التي قدمها زعماء المذهبين النفعي والاجتماعي بالرغم من أهميتها تبقى ناقصة وقابلة للرفض والدحض ، فالأخلاق في حقيقتها ثابتة ومطلقة لان أساسها الدين والعقل وهما أساسان يصعب كثيرا نقدهما فهما يتميزان بالثبات والمطلقية في كل زمان ومكان فقد اتفق فيها كل من المذهبين العقلاني والديني على أن الأخلاق مطلقة وثابتة وهي واحدة عند جميع البشر فالخير هو دائما خير والشر كذلك ، ففي الدين الإسلامي مثلا نجد فرقة " الأشاعرة " بزعامة أبو الحسن الأشعري تتبنى هذا الاتجاه وتؤكد على اعتبار القيمة الخلقية مطلقة لا مصدرها هو الشرع و الشرع من الله . كذلك المذهب العقلاني مع الفيلسوف الفرنسي" ديكارت " أكد على هذه النقطة وهي اعتبار الأخلاق مبادئ ثابتة ومطلقة وذلك تبعا لثبات العقل ومطلقيته
إن المتتبع لمشكلة طبيعة القيم الأخلاقية يلاحظ دائما أن هذه القيم مهما تعددت فإنها تنتهي في الأخير إلى أمور ثابتة ومطلقة فاهم مفهوم في القيم الأخلاقية هو معيار الخير والشر اللذين يبقيان قيمتان مطلقتان ، وبهذا تبطل ادعاءات الفلاسفة الذين اعتبروا القيم الأخلاقية قيما متغيرة نسبية
وبما أن مذهب المنفعة والمجتمع اعتبرا القيم الأخلاقية نسبية ومتغيرة فقد هدما المعنى الحقيقي للأخلاق من أساسه لان الأخلاق في جوهرها ثابتة ، كذلك نجد في هذين المذهبين نوعا من التعسف والتقليل من القيم الأخلاقية فالمذهب النفعي جعل الإنسان مثل الحيوان من خلال تتبعه لغرائزه وتحقيق شهواته فقط ، والمذهب الاجتماعي كذلك سلب من الإنسان حريته وجعله مجرد دمية في يد المجتمع يتحكم فيه كما يشاء دون وعي من لا إرادة من هذا الإنسان
الخاتمة : ( حل المشكلة )
وهكذا نستنتج في الأخير بان الأطروحة التي تقول بان القيم الأخلاقية نسبية ومتغيرة أطروحة باطلة وفاسدة لا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتماد عليها ولا تبنيها ، فالقيم الأخلاقية مطلقة في جوهرها وحقيقتها وليست نسبية كما ادعى بعض الفلاسفة
المصدر : الموسوعة الشاملة في الفلسفة