السؤال:
اصحيح بان البديهيّات.. تشكل أفكارا عامّة أبديّة، أزليّة..؟
تفضلوا
بعض الأفكار التي تساعدك في صياغة مقالتك الجدلية….
المسلّمات: هي أقاويل رياضية لا يُبَرْهَن عليها، ويُطلب منا أن نقبلها كمسلّمات فقط لتحقيق البناء الرياضي: مثل مسلّمة اقليدس بأننا من نقطة خارجة عن خط مستقيم في سطح ما، نستطيع أن ننشئ خطًا واحدًا موازيًا لهذا الخط. ونحن نستنتج من هذه المسلّمة ما يترتب عليها من قضايا دون أن تكون هي مستنتجة من غيرها.
لكن هذه المسلّمات الاقليدية تبدلت تبدلاً جذريًا مع ظهور الهندسات اللاإقليدية، فقد حاول العلماء أكثر من مرة برهنة مسلّمة المتوازي، ولكن دون جدوى. وتكررت المحاولات في القرن التاسع عشر مع علماء أشهرهم “لوبتشفسكي”. وتركزت محاولة هذا الأخير على برهان الخُلْف = (Raisonnement par l’absurde). فافترض أننا نستطيع من نقطة خارجة عن خط مستقيم في سطح ما أن ننشئ عددًا لا متناهيًا من المتوازيات. واستطاع أن يستنتج من هذه الفرضية اللاإقليدية سلسلة من القضايا المنسجمة والمختلفة عن قضايا اقليدس والمساوية في منطقية استنتاجيتها لهندسة اقليدس. من هذه القضايا اللااقليدية أن مجموع زوايا المثلث يساوي أقل من زاويتين قائمتين. ففي هندسة لولبتشفكي يكون المكان ذا انحناء سلبي، ويكون مجموع الزوايا أصغر كلما كانت مساحة المثلث أكبر.
وقام “ريمان” بعمل مماثل عندما افترض أننا من نقطة خارجة عن خط مستقيم في سطح ما لا نستطيع أن ننشئ أي متواز لهذا الخط. ورفض أيضًا مقولة اقليدس بأننا لا نستطيع أن ننشئ بين نقطتين سوى خط واحد. وتوصل بالاستنتاج الرياضي إلى نظام هندسي مختلف عن النظام الاقليدي. ونظام لولبتشفسكي. وهو نظام منسجم ومتكامل، وقضاياه مختلفة عن قضايا اقليدس ولولبتشفسكي. ومنها أن مجموع زوايا المثلث يساوي أكثر من زاويتين قائمتين. ويمكن تصور هذا النظام الهندسي إذا اعتبرنا المكان كرويًا بانحناء إيجابي. فكل دوائر هذه الكرة تكون متقاطعة لأننا نستطيع أن ننشئ بين نقطتين أكثر من خط.
فمن الممكن إذًا الوصول إلى قضايا رياضية غير متناقضة انطلاقًا من فرضيات غير إقليديسية. هكذا تفقد فرضية اقليدس الخاصة بالمتوازيات صفة الضرورة، على اعتبار أن نقائضها مقبولة ومنتجة في الوقت ذاته. وفي هذا الموقف إنكار لرأي “كانط” القائل بأن المكان الاقليديسي هو الشكل الضروري والعام في الذهن الإنساني. وهكذا تفقد هندسة اقليدس صفة الإطلاق وتصبح مجرد حالة خاصة بالمكان المستوي المعدوم الإنحناء (Courbure nulle).
مع ذلك فإن تطور الرياضيات لا يدعونا إلى إنكار الحقائق الرياضية السابقة، بل إلى اعتبارها حالة ممكنة من مجموع أوسع. فالتطور هنا في مجال الهندسة كان نتيجة تحويل ثابتة المكان المستوي إلى متغيرة يمكن أن تأخذ أشكالاً أخرى حسب تصوّرنا لمفهوم الفضاء.
وهكذا لم يعد في الرياضيات مسلّمات يصح اعتبارها كحقيقة مطلقة. فقد ولّى زمن الإطلاقيات بعد ولادة الهندسات اللاإقليدية وأصبحت الحقيقة نسبية تابعة لنظام هندسي معيّن.
نخلص من ذلك إلى أن البديهيات التي اصطلح على تسميتها في الرياضيات أكسيوم لم تعد كما كانت من قبل إلزامات منطقية عامة ومقبولة في كل مجالات العلوم، بل صارت بدورها فرضيات صالحة فقط في مجال معين. فالقول مثلاً أن “الكل أكبر من الجزء” يعتمد على تعريف محدد للكمية. فهو قول صحيح في مجال الكمية المتناهية فقط، أما في مجال الكمية اللامتناهية، فإن السلسلة اللامتناهية للأعداد الطبيعية تشتمل أيضًا على سلسلة لا متناهية من الأعداد المزدوجة. فههنا إذًا سلسلتان لا متناهيتان ومتساويتان مع أن واحدة منهما هي قسم من الأخرى.
هكذا فقدت البديهيات أوالأكسيومات صفة الإطلاق وصارت بدورها مجرد فرضيات عملانية في مجال محدد، وصارت الرياضيات ذات طابع افتراضي استنباطي. فتكون أي قضية رياضية صحيحة فقط بالنسبة للفرضيات التي انطلقت منها، وتكون قضية مجموع زوايا المثلث مختلفة بين هندسات إقليدس ولولبتشفسكي وريمان. بالتالي فإن الفرضيات الرياضية هي أقاويل ننطلق منها لإقامة نظام رياضي متكامل.
السؤال:
اصحيح بان البديهيّات.. تشكل أفكارا عامّة أبديّة، أزليّة..؟
السؤال:
اصحيح بان البديهيّات.. تشكل أفكارا عامّة أبديّة، أزليّة..؟